طلب حلّ حزب «الشراكة والإنقاذ»: تضييق باسم القانون

الثلاثاء 23 شباط 2021
من المؤتمر العام الثاني لحزب الشراكة والإنقاذ، تشرين الثاني 2019. عن صفحة الحزب على فيسبوك.

عقدت محكمة استئناف عمّان الأسبوع الماضي جلستها الثالثة للنظر في الدعوى المرفوعة من لجنة شؤون الأحزاب في وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، والتي طالبت فيها بحلّ حزب الشراكة والإنقاذ وإصدار قرارٍ مستعجل بإيقاف الحزب عن العمل خلال مدة النظر بالدعوى.

طلب الحزب، من جهته، مهلة للرد على لائحة الدعوى المقدمة من اللجنة، وذلك بعدما سجّلت اللجنة دعواها مطلع العام الجاري في المحكمة، مستندةً في ذلك إلى مخالفة الحزب لأحكام قانون الأحزاب دون تصويبها خلال ثلاثين يومًا من إشعار اللجنة له بذلك.

وأوضحت هيئة الدفاع عن الحزب لـ«حبر»، أن ادعاءات اللجنة تركزت على مخالفات «إجرائية وإدارية» تعود لعامي 2018 و2019، وهما أول سنتين في عمر الحزب، فيما تقول اللجنة أنها مارست صلاحياتها الممنوحة لها في القانون ورفعت مخالفات مسجلة على الحزب للقضاء، بعدما تمّ إشعاره بالمخالفات بموجب القانون.

يرى الحزب أن لطلب اللجنة بالحلّ أبعادًا سياسية بسبب مواقفه وأنشطته السابقة، لا سيما دعمه لقضية نقابة المعلمين التي صدر قرار قضائي أولي بحلّها، بالإضافة إلى مقاطعة الحزب للانتخابات النيابية الأخيرة، فيما تنفي اللجنة وجود أبعاد سياسية للقضية، معتبرة أنها قضية قانونية.

حيثيات طلب حلّ الحزب

أواخر العام الماضي، قررت لجنة شؤون الأحزاب في وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية إحالة ملف حزب الشراكة والإنقاذ إلى محكمة استئناف عمّان، بعد تسجيل مخالفات على الحزب لم يتم تصويبها خلال مدة الإشعار خلافًا لقانون الأحزاب، بحسب رئيس اللجنة علي الخوالدة لـ«حبر»، رافضًا الحديث عن تفاصيل هذه المخالفات.

يقول المحامي محمد المجالي، عضو هيئة الدفاع عن الحزب، إن المخالفات التي رفعتها لجنة شؤون الأحزاب للقضاء عددها ست مخالفات، وبحسبه فإن كل المخالفات «إدارية وإجرائية»، وتتعلق بموعد تقديم موازنات مالية ومرفقاتها من عقود إيجار مصدّقة، واختلاف تواقيع عدد من أعضاء الهيئة العامة في انتخابات الحزب ومحاضر الاجتماعات عن تواقيعهم في طلبات الانتساب، ومخالفات أخرى حصلت في العامين 2018 و2019.

وبموجب الفقرة الرابعة من المادة 34 من قانون الأحزاب، فإنه يجوز الطلب بحلّ الحزب في حال مخالفته لقانون الأحزاب، والذي يحدد مددًا زمنية لإرسال كشوفات أعضاء الحزب وموازناته المالية.

يقول خالد حسنين، الناطق باسم الحزب، إن المخالفات الواردة «لا ترقى إلى طلب بحلّ الحزب»، مؤكدًا على تصويب الحزب لجميع المخالفات، ما يدفعه للاعتقاد بأن أسباب القرار سياسية تتعلق بأنشطة الحزب ومشاركاته في فعاليات احتجاجية على الدوار الرابع، ومقاطعته الانتخابات النيابية، وتضامنه مع قضية نقابة المعلمين.

يرى الحزب أن لطلب اللجنة بالحلّ أبعادًا سياسية بسبب دعمه لقضية نقابة المعلمين التي صدر قرار قضائي أولي بحلّها، بالإضافة إلى مقاطعة الحزب للانتخابات النيابية الأخيرة.

ويعلّق حسنين على المخالفات بالقول إن ظروفًا «موضوعية» تسببت في التأخر بإرسال بعض المستلزمات للوزارة، منها موازنة عام 2018، وهي السنة التأسيسية للحزب بعدما أعلن عن انطلاقته نهاية عام 2017، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بخلافات بين ملّاك المقرات التي يستأجرها الحزب وأمانة عمّان وغيرها، مشيرًا إلى أن الحزب يموّل نفسه ذاتيًّا بالاعتماد على تبرعات مالية من منتسبيه.

وبحسب المادة 34 من قانون الأحزاب، فإنه لا يجوز حلّ الحزب إلا بقرار من محكمة استئناف عمّان بناءً على دعوى تقدمها اللجنة في حال مخالفة الحزب لأيٍّ من أحكام قانون الأحزاب، وهو ما استندت إليه اللجنة في طلب حلّ «الشراكة والإنقاذ»، أو إذا قبِلَ الحزب تمويلًا من جهة خارجية، أو ثبت في دعوى جزائية ارتباط الحزب بجهة أجنبية، أو إذا خالف الحزب أحكام الفقرتين 2 و3 من المادة 16 من الدستور، واللتيْن تنصان على حق الأردنيين في تأليف الأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية، وأن ينظم القانون طريقة تأليفها ومراقبة مواردها.

«هذا مش شغل أحزاب»، يقول عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية، معتبرًا أن المخالفات المنسوبة للحزب ليست «جدية» لتجعل لجنة شؤون الأحزاب تطلب حلّ الحزب، وإنما هي قضايا تفصيلية من الممكن متابعتها مع جهات رقابة مالية قد تجتمع مع الأحزاب من أجل تنظيم شؤونها، «ربما يكون ارتكب هذه المخالفات، لكنها ليست مخالفات جسيمة»، يقول الرنتاوي.

وتتشكل لجنة شؤون الأحزاب من ستة أعضاء هم أمين عام وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، رئيسًا للجنة، وأمناء عامين وزارات الداخلية والعدل والثقافة، إضافة لممثل عن المركز الوطني لحقوق الإنسان، وممثل عن مؤسسات المجتمع المدني.

وكان ليث نصراوين، أستاذ القانون الدستوري، في مقالة سابقة له، قد وصف لجنة شؤون الأحزاب التي تشكلت بموجب قانون الأحزاب لعام 2015 بأنها «حكومية بامتياز»، ذلك أن معظم من فيها هم موظفون عموميون يتبعون للسلطة التنفيذية، فهي بالتالي تفتقر إلى «عنصري الاستقلالية والحيادية (..) ومن شأنها أن تضمن هيمنة السلطة التنفيذية عن القرارات التي تصدر عنها».

يقول الخوالدة إن اللجنة وافقت على الدعوى بحلّ الحزب بالأغلبية، بعد أن تحفّظت الممثلة عن مؤسسات المجتمع المدني آمنة الزعبي عن التوقيع على القرار. ومن جهته أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان بيانًا قال فيه إن توقيع مندوب المركز على قرار الإحالة لم يكن بعلم الأمانة العامة للمركز، وجاء مخالفًا لسياسات المركز المعلنة وتوجهاته بخصوص الحق في تأسيس الأحزاب.

وقال المركز في بيانه إن إحالة الحزب للقضاء بسبب «مخالفات شكلية كعدم تقديم ميزانية» يخالف المعايير الدولية ويشكل انتهاكات للحق في تأسيس الأحزاب والانضمام إليها، مشيرًا إلى أن شروط تأسيس الأحزاب تفرض متطلبات قد يؤدي عدم القيام بها الى حلّ الأحزاب، ما يقيّد حق الأردنيين في تأسيس الأحزاب السياسية ويخالف الدستور.

من جهته، يقول أمين المشاقبة، الوزير السابق وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، إن علاقة الأحزاب السياسية مع اللجنة والوزارة محكومة بموجب قانون الأحزاب الذي ينظم هذه العلاقة، وعليه تستند الوزارة بقرارات الإحالة للقضاء، «القضاء اللي بقرر إذا المخالفات ترقى لحل الحزب أو لأ»، يقول المشاقبة.

حلّ الحزب: قرار سياسي؟

يرى المحامي والناشط السياسي يونس عرب، أن سِمَة الحكومتين الحالية والسابقة هي استخدام التشريعات والقوانين للتّعرض للديمقراطية والمساس بالحقوق والحريات، ووضع القضاء في مواجهة الحقوق والحريات الدستورية. 

ويشير الرنتاوي إلى مجمل أنشطة «الشراكة والإنقاذ» وفعالياته على الأرض، قائلًا إن الحزب على مدار ثلاث سنوات، هي عُمر الحزب، كان حاضرًا في العديد من الفعاليات والقضايا، واحتفظ بعلاقات جيدة مع الحراكات الشبابية، كما تفاعل مع مختلف القضايا عبر كوادر جادة وواعية وملتزمة، «حزب جدّي (..) ليس من الأحزاب الكرتونية التي تنشأ دون أن تحدث فرقًا»، يقول الرنتاوي، ويرى أن الحزب تمكن من خلق حالة فاجأت الحكومة، والآن يدفع ثمن مواقفه السياسية.

أمّا المشاقبة فلا يرى بأن الحزب خلق ظاهرة سياسية تسببت في الأزمة مع الوزارة، قائلًا إن القضية مع الوزارة قانونية، تستند فيها الأخيرة على القانون.

ويقول حسنين، إن الطلب بحل الحزب جاء بعد تضييقات أمنية وسياسية أخرى تعرضت لها قيادات وكوادر الحزب في الفترات الماضية، «بدأنا نشعر بالتضييق الحقيقي في الدوار الرابع»، مضيفًا أن «رسائل واضحة» وصلت لقيادات الحزب من مسؤولين حكوميين لثني الحزب عن المشاركة في نحو 50 اعتصامًا شارك فيها في الساحة المقابلة لمستشفى الأردن بالقرب من الدوار الرابع عام 2019 للمطالبة بما يسميه حسنين «تغيير النهج».

في أيلول 2020، أعلن الحزب قراره عدم المشاركة في الانتخابات النيابية التي أجريت في تشرين الثاني الماضي، ليكون الحزب الوحيد المقاطع من بين 48 حزبًا في الأردن. وأصدر الحزب بعد الانتخابات بيانًا قال فيه إن الحكومة وأجهزتها قامت «بهندسة النتائج في العديد من الدوائر»، متهمًا إياها بالعبث في الانتخابات.

أعلن الحزب قراره عدم المشاركة في الانتخابات النيابية التي أجريت في تشرين الثاني الماضي، ليكون الحزب الوحيد المقاطع من بين 48 حزبًا في الأردن.

وفي تشرين الأول الماضي، منع محافظ العاصمة الحزب من عقد مؤتمر صحفي لهيئة الدفاع عن نقابة المعلمين داخل أحد مقرات الحزب، وحاصرت قوات من الشرطة والدرك والأمن الوقائي مقر الحزب كما جاء في بيان صدر عنه، أدان فيه المنع واعتبره مخالفة لقانون الأحزاب الذي ينص على أن مقار الحزب ووثائقه ومراسلاته ووسائل اتصاله مصونة لا يجوز مراقبتها أو مداهمتها أو مصادرتها إلا بقرار قضائي وفق أحكام القانون. وجاء في البيان أيضًا أن الحزب لم يتلقّ قرارًا خطيا بمنع المؤتمر الصحفي، إنما اقتصر الأمر على اتصالات من وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، أحدها من أمين عام الوزارة يطلب فيه عدم عقد المؤتمر لمخالفته قرار منع النشر في قضية نقابة المعلمين.

من جهته، ينفي الخوالدة أن يكون قرار اللجنة سياسيًا، مشيرًا إلى قرارات سابقة بحل ثلاثة أحزاب في السنوات الماضية لمخالفتها قانون الأحزاب. ويقول المحامي عرب إن التفاصيل القانونية لقضايا الأحزاب التي تمّ حلّها وفقًا للقرارات السابقة مختلفة عمّا هو عليه في حالة «الشراكة والإنقاذ»، حيث أن القرارات السابقة متعلقة بفقدان شروط التسجيل أو ارتكاب أعضاء تلك الأحزاب مخالفات قانونية تمت إدانتهم فيها بأحكام قضائية.

تقول الصحفية والمحللة السياسية، لميس أندوني، إنه لا يمكن النظر إلى القرار على أنه غير سياسيّ في ظل وجود أجواء عامة «محتقنة» في الأردن، نتيجة تشريعات مجحفة وتضييق على الحريات والعمل العام.

فيما يذهب عرب إلى القول بأن السلطة التنفيذية تُقحم القضاء في التضييق على الحقوق الدستورية، «وضعوا القضاء في المواجهة للحديث أنها أحكام قضائية وليست صادرة عن السلطة التنفيذية (..) وهذا أخطر ما في الأمر»، يقول عرب.

وأصدر حزب جبهة العمل الإسلامي بيانًا استهجن فيه إحالة «الشراكة والإنقاذ» إلى محكمة الاستئناف للمطالبة بحل الحزب. فيما تقول عبلة أبو علبة، الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي والناطقة باسم ائتلاف الأحزاب اليسارية والقومية لـ«حبر»، إن ما يحصل مع الحزب مسألة ذات مضمونٍ سياسي، وتأتي ضمن سياسات التضييق على عمل الأحزاب ومحاصرة كل أشكال العمل المنظم في الأردن، وأن هذا يتناقض مع الدعوات الرسمية للإصلاح السياسي.

يُذكر أن حزب الشراكة والإنقاذ تأسس أواخر عام 2017، وقد ضمّ عددًا من قيادات وكوادر الحركة الإسلامية، ويصل عدد المنتسبين له اليوم إلى حوالي 450 عضوًا، بحسب حسنين. ويعتبر الرنتاوي أن عدد المنتسبين هذا ليس قليلا «في بلد يتميز بضعف الحياة الحزبية والمشاركة السياسية»، بحسبه.

وترى أندوني أن الحزب ذو تركيبة متنوعة، إذ تمكّن بعد تأسيسه من جذب شخصيات من خلفيات مختلفة، بعضها غير حزبي، للانتساب إليه والمشاركة في فعالياته، ما فاجأ الحكومة التي كانت تظنه حزبًا «صوريًّا»، قائلةً: «بحاولوا [في الحزب] يتحاوروا على خط يجمعهم، بفتحوا مجال لكثير ناس، بس ما بفكروا بالنظام الحزبي»، معتبرةً أن هذا قد يكون السبب في وقوعهم في بعض الأخطاء الإجرائية، التي كانت ثغراتٍ استخدمتها السلطة للتصيّد دون منح الحزب مهلة كافية لتدارك أموره وتنظيمها، «ما أعطوهم نفس، بدك تعطي الحزب مجال يشكّل حاله»، تقول أندوني.

ما الذي يعنيه القرار قانونيًا وسياسيًا؟

بحسب قانون الأحزاب، فإن على محكمة الاستئناف أن تصدر قرارها في الدعوى خلال مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، وللمحكمة أيضًا أن تصدر، بناء على طلب اللجنة، قرارًا مستعجلا بإيقاف الحزب عن العمل خلال مدة النظر في الدعوى، لكنّ المحكمة لم تصدر بعد قرارًا في هذا الشأن. ويقول حسنين إنه في حال قررت المحكمة وقف أنشطة الحزب فإن ذلك يعني إغلاق مقراته الأربعة في كل من عمّان والزرقاء ومادبا وإربد، لحين صدور القرار النهائي. 

سياسيًا، يقول الرنتاوي إن ما يحدث مع حزب الشراكة والإنقاذ يرسل رسائل ومؤشرات سلبية للأحزاب الأخرى، ويؤشر على «العودة عن كل مكتسبات الربيع العربي»، وهي المرحلة التي شهدت -برأيه- انفتاحًا في الحريات والاجتماعات العامة، وتشجع الناس خلالها على التفكير في تأسيس الأحزاب والانخراط في العمل الحزبي.

ويعتبر الرنتاوي أن القضية المرفوعة لحل الحزب تتناقض مع ما جاء في مقابلة الملك عبدالله الثاني مؤخرًا حول الإصلاح السياسي والأحزاب، ورسالته إلى مدير المخابرات العامة، والتي يفهم منها وجود توجيهات بفتح الفضاء العام والمضي بإجراء إصلاحات سياسية.

في المقابل، يقول المشاقبة إن إحالة الحزب إلى القضاء جاءت لأسباب قانونية، ولا تهدف للتأثير على جهات أخرى أو إرسال رسائل سياسية إليها، «المسألة ليست توجيه رسالة سياسية لأحزاب باقية، لإنه القدرة والقوة التي تملكها الدولة بشكل عام أكبر بكثير (..) [الدولة] عندها قدرة تحل الأحزاب كلها، عندها قدرة تغيّر قانون الأحزاب»، يقول المشاقبة.

أما أندوني فتقول إنه يصعب فهم التوجه الحكومي في التعامل مع قضية «الشراكة والإنقاذ» بسبب تناقض قضية الحزب مع رسائل الملك الأخيرة. معتبرة أن الحزب تأسس بعد سنوات طويلة من تشويه العمل الحزبي والتخويف منه، ما أدى إلى العزوف عن أنشطة الأحزاب وفعالياتها، وهو ما استفاد منه «الشراكة والإنقاذ» باعتباره حزبًا جديدًا تمكّن، بحسبها، من جذب كثيرٍ من المتخوفين من المشاركة في الأحزاب الأخرى، وترى أن الحزب بدوره «رحّب بالكل»، لكن قرار لجنة شؤون الأحزاب قد يؤثر على الحزب سياسيًّا عبر تخويف الناس من الانخراط في أنشطته، ما يشكّل استمرارًا للتضييق على العمل الحزبي في الأردن بشكل عام.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية