الصين وجيرانها: آسيا في عالم متعدد الأقطاب

الأحد 05 شباط 2023
آسيان
المصدر: Getty Images.

هذا النص هو ترجمة بتصرف لحوار أجري مع وزير خارجية سنغافورة السابق، جورج يو، في 11 كانون الثاني 2023، خلال جلسة بعنوان «الفرص والتحديات أمام الآسيان والصين في العقد المقبل»، ضمن منتدى الأسواق العالمية الاقتصادي في سنغافورة. انطلاقًا من تطور العلاقة الاقتصادية بين الصين وجنوب شرق آسيا، وخاصة دول الآسيان العشر، يتحدث يو عن تحولات الاقتصاد العالمي التي تقع الصين في قلبها، وانعكاسات ذلك على إمكانية نشوء نظام عالمي متعدد الأقطاب، والفرص والتحديات التي يخلقها ذلك للآسيان وغيرها من الدول.

نود أن نركز نقاشنا على الاقتصاد وما يمكن توقعه بالنسبة للصين والآسيان. لكن بداية اسمح لي، سيد يو، أن أسألك حول رفع قيود كوفيد في الصين، الذي قوبل بكثير من الابتهاج والتخوف في الوقت نفسه. كيف تفهم هذه الخطوة، وكيف ترى استراتيجية الصين للتعامل مع الأمر؟ 

كان هذا أمرًا مخططًا له منذ أشهر. كنت أعلم أن الصين سترفع القيود بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني. البند الأول على أجندة أول اجتماع للجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب بداية تشرين الثاني الماضي كان تخفيف قيود كوفيد، وأُعلن عن 20 إجراءً بهذا الصدد. قد تكون المظاهرات [المطالِبة برفع القيود] قد ساهمت في ذلك، لكنها لم تكن السبب. لقد كانوا يخططون لذلك، ويعلمون أن الفيروس يضْعُف، وأن بإمكانهم السيطرة عليه حتى لا يتحول الحريق إلى انفجار. في النهاية، كان الانتشار أعنف مما توقعوا، لذا كنت أتساءل ما إذا كانوا سيعيدون فرض القيود خلال رأس السنة الصينية، التي تحدث خلالها أكبر هجرة على سطح الكوكب [حين يسافر الصينيون للريف لقضاء العطلة]. لكنهم لم يفعلوا، لذا أدركت حينها أنهم لم يكونوا خائفين.

بالطبع، في عدة أماكن، كان هناك نقص أحيانًا في بعض المسكنات أو غيرها، لكن خلال أسبوع أو اثنين، تمت معالجة هذه المسائل. لذا أعتقد أنهم سيعبرون كوفيد بسلام. ستكون هناك موجتان أو ثلاث أخريات، لأن هذه طبيعة الأوبئة، لكن بسبب تراجع حدة الفيروس، أعتقد أننا حين ننظر للوراء بعد سنة من الآن، سيكون كوفيد جزءًا من الماضي. 

سبق وأن أشرت إلى أن نزع العولمة هو الاتجاه السائد الآن في العالم، وأن التبادل التجاري يجري تسييسه. وكما نعلم، فالمعجزة الاقتصادية الصينية تستند إلى العولمة. لذا، مع إعادة فتح الصين الآن بعد كوفيد، هل تعتقد أن هذا سيعدّل الكفة بالنسبة لتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي؟

حين ننظر للوراء مستقبلًا، سنجد أن الفترة التي اعتمدت فيها الصين على العولمة في سبيل تطويرها الاقتصادي كانت فترة قصيرة نسبيًا في التاريخ الصيني. لطالما كانت الصين عالمًا مكتفيًا بذاته، ولطالما كان التداول الداخلي أهم بكثير من التداول الخارجي. كانت هناك فترة احتاجت فيها الصين للتعلم من العالم، وشكلت فيها الصادرات والواردات جزءًا كبيرًا من ناتجها المحلي الإجمالي، لكن هذه النسبة تتضاءل. وفي السنوات المقبلة، سيكون نمو السوق والاستهلاك الداخليين هو الأمر الأشد إثارة للاهتمام. 

أكثر فأكثر، يتحول المجتمع الصيني إلى مجتمع طبقة وسطى، بكل ما يعنيه ذلك من احتياجات، لذا سيصبح الطلب على السلع والخدمات المرتبطة بالطبقة الوسطى أشد أهمية. قبل أيام، قرأت مقالًا يقول إن الصين ستفوق الولايات المتحدة في حجم الأراضي المخصصة للمتنزهات العامة. يمكننا أن نتخيل كمّ الأنشطة الخارجية التي ستنمو في الصين، من تزلج وتسلق وأكواخ ريفية، والمعدات والطرق التي ستتطلبها. كما أن لديهم احتياجات ضخمة في مجال الرعاية الصحية، والتعليم، والحد من التلوث، والسياحة، والغذاء، والمشروبات. ستصبح الصين قريبًا أحد أكبر منتجي النبيذ، رغم أنني أعتقد أن البايجيو سيحتفظ بمكانته [يبتسم]. لذلك، كما كان الاقتصاد المحلي الأمريكي أحد أهم محركات نمو الاقتصاد العالمي لعقود، سيصبح الاقتصاد المحلي الصيني محركًا أساسيًا لنمو الاقتصاد العالمي في العقود الآتية.

يبدو إذن أننا سنلمس المزيد من المزايا من تحوّل الاقتصاد الصيني من اقتصاد مبنيّ على التصنيع إلى اقتصاد مبني على الخدمات والإنفاق. على صعيد آخر، أحد الأسئلة المتكررة يتعلق بالعملة. الكثيرون توقعوا أن اليوان بات في طريقه ليصبح عملة احتياطية عالمية، ويتفوق على الدولار بوصفه العملة المعتمدة في التجارة، لكن هذه الفكرة باتت الآن محل شك. في ظل غزو روسيا لأوكرانيا والعقوبات التي فرضت على روسيا جراء ذلك، واستخدام الولايات المتحدة للدولار كسلاح، كيف ترى اليوان في هذا الواقع الجديد؟

أولًا، دعني أعلّق سريعًا على ما قلته بخصوص تخلي الصين عن التصنيع. لا أعتقد أن هذا سيحدث. الصين ستبقى أهم مركز للتصنيع في العالم كله، وبشكل متزايد سيضم هذا المركز الصين وجنوب شرق آسيا. تُمثّل الصين خمس أو سدس سكان العالم، لكنها تنتج ثلث روبوتات العالم. السنة الماضية، كانت الصين مسؤولة عن نصف النمو العالمي في عدد الروبوتات. بالتالي، هناك أنواع محددة من التصنيع تخرج من الصين، لكن الكثير منها سيبقى، لأن ما من أحد قادر على نسخ النظام والبنية التحتية الصينية للتصنيع على نطاق واسع. 

بالنسبة لليوان، الأمر الأساسي هنا هو أنني لا أعتقد أن الصين ستفتح أسواق رأس المال بالكامل أبدًا، لأن هذا سيجعلها عرضة للتلاعب. بعد نهاية حرب الأفيون الثانية، قرابة عام 1861، كانت كل سفينة ترسو على الشواطئ الصينية تُفحص على يد رجال بيض. كانوا يجمعون الجمارك، ويقررون ما الذي سيحتفظون به ويعطون الباقي لسلالة تشينغ الحاكمة. في ذلك الوقت، فقدت الصين السيطرة على نظامها المالي، وهم لا يريدون أن يفقدوا السيطرة مجددًا. لذا، لا أظن أن الأسواق المالية في الصين ستصبح يومًا حرة بالكامل. ستحاط دومًا بسور مالي عظيم، فيه عدة بوابات تقف الشرطة على مداخلها. أحيانًا ستفتح البوابات على مصراعيها، ويمكنك أن تدخل وتخرج بسهولة، أحيانًا ستوضع بعض القيود، وأحيانًا ستغلق بالكامل. وإذا حاولت أن تمارس الألاعيب، ستعلم أنهم سيلاحقونك.

إن الفترة التي اعتمدت فيها الصين على العولمة في سبيل تطويرها الاقتصادي كانت فترة قصيرة نسبيًا في التاريخ الصيني. لطالما كانت الصين عالمًا مكتفيًا بذاته، ولطالما كان التداول الداخلي أهم بكثير من التداول الخارجي.

نتيجة لذلك، توجد كتلتان من اليوان، إحداهما داخل الصين، وهي كتلة ضخمة، والأخرى خارج الصين وهي صغيرة نسبيًا. وهذه الكتلة يمكن تسوية المعاملات بها في هونغ كونغ أو سنغافورة أو لندن، ويمكن التلاعب بها، أو استخدامها كعملة احتياطية إضافية لعدد من الدول. لا أعتقد أن الصين تريد استبدال الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية لأن ذلك يعرضها لعوامل خارجية كثيرة، لكن اليوان سيكون عملة مهمة. 

لقد استخدمت الولايات المتحدة النظام المالي العالمي كسلاح ومارست عبره سياسة اليد الطولى، حتى معنا في سنغافورة، مما خلق استياءً شديدًا في الكثير من الدول. ومع الحرب في أوكرانيا، أصبحت ولادة نظام بديل أسرع بكثير مما توقعنا في السابق، لأن روسيا أُغرقت بالعقوبات، مما خلق فرصًا كثيرة للدول التي تعمل خارج النظام المالي العالمي الذي تتحكم به الولايات المتحدة. ومع انسحاب الناتو من أفغانستان، أصبحت آسيا الداخلية برمتها عالمًا متكاملًا خارج سيطرة الولايات المتحدة.

المنعطف الأكثر درامية كان زيارة شي جينبينغ للسعودية. قدم الملك سلمان ومحمد بن سلمان ترحيبًا غير مسبوق في الشرق الأوسط برمته. أولًا، كان هناك اجتماع ثنائي، ثم اجتماع مع دول مجلس التعاون الخليجي، ثم اجتماع مع قادة من العالم العربي، ليس فقط قادة الدول العربية، بل قادة منظمات عربية كذلك. صحيح أن ذلك كان جزئيًا رسالة للولايات المتحدة، لكنه أيضًا نتيجة تقدير بأنه خلال عشرة أو عشرين أو ثلاثين سنة، ستصبح الصين لاعبًا أهم بكثير في الشرق الأوسط. الصين لا تتدخل في السياسة في الشرق الأوسط، فهي تحافظ على علاقات جيدة مع الكل، لكن الجميع يعرف أن الصين ستصبح مؤثرًا متعاظمًا في حياتهم، وهذا سيكون له تداعيات عميقة.

في شباط 1945، حين كانت الحرب العالمية الثانية توشك على الانتهاء، ذهب روزفلت، قبل أشهر على وفاته، على متن يخت إلى شبه جزيرة القرم للقاء ستالين والاتفاق على رسم الحدود بعد نهاية الحرب. وفي طريق عودته، توقف في قناة السويس وأمضى بضعة أيام مع الملك عبد العزيز، جد محمد بن سلمان. توصل روزفلت والملك عبد العزيز إلى اتفاق بسيط: مقابل الحماية الأمريكية للمملكة، التي تمددت لاحقًا لتشمل كل دول مجلس التعاون الخليجي، سيُسعّر النفط بالدولار الأمريكي. كانت زيارة شي جينبينغ تلك مؤشرًا على انعطافة تبعدنا عن الاتفاق الذي حافظ على تماسك العالم تحت الحكم الأمريكي لعقود عديدة. لذا، سنرى تراجعًا للدولار الأمريكي. لا أظن أن الصين تريد أن تتولى كل هذه المسؤولية والمتاعب التي ترافقها، ولا أعتقد أن هذا الامتياز الباهظ يستحق العناء بالنسبة للصين. لكن الانتقال إلى نظام مالي متعدد الأقطاب سيكون مضطربًا وسيشهد أزمات من وقت لآخر، وهذا أمر يجب أن نتنبّه له في المستقبل. 

ذكرتَ أن العالم يتجه نحو تعدد الأقطاب، وأن هناك أدوارًا جديدة ستلعبها الولايات المتحدة والصين. ما الذي يمكن أن نتوقعه في المستقبل؟ هل تعتقد أننا سنشهد المزيد من الصراع أم أن هناك ضوءًا في آخر النفق؟

خلال الحرب العالمية الثانية، خرجت الولايات المتحدة سليمة. حين انتهت الحرب، كان الاقتصاد الأمريكي يمثل 40% من الاقتصاد العالمي. ثم جاءت الحرب الباردة، لكن الاقتصاد السوفييتي كان أصغر ومنغلقًا على نفسه. لذا، فالعالم الذي نشأنا فيه كان عالم «السلام الأمريكي». كانت هناك مؤسسات بريتون وودز، والدولار الأمريكي، ومعايير التجارة والتسوية المالية، وتعوّدنا على كل ذلك. لذا، ظننا أن العولمة هي المنتهى. وحين انهار الاتحاد السوفييتي، انضمت الصين إلى هذا العالم. كانت هناك فترة صعود لليابان، لكن الولايات المتحدة ضمنت ألا يهددها ذلك. تذكرون اتفاقية بلازا [بين اليابان والولايات المتحدة] عام 1985، حين رُفعت قيمة الين الياباني مقابل الدولار من 120 إلى 80 بين ليلة وضحاها، وهو ما دمّر الصناعة اليابانية. لم تستطع اليابان فعل أي شيء لأن هناك 55 ألف جندي أمريكي في اليابان، ولأنها تعتمد على الولايات المتحدة من أجل الحماية بمظلتها النووية. لكن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تفعل الشيء نفسه للصين.

العالم لا يبقى ساكنًا. حصة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي تتقلص منذ سنوات، وهي تواجه مشاكل داخلية. وقد سرّعت حرب أوكرانيا المستقبل الذي ظن الأمريكيون أن بوسعهم تجنبه. لا أعتقد أن روسيا ستُهزم بسهولة، وهي مصممة على أن تكون قطبًا بذاتها، وهي قوة نووية. كما أن الصين لا تريد لروسيا أن تهزم، لذا فهي تدعمها، ليس كثيرًا، ربما بنسبة 60 أو 55 بالمئة. والهند تلعب على نسبة 50/50. لذا، فإننا نرى الصين، والهند، والشرق الأوسط، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية يشعرون بشكل متزايد بأنهم هم أيضًا يستطيعون إيجاد طريقهم نحو المستقبل، دون أن يقال لهم إن الطريق الوحيدة نحو المستقبل هي الطريق الأمريكية. 

هذا ما أقصده بالعالم متعدد الأقطاب؛ ليست تعددية في الوزن الاقتصادي فحسب، بل في الثقافات والأنظمة القيمية. لكن من الصعب على الولايات المتحدة، وإلى حد ما الغرب كله، أن يقبلوا بذلك، لأنهم هيمنوا لفترة طويلة إلى حد أن فكرة التنافس مع أنظمة أخرى متساوية، أو حتى متفوقة، في المشروعية باتت فكرة يصعب القبول بها. وعلى الصين أن تدرك ذلك وأن تساعد على التعامل مع هذا الواقع.

بناءً على هذا العالم متعدد الأقطاب، نحن هنا في الآسيان، كيف يمكننا التعامل مع هذا الصراع غير المتوقع في المستقبل؟

لم تكن ممالك جنوب شرق آسيا يومًا كبيرة بما يكفي حتى تهدد أي أحد خارج المنطقة. على العكس تمامًا، في كل مرة كانت الصين تصعد فيها، كان نفوذها يبث الاستقرار. بالتالي، لدينا نظرة متواضعة مناسبة لأنفسنا، ونتيجة لذلك فنحن نعرف غريزيًا كيف نتعامل مع تعددية الأقطاب. الآسيان ككل عباقرة في تحويل ضعفهم إلى قوة. في الواقع، بالنسبة لنا جميعًا في الآسيان، المفتاح هو الصين، لأن الصين هي بالطبع الشريك التجاري الأكبر للآسيان، لكننا أيضًا أصبحنا أكبر شريك تجاري للصين، متجاوزين أوروبا منذ بضع سنوات. أعتقد أن التجارة الثنائية بين دول آسيا والصين ستصل إلى تريليون دولار في غضون سنوات قليلة. نحن والصين نكمل بعضنا بعضًا؛ فنحن أصغر سنًا منها نسبيًا، بيئتنا استوائية ورطبة بينما الصين جافة، كلانا تقريبًا في نفس منطقة التوقيت شمالًا وجنوبًا. لذا، تاريخيًا، لطالما كان هنالك تكامل عظيم بيننا.

الجميع هنا يعرفون أي طرف من هذه العلاقة سيستفيد أكثر. ونحن لا نريد أن نصبح جزءًا من الصين؛ لن نصبح أبدًا جزءًا من الصين. لكل منا هويته الخاصة في جنوب شرق آسيا. نريد أن نكون أصدقاء للصين، نريد أن نتعامل تجاريًا مع الصين، لا نريد الكثير من السياح الصينيين في وقت قصير، ربما من الأفضل يخففوا السرعة قليلًا [يضحك]، لكن الأمور على ما يرام. نحن نعلم أن مصيرنا هنا، في الآسيان وجنوب شرق آسيا.

بطبيعة الحال، نريد أيضًا أن يكون الأمريكيون، واليابانيون، والأوروبيون موجودين كذلك، حتى تكون استثماراتنا متنوعة. والآن، باتت هذه الشبكة تمتد إلى أستراليا ونيوزيلندا وحتى إفريقيا والهند (تمر الهند بمرحلة خاصة. أعتقد أنها ترتكب خطأ كبيرًا باستفزاز الصين. قد يحمي ذلك بعض الأطراف الهنود، لكن في النهاية هذا يعني أنهم سيتوقفون عن التعلم. وحين ترى الأطراف الكبرى الطريقة التي تتصرف بها الهند، سيكوّنون حكمًا معينًا بعدم النضج العاطفي فيها. لكنني أشعر بأن الهند ستتجاوز هذه المرحلة، لكن دعونا نرى). بالتالي، وبسبب الطريقة التي يسير بها العالم، أعتقد أن الآسيان سيصبح أكثر فأكثر جاذبية لمزيد من القوى الكبرى. ليس فقط سنغافورة، بل أيضًا فيتنام، والفلبين، وإندونيسيا، وماليزيا. لذا إذا تصرفنا بشكل صحيح، أعتقد أن جنوب شرق آسيا سيكون له مستقبل مشرق للغاية في العالم متعدد الأقطاب.

بما أنك ذكرت فيتنام، قلت من قبل أن فيتنام لديها علاقة حب وكراهية مع الصين. ولا بد أنك شاهدت الصعود الصاروخي لفيتنام في السنوات الأخيرة. ما هي رؤيتك لفيتنام؟ هل تعتقد أن فيتنام ستكون الصين التالية في السنوات العشر القادمة؟

لا، فيتنام أصغر من مقاطعة واحدة في الصين من حيث الوزن الاقتصادي، ولا يمكن أن تحل محل الصين. عندما أغلقت الصين الحدود بسبب الوباء، أغلقت العديد من عمليات التصنيع في فيتنام أيضًا لأن المكونات جاءت من الصين، وبعض الأشياء التي صنعوها عادت إلى الصين، لذا فهم جزء من نظام تصنيع أكبر.

برأيي، إن مفتاح مستقبل فيتنام هو قدرتها على إدارة العلاقات مع الصين دون أن تفقد استقلالها عبر الآسيان. بدون الآسيان، لا يمكن لفيتنام أن تقيم علاقة طبيعية مع الصين، فثقافاتهما متقاربة للغاية، بمعنى أنه سيكون لدى فيتنام شعور دائم بالتهديد من أن تسيطر عليها الصين الأكبر. وجودهم في جنوب شرق آسيا يساعدهم على الاحتفاظ بإحساسهم بذاتهم، والحفاظ على علاقة جيدة بالصين في الوقت نفسه.

الزعيم الأول الذي التقاه شي جينبينغ بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، كان الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي. تم اتخاذ هذا القرار من قبل الجانبين، وفعلوا ذلك لإيصال رسالة لشعبيهما في الصين وفيتنام بأن علاقتهما جيدة. لذا، رغم وجود خلافات في بحر الصين الجنوبي، أعتقد أن هذه الخلافات يمكن السيطرة عليها. الفيتناميون يتابعون الصين عن كثب، لكنهم مصممون على أن يكونوا مستقلين. عادة، نميل لقراءة العلاقة بين البلدين فقط من خلال وزارتي الخارجية، اللتين قد تكون علاقتهما نارية من وقت لآخر، لكن ما لا يلاحظ كثيرًا هو أن العلاقة بين الحزبين الشيوعيين حميمة. لذا أعتقد أنهم سيكونون على ما يرام.

الفساد مشكلة في فيتنام، ولكن عندما بدأ شي جينبينغ باتخاذ إجراءات صارمة ضد الفساد في الصين، كنت أعلم أنهم سيفعلون الأمر نفسه في فيتنام، ليس بنفس الطريقة المنهجية التي تتبعها الصين، لكنهم يتبعون هذه القاعدة، وهم يثابرون. كلما كان الفساد أقل في الصين، كان ذلك أفضل لفيتنام. من حيث أخلاقيات العمل، وقوة الأسرة، والموقف تجاه التعليم، وقوة الناس، قد تكون فيتنام أشد الدول صلابة في جنوب شرق آسيا. إذا كانت إندونيسيا تتمتع بميزة الحجم، فإن ميزة فيتنام هي أن شعبها بأكمله يتحلى بهذه الصلابة.

تتمثّل رؤية خطة تواصلية الآسيان 2025 في «الوصول إلى آسيان متصلة ومتكاملة بشكل سلس وشامل على نحو يعزز القدرة التنافسية والشمولية والإحساس بالجماعة». هل تعتقد أننا نسير على الطريق الصحيح لتحقيق هذه الرؤية في عام 2025؟

آسيان لا تزال غضّة، إنها شابة جدًا. إذا نظرنا لأي خطة خمسية في الصين، فنحن نعلم أن كل فقرة لها معنى، ومن المرجح أنها ستتحقق في نهاية السنوات الخمس. في الآسيان، يجب ألا يكون لدينا مثل هذا التوقع. الآسيان لا تتقدم كالماء المتدفق في القناة، بل تتعرج مثل نهر عظيم. في بعض الأحيان، تأخذ انعطافة طويلة، ولكنها في النهاية تصل إلى البحر. وهذا لأننا منطقة متنوعة للغاية؛ بلدان عديدة، أديان مختلفة، تأثيرات مختلفة، لغات مختلفة. مع ذلك، هناك ما يكفي من القواسم المشتركة حتى نبقى متماسكين، جزئيًا لأننا نخشى القوى الأكبر خارج المنطقة. لذا، فإن الاتصال والبنى التحتية في تحسن. علينا ألا نعول كثيرًا على الخطة ولكن أن نعرف الاتجاه الذي نسير فيه، وسنصل إلى هناك عاجلًا أم آجلًا، وأعتقد أننا سنصل عاجلًا لا آجلًا.


جورج يو جنرال سابق في الجيش السنغافوري، شغل مناصب عدة في وزارة الدفاع، ثم أصبح عضوًا في البرلمان، قبل أن يستلم عدة حقائب وزارية، من المعلومات والفنون، إلى الصحة، إلى التجارة والصناعة، انتهاءً بوزارة الخارجية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية