أسطورة «أمة المهاجرين»: المحو الأبيض للتاريخ الأميركي

الأحد 09 تشرين الأول 2022
السكان الأصليين
جزء من ملصق للسوفييتي فيكتور كوريتسكي عام 1986، تضامنًا مع حركة السكان الأصليين في الولايات المتحدة.

هذا النص هو ترجمة لمقدمة كتاب «ليست «أمة مهاجرين»: الاستعمار الاستيطاني والتفوق الأبيض وتاريخ من المحو والإقصاء»، الصادر عن مطبعة بيكون، 2021.

في عيد ميلاد جورج واشنطن عام 2018، غيّر مدير دائرة خدمات الجنسية والهجرة الأميركية في إدارة ترامب، ل. فرانسيس سيسنا، رسالة المهام الرسمية للدائرة، متخليًا عن لغة «أمة المهاجرين» في وصف الولايات المتحدة. جاء في الرسالة السابقة أن الدائرة «تتكفل بتحقيق وعد أميركا كأمة مهاجرين عبر توفير معلومات دقيقة ومفيدة لعملائنا، ومنح امتيازات الهجرة والجنسية، ورفع الوعي بالجنسية وفهمها، وضمان نزاهة نظام الهجرة الخاص بنا». فيما نصت الرسالة المعدّلة على أن «دائرة خدمات الجنسية والهجرة الأميركية تدير نظام الهجرة القانونية للبلاد، ضامنةً نزاهتها ووعدها عبر البت في طلبات امتيازات الهجرة بكفاءة وعدالة، مع حماية الأميركيين، وتأمين الوطن، والالتزام بقيمنا».

كان مستبعدًا أن يُغيّر إبطال إدارة ترامب رسميًا لتوصيف الولايات المتحدة بأمة مهاجرين هذه اللغة الليبرالية. فخلال حملة جو بايدن الرئاسية عام 2020، أصدرت الحملة بيانًا حول خطته للهجرة بعنوان «خطة بايدن لحماية قيمنا كأمة مهاجرين»، أكد على أنه «ما لم يكن أسلافك من السكان الأصليين لهذا الأرض، أو ممن استعبدوا قسرًا وجُلبوا إلى هنا كجزء من خطيئتنا الأولى كأمة، فإن معظم الأميركيين يعود تاريخ عائلاتهم إلى خيار؛ خيار بأن يتركوا خلفهم كل ما هو مألوف بحثًا عن فرص جديدة وحياة جديدة».[1] بخلاف رسالة «أمة المهاجرين» السابقة، اعترفت حملة بايدن بالوجود السابق والحالي للسكان الأصليين، إلى جانب التنويه بأن الأفارقة المستعبدين لم يكونوا مهاجرين. إلا أن هذه اللغة الجديدة تستمر في إخفاء العنف الاستعماري الاستيطاني الذي أسس الولايات المتحدة وأدامها، والذي يحول المهاجرين إلى مستوطنين.

من المثير للسخرية أن دونالد ترامب قدّم نفسه على أنه معادٍ للهجرة، نظرًا لكونه ابن مهاجِرة (من اسكتلندا) وحفيد مهاجر (من ألمانيا) من جهة جده لأبيه، فضلًا عن أنه متزوج بمهاجرة (من سلوفينيا). لكن ترامب ليس ضد المهاجرين الأوروبيين. في اجتماع لموظفي البيت الأبيض في كانون الثاني 2018 حول وضع الهجرة المؤقت، سأل ترامب: «ما حاجتنا بالمزيد من الهاييتيين؟ أخرجوهم من هنا… لماذا نستقبل كل هؤلاء الناس الآتين من بلدان خرائية؟ لم نريد كل هؤلاء القادمين من إفريقيا؟ إنها بلدان خرائية علينا استقبال مزيد من الناس من النرويج». قبلها بشهر، قال ترامب، مشيرًا مجددًا للهاييتيين، إنهم «كلهم مصابون بالإيدز»، أمّا عن النيجيريين، فقال إنهم بمجرد رؤيتهم للولايات المتحدة، فـ«لن يعودوا أبدًا لأكواخهم» في إفريقيا.

في مسعاه للرئاسة، جعل ترامب الهجرة محور حملته، مركزًا على استبعاد المكسيكيين، وواعدًا ببناء جدار حدودي وعسكرة الحدود الجنوبية. فقد ادعى بأن «الولايات المتحدة أصبحت مكبًّا لمشاكل الآخرين»، وأنه «حين ترسل المكسيك أبناءها، فهي لا ترسل أفضلهم. إنهم يأتون بالمخدرات. يأتون بالجريمة. إنهم مغتصبون. وبعضهم، أفترض، أشخاص جيدون. لكنني أتحدث إلى حراس الحدود».

يصر سياسيو الحزب الديمقراطي والليبراليون إجمالًا على أن ترامب وداعميه كانوا لا-أميركيين في إنكارهم لأيديولوجيا «أمة المهاجرين» التي ظلت محط إجماع منذ ما يزيد عن نصف قرن، وما تزال مبدأً أساسيًا للحزب الديمقراطي. ومع عودة الديمقراطيين للحكم عام 2021، يبدو أن خطاب أمة المهاجرين قد استعاد مكانته بقوة، رغم أن السياسات الأميركية الإقصائية تستمر، كما فعلت خلال إدارة أوباما.

عبارة «أمة المهاجرين» عادة ما تستخدم لمواجهة المخاوف المعادية الأجانب. لكن الأيديولوجيا التي تقبع خلفها تعمل كذلك على محو الكارثة التي مثّلها الاستعمار الاستيطاني، فضلًا عن محو السكان الأصليين.

كما يشير أوشا جراي ديفيسون، الذي جمع عشرات الأمثلة على توظيف تعبير «أمة المهاجرين»، فإن العبارة عادة ما تستخدم لمواجهة المخاوف المعادية الأجانب. لكن الأيديولوجيا التي تقبع خلفها تعمل كذلك على محو الكارثة التي مثّلها الاستعمار الاستيطاني، فضلًا عن محو السكان الأصليين. «نحن في أميركا مهاجرون، أو أبناء مهاجرين»؛ كهذا تقول اللازمة الشائعة. في خطاب قبول ترشيح الحزب الجمهوري له للرئاسة عام 2021، قال ميت رومني: «إن التفاؤل أميركيٌ بامتياز، فهو ما جاء بنا إلى أميركا. نحن أمة مهاجرين». مخاطبًا جمهورًا عريضًا في مدرسة ثانوية في نيفادا عام 2016، قال باراك أوباما: «نحن أمة مهاجرين، وهذا يعني أننا نتجدد باستمرار بتزوّدنا بمقاتلين آمنوا بالحلم الأمريكي، وهو ما يمنحنا ميزة عظيمة مقارنة بالأمم الأخرى». وفي العام نفسه، استدعت المرشحة الرئاسية حينها هيلاري كلينتون هذه اللغة بقولها: «يذكرنا تمثال الحرية بمَن نحن ومِن أين أتينا. نحن أمة مهاجرين، وأنا فخورة بذلك».

إن خطاب «أمة المهاجرين» هو قصة نشوء تحريفية تعود لمنتصف القرن العشرين. خرجت الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية غير مدمّرة بالقنابل والخسائر البشرية الثقيلة التي عانت منها معظم البلدان المتحاربة. بل توطدت على إثر الحرب كقوة صناعية كبرى تظهر جبروتًا عسكريًا، شمل القنبلة الذرية، ووُضعت على السكة لتصبح القائد الاقتصادي والعسكري والأخلاقي لـ«العالم الحر»، فيما أصبح البلد الذي هزم جيش الرايخ الثالث بالفعل، أي الاتحاد السوڤييتي، العدو الجديد. تداعت الإدارات الأميركية الجديدة بعد الحرب لإخفاء أي أثر للجذور الاستعمارية للولايات المتحدة، ونظام العبودية، والفصل العنصري المستمر، فيما كانت تُطوّر استراتيجيات عسكرية «مكافِحة للتمرد» لإخماد حركات التحرر الوطني في المستعمرات الأوروبية السابقة، بينما شجب الاتحاد السوفييتي والصين، التي استلم الشيوعيون السلطة فيها عام 1949، الإمبرياليةَ والاستعمار الغربيين في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والمحيط الهادئ والكاريبي.

عام 1958، مستندًا إلى المؤرخ الليبرالي آرثر شلِسِنجر جونيور، نشر السيناتور الأميركي حينها جون ف. كينيدي كتابه المؤثر والأكثر مبيعًا «أمة مهاجرين»، الذي عمّم فكرة أنه ينبغي فهم الولايات المتحدة أو تعريفها عبر تعددية المهاجرين الذين رحبت بهم منذ استقلالها.[2] اعتنق المؤرخون الأميركيون هذه الأطروحة التي شقت طريقها للكتب المقررة والمناهج الدراسية. لم تكن مصادفة ولا مفاجأة أن يقدم كينيدي هذه الفكرة في الوقت الذي كان يضع فيه استراتيجيته الساعية لتنصيبه أولَ رئيس لأبوين مهاجرين -وإن كانا مهاجرين بالغي الثراء- وأول رئيس كاثوليكي، وسط ثقافة تهيمن عليها البروتستانتية. وضع كينيدي الطامح للرئاسة سياقًا وسردية واضحين استطاع عبرهما تحويل هذه النقيصة إلى ميزة. نُشر هذا النص المؤسِّس لخطاب «أمة مهاجرين» خلال فترة كينيدي الأولى كسيناتور عن ولاية ماساتشوستس بين عامي 1954 و1960، وقبل عامين من انتخابه رئيسًا.

نظرًا إلى أن «الهجرة» في القرن الحادي والعشرين باتت [في السياق الأمريكي] مرادفًا للحدود المكسيكية-الأميركية التي رُسّمت عام 1848، فمن المذهل أن كينيدي لم يذكر المكسيك أو المكسيكيين أو الحدود المكسيكية-الأميركية قط في كتابه، ولا استخدم تعبير «لاتيني» أو «هسباني». كان ذلك عام 1958، في أواخر فترة برنامج براسيرو للعمالة المتعاقدة، الذي بدأ خلال الحرب العالمية الثانية. بموجب البرنامج، هاجر ما مجموعه مليونا مواطن مكسيكي، بتعاون من الحكومة المكسيكية، إلى الولايات المتحدة وبالأخص إلى كاليفورنيا، كعمال زراعيين مقيّدين بحكم الأمر الواقع بعقود محددة المدة. في الوقت نفسه، استقدم قطاع الزراعة التجارية الصاعد في كاليفورنيا المزيد من العمال المكسيكيين خارج البرنامج، بلا توثيق أو حقوق مدنية، ليصبحوا عرضة للترحيل. ما يزيد من شناعة محو كينيدي لأي ذكر للمكسيك أو المكسيكيين هو أن البرنامج الفيدرالي ذا الاسم الرسمي المسيء «عملية مبلَّل الظهر»[3] (Operation Wetback) بدأ في سنة كينيدي الأولى كسيناتور واستمر خلال ولايته كرئيس. بدأت «عملية مبلَّل الظهر» عام 1954 بهدف اعتقال وترحيل أكثر من مليون عامل مكسيكي مهاجر، بشكل أساسي في كاليفورنيا وتكساس، ليُخضع في سياقها الملايين -الذين كان كثير منهم في الواقع مواطنين أميركيين- للتفتيش والاحتجاز والترحيل بشكل غير قانوني، ويُجبروا على التخلي عن ممتلكاتهم. رُحّل العمال بالطائرات والقطارات والسفن إلى مناطق بعيدة عن الحدود، ليُترك المواطنون الأميركيون منهم بلا وثائق تتيح لهم العودة إلى بيوتهم في الولايات المتحدة. كانت «عملية مبلَّل الظهر» تكرارًا لما فعلته إدارة هيربرت هوفر بترحيلها مليون مكسيكي خلال الثلاثينيات، فيما عرف بـ«إعادة المكسيكيين للوطن».

فيما يتعلق بوضع السكان الأصليين في سردية كينيدي حول «أمة المهاجرين»، كتب السيناتور حينها: «طريقة أخرى لتوضيح أهمية الهجرة بالنسبة لأميركا هي الإشارة إلى أن كل الأمريكيين، باستثناء مجموعة واحدة، كانوا إما مهاجرين أو يتحدّرون من مهاجرين». تجسد هذا الاستثناء، كما يقول كينيدي، في أمثال «ويل روجرز، الذي تعود أصوله جزئيًا إلى قبيلة شيروكي الهندية، [والذي] قال إن أسلافه وقفوا على رصيف الميناء في استقبال سفينة الماي فلاور» [التي أقلت مجموعة من أوائل المستوطنين الإنجليز إلى أميركا الشمالية عام 1620]. لكن كينيدي خالفه، زاعمًا أن «بعض الأنثروبولوجيين يعتقدون أن الهنود الحمر أنفسهم كانوا مهاجرين من قارة أخرى حلّوا محل السكان الأصليين للقارة». هذا تكهن زائف روّجه القوميون البيض الأميركيون الذين يدّعون أن هؤلاء السكان الأصليين المتخيلين كانوا في الواقع أوروبيين، وربما إيرلنديين. بعد بضع صفحات في الكتاب، يُذكر الأميركيون الأصليون مرة ثانية وأخيرة، حين يشير كينيدي إليهم على أنهم «المهاجرون الأوائل»، مسخّفًا وجودهم بوصفهم «أعضاء قبائل متفرقة».[4]

لقد حُفرت القومية البيضاء عميقًا في أُسس الولايات المتحدة بوصفها كيانًا استعماريًا استيطانيًا توسعيًا أوروبيًا، بني اقتصاده على النهب العنيف للأراضي والعبودية العرقية، وظل مستوطنوه مدججين بالسلاح على مدى تاريخه.

على نحو لا يقل إقلاقًا، يعدّ كينيدي الأفارقة المستعبدين من بين المهاجرين، رغم أن الكتاب يشتمل على رسم مريع لسفينة قُيّد العبيد على متنها بالسلاسل، ممددين على ظهورهم، لا يبعدون عن بعضهم إنشًا واحدًا، مرصوصين كالسردين. مارس كينيدي المحو الأبيض للتاريخ على نحو صارخ، كما يظهر في إشارته إلى أن «تجربة الهجرة لم تكن دومًا سارّة»، أو أن «اليابانيين والصينيين أحضروا أحلامهم الرقيقة إلى الساحل الغربي»، دون أن يذكر قانون استبعاد الصينيين عام 1882 أو تمديده بعدها ببضع سنوات ليشمل جميع الآسيويين.

زُرعت هذه الفكرة القائلة بأن الولايات المتحدة هي أمة مهاجرين في أواخر الخمسينيات، ورغم أن كينيدي كان سفيرها، إلا أنها أصبحت معبرة عن استجابة الطبقة الحاكمة الأميركية للتحديات التي شكلتها حركات التحرر الوطني المعادية للاستعمار في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى جانب الحركات الاجتماعية المنادية بالحقوق المدنية وحقوق الإنسان داخليًا. عام 1944، أسس دارسي مكنيكل، وهيلين بيترسون، وناشطون آخرون من السكان الأصليين، المؤتمر الوطني للهنود الأمريكيين. في الوقت نفسه، كان محامون ومهنيون أمريكيون أفارقة يطوّرون استراتيجية قانونية لإنهاء الفصل العنصري في المدارس الحكومية، فيما قدم أمريكيون أفارقة آخرون أشد جذرية، من بينهم بول روبسون وأعضاء في مجلس الحقوق المدنية، عام 1951، للأمم المتحدة حديثة الولادة عريضة مفصلة بعنوان «نقدم الاتهام بالإبادة الجماعية»، بناء على اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1948. كانت الحركة الجماهيرية ضد الفصل العنصري في طور التشكل، وبالتزامن معها، كان النشطاء الأميركيون الأصليون يصيغون وضع الشعوب الأصلية في سياق نزع الاستعمار والتحرر الوطني، بينما كان عمال المزارع المكسيكيون ينظمون أنفسهم في الحقول، ويهزمون برنامج براسيرو ويشكّلون الاتحادات.

مثّلت هذه التصدعات في النظام العرقي للاستعمار الاستيطاني والرأسمالية مفصلًا جذريًا في مجتمع تُكبّله الهيمنة الأبوية البيضاء، مهووس بالأميركانية (Americanism) «الحقيقية». فمع نهاية الحرب العالمية الثانية، كان النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الأمريكي يتمثل بشكل راسخ وصلب في جمهورية بيضاء أبوية بروتستانتية، تهيمن عليها شركات ذات استثمارات عالمية واحتياطيات مالية، إلى جانب آلة عسكرية ضخمة تفوق بكثير نظراءها في أي بلد آخر في العالم. أُغريت الحركات العمالية، المؤلفة بشكل رئيس من العمال البيض، بملكية البيوت ومكانة الطبقة الوسطى، وأصبحت اتحاداتهم تجارية الهوى، تتمتع بالرعاية الصحية المخصخصة الربحية، فيما استجابت بريطانيا ودول أوروبا الغربية لمطالب اتحاداتها العمالية الشرسة بإرساء رعاية صحية عامة وشاملة. كان السود المتحدّرون من الأفارقة المستعبدين يعيشون في ظل نظام جيم كرو الشمولي في الولايات الكونفيدرالية السابقة، ويُحصرون في الغيتوهات ويميّز ضدهم حين يفرّون من الجنوب إلى المناطق الشمالية والساحلية المدينية الصناعية، التي كانت مملوءة بقوات شرطية حضرية تشبه دوريات العبيد. تُرك الأميركيون الأصليون في محميات متقلّصة لم تعد صالحة للعيش، ما أجبر كثيرين منهم على البحث عن عمل في المدن القريبة أو البعيدة، فيما بدأ الكونغرس بالتراجع عن إصلاحات الصفقة الجديدة [البرنامج الاقتصادي لإدارة فرانكلين روزفلت]، التي كانت قد اعترفت بمحميات السكان الأصليين وحكوماتهم. بلغ هذا التراجع ذروته حين أنهى الكونغرس الوضع الخاص للسكان الأصليين ومحمياتهم عام 1953، في خطوة احتاجت حركة «القوة الحمراء» لعقدين حتى تبطلها. على المقلب الآخر، كان مهاجرو إيرلندا ووسط وجنوب وشرق أوروبا، ومعظمهم من الكاثوليك واليهود، يحققون المكاسب ويُقبلون بوصفهم أندادًا، أي بيض. لكن على الساحل الغربي، كان المواطنون الأميركيون من أصول صينية ومكسيكية يعانون التمييز ويتعرضون للترحيل، فيما كان المواطنون من أصول يابانية يؤسرون في معسكرات اعتقال تعود لحقبة الحرب، ويُجرّدون من ملكياتهم وحقوقهم كمواطنين. كانت إعلانات الوظائف تفصل بين الرجال والنساء، وبين البيض والسود، محددةً أجورًا أقل للنساء والسود، فيما كانت الغالبية الساحقة من مرتادي جامعات رابطة اللبلاب [ثمانية من أقدم وأشهر الجامعات الأمريكية] من الرجال البيض، مع تخصيص حصص تحدد عدد الرجال اليهود المسموح بهم.

جاء الانفجار الذي هزّ الجمهورية البيضاء عام 1954، مع قرار المحكمة الأميركية العليا بإنهاء الفصل العنصري في المدارس، في عهد قاضي القضاة إيرل وورن، الذي كان من باب المفارقة مسؤولًا عن اعتقال الأميركيين اليابانيين في السجون الفيدرالية حين كان النائب العام لكاليفورنيا خلال الحرب. كان الحكم الصادر في قضية براون ضد هيئة توبيكا للتعليم، المستند لعقود من الحشد والتنظيم من قبل الأميركيين الأفارقة، إنجازًا عظيمًا، لكن رد الفعل العنيف لم يتأخر. تشكلت مجالس المواطنين البيض في جميع أنحاء الولايات المتحدة، رابطةً الاندماج العرقي بالشيوعية، وواصفةً إياه بأنه لا-أمريكي. وفي السنوات الثلاث التي أعقبت قرار المحكمة العليا، تأسست جمعية جون بيرتش القومية البيضاء، على يد روبرت ويلتش، وريث ثروة ويلتش للحلويات في ماساتشوستس، وآخرين من بينهم فريد كوك، والد الأخوين كوك، اللذين موّلا في القرن الحادي والعشرين تشريعات وحركات سعت لإنهاء كل المنح الحكومية وروّجا لخصخصة المرافق العامة. كان تكوين المحكمة العليا هدف هذه الحركة القومية البيضاء، مستخدمةً الحزب الجمهوري كوسيلة، وقد حققت هدفها إلى حد بعيد مع تعيين إدارة ترامب لثلاثة قضاة، ليتبدل الطيف الأيديولوجي للمحكمة التي باتت مكونة من خمسة قضاة شديدي المحافظة، ومحافظ معتدل، وثلاثة ليبراليين.

كان الوعد بالتقدم الدائم هو السياق الذي نمت فيه حركة الحقوق المدنية السوداء، وساهمت فيه برفع الزخم الذي استفادت منه حركات تحررية أخرى، بما فيها حركة استقلال بورتو ريكو، وحركة السكان الأصليين لتقرير المصير، والحركة العمالية للمزارعين المكسيكيين في الستينيات، وحركات حقوق النساء والمثليين، والحركات الطلابية الصاعدة المعادية للحرب والإمبريالية، التي نمت في معارضة الحرب الأمريكية المتسارعة على ڤيتنام. جاءت الثورة المضادة التي واجهت هذه الحركات بريتشارد نيكسون إلى الرئاسة، ثم برونالد ريغان. بحلول عام 1990، خرجت الرأسمالية والعسكرة منتصرتين، مع تفكك الكتلة الاشتراكية في أوروبا الشرقية وحركات التحرر المنظمة التي كانت قد تولت السلطة في إفريقيا وآسيا والكاريبي، لتصبح هذه الحركات ظلًا لطموحاتها السابقة.

تمثلت أولى الإرهاصات البارزة لهذه الثورة المضادة المنظمة التي باتت تنافس على السلطة السياسية في الحركة الإنجيلية الواسعة المناهضة للإجهاض، التي برزت بشكل كبير في أعقاب قرار المحكمة العليا بإلغاء تجريم الإجهاض في قضية رو ضد ويد عام 1972. وعلى نحو لافت، أصبح الاتحاد القومي للأسلحة، الذي ناهز عمره القرن حينها، والذي ظل حتى ذلك الحين معتدلًا نسبيًا، تحت سيطرة مؤسسة التعديل الثاني، وهي منظمة قومية بيضاء تأسست عام 1974 على يد هارلن كارتر، الذي كان مسؤول الحدود خلال الترحيلات الجماعية للمكسيكيين في الخمسينيات، ضمن عملية «مبلل الظهر». كانت هذه هي اللحظة التي أصبح فيها التعديل الثاني قضية قومية بيضاء، تستند إلى أيديولوجيا «الأصلانية» اليمينية، التي تنادي بتفسير المعنى الأصلي للدستور الأمريكية. وبالتوازي مع حركات التحرر في حقبة ما بعد الحرب، كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) تدير عمليات مكافحة تمرد ضد حركات التحرر الوطني قبل وبعد استلامها السلطة في أميركا اللاتينية والكاريبي والمحيط الهادئ وإفريقيا، فيما كان مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، في ظل إدارة ج. إدغار هوفر، يدير عمليات مشابهة ضد حركات داخلية، بما فيها برنامج مكافحة التجسس «COINTELPRO» [الذي استهدف الحركات السوداء، خاصة الفهود السود]. كانت معاداة الشيوعية هي النسيج الرابط بين هذه المنظمات إلى حين انهيار الاتحاد السوفييتي، رغم أنها بقيت بعد ذلك سلاحًا اجتماعيًا وسياسيًا للسيطرة محليًا ودوليًا.

في أواسط وأواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، فيما كانت الحرب الأميركية في ڤيتنام تستعر، بحثت الطبقة الحاكمة الأميركية -الليبرالية في حينه- وخبراؤها عن طرق للتعامل مع المطالب الاجتماعية مع الحفاظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية في الوقت نفسه. ووجدوا ضالتهم في التعددية الثقافية، والتنوع، والتمييز الإيجابي، وأيديولوجيا «أمة المهاجرين»، ردًا على المطالبات بنزع الاستعمار، والعدالة، والتعويضات، والمساواة الاجتماعية، والإنفاق العام على الرعاية الاجتماعية، وإنهاء الإمبريالية الأميركية وتدخلاتها لمكافحة التمرد وقلب أنظمة الحكم. لاءمَ خطاب «أمة المهاجرين» أجندة التعددية الثقافية، نظرًا إلى المحاولات الجارية حينها لتعديل السردية القومية الانتصارية، بما تشمله من تركيز حصري على تاريخ المستعمرين البيض وغلبة الغرب. لم تعد الولايات المتحدة «بوتقة» يُصهر فيها الجميع ليتماثلوا في البياض، بل نسيجًا متعدد الألوان. وصف كتاب كينيدي الولايات المتحدة بأنها «أمّة مكونة من أمم»، ورغم صعود القومية البيضاء خلال السنوات الإثني عشر من إدارتيْ ريغان وبوش، باتت، بحلول التسعينيات، سردية «أمواج المهاجرين» واعتبار السكان الأصليين «المهاجرين الأوائل» التي صاغها كينيدي محط إجماع، مع دخولها مناهج المدارس العامة. أشعلت هذه النزعة النيوليبرالية أيضًا حروبًا ساحاتها المناهج، دارت حول معايير التاريخ، طالب فيها اليمين بالعودة إلى السردية الأصلية، خاصة أيقونات الآباء المؤسسين، دعمًا لفلسفتهم الدستورية «الأصلانية».

لقد أصبحت التعددية ومعاداة العنصرية محط قبول واسع، لكن المشكلة تكمن في الإنكار العام أو رفض الاعتراف بالاستعمار الاستيطاني.

خلال ما يقارب القرنين منذ الاستعمار البريطاني لساحل شمال أميركا وحتى الاستقلال الأميركي، كانت الغالبية العظمى من المستوطنين الأوروبيين الأميركيين من الأنغلوساكسونيين البروتستانت، والإيرلنديين الاسكتلنديين، والناطقين بالألمانية (قبل أن تصبح ألمانيا دولة وطنية). ومنذ عام 1619، كانت أعداد الأفارقة المستعبدين في تزايد مستمر. حين نالت الولايات المتحدة استقلالها، رسّخ المؤسسون في الدستور شرطًا للجنسية حصرَها في الذكور البيض وحدهم. رغم المخاوف التي عبر عنها على نحو خاص ألكساندر هاميلتون والحزب الفيدرالي إزاء الهجرة وقوانين الأجانب والتمرد، لم توجد أي قوانين أو إجراءات تنظم الهجرة، ولا حتى عند وصول 1.5 مليون لاجئ إيرلندي فارّ من المجاعة في أربعينيات القرن التاسع عشر. عام 1875، أعلنت المحكمة العليا الأميركية أن الحكومة الفيدرالية وحدها، لا الولايات، يمكنها أن تسن قوانين الهجرة، وأن تنظيم الهجرة هو مسألة فيدرالية، رغم أن دائرة خدمات الهجرة الفيدرالية لم تؤسَّس إلا عام 1891. وعلى نحو كاشف، كان القانون الفيدرالي الأول للهجرة، الذي أصبح الأساس لتنظيم الهجرة للولايات المتحدة، هو قانون استبعاد الصينيين عام 1882.

علينا أن ندرك أنه حين بدأ تنظيم «الهجرة» كما نعرفها اليوم، كان يستند إلى عنصرية علنية وصريحة وسياسة إقصائية، ولم يفقد هذا اللون قط. ورغم أن الهجوم على المهاجرين ليس أمرًا جديدًا، بل استهدف منذ أمد طويل الآسيويين والعمال المكسيكيين، فقد أصبح مسألة مشحونة أكثر مع تبلوره في أواخر القرن العشرين وتصاعده في أوائل القرن الحادي والعشرين، ليستهدف المكسيكيين، والآسيويين، والمسلمين العرب.

مع ذلك، فإن المدافعين عن الهجرة والمهاجرين، وهم في الغالب ليبراليون من سكان المدن الكبرى، كثيرًا ما يكونون هم أنفسهم مهاجرين أو أبناء مهاجرين، ما زالوا يوظفون فكرة «أمة المهاجرين» بسذاجة، دون الاعتراف بتاريخ الاستعمار الاستيطاني في الولايات المتحدة ولا الأيديولوجيا القومية البيضاء التي تعيد هذه الفكرة إنتاجها. لذا، صدم هؤلاء النشطاء حين ساهمت كراهية المكسيكيين في إنجاح حملة ترامب الرئاسية عام 2016، بل صدموا أكثر في السادس من كانون الثاني 2021، حين اقتحم القوميون البيض بعنف مبنى الكابيتول.

«الفيل في الغرفة» في موضوع الهجرة هو الغزو العسكري الأميركي للمكسيك وضم نصف مساحتها سابقًا، في الحرب التي دامت أكثر من عقدين بين عامي 1821 و1848. خلال الفترة ذاتها، خضع النصف الشرقي من الولايات المتحدة لتطهير عرقي عبر الترحيل القسري للشعوب الأصلية. لقد غُرس التفوق الأبيض والعنف الاستعماري الاستيطاني للأبد في تضاريس الولايات المتحدة. لذا، فإن مشكلة القومية البيضاء تعود إلى جذور الولايات المتحدة، ولم تأتِ مع نيكسون أو ريغان أو ترامب.

لقد حُفرت القومية البيضاء عميقًا في أُسس الولايات المتحدة بوصفها كيانًا استعماريًا استيطانيًا توسعيًا أوروبيًا، بني اقتصاده على النهب العنيف للأراضي والعبودية العرقية، وظل مستوطنوه مدججين بالسلاح على مدى تاريخه، ليزيد عددهم اليوم عن 300 مليون شخص، يملكون العدد ذاته من الأسلحة النارية. لكن ثلث السكان فقط يملكون هذه الأسلحة، بمعدل ثمانية أسلحة لكل منهم، و3% فقط من السكان يملكون 50% من الأسلحة الموجودة بين أيدي المدنيين. الغالبية الساحقة من هذه الأقلية المالكة للسلاح هم رجال بيض يتحدّرون من المستعمرين الأصليين، أو يدعون ذلك.[5] يتركز هؤلاء الأحفاد في الولايات الكونفدرالية السابقة وولايات الجنوب الحدودية، لكنهم في الحقيقة يتوزعون أيضًا في تجمعات تمتد إلى كل أنحاء الولايات المتحدة. إنهم الرسل المعاصرون لأسطورة الأصل القومي الأميركية؛ منظومة القصص التي تسعى لتبرير الغزو والاستيطان، والتي تحوّل المستوطنين البيض الأوائل إلى «سكان أصليين»، يؤمن أحفادهم بأنهم أبناء القارة الأقحاح، كما آمن [المستوطنون الهولنديون] البوير في جنوب إفريقيا، مستندين إلى الكالفينية، بأنهم بنو إسرائيل «الحقيقيون»، شأنهم شأن الاسكتلنديين في شمال إيرلندا، أو المستوطنين اليهود في فلسطين؛ كل ذلك بُني على عهد إلهي متخيل، يجعلهم الشعب المختار.

نظرًا للنفوذ العميق لهذه الأقلية الثقافية والدينية والديموغرافية، فمن اللازم الاعتراف بوجودها لفهم ديمومة التفوق الأبيض والارتياب تجاه المهاجرين غير الأوروبيين، إلى جانب الأميركيين الأصليين، وأحفاد الأفارقة المستعبدين، والمكسيكيين. منذ الثورة الإيرانية عام 1979، أطلقت الولايات المتحدة حروبًا «مكافحة للتمرد» في أفغانستان وبلدان عربية، وأذكت التعصب المعادي للمسلمين في الولايات المتحدة. ورغم أن الإنجيليين الأميركيين يدعمون بحماسة دولة الاستيطان الإسرائيلية، التي توافق معتقدهم الديني بأن المسيح سيعود حين يعود اليهود إلى القدس، فإن القومية البيضاء الأميركية تستبطن لا-ساميةً تتمحور في الغالب حول سردية الهيمنة اليهودية المتخيلة، التي تعمل على نقل وزر الاستغلال الرأسمالي من الطبقات الحاكمة الأوروبية والأميركية الأوروبية إلى مؤامرة وسيطرة يهودية خفية. تتجسد هذه اللا-سامية في رواية «يوميات تيرنر»، المنشورة عام 1978، والتي يعدّها القوميون البيض الأميركيون نصًا مقدسًا. تخلط الرواية لا-ساميتها بكراهية السود وكل غير البيض، استنادًا إلى فكرة مفادها أن اليهود يستخدمونهم لإخفاء خططهم الشريرة الساعية للسيطرة، وأن اليهود كانوا يتحكمون بحركة الحقوق المدنية السوداء، فغير البيض في نظر القوميين البيض ليسوا بشرًا بالكامل، لذا فهم عاجزون عن التنظير أو اتخاذ فعل بمفردهم.[6] 

حتى يصبح المهاجرون وأبناؤهم «أميركيين» بالكامل، هناك شرط غير معلن، هو المشاركة في العنصرية تجاه السود، والسعي نحو «البياض». فبفعل حركات الحقوق المدنية، والقوة السوداء، وغيرها من الحركات المناهضة للعنصرية، فقد البياض كثيرًا من جاذبيته لعدة أجيال. تزامن هذا التحول مع قانون إصلاح الهجرة عام 1965، وانعكس فيه، إذ ألغى القانون القيود التي فرضت على الهجرة منذ قانون عام 1924، الذي حصرها بالأوروبيين الغربيين. بالتالي، تزايدت منذ أواخر الستينيات أعداد المهاجرين الآتين من «العالم الثالث»، في الغالب من مستعمرات سابقة، وكان كثير منهم لاجئين فارين من الحروب الأهلية أو الحروب التي أشعلتها الولايات المتحدة في بلدانهم. كان هؤلاء المهاجرون «الجدد» خريجين جامعيين أو مهنيين أكثر من سابقيهم من المهاجرين، وكثيرًا ما تعرضوا في حياتهم اليومية للعنصرية و«الأخرنة»، وأحيانًا للعداء المحموم، خاصة المسلمين منهم، وهو ما دفع بعضهم للتضامن مع الحركات المناهضة للعنصرية. يتفاوت احتكاك هؤلاء المهاجرين بالاستعمار الاستيطاني وتفاعلهم معه، فالبعض باتوا ملتزمين بالتضامن مع مقاومة السكان الأصليين، فيما ظلت الغالبية غير مكترثة أو ناكرة لمطالب المجتمعات الأصلية وواقع الاستعمار الاستيطاني. فرغم أن المهاجرين القادمين من آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية والكاريبي لم يعودوا مكرهين على أن يصبحوا «بيضًا» كما كان المهاجرون في السابق، فهم يصبحون مستوطنين تلقائيًا ما لم يقاوموا هذا الوضع الافتراضي.

لقد أصبحت التعددية ومعاداة العنصرية محط قبول واسع، لكن المشكلة تكمن في الإنكار العام أو رفض الاعتراف بالاستعمار الاستيطاني. فكما يلفت محمود ممداني، «اتجهت النضالات الأميركية نحو نزع التفرقة العرقية، لا نزع الاستعمار. لكن أميركا بلا تفرقة عنصرية تبقى مجتمعًا استيطانيًا ودولة مستوطنين».[7]

  • الهوامش

    روكسان دونبار-أورتيز هي مؤرخة وناشطة أميركية، وأستاذة الدراسات الإثنية في جامعة ولاية كاليفورنيا. يتمحور الجزء الأكبر من عملها حول تاريخ السكان الأصليين لأمريكا الشمالية، الذي يدور حوله كتابها الأبرز «تاريخ الشعوب الأصلية للولايات المتحدة».

    [1] Kennedy, A Nation of Immigrants, 2–3.

    [2] John F. Kennedy, A Nation of Immigrants (1958; repr., New York: Harper Perennial Modern Classics, 2018).

    [3] مبلَّل الظهر (wetback) هو وصف تشهيري عنصري يشار به إلى المكسيكيين في الولايات المتحدة، خاصة المهاجرين بشكل غير رسمي منهم، كناية عن وصولهم إليها سباحةً، تحديدًا بقطع ريو غراندي، النهر الممتد على الحدود الأمريكية المكسيكية.

    [4]  John F. Kennedy, A Nation of Immigrants (1958; repr., New York: Harper Perennial Modern Classics, 2018).

    [5] Roxanne Dunbar-Ortiz, Loaded: A Disarming History of the Second Amendment (San Francisco: City Lights, 2019).

    [6] Andrew Macdonald (pseudonym for William Pierce), The Turner Diaries (Mountain City, TN: Cosmotheist Books, 2018); Brad Whitsel, “The Turner Diaries and Cosmotheism: William Pierce’s Theology,” in Nova Religio: The Journal of Alternative and Emergent Religions 1, no. 2 (April 1998): 183–97.

    [7] Mahmood Mamdani, «Settler Colonialism: Then and Now», Critical Inquiry 41, no. 3 (2015): 607.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية