السياسة الخارجية للمعارضة التركية: نحو تركيا وسيطة غربية الهوى

الأربعاء 15 آذار 2023
قادة أحزاب الطاولة السداسية
قادة أحزاب الطاولة السداسية، أ ف ب

بدأ العد التنازلي لموعد الانتخابات التركية القادمة المتوقع عقدها في 14 أيار المقبل. ومع اقتراب هذا الاستحقاق الانتخابي تحضر سيناريوهات مختلفة، خاصةً أن كثيرين يعتبرونه استحقاقًا مصيريًا، ليس على صعيد سياسة تركيا الداخلية فقط، بل على صعيد سياستها الخارجية وموقعها في العالم أيضًا. واليوم تعتبر الطاولة السداسية (تحالف الأمة) أبرز تحالفات المعارضة التي تقدم نفسها كبديل وتطرح أطروحات مختلفة. بدايةً تضم الطاولة السداسية، التي تأسست في شباط الماضي، ستة أحزاب معارِضة توحدت على مبدأ رفض النظام الحالي الذي يعتبرونه «نظام الرجل الواحد» والسعي لتغييره.

وتجمع الطاولة السداسية في صفوفها حزبين كبيرين، هما على الترتيب حزبا الشعب الجمهوري والجيد، وأربعة أحزاب صغيرة هي السعادة، والديمقراطية والتقدم، والمستقبل، والديمقراطي، في بوتقة أيديولوجيات متنوعة هي الكمالية، والقومية، والإسلامية، والمحافظة، والليبرالية. وفي سياق السياسة الخارجية تشي هذه الهويات المختلفة بزوايا نظر متباينة تجاه موقع تركيا في العالم، ما يجعلها تحمل في داخلها تحديات كبيرة قد تهدد تماسك الطاولة، لا سيما في سيناريو وصولها إلى السلطة فعلًا.

لكن رغم ذلك يمكن القول إن هناك إطارًا عامًا لتصور الطاولة السداسية حول السياسة الخارجية، وجهود ملحوظة من أحزابها للتوافق على نقاط مشتركة فيها. إذ أعلنت في 30 كانون الثاني الماضي عن نص اتفاقية السياسات المشتركة الذي أعدته وتوافقت عليه الأحزاب الستة كبرنامج انتخابي تسعى لتطبيقه في حال فوزها وطرحت ضمنه الخطوط العريضة لسياستها الخارجية التوافقية.

غرب أكثر، شرق أقل

كانت أحزاب الطاولة أبرز منتقدي سياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم الخارجية في شتى الملفات طوال السنوات الأخيرة، وعليه فمن الضروري التطرق لهذه الانتقادات التي تشكل الأرضية الصلبة لأطروحة تصحيح المسار التي تتبناها الطاولة السداسية في ملف السياسة الخارجية. فمثلًا تتهم الطاولة العدالة والتنمية ببناء السياسة الخارجية الحالية على أساس حسابات السياسة الداخلية والمقاربات الأيديولوجية الضيقة، بل تعتبر أنها تقوم على آلية يتحكم فيها شخص واحد دون أي بعد مؤسساتي استراتيجي يراعي مصالح البلاد العليا على المدى البعيد.

تشير أحزاب الطاولة في هذا السياق بشكل خاص إلى تحولات السياسة الخارجية في العلاقات مع الشرق الأوسط منذ بداية الربيع العربي، على اعتبار أن هذه السياسات كلفت ولا تزال تكلف تركيا الكثير. بل وتستخدم هذه القضية بالذات لتأجيج الغضب على العدالة والتنمية، ليس فقط من خلال الإشارة إلى آثارها على البلاد لا سيما اقتصاديًا، ولكن أيضًا من خلال التركيز على فكرة أنها جرّت البلاد إلى الانخراط في أزمات ليس لها أي مصلحة فيها. تركز الطاولة أيضًا بشكل كبير على الأزمة التركية المستمرة مع الغرب وميل السياسات الحالية أكثر نحو الشرق على إثرها. فلا يفوت بعض قادتها أي فرصة لاتهام العدالة والتنمية بالابتعاد عن معايير وقيم الديمقراطية والسعي لتحويل البلاد إلى نظام شرقي يحكمه رجل واحد.

تسعى الطاولة السداسية إلى إعادة موضعة تركيا في العالم وتصحيح مسارها وفق تصورها الخاص. لكن هذه المهمة لا تبدو سهلة أبدًا، خاصة وأنها تواجه تحديات كبيرة على مستويات مختلفة.

وعليه، واستنادًا إلى اتفاقية السياسات المشتركة، تسعى الطاولة إلى إعادة إحياء شعار «السلام في الوطن، السلام في العالم» الذي قدمه ووظفه مصطفى كمال أتاتورك في بداية العهد الجمهوري كمبدأ للفترة التأسيسية حينها. ترى الطاولة -لا سيما الكماليون من مؤيديها- أن أحد مبادئ الجمهورية هو النأي بالنفس عن أزمات المحيط وعدم التدخل فيها، لكن وفي الوقت نفسه، ونظرًا لطبيعة دور تركيا الإقليمي والدولي اليوم فلا يمكن لتركيا، أيًا كانت قيادتها، الانسحاب فورًا من صراعات المنطقة نظرًا لتداخل مصالحها الوطنية معها بشكل كبير.

يبدو أن الطاولة السداسية تدرك ذلك جيدًا، خاصةً أنها أعادت تأويل هذا المبدأ نحو مركزته حول لعب دور الوساطة، ما يجعل أي انكفاء متوقعًا في السياسة الخارجية التركية انكفاءً جزئيًا بالضرورة. ومن المُلاحظ أن الطاولة تحاول إبراز دعاية عزمها رسم سياسة خارجية تحمل بعدًا مؤسساتيًا استراتيجيًا بعيد المدى، عبر تفعيل دور وزارة الخارجية ومؤسساتها من جديد كأهم الفاعلين في هذه الساحة. لكن من الجدير بالذكر هنا أن هذا «الحياد»، وتوظيف شعار أتاتورك، بطبيعته موجه بالأساس نحو الشرق وأزماته.

أما بخصوص العلاقات مع الغرب فيبدو خطاب الطاولة واضحًا في انتقاد الجفاء الحالي بين الطرفين، وتأكيدها على السعي للانسجام والتكامل معه على كافة الأصعدة ثانيةً وإعادة موضعة البلاد في فلكه، خاصةً أنها تقدم تركيا كجزء من الغرب حضاريًا وسياسيًا واقتصاديًا، وتشدد على نيتها إعادة أنقرة إلى مسارها الصحيح من جديد. يمكن قراءة هذه المقاربة غربية الهوى عبر زاويتين أساسيتين، أولهما البعد النوستالجي المرتبط بسياسات الأوربة والتغريب التي تبنتها الجمهورية منذ تأسيسها. إذ لا تزال هناك شريحة اجتماعية ملحوظة ترى أن التحول إلى الغرب هو أكبر أهداف الجمهورية التي يجب الاستمرار بالسعي لها. أما الركيزة الثانية فهي مرتبطة بشكل مباشر بالانتخابات المقبلة من خلال العمل على تقديم دعاية انتخابية تضع الجمهور التركي أمام ثنائية صفرية مبنية على فكرة أن تركيا في هذه الانتخابات أمام خيارين؛ إما أن تصبح دولة شرقية على طراز دول منظمة شنغهاي للتعاون، وإما أن تعود من جديد إلى السعي نحو معايير الاتحاد الأوروبي. ففي سياق مساعي تقرب الرئيس، رجب طيب أردوغان، من منظمة شنغهاي خلال العام الماضي، ركزت أحزاب الطاولة السداسية على هذه الدعاية في محاولة لجذب شرائح اجتماعية مختلفة أهمها الليبراليون والشباب.

الطاولة السداسية والعالم

قبل التطرق إلى نماذج بعينها من السياسة الخارجية المتوقعة للطاولة السداسية، من المهم الإشارة إلى وجود مجموعة من الثوابت التي ليس من المحتمل أن تتغير. إذ يُلاحظ أن الجمهور التركي بغالبيته يتعامل مع بعض القضايا كقضايا فوق سياسية لا يمكن التنازل فيها، كما هو الحال في قضايا مثل قبرص التركية، والصراع مع اليونان، وقبرص «الرومية» (بالتعبير التركي)، والوطن الأزرق/ شرق المتوسط،[1] ودعم أذربيجان، ومحاربة التنظيمات الكردية المسلحة التي تصنفها أنقرة كإرهابية. فرغم أن الطاولة السداسية تقدم نبرة أكثر ميلًا للحل في بعض هذه القضايا (الصراع مع اليونان نموذجًا) إلا أن ثقل هذه القضايا ورمزيتها التاريخية، وموقعها الحرج في التوازنات الداخلية على المستويين الحزبي والشعبي، لن تسمح للطاولة بتجاوز خطاب خفض التصعيد نحو تبني تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية التركية الحالية تجاهها.

بالنسبة للعلاقة مع أوروبا، تقدم الطاولة السداسية هدف السعي للحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي كأبرز أهداف تصورها للسياسة الخارجية، معربة عن نيتها الدخول في «تحالف دائم مع الاتحاد الأوروبي»، وواعدةً بتجديد الحوار وبذل كل ما تستطيعه لإعادة تركيا إلى هذا المسار. وتركز اتفاقية سياساتها المشتركة بشكل لافت على السعي للمواءمة مع معايير الاتحاد الأوروبي ومكتسباته في شتى الملفات الاقتصادية والتعليمية والصحية. إضافة إلى ذلك، صرح زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كلتشدار أوغلو، أن الطاولة السداسية عند وصولها للسلطة لن تنتظر الاتحاد الأوروبي لفتح فصول مفاوضات الانضمام، بل ستقوم بكافة الإصلاحات اللازمة بنفسها بشكل مباشر. وفي الوقت نفسه أفاد بإدراكه وجود مشاكل كبيرة مع الاتحاد الأوروبي الآن، لكنه اعتبر أنها «ليست من النوع الذي لا يمكن تجاوزه» مشددًا أنه وفي حال ترسيخهم الإصلاحات الديمقراطية بأنفسهم فإن جزءًا كبيرًا من هذه المشاكل سينتهي.

وفي الوقت نفسه، ركزت الطاولة السداسية على السعي لتحديث الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى قضية اللاجئين. ففي هذا السياق تريد الطاولة إعادة النظر في كافة اتفاقيات إعادة اللاجئين التي وقعت بين الطرفين على أساس «المسؤولية المشتركة وتقاسم التكلفة».

وعليه يمكن القول بسهولة إن سياسة الطاولة السداسية تجاه الاتحاد الأوروبي ستختلف بشكل كبير عن السياسة الحالية نحو تبني مقاربة أكثر تعاونية وأقل صدامية ما قد يفتح الباب لتحولات، ولو بطيئة، في العلاقات بين الطرفين على المدى القريب والمتوسط.

بالنسبة للعلاقة مع أوروبا، تقدم الطاولة السداسية هدف السعي للحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي كأبرز أهداف تصورها للسياسة الخارجية، معربة عن نيتها الدخول في «تحالف دائم مع الاتحاد الأوروبي».

من جهة أخرى، تُعتبر علاقات تركيا مع الولايات المتحدة أحد أبرز علاقاتها كثيرة التأزم في السنوات الأخيرة. وأمام هذا المشهد تؤكد الطاولة السداسية على نيتها تطوير هذه العلاقات على أساس مؤسساتي وفق مبدأ علاقات التحالف القائم على الثقة المتبادلة بين متكافئين. إذ شددت الطاولة على نيتها السعي لإعادة تركيا إلى مشروع الطائرات المقاتلة من نوع إف-35، إضافة إلى تأكيدها على الأهمية الاستراتيجية لحلف شمال الأطلسي «الناتو» في الأمن القومي التركي، كما شددت على عزمها الاستمرار في نشاطاتها في الحلف بما يراعي المصالح الوطنية. يمكن قراءة هذه الوعود الانتخابية بأنها خطوات نحو خفض التصعيد على الجبهة الأمريكية، وتعهد صريح بتحسين هذه العلاقات من جديد. من المتوقع أن تواجه الطاولة العديد من التحديات الصعبة في هذا الملف، لا سيما في ظل الرفض الشعبي الملحوظ للدعم الأمريكي للتنظيمات الكردية المسلحة في سوريا، لكن الأكيد أنها ستتبنى سياسات مختلفة عن السياسات الحالية حرصًا على ترميم العلاقات وربما تطويرها.

أما العلاقات مع روسيا، فستكون أحد أهم التحديات التي ستواجه الطاولة السداسية في الخارج. فقد شهدت هذه العلاقات تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة على أساس «دبلوماسية القادة» التي تعتمد على العلاقات المباشرة وربما الشخصية بين الرئيس أردوغان ونظيره، فلاديمير بوتين. وهناك قناعة ملحوظة لدى قواعد وكوادر الطاولة السداسية ترى أن بوتين يتصرف كحليف انتخابي لأردوغان ويحاول دعمه للفوز في الانتخابات المقبلة بسبب الظروف الدولية الحالية. أما في سياساتها المشتركة فأكدت الطاولة رغبتها في تعزيز العلاقات مع روسيا من خلال الحوار البناء والمتوازن على أساس مؤسساتي بين متكافئين. لم تتطرق الطاولة السداسية بشكل خاص إلى الحرب الروسية الأوكرانية، لكن كلتشدار أوغلو صرح سابقًا عن اعتقاده بضرورة أن تقف تركيا إلى جانب أوكرانيا في هذا الحرب، مؤكدًا رفضه احتلال دولة نووية لأراضي دولة أخرى. وفي الوقت نفسه ومع تأكيده على أهمية العلاقات الاقتصادية مع روسيا وضرورة الحفاظ عليها، لفت أيضًا إلى أن زيادة تبعية البلاد للجانب الروسي، لا سيما في مجال الطاقة، سيؤدي إلى مشاكل جدية بالنسبة تركيا.

لكن، وبالنظر إلى المعطيات الحالية، يمكن القول إن علاقات الطاولة السداسية مع روسيا سترتكز على بعدين، أولهما اقتصادي إذ لن تتخلى الطاولة عن العلاقات الاقتصادية المهمة مع روسيا، لا سيما في هذه المرحلة الحرجة. وفي السياق نفسه فمن غير المتوقع أن يتغير الموقف التركي من الحرب في أوكرانيا بشكل جوهري أيضًا لا سيما فيما يتعلق بالانخراط في العقوبات الغربية ضد روسيا، خاصةً أن أي انزياح عن الحياد الحالي قد يرتد سلبًا على اقتصاد البلاد، الأمر الذي تسعى الطاولة لتجنبه. أما البعد الثاني، فسياسي، إذ إن سعي الطاولة السداسية الواضح لترميم العلاقات مع الغرب سيؤدي بالضرورة إلى تراجع جزئي في العلاقات السياسية مع روسيا، خاصة وأنها قد لا تحتاج إلى توظيف هذه العلاقات للمناورة مع الغرب أكثر. لكن، وفي الوقت نفسه، لا تستطيع الطاولة التخلي عن هذه العلاقات بشكل كامل، نظرًا لتشابك المصالح والتهديدات في عدة ملفات أبرزها سوريا، وجنوب القوقاز، وليبيا.

أخيرًا، فيما يخص الشرق الأوسط، تؤكد الطاولة السداسية في سياساتها المشتركة على نيتها بناء مقاربة جديدة تجاه المنطقة، تقوم على مبدأ احترام استقلال وسيادة ووحدة أراضي دولها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والتحول إلى طرف يسهل الحلول بدل أن يكون جزءًا من المشاكل. تطرقت الطاولة في هذا السياق إلى القضيتين الفلسطينية والسورية بشكل خاص. ففلسطينيًا تشير إلى دعمها حل الدولتين في إطار قرارات الأمم المتحدة وتعلن أنها ستتواصل مع كافة الأطراف لتحقيق الحل الدائم، لافتةً إلى أنها ستحول تركيا إلى «وسيط موثوق» في هذا الملف. من الجدير بالذكر هنا أنه رغم صعوبة الجزم بشكل علاقات الطاولة السداسية المحتمل مع الأطراف الفلسطينية، فيبدو أنها قد تفضل التركيز على التواصل مع السلطة الفلسطينية أكثر من التواصل مع حركة حماس، لا سيما في ظل تصورها غربي الهوى للسياسة الخارجية. وفي الوقت نفسه، لا يمكن القول إنها ستذهب إلى قطيعة كاملة مع الحركة، خاصة للحفاظ على توافقها الداخلي الذي قد يدعم فيه حزب السعادة -وربما حزب المستقبل- الحركة، لكن الأكيد أنها قد تضغط عليها لتخفيف حضورها في تركيا.

رغم أن الأحزاب الستة تمكنت من تقديم تصور عام توافقي، إلا أنه لا يزال توافقًا نظريًا لم يوضع قيد الاختبار بعد. وبذلك يمكن بسهولة القول إن ملف السياسة الخارجية سيكون حقل ألغام يهدد الطاولة السداسية داخليًا وخارجيًا.

أما القضية السورية، فتتعامل الطاولة معها من منظور السياسة الداخلية أولًا، لا سيما في ملف اللاجئين. إذ تشدد على نيتها إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم «بشكل آمن في أقرب وقت ممكن وبما يتناسب مع القوانين المحلية والدولية». وفي هذا السياق أعلنت أنها ستسعى لتحقيق هذا الهدف بالتعاون الوثيق مع النظام السوري والمؤسسات الدولية المختلفة، مع إشارة واضحة إلى نيتها العمل على تحقيق السلام في سوريا في إطار تواصل وحوار مكثف مع جميع الأطراف «ما عدا التنظيمات الإرهابية». أوضحت الطاولة أن مقاربتها للقضية السورية مبنية على السعي لتطبيق القرارات الأممية، خاصةً القرار رقم 2254، مع إشارة متكررة إلى أهمية الدبلوماسية المباشرة، ووعد بشمل رجال الأعمال الأتراك في عملية إعادة إعمار سوريا ودعم استثماراتهم هناك.

وبشكل عام تدعم الطاولة الحفاظ على علاقات جيدة مع دول الشرق الأوسط، خاصة على الصعيد الاقتصادي «دون التدخل في شؤونها الداخلية أو الانحياز إلى أحد أطراف صراعاتها»، على حد تعبير كلتشدار أوغلو. يرى الأخير أن موقع تركيا في هذه المنطقة هو السعي للوساطة لحل الأزمات، خاصة وأنه لطالما انتقد السياسة الخارجية الحالية بسبب انجرارها إلى مستنقع الشرق الأوسط على حد تعبيره. وعليه يمكن القول إن سياسة الطاولة السداسية تجاه المنطقة سترتكز على محورين، أولهما لا يختلف مع السياسة الحالية وهو الاستمرار في جهود التطبيع وتوسيعها أكثر. أما ثانيهما فهو التركيز على إعادة بناء دور الوسيط المحايد الذي يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف في هذه المنطقة دون أي تورط مباشر في صراعاتها.

تسعى الطاولة السداسية إلى إعادة موضعة تركيا في العالم وتصحيح مسارها وفق تصورها الخاص. لكن هذه المهمة لا تبدو سهلة أبدًا، خاصة وأنها تواجه تحديات كبيرة على مستويات مختلفة. فعلى الصعيد الخارجي، وإضافة إلى بطء التطورات المتوقع، قد لا يمكن إحداث اختراق جوهري في بعض القضايا، بل قد تؤدي بعض الخطوات إلى نتائج عكسية سياسيًا واقتصاديًا نظرًا لتشابك القضايا بشكل معقد. كما يمثل هذا الملف تحديًا على مستوى التوازن داخل الطاولة، فرغم أن الأحزاب الستة تمكنت من تقديم تصور عام توافقي، إلا أنه لا يزال توافقًا نظريًا لم يوضع قيد الاختبار بعد. وبذلك يمكن بسهولة القول إن ملف السياسة الخارجية سيكون حقل ألغام يهدد الطاولة السداسية داخليًا وخارجيًا.

  • الهوامش
    [1] تتبنى الحكومة التركية رسميًا تسمية «الوطن الأزرق» على أطروحتها لحدودها البحرية في مناطق البحر الأسود، وإيجه، وشرق المتوسط. تعتبر منطقة شرق المتوسط، التي برزت في الفترة الأخيرة بسبب ثرواتها الطبيعية، منطقة الارتكاز الرئيسة لهذه الأطروحة خاصةً وأن تركيا توظفها بشكل فاعل في سياق مواجهة الأطروحة اليونانية التي تعتبر بأنها تنتقص من حدودها وتسعى لحبسها في جيب بحري ضيق. حظيت هذه الأطروحة بتبنٍ كبير على المستويين الشعبي والرسمي في السنوات الأخيرة، بل وأصبحت جزءًا رئيسًا من مقاربة العدالة والتنمية في سياساته الداخلية وكذلك في تصور تركيا لعلاقاتها مع دول مختلفة من بينها ليبيا ومصر وحتى اليونان وقبرص.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية