السودان: قصة ثورة يعترض طريقها العسكر

من الاحتجاجات التي عرفها السودان خلال الشهور الماضية. الصورة لجيتي إيميجيز

السودان: قصة ثورة يعترض طريقها العسكر

الأربعاء 15 أيار 2019

سَقَطَ البشير أخيرًا، بعد أن ظلّ يحكم السودان بيدٍ من حديدٍ لمدة 29 عامًا، وكان يخطط أن يمدّها إلى آجال غير محدودةٍ. سقط بعد أن قاد خلال سنوات حكمه حُرُوبًا في ثلاث جبهات، ونال عُقُوبات دولية، ومذكِّرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، لكن في آخر الأمر سَقَطَ على أيدي شباب لا يحملون في أيديهم سوى الأعلام الوطنية والهتافات وشعار «سلمية، سلمية».

قصة سقوط البشير بدأت بتفجُّر الاحتجاجات بشكلها الكبير الأربعاء 19 ديسمبر/كانون الأول، بسبب انعدام الخبز في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، شمالي السودان، ليخرج المُواطنون في تظاهراتٍ غاضبةٍ أدّت لحرق مقر المؤتمر الوطني، وهو الحزب الحاكم، وعددٍ من المقار الحكومية، لتنتشر التظاهرات في مُدن السُّودان المُختلفة.

تنظيم الصُّفوف

في ظل ضعف الأحزاب السياسية في السودان، كان لا بد من إعادة تنظيم التّظاهرات العفوية وتوجيهها. في تلك الفترة دخل المشهد جسم ذو طابع مهني نقابي، أُطلق عليه تجمُّع المهنيين السودانيين، ويضم أطباء وصحفيين ومحامين وصيادلة والعديد من القطاعات المهنية. تم تشكيل هذا الجسم النقابي الموازي بسبب سيطرة النظام على النقابات. وبحسب ديباجة التأسيس يُعرّف التجمُّع نفسه بأنه «امتدادٌ لتاريخٍ طويلٍ للمهنيين السودانيين ومُحاولات لم تستمر بسبب تضييق السُّلطة وحرمان المهنيين من حَق التكوين النقابي».

اللحظة الفارقة في مسار تجمُّع المهنيين والعملية السِّياسيَّة بالسُّودان جاءت مطلع يناير/كانون الثاني، حيث أطلق « إعلان الحُرية والتّغيير»، وجاءت في مقدِّمته المُطالبة بالتنحِّي الفوري للبشير ونظامه من حكم البلاد دُون قيدٍ أو شرطٍ، إلى جانب تشكيل حكومة انتقالية قومية من كفاءات وطنيةٍ تكون مهامها وقف الحرب، حيث تشهد ثلاثة أقاليم سودانية حربًا أهلية منذ عُقُودٍ، رغم أنّه ومنذ ست سنوات يُوجد وقفٌ لإطلاق النار، إلا أنّ الأزمة لا تزال موجودةً، حيث يشكو المُواطنون في تلك المناطق من التهميش الاقتصادي والسياسي.

ومن المطالب التي جاءت في الإعلان، العمل على وقف التدهور الاقتصادي، بجانب إجراء ترتيبات أمنية نهاية مُكمّلة لاتّفاق سلامٍ شاملٍ، والإشراف على تدابير الفترة الانتقالية وعملية الانتقال من نظامٍ شمولي يتحكّم فيه حزبٌ واحدٌ إلى نظام تَعدُّدي يختار فيه الشعب مُمثليه.

فور نشر هذا الإعلان، أعلنت قُوى المُعارضة السُّودانية تبنيه والتوقيع عليه. تنقسم قوى المعارضة السودانية؛ فمن جهة هناك تكتل يُعرف بـ«نداء السودان»، وهو تجمُّع لعددٍ من الأحزاب المدنية والحركات المُسلّحة التي تُقاتل الحكومة السودانية في ثلاثة أقاليم (النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور) ويتزعّم هذا التّكتل رئيس حزب الأمة الصادق المهدي. ويُقابله من جهةٍ أُخرى تحالف «قوى الإجماع الوطني»، الذي يضم عددًا من الأحزاب المدنية يقودها الحزب الشيوعي.

تنظيم الحراك

نسبةً لصُعوبة التّواصل بين القُوى السِّياسيَّة على الأرض، بسبب القبضة الأمنية المشدّدة والاعتقالات المُستمرة للنّاشطين السِّياسيين، لجأ تجمُّع المهنيين لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، خاصّةً الفيسبوك في توجيه وتنظيم الحراك، حيث أنشأ صفحة على فيسبوك وبدأ في الحشد لأول مسيرة ذات مطالب لتحسين الأجور وتحسين الوضع الاقتصادي، حيث كانت أمام مقر الاتحاد العام لعُمّال السودان في 18 ديسمبر/كانون الأول 2018. وفي 25 ديسمبر/كانون الأول جاءت دعوة من المهنيين لمسيرة أمام البرلمان السوداني احتجاجًا على تدهور الوضع الاقتصادي، ولكن سُرعان مَا تَحوّلت وجهتها للقصر الجمهوري وسط الخرطوم، وحَملت مُذكّرة تُطالب الرئيس البشير بالتنحِّي فورًا، لكن بسبب الإجراءات الأمنية المُشدّدة، لم تستطع الوصول إلى القصر الرئاسي، وإنّما انتشرت وسط الخرطوم فيما يُعرف «بالسوق العربي». لتتوالى بعدها المظاهرات في مختلف مدن السودان.

في المُقابل، تصاعد الاستخدام الحكومي للعُنف في مواجهة هذا الحراك، وسقط قتلى، حيث قالت «هيومن رايتس ووتش» إن 51 شخصًا قُتلوا أثناء الاحتجاجات قبيل عزل الرئيس البشير.

إعلان الطوارئ

بعد شهرين من التّظاهرات، لجأ البشير للخيار الأصعب وهو إعلان حالة الطوارئ في مساء الجمعة 22 فبراير/ شباط 2019، بجانب حلّ الحكومة المركزية، وتعيين حُكّام عسكريين ولاة للولايات. وقال البشير وقتها إنّه سيتخلى عن رئاسة حزبه بحسب الخطاب الذي نقله التلفزيون الرسمي، وإنّه سيكون راعيًا لحوارٍ شاملٍ، وسيقف على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع، ولكن يبدو أنّ الشارع وقتها أصبح لا يَسمع ولا يَثق في الدعوات التي تَخرج من البشير، حيث استمر في التظاهر بشكل أقوى واكتسب تجمُّع المهنيين شعبيةً كبيرةً.

كما لجأ البشير إلى تعليق المُناقشة على تعديل الدستور التي بدأت في البرلمان، والتي تُتيح له التّرشُّح لفترةٍ رئاسيةٍ جديدةٍ، حيث كان دستور العام 2005 ينص على السماح للترشح لدورتين رئاسيتين فقط. وبدأ في اتّخاذ إجراءات تَصالُحيّة بإطلاق سراح المُعتقلين خلال الاحتجاجات، حيث أطلق الأمن السوداني في يوم 29 فبراير سراح أغلب المُعتقلين، لكنه أبقى على قيادات تجمُّع المهنيين وبعض القيادات السِّياسيَّة.

مليونية التَّنحِّي

خلال الفترة الماضية، اكتسب الشارع السوداني خبرةً كبيرةً في التّظاهرات خَاصّةً المناطق التي كانت تقود التّظاهرات في العاصمة الخرطوم مثل منطقة «بُرِّي» شرقي الخرطوم، وتمّ إرهاق الشرطة وجهاز الأمن بالتظاهرات الليلية في الأحياء، بجانب الالتزام بجداول التظاهرات.

التعبئة في الشارع كانت قد اكتملت وَلاحَ في الأُفق تاريخ 6 أبريل/نيسان، وهذا التاريخ مرتبط في ذاكرة السودانيين بذكرى ثورة 6 أبريل 1985 الشعبية التي أطاحت بالرئيس جعفر نميري وأنهت حكمًا شموليًا بعد انحياز الجيش وقتها بقيادة وزير الدفاع عبد الرحمن سوار الذهب للشعب. في ذكرى تلك الثورة كان تجمُّع المهنيين السودانيين يُراهن على أنّ التاريخ يُمكن أن يعيد نفسه، حيث ظلّ الجيش السوداني، رغم عملية التّغيير التي طالته، بعيدًا عن سيطرة البشير، وخاصة في صفوف صغار الضباط والجنود.

قبيل السادس من أبريل، كانت وسائل التواصل الاجتماعي تضج بالنقاشات حول «مليونية التنحِّي»، وكان هنالك تَخوُّفٌ من ألا تخرج أعداد كبيرة، وبالتالي تتعرّض الثورة لانتكاسة قاصمة.

حلّ اليوم المنشود، ومع انتصاف النهار في العاصمة الخرطوم، ورغم الانتشار الأمني الكثيف والاعتقالات، كان الآلاف في الشوارع، أغلبهم من الشباب، يرفعون العَلَم الوطني. وكان الخطة التي استعملت لمواجهة الانتشار الأمني تقوم على التجمُّع في نقاط صغيرةٍ وسط الخرطوم بالقرب من مقر القيادة العامة للقوات المُسلّحة لتَتَحَوّل الساحة أمام القيادة إلى مقرٍ للاعتصام.

الخُطة ب

ارتباكٌ كبيرٌ حَدَثَ لقيادة الحزب الحاكم واللجنة الأمنية التي تضم قادة الجيش والأمن، ويُشرف عليها الرئيس البشير، حيث لم يكونوا يتوقعون نجاح المظاهرة، ولا أن تصل الجماهير إلى مقر قيادة القوات المسلحة.

بدأ النظام بتنفيذ الخُطة ب لفض المعتصمين عبر قوّات تتبع لجهاز الأمن وأفراد يتبعون للحزب الحاكم، وفي نهاية يوم 6 أبريل بدأ هجوم على المُعتصمين بإطلاق الرصاص والغاز المُسيل للدموع، إلا أنّ الضباط والجُنود الذين يتبعون للقوات المسلحة والمُتواجدين أمام مقر القيادة تصدوا لهم وحدث اشتباكٌ أدى لانسحاب المُهاجمين. توالت خلال اليومين اللاحقين مُحاولة الهجوم، لكن صغار الضباط والجُنود ذاتهم تصدوا لهذه المحاولات، وخلّف هذا الأمر سقوط 21 قتيلًا و153 جريحًا بحسب بيان لجنة الأطباء المركزية.

بحلول 8 أبريل، كانت قوات الجيش المتواجدة أمام القيادة قد أعلنت انحيازها للثُّوّار، وظهر عدد من صغار ضابط معلنين مُخالفتهم لتعليمات قادتهم وأنهم سيشكلون حماية المُعتصمين.

في ذلك الوقت، كانت اللجنة الأمنية التي تضم رئيس جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان «حميدتي»، وهي قوات كانت في السابق مليشيات تُقاتل لجانب الحكومة في إقليم دارفور غربي السودان، وتحوّلت لقوات نظامية وتَعَاظَمت أهميتها ودخولها للمشهد بعد إرسال أعداد كبيرة منها للمشاركة في الحرب على اليمن. تضم اللجنة كذلك وزير الدفاع والنائب الأول للرئيس، والمقرّب من البشير، الفريق أوّل عوض بن عوف.

نجاح الثورة في السودان وتأسيس نظام ديمقراطي مدني، يعتمد بشكلٍ أساسي على استمرار الحالة الثورية في الشارع، وأن تظل الجماهير حَارِسَةً للتّحوُّل الديمقراطي

عقب سقوط البشير، صرّح «حميدتي» إن اللجنة الأمنية التقت بالبشير، وطلب الأخير أن يتم فض الاعتصام بالقوة حتى ولو سقطت أعداد كبيرة من المُواطنين، وأضاف بحسب فيديو مُنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أنهم بعد ذلك الاجتماع توصّلوا لقرارٍ بضرورة عزل الرئيس البشير.

انقلاب الأصدقاء

فجر يوم 11 أبريل، بدأت الإذاعة السودانية والتلفزيون الرسمي ببثّ مارشات عسكرية، وطلب من الشعب انتظار بيان من القُوّات المُسلّحة. بعد ذلك الإعلان عرف الجميع أن نظام البشير قد سقط، ولكن كان السؤال المُقلق من هو قائد هذا الانقلاب؟

منتصف ذلك اليوم ظهر الفريق أول عوض بن عوف، وتلا البيان رقم 1، والذي أعلن فيه: «اقتلاع ذلك النظام والتحفظ على رأسه»، إضافة إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد، وتشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى إدارة حكم البلاد لفترة انتقالية مُدّتها عامان.

تفاجأت الجماهير في ساحة الاعتصام بأن يكون على قيادة المجلس الانتقالي الفريق ابن عوف، وهو المقرّب من الرئيس المعزول، ويُعتبر جُزءًا من النظام القديم، ليتحوّل شعار المُتظاهرين ليسقط ابن عوف أيضًا، وفي اليَوم الثّاني وعَبر بيانٍ أعلن الرجل استقالته، بجانب نائبه الفريق كمال عبد المعروف ومدير جهاز الأمن والمُخابرات صلاح قوش، ليتولّى الفريق عبد الفتاح البرهان رئاسة المجلس العسكري الانتقالي.

مدنية أم عسكرية؟

بعد سقوط البشير، دخل تحالف النقابات والقوى السياسية في مُشاوراتٍ مع قادة المَجلس العَسكري لتشكيل حُكومةٍ انتقاليةٍ وملء الفراغ في الدولة، لكن العسكر كانت عندهم خُططٌ أخرى لإدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية التي حدّدوها بالعامين، ليبدأ بعدها الشد والجذب.

في 14 أبريل، كان أول اجتماع بين قادة المُعارضة والمجلس العسكري، حيث حصرت معارضة مطالبها في تسليم السلطة لحكومة مدنية انتقالية، ومُحاكمة المُتورِّطين في قتل المُتظاهرين، بجانب المفسدين، وجاء رَدّ المجلس بأنّ هذا ما سيتم تنفيذه.

منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، دخلت القوى المدنية والمجلس العسكري في جَدلٍ حول صلاحيات الحكومة المدنية، إلى جانب صلاحيات المجلس السيادي المُقترح، وكم نسبة المدنيين والعسكريين فيه، حيث يُطالب العسكر بأن تكون لهم أغلبية في الفترة الانتقالية.

رغم أنه لا يبدو وأن لرئيس المجلس العسكري البرهان أي طموح سياسي إلّا أن المجلس العسكري يبدو مصرًّا على أن يكون له دور كبير في المرحلة الانتقالية. تتفق هذه الرغبة مع رغبة مع الدول الإقليمية في أن يكون للجيش دور فاعل في الفترة المقبلة. على الجانب الآخر، يبدو أن قُوى المُعارضة لم تَستوعب بعد أنّ هنالك ثورة شعبية، وأنّ النظام قد سَقطَ، ولذا تظهر بمواقف مُشوّشة خَاصّةً في موقفها من توحيد جبهتها في المطالبة بحكومةٍ مدنيةٍ ذات سلطة تنفيذية كاملة.

فمثلًا، بدأ رئيس حزب الأمة الصادق المهدي، في مُغازلة الجيش، حيث قال في مُقابلة مع «فرانس برس»: «يجب أن لا نستفز المجلس العسكري بمُحاولة حرمانه من شرعيته، أو حرمانه من دوره الإيجابي في الثورة»، وهي إشارةٌ لإمكانية وجود مساحةٍ كبيرةٍ للجيش في الحكم خلال الفترة المُقبلة، وهذا الأمر يجد الرفض خَاصّةً من قِبل تجمّع المهنيين والحزب الشيوعي والمُؤتمر السوداني.

إذا استمرت هذه التباينات في المواقف بين هذه القوى قد نتوقّع انشقاقًا في الفترة المُقبلة بينهم، وسوف يكون المُستفيد الجيش وحده.

صراع المحاور الإقليمية

كان نظام البشير قُبيل سُقُوطه، يجد الدعم بشكلٍ مُباشرٍ من السعودية والإمارات ومصر، خاصةً بعد قطع علاقاته مع المحور الإيراني. وبعد سُقُوط النظام، وسيطرة الجيش، تبدو هذه الدول وكأنها تحاول إعادة رسم المشهد، خاصة وأن لرئيس المجلس العسكري الحالي علاقة جيِّدة مع السعودية، وكان يشرف على القوات السودانية المُشاركة في حرب اليمن، ونائبه الجنرال «حميدتي» الذي يقود قوات الدعم السريع، جُزءٌ كَبيرٌ من قواته يتواجد في اليمن ويجد الدعم مُباشرةً من السعودية.

هذه الدول الثلاث كانت أول من أرسل برقيات تأييد واعتراف بالتغيير الذي حَدَثَ، وباشرت السعودية تقديم مُساعدات ماليّة ومُشتقات بتروليّة. وبدأت مصر التحرّك أفريقيًّا، فعملت على عقد قمة أفريقية للضغط على مجلس السلم الأفريقي لإعطاء المجلس العسكري مهلة 60 يومًا لتسليم السُّلطة لحكومةٍ مدنيةٍ.

ويبدو أن هذه الدول الثلاث تسعى لتكرار ما يكن تسميته بالنموذج المصري، وهي أن تحكم البلاد من قبل جنرال قوي، يجد سندًا قويًا من الجيش، ويكون مُعاديًا للإخوان المسلمين. في السودان، ورغم أنه لا معلومات وافية حول الفريق عبد الفتاح البرهان إلّا أننا نعرف أن علاقته بالسعودية جيدة، ويتمتّع بقُبُولٍ جيِّدٍ داخل المُؤسّسة العسكرية، ولذا ربما يتم استغلال هذا الشيء لإرباك القوى السياسية، خاصة مع الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها الجيش الآن في الشارع، وبالتالي تتم إنتاج شمولية عسكرية من جديد، خاصةً وأنّ مفاصل الدولة لا تزال في أيدي رجال النظام القديم.

كتائب الظل

بداية هذا العام خرج النائب السابق للبشير علي عثمان محمد طه في لقاء تلفزيوني هدّد فيه المتظاهرين باستخدام ما أسماه «كتائب الظل»، وهي مجموعات مسلّحة عقائدية تتبع للنظام السابق، وقال وقتها إن هذه الكتائب مستعدة لحماية النظام «بالأرواح».

نهار أول أمس، الإثنين 13 مايو/أيّار وصلت المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير لاتفاق على نظام الحكم خلال الفترة الانتقالية، وهذا يعد انفراجًا كبيرًا في مسار المفاوضات المتعثرة منذ سقوط النظام. وفي ظل التفاؤل الذي حل على الجميع مساء ذلك اليوم، استهدفت قوة مسلحة يعتقد إنها من مليشيات «كتائب الظل» ساحة الاعتصام، ليسقط إثر ذلك خمسة قتلى بينهم ضابط في الجيش، إلى جانب عدد من الجرحى. المجلس العسكري اتهم في بيان له «مجموعات مسلحة غير سعيدة بالتقدم في الاتفاق النهائي بين المجلس وقوى إعلان الحرية والتغيير تعمل على العنف».

رغم تحميلها العسكر مسؤولية ما حدث، إلّا أن قوى المعارضة استمرّت في التفاوض مع المجلس العسكري، وهي الخطوة السياسية المهمّة. الاستمرار في التفاوض، وتوسيع حركة الاحتجاج في الشارع هي السبيل لقطع الطريق على محاولات عناصر النظام القديم لخلق حالة من الفوضى وتوليد مزيد من العنف.

اتفاق الأمل

طوال الفترة الماضية، تجري المفاوضات بين القوى السياسية المُعارضة والمجلس العسكري حول صلاحيات مجلس السيادة وعدد العسكريين فيه والمدنيين. الاتفاق على هياكل السلطة الانتقالية، ولجوء المعارضة لتحريك الشارع للضغط لتسريع الاتفاق، أدّيا للتوصل لاتفاق مساء يوم الثلاثاء 14 مايو/أيّار نص على فترة انتقالية من ثلاث سنوات إلى جانب تشكيل مجلس تشريعي بأغلبية لقوى إعلان الحرية والتغيير.

نجاح الثورة في السودان وتأسيس نظام ديمقراطي مدني، يعتمد بشكلٍ أساسي على استمرار الحالة الثورية في الشارع، وأن تظل الجماهير حَارِسَةً للتّحوُّل الديمقراطي، إلى جانب تماسُك التحالف بين القوى السياسية المُعارضة وتجمُّع المهنيين، على الأقل خلال هذه الفترة لتشكيل حكومة مدنية بصلاحيات واسعة وتمثيلٍ محدودٍ للجيش. دُون ذلك قد يدخل السودان في شمولية عسكرية ستجد دعمًا إقليميًا كبيرًا، ملحقة الهزيمة بربيع عربي آخر.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية