مصانع الألبسة

المناطق الصناعية المؤهلة كمختبرات للعولمة الاقتصادية في الأردن

عاملات في أحد مصانع الألبسة في الأردن عام 2016. عن موقع Better Work.

المناطق الصناعية المؤهلة كمختبرات للعولمة الاقتصادية في الأردن

الإثنين 15 آب 2022

تضاعفت المناطق الصناعية الحرة في جميع أنحاء العالم على مدار الخمسين عامًا الماضية، بينما تنوعت أشكالها.[1] ومع ذلك، فإن لهذه المناطق المبدأ ذاته، وهو تعليق العمل بجزء من القانون العام الساري للسماح بالإنتاج منخفض التكلفة. يعكس وجود هذه المناطق رغبة الدول في زيادة جاذبية مناطق معينة، لتشجيع الشركات على نقل كل إنتاجها أو جزء منه إليها. وتستفيد هذه الشركات من الحالة الاستثنائية في الجمارك والضرائب والعلاقات التجارية، وأيضًا في بعض الأحيان في قانون العمل. وعليه، فرضت هذه المناطق نفسها على مر السنين كنموذج تنموي جديد في الغرب والشرق والجنوب والشمال.

ليس الهدف من هذه المناطق اقتصاديًا فحسب. فقد تم نشر المناطق الحرة (maquiladoras) في المكسيك في الستينيات. وكان الهدف من إنشاء الشركات في هذه المناطق استكمال النشاط الموسمي الذي يقوم بها المكسيكيون في الولايات المتحدة ووضع حد لهجرتهم شمالًا. لذلك، كان الهدف هو الإنتاج بتكلفة منخفضة وكذلك تنظيم موجات الهجرة.[2]

خضعت المناطق الصناعية الحرة للعديد من الدراسات التي سلطت الضوء على دورها الحاسم في انفتاح البلدان، في الجنوب تحديدًا، على اقتصاد السوق العالمي. فمن وجهة نظر المروجين لها، توصف هذه المناطق بأنها مراكز نمو، تولد وظائف جديدة، وتعزز تبادل التقنيات بين الشركات والبلد المضيف، كما تعزز عملية التصنيع في البلدان النامية.[3] ومع ذلك، تدعونا العديد من التجارب والدراسات النقدية إلى التشكيك في هذه الرؤية المثالية للمناطق الحرة، حيث لم تكن الآثار الإيجابية على الاقتصادات المضيفة دائمًا ملموسة.

في الدول العربية أيضًا يتم تقديم هذه المناطق كنموذج يجب اعتماده من أجل التنمية. فقد أصبحت المنطقة الحرة لجبل علي التي تم إنشاؤها في عام 1985 في الإمارات رمزًا لاستراتيجية اقتصادية تم تعميمها على مدار ثلاثين عامًا، وتتمحور حول جذب رأس المال الأجنبي والانفتاح على التجارة الدولية. وانتشار العديد من المناطق الحرة على مستوى الإقليم يشهد على محاولات الاستفادة من التموضع في فضاء التدفقات الدولية.

تأمل «إسرائيل» وتركيا والأردن ومصر وكذلك دول الخليج في الاستفادة من التطور السريع في التجارة مع القارتين الآسيوية والإفريقية. تتنافس هذه البلدان فيما بينها -رغم بعض المشاريع المشتركة- لفرض نفسها كساحة رئيسية لحركة المرور العالمية، بينما تبقى التجارة الإقليمية متواضعة وأكثر تقلبًا.

يظهر هذا كله بشكل خاص في الأردن، حيث تتبع الدولة برنامج الانفتاح على العولمة الاقتصادية الذي بدأ في أواخر الثمانينيات، والذي يتضمن، من بين أمور أخرى، انتشار المناطق المعفاة من الضريبة ومن القانون العام: المناطق التجارية، أو السياحية، أو الصناعية، أو المناطق الحرة الخدمية، أو المستودعات الجمركية، أو المناطق الاقتصادية والتنموية الخاصة.[4]

من بين هذه المبادرات، هناك تجربة تستحق الدراسة بمزيد من الدقة وهي تجربة المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ)، وهي في الأصل نتيجة لقرار أمريكي بتوسيع الإعفاء الجمركي المطبق على المنتجات الإسرائيلية ليشمل الصادرات من مناطق جغرافية محددة في الأردن؛ قرار يأتي في أعقاب توقيع معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية عام 1994 بهدف تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدين. كما يهدف هذا المخطط إلى خلق فرص عمل ونمو يحتاجه الأردن بشدة.

للمناطق الصناعية الحرة في جميع أنحاء العالم المبدأ ذاته، وهو تعليق العمل بجزء من القانون العام الساري للسماح بالإنتاج منخفض التكلفة.

هذه التجربة قديمة بما يكفي لتحقق نتائج يمكن ملاحظتها ودراستها. أدت المناطق الصناعية المؤهلة -التي تم إنشاؤها في أواخر التسعينيات- إلى تطوير صناعة الألبسة المخصصة بالكامل للتصدير إلى الولايات المتحدة؛ صناعة لها خصوصية كونها غير مرتبطة الى حدٍ كبير بالاقتصاد المحلي. استبدل بالعمال الأردنيين العمال المهاجرون، الذين يمثلون الآن أكثر من ثلاثة أرباع القوة العاملة في هذه المناطق، كما أن العديد من المستثمرين هم أجانب.

ومع ذلك، لا تزال المناطق الصناعية المؤهلة تحتل مكانة مركزية في المشهد الصناعي الأردني. فتتفوق صادراتها على صادرات القطاعات الأخرى، بما في ذلك الصناعات الاستخراجية (البوتاس، الفوسفات) وهي التي تسمح للأردن بتحقيق تبادل تجاري متوازن مع الولايات المتحدة. بالتالي، تحظى هذه المناطق الصناعية باهتمام خاص من الدولة الأردنية التي تعتبرها أداة مميزة للاندماج في فضاء التجارة الدولية، وجذب المزيد من المستثمرين الأجانب، وخلق فرص العمل للعمالة الأردنية.

خضعت المناطق الصناعية المؤهلة لعدد من الدراسات العلمية، في أغلب الأحيان بهدف تقييم كمي واقتصادي كلي لتأثيرها على النمو الاقتصادي وميزان المدفوعات وخلق فرص العمل،[5] أو لفحص دورها في «حل الصراع» مع «إسرائيل».[6]

تهدف هذه الورقة إلى عرض نوع وشكل الاقتصاد الموجود في هذه المناطق، وبشكل أكثر تحديدًا، عرض آثار التحايل على القانون العام على تنظيم الإنتاج والعمل داخلها.

المسألة التي أود التأكيد عليها هي أنه على الرغم من تأثيرها الاقتصادي المحدود، فإن المناطق الصناعية المؤهلة لا تزال تشكل مختبرات لسياسة الاندماج في العولمة في الأردن. أي أن هذه المناطق الصناعية الحرة ليست بأي حال من الأحوال هامشية في الاقتصاد الأردني، وأنها تسهم في تحويل النظام الاقتصادي والاجتماعي العام. فعلى سبيل المثال، تُطرح شخصية العامل المهاجر «النشيط» و«المنضبط» الذي يعمل في هذه المناطق من قبل أرباب العمل وفي الخطاب العام في الأردن، لاستنكار «الكسل» و«نقص الانضباط» لدى العامل الأردني.

أقدم هنا بعض نتائج دراسة ميدانية أجريت في عام 2018، بعد الحصول على منحة من المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في عمان، قمت خلالها بزيارة هذه المناطق ومقابلة شخصيات مختلفة (مدراء الشركة، عدد من العمال، ممثلو النقابات، وأشخاص فاعلون في القطاع العام).

المناطق الصناعية المؤهلة كقطاع استثنائي في الأردن

تم إنشاء أول منطقة حرة أردنية في عام 1973 في العقبة لتسهيل الترانزيت عبر مينائها البحري. وظهرت لاحقًا أشكال أخرى من المناطق الاقتصادية. في عام 2014، حل القانون رقم 30 المتعلق بالاستثمار نظريًا محل الإجراءات السابقة وسرى في مختلف المناطق الحرة الموجودة في البلاد.

وفقًا لهذا القانون، هناك نوعان من المناطق «ذات الفائدة» الاقتصادية: أولًا، «المناطق الحرة» التي تُعفى فيها الشركات من الرسوم الجمركية وكذلك من أي ضريبة على الأرباح والمبيعات. وثانيًا، «المناطق التنموية» الموجودة داخل الحدود الجمركية الأردنية، ولكنها تقدم أيضًا للشركات مستوى معينًا من الإعفاء الجمركي والضريبي.

عام 2018، كان هناك ست «مناطق حرة» حكومية و38 شركة مصنفة كمنطقة حرة خاصة، بالإضافة إلى 16 «منطقة تنموية» (أربع منها قيد الإنشاء). يضاف إلى ذلك «منطقة اقتصادية خاصة» تأسست عام 2001 وتشمل محافظة العقبة بأكملها (375 كم²) والتي تتمتع بمزايا «المناطق التنموية» بالإضافة إلى الاستقلال الإداري والمالي.

أما بالنسبة للمناطق الصناعية المؤهلة، فهي لا تصنف كـ«مناطق حرة»، لكنها تستفيد من اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» في عام 1985. وبموجب هذه الاتفاقية، يمكن لمنتج من «إسرائيل» الوصول بحرية إلى السوق الأمريكية إذا كان لديه على الأقل 35% قيمة مضافة إسرائيلية. اعتبارًا من عام 1996، منحت المنتجات من المناطق الصناعية المؤهلة نفس المعاملة بشرط أن تمثل حصص القيم المضافة الأردنية والإسرائيلية على التوالي ثلث هذه النسبة نفسها البالغة 35%، وذلك بموجب تشريع أمريكي عرف بنظام الـQIZ أو الكويز.

رغم أن الاتفاقية التجارية نفسها بين الأردن و«إسرائيل» والولايات المتحدة لم تعد فاعلة بعد عام 2010، إلا أن المناطق الصناعية المؤهلة لا تزال موجودة كقطاع محدد، أي صناعة المنسوجات والملابس المخصصة للتصدير إلى الولايات المتحدة.

لذلك، يجب على الشركة المستفيدة أن تتواجد في هذه المناطق، وأن تزود السلطات الأردنية والإسرائيلية بمعلومات مفصلة عن تكلفة وأصل مدخلاتها، وأن تثبت أن منتجها النهائي يتوافق مع الشروط. وبعد ذلك تحصل على ترخيص ساري المفعول لمدة عام واحد، مما يسمح لها بالاستفادة من الدخول المعفى من الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة. وتمتلك هذه الشركات أيضًا تصريح «دخول مؤقت» للمدخلات المستخدمة في إنتاجها (الأقمشة، والإكسسوارات، والتغليف). كما تحصل على مزايا أخرى (الإعفاءات الضريبية، الإعانات المختلفة، التسهيلات الإدارية) مخصصة لجذب رأس المال وكذلك لخلق فرص العمل.

يمكن للشركات التي تصدر بموجب نظام الكويز أن تعمل في مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الإلكترونيات أو المجوهرات أو العبوات البلاستيكية. ومع ذلك، أثبتت المنسوجات والملابس نفسها على أنها القطاع الرئيسي ثم الوحيد للنشاط منذ عام 2010.

أحد أسباب ذلك هو أن استيراد منتجات المنسوجات والملابس يخضع للضرائب الباهظة عند الدخول إلى الولايات المتحدة، والأهم من ذلك، أن هذا الاستيراد خضع حتى عام 2005 لكوتا (في إطار اتفاق الألياف المتعددة، وهو اتفاق دولي هدفه حد الواردات في قطاع المنسوجات والملابس لحماية الصناعة في دول الغرب). لذا، فإن إمكانية دخول منتجات شركات المناطق الصناعية المؤهلة بحرية إلى السوق الأمريكية – معفاة من الرسوم الجمركية ومن الكوتا- تشكل في حد ذاتها ميزة كبيرة. وهي كافية لتشجيع المستثمرين الأجانب -خاصة الآسيويين- على نقل مصانعهم إلى الأردن الذي كان حتى ذلك الحين غير موجود على خريطة مصدري المنسوجات العالميين.

ومع ذلك، فإن نجاح الكويز بقي محدودًا، فمن بين 13 منطقة تم نشرها بين عامي 1997 و2010، هناك سبع مناطق فقط تشهد نشاطًا كمناطق صناعية مؤهلة، في حين أن المناطق الأخرى لا تتلقى الاستثمارات المتوقعة. اثنتان من هذه المناطق هي حكومية وتقع تحت مسؤولية «شركة المدن الصناعية الأردنية»، وهي شركة مملوكة جزئيًا للحكومة، مسؤولة عن تطوير وإدارة المناطق الصناعية، في حين أن المناطق الأخرى مملوكة ومدارة من قبل شركات خاصة.

ومن ناحية أخرى، فإن العديد من الشركات المتواجدة في هذه المناطق لا علاقة لها بنظام تصدير المناطق الصناعية المؤهلة، إذ سعت ببساطة للعثور على بنية تحتية مناسبة لأنشطة الإنتاج والتخزين والتصدير، أو حتى الاستفادة من الإعفاءات والمزايا الأخرى الخاصة بهذه المناطق. تستضيف مدينة الحسن الصناعية، التي تعد واحدة من المناطق الصناعية المؤهلة الرئيسية في البلاد، الصناعات الغذائية الزراعية والكيماوية والصيدلانية والمعدنية والإلكترونية -بالإضافة إلى المنسوجات- التي تصدر إلى وجهات مختلفة.

حلت اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مباشرة بين الأردن والولايات المتحدة (JUSFTA) أخيرًا محل نظام الكويز بعد عام 2010، مما يعني أن المصدرين إلى السوق الأمريكية معفون الآن من الالتزام بدمج القيمة المضافة الإسرائيلية في بضائعهم. كما أنهم لم يعودوا مجبرين على التواجد في المناطق الصناعية المؤهلة.

ومع ذلك، فقد اختاروا عدم مغادرة هذه المناطق، حيث يستمرون بالاستفادة من أسعار العقارات المواتية والبنية التحتية المناسبة والاستيراد المعفى من الرسوم الجمركية لمدخلاتهم. لذلك تستمر هذه الشركات في التميز عن غيرها من شركات المنسوجات والملابس في الأردن، بما في ذلك من حيث توزيعها في البلد. أدى ذلك إلى الحد من العلاقات مع الموردين الآخرين خارج المناطق الصناعية المؤهلة، ومنع ظهور صناعة فرعية محلية لإنتاج المدخلات.

بالنهاية، تشغل المناطق الصناعية المؤهلة مساحات محددة جغرافيًا، ولكن تشكل أيضًا نظامًا خاصًا للإنتاج المتحرر من القانون العام الأردني. ورغم أن الاتفاقية التجارية نفسها بين الأردن و«إسرائيل» والولايات المتحدة لم تعد فاعلة بعد عام 2010، إلا أن المناطق الصناعية المؤهلة لا تزال موجودة كقطاع محدد، أي صناعة المنسوجات والملابس المخصصة للتصدير إلى الولايات المتحدة.

شبكة إنتاج معولمة «بعيدة عن الأرض»

للمناطق الصناعية المؤهلة خصوصية أنها تعمل حتى اليوم في سياق مغلق نسبيًا، كونها تنتقص من النظام الضريبي الموحد، وأيضًا لأن طبيعة الإنتاج داخلها مختلفة وغير منسجمة مع محيطها الأردني.

يتسم قطاع المنسوجات والملابس بالحاجة القليلة لرأس المال الفني والتقني، والمنافسة القوية على نطاق عالمي، والعلاقة العمودية للغاية بين الماركات العالمية والموردين والمقاولين من الباطن. وهذا صحيح أيضًا في حالة الأردن.

فمن جانب، هناك المشترون، وهم ماركات الملابس العالمية التي اختارت الاستعانة بمصادر خارجية لتصنيع سلعها عبر شركات تقع في البلدان التي تكون فيها تكاليف الإنتاج والتوصيل أكثر انخفاضًا. قد تختلف هذه التكاليف من منتج إلى آخر، ومن سوق إلى آخر، مما يعني أن ماركة عالمية نفسها قد تختار تصنيع كل السلعة أو جزء منها في الأردن لبيعه في السوق الأمريكية، وإنتاجه في بنغلاديش للسوق الأوروبية.

على الجانب الآخر من سلسلة الإنتاج، فإن الشركات التي تتلقى هذه الطلبات (الموردين) في المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن هي في الغالب مصانع فرعية تقع شركتها الأم في مكان آخر -في الهند والصين وتايوان وباكستان- استقرت في الأردن للاستفادة من مزاياه التجارية. ونتيجة لذلك، لا توجد سوى وحدات الإنتاج في هذه المناطق، في حين أن معظم الأجهزة الإدارية موجودة خارج الأردن. وبالتالي، فإن حشد العملاء، والتفاوض على العقود، والبحث عن تصميمات جديدة وتطويرها، وشراء المعدات ومدخلات الإنتاج، يتم الاهتمام به على مستوى الشركة الأم، التي تعيد توزيع الطلبات والمواد على فروعها، في الأردن أو في أي مكان آخر، حسب المتفق عليه في العقد.

للمناطق الصناعية المؤهلة خصوصية أنها تعمل حتى اليوم في سياق مغلق نسبيًا، كونها تنتقص من النظام الضريبي الموحد، وأيضًا لأن طبيعة الإنتاج داخلها مختلفة وغير منسجمة مع محيطها الأردني.

بالتالي، فإن التواجد في المناطق الصناعية المؤهلة الأردنية يعتمد بدرجة أقل على الصفات والموارد المتوفرة محليًا بقدر ما يعتمد على العلاقة التجارية التفضيلية مع الولايات المتحدة. نتيجة لذلك، تطور هذه الشركات علاقة سلبية نسبيًا مع بيئتها المحلية: رأس مالها أجنبي، والمدخلات والأجهزة التقنية مستوردة، وليس لديها صلات بالموردين المحليين، وتوظف كوادر أجانب -باستثناء مدير المصنع الذي غالبًا ما يكون أردنيًا ويعمل على التواصل مع المؤسسات المحلية- وعمالة محلية غير مؤهلة.

هناك أيضًا شركات في المناطق الصناعية المؤهلة تتعاقد من الباطن (subcontractor) مع المصدرين للولايات المتحدة، من خلال استلام جزء من طلباتهم، إذ يشترون مدخلات الإنتاج اللازمة منهم ثم يعيدون بيع المنتجات النهائية لهم. ورغم أنهم لا يقومون بالتصدير، فقد أنشأ هؤلاء المتعاقدون من الباطن من الدرجة الثانية شركاتهم في الكويز أيضًا، حتى لا يفقدوا الإعفاء من الرسوم الجمركية، أي أن المدخلات والمنتجات لا تخضع للضرائب الأردنية.

غالبًا ما تكون هذه الشركات أجنبية أيضًا. لذا، فإن وجودها يكشف عن عدم اهتمام المصانع المتواجدة في الكويز بالتفاعل مع شركات موجودة خارج هذه المناطق، سواء للتعاقد من الباطن أو حتى لشراء المعدات منها. ورغم وجود عدد من الشركات الأردنية من بين هؤلاء المتعاقدين من الباطن، إلا أن طبيعة العلاقات الصناعية والقيمة المضافة المنخفضة للمنتجات المصنعة تعيق استفادة النسيج الاقتصادي المحلي منها.

من جانب آخر، شهد الأردن منافسة متزايدة من البلدان ذات تكاليف الإنتاج المنخفضة، مع إلغاء اتفاق الألياف المتعددة عام 2005. إذ انخفض عدد الشركات في الكويز بشكل حاد، من 65 في عام 2011 إلى 31 في عام 2017. وكان هؤلاء المقاولون من الباطن من الدرجة الثانية أول من تأثر بهذا الانخفاض. لكن هذا لا يمنع البعض من تطوير نشاطهم وزيادة صادراتها.

الاستخدام الكبير للعمال المهاجرين واستياء القوى العاملة الأردنية

وظّف قطاع المناطق الصناعية المؤهلة ما يزيد قليلًا عن 70 ألف شخص في عام 2017، 70.7% منهم نساء و76.5% عمال أجانب. بل إن نسبة المهاجرين في بعض الشركات تجاوزت 90% في عام 2018. بينما تختار بعض الشركات توظيف قوة عاملة أردنية حصرًا، وهذه الشركات هي بالأساس شركات أردنية متعاقدة من الباطن، وأكبرها شركة العرين التي كان لديها 600 موظف في عام 2017.

هذه النسبة من العمالة الأجنبية استثنائية بالنظر إلى ما يسود في القطاعات الأخرى في الأردن، بما في ذلك في المنسوجات والملابس خارج الكويز. فمن حيث المبدأ، تفرض الحكومة سقفًا بنسبة 30% للعمال الأجانب، وتحد من منح تصاريح العمل للشركات لهذا الغرض. الاستثناءات الوحيدة للقاعدة هي الزراعة والعمالة المنزلية، حيث تكون هذه النسبة أعلى من ذلك بكثير.

يتم طرح عدة أسباب من قبل أرباب العمل، ومن قبل الجهات الحكومية أيضًا، لشرعنة هذا الاستخدام الكبير للعمالة الأجنبية. حيث تتم الإشارة بشكل خاص إلى «نقص التدريب» و«الإنتاجية المنخفضة» للقوى العاملة الأردنية، فضلًا عن «ثقافة العيب» و«الريعية» التي تفسر، بحسب هذا الخطاب، عزوف الأردنيين عن تولي وظائف صناعية.

تعمل شركات الكويز في بيئة عالمية شديدة التنافسية وتعتمد على طلبات متقلبة بمواعيد ضيقة للغاية تحت ضغط المقاولين. هذا الوضع في نظرهم، يبرر الحفاظ على ظروف العمل الصعبة جدًا.

وهكذا، حصل أصحاب المصانع في الكويز من السلطات على الحق في جلب قوة عاملة آسيوية (بشكل رئيسي اليوم من شبه القارة الهندية)، مشهورة بأنها «أفضل تدريبًا» و«أكثر إنتاجية وانضباطًا». هذه الحجة تكشف في الحقيقة عن رؤية ورغبة أصحاب العمل أنفسهم، ولا تقول شيئًا عن ظروف العمل المزرية في هذه المناطق. كما لا تبدو ذات مصداقية كبيرة إذا أخذنا في الاعتبار وجود أغلبية للعمال الأردنيين في قطاعات أخرى مثل قطاع صناعة الأدوية والصناعات المعدنية.

تعمل شركات الكويز في بيئة عالمية شديدة التنافسية وتعتمد على طلبات متقلبة بمواعيد ضيقة للغاية تحت ضغط المقاولين. هذا الوضع في نظرهم، يبرر الحفاظ على ظروف العمل الصعبة جدًا. يستمر يوم عمل العامل حسب اللوائح ثماني ساعات لستة أيام في الأسبوع. وغالبًا ما يحدث أن يعمل أيضًا أربع أو خمس ساعات من العمل الإضافي يوميًا إذا كان على الشركة تلبية طلب عاجل. ونشاطه جزء من سلسلة إنتاج يحتل كل فرد فيها مكانًا محددًا للغاية: مشغل آلة، مساعد خياطة، تقطيع، تشطيب، فني كيّ، تغليف، عامل صيانة، تنظيف. العمل متكرر والتدريب غير مجزٍ، مما لا يفتح آفاقًا وظيفية واسعة.

يتم تعيين العمال بالحد الأدنى للأجور، والذي تم تحديده عام 2017 بمبلغ 220 دينارًا أردنيًا شهريًا في جميع القطاعات، في بلد يُقدر فيه خط الفقر رسميًا بـ395 دينارًا شهريًا للعائلة في عام 2015.

ومع ذلك، فإن تحديد هذا الحد الأدنى للأجور في قطاع الألبسة والمنسوجات يخرج أيضًا عن القاعدة العامة كونه موضوع للتشاور الخاص بين صاحب العمل ونقابة العمال في قطاع المنسوجات والملابس. والحجّة هي الكثافة العالية لليد العاملة في قطاع خاضع لمنافسة دولية قوية. ورغم صدور قرار برفع الحد الأدنى للأجور إلى 260 دينارًا عام 2020، إلا أنه استثنى أساسًا العاملين في قطاع الألبسة والمنسوجات، أردنيين وأجانب، قبل أن يتم تأجيل تنفيذه إلى مطلع 2023.

بالتالي، فإن العمل في المناطق الصناعية المؤهلة يبدو غير جذاب بالنسبة للعمال الأردنيين -ومعظمهم من النساء من المدن والقرى المجاورة- الذين لا يرون أي سبب لتكريس أنفسهم للعمل أكثر من اللازم، ولا يترددون في الاستقالة عند أدنى مشكلة، أو إذا واجهوا التزامات أخرى، أو وجدوا عملًا أفضل. كما أن وجود عمال أجانب من لغات وثقافات وأديان مغايرة يثير تخوف بعض الأردنيين تجاه العمل في هذه المناطق.

أخيرًا، وربما الأهم، فقد اكتسبت المناطق الصناعية المؤهلة سمعة سيئة للغاية بسبب سوء المعاملة والإساءة التي يرتكبها المشرفون في المصانع. العمال الأردنيين أقل عرضة للخطر من المهاجرين، ومع ذلك، أدى سوء المعاملة إلى زيادة العداء تجاه هذه الشركات وصعوبة استقطاب القوى العاملة الأردنية، رغم السياسات الحكومية المخصصة لجذبها.

يتم تجنيد العمال المهاجرين في بلدهم الأصلي ويخضعون لنظام الكفالة، وهو شكل من أشكال الوصاية التي تربط التجديد السنوي لتصاريح الإقامة والعمل لكل مهاجر برغبة صاحب العمل. لذلك فهم أضعف أمام الأوامر المتعلقة بالإنتاجية وسوء المعاملة داخل المصنع. كما ينص العقد، الموقع لمدة ثلاث سنوات ثم يتم تجديده كل عام، على أن يكون سكن هؤلاء العمال وطعامهم من مسؤولية صاحب العمل. لكن بموجب الاتفاقية القطاعية، تُقتطع هذه التكاليف -التي تقدر بـ95 دينارًا- من راتب العامل، لينخفض راتبه الأساسي إلى 125 دينارًا. ويسكن هؤلاء المهاجرون، أو بالأحرى يُكوّمون، في سكنات مخصصة لهم. فهم هنا عبارة عن قوة عاملة فقط، مرهونة باحتياجات صاحب العمل، ربما لسنين، بينما لا يزال وجودهم في الأردن يعتبر «مؤقتًا».

تساهم كل هذه التدابير الاستثنائية المتعلقة بالعمل في الكويز في تقسيم سوق العمل بين هذه المناطق وبقية الأراضي الأردنية، وخلق تراتبية بين العمال المحليين والمهاجرين، لها انعكاسات حتى على توزيع المهام داخل المصنع نفسه.

إذ تبين من خلال البحث أن الاستيراد «المؤقت» للعمال المهاجرين وعزلهم الجغرافي والاجتماعي ضروريان لضمان توافر أكبر قدر ممكن من الوقت للعمل وخضوع العمال بشكل أفضل للقيود الإنتاجية. وهذا بدوره يفسر الاستخدام المكثف لهؤلاء العمال الأجانب بدلًا من العمال المحليين، الذين من الواضح أنهم أقل استعدادًا للانصياع لوتيرة الإنتاج المتقلبة، وأكثر استعدادًا للتغيب والاستقالة.[7]

ويبدو أن غياب العمالة الأردنية يحرج السلطات الأردنية. فقد تم تنفيذ برامج وسياسات مختلفة من قبل الحكومة الأردنية وشركائها (منظمة العمل الدولية، الحكومات الأجنبية) لتشجيع شركات الكويز على تدريب وتوظيف المزيد من العمال الأردنيين أو حتى اللاجئين السوريين، دون نجاح. وتشير دراسة أجريت إلى أن اللاجئين يفضلون العمل يوميًا بشكل «غير منتظم» على العمل في هذه المناطق.[8]

شراكة «رائدة» في الاقتصاد الأردني بين القطاعين العام والخاص

حتى اليوم، لا تزال هناك «وحدة كويز» داخل وزارة الصناعة والتجارة الأردنية، وهي الجزء الأردني المتبقي من «لجنة مشتركة» أردنية إسرائيلية كانت مسؤولة سابقًا عن مراقبة تنفيذ الشروط. هذه الوحدة هي التي تساعد الشركات في إجراءاتها الإدارية وتمنحها التصاريح اللازمة للتصدير بحرية إلى الولايات المتحدة. كما تعمل بالنيابة عن الحكومة مع مختلف الجهات الفاعلة في هذا القطاع: منظمة العمل الدولية، والبنك الدولي، والنقابة العامة للعاملين في صناعة الغزل والنسيج والألبسة، وجمعية مصدري المنسوجات والإكسسوارات والملابس، والاتحاد الأوروبي. من ناحية أخرى، لا تتعامل الوحدة على الإطلاق مع ما هو خارج الكويز، بما في ذلك عندما يتعلق الأمر بصناعات النسيج أو الشركات المصدرة إلى الولايات المتحدة.

تأسست جمعية مصدري المنسوجات والإكسسوارات والملابس (JGATE) عام 2003. وهي تجمع أصحاب المصانع من المناطق الصناعية المؤهلة بالإضافة إلى المصدرين الى الأسواق الأخرى (الدول العربية والأوروبية)، مما يشكل أول محاولة للتقارب داخل القطاع، بمبادرة من المصدرين الموجودين خارج الكويز. تهتم الجمعية بشكل خاص بالترويج للأردن كدولة منتجة للملابس، من خلال تقديم صورة قطاع تنافسي ومسؤول (خاصة فيما يتعلق بالعمال) ومنفتح على المستوى الدولي، بهدف فتح أسواق جديدة. وفي الوقت نفسه، تستخدم ثقل قطاع الكويز لدعوة الحكومة لتوفير سياسات أفضل للشركات.

كممثل للقطاع الخاص، حظيت الجمعية بالأسبقية مقارنة بنقابة أصحاب مصانع النسيج والملابس المسجلين لدى غرفة الصناعة منذ فترة طويلة. إذ تعتبر النقابة أقل أهمية من الناحية الاقتصادية، والمصالح التي تدافع عنها تخص أصحاب العمل المحليين فقط.

في اجتماعات النقابة في عمان، أعرب رواد الأعمال المحليون عن أسفهم إزاء «نقص التكامل داخل القطاع» وحقيقة أنهم لا يجنون «أي فائدة» من وجود كبار المصدرين في الكويز. وبحسبهم، فإن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة التي فضلت سياساتها الكويز «دون مراعاة احتياجات الصناعة المحلية» و«دون السماح بظهور صناعات ذات صلة خارج المناطق الصناعية المؤهلة (المقاولون من الباطن، إنتاج المدخلات)».

تؤكد هذه المشاهدات النتائج التي أثبتتها العديد من الدراسات حول ضعف اندماج الكويز في النسيج الاقتصادي المحلي.[9] ضعف التكامل يُفسَّر، كما أوضحنا، بطبيعة قطاع النسيج والملابس المتواجد في تلك المناطق «البعيد عن الأرض»، سواء على مستوى نمط الإنتاج غير المتجانس مع النمط المحلي، أو أسلوب إدارة العمل.

لذلك، يبدو أن الشركات التي تم تأسيسها في المناطق الصناعية المؤهلة «تحوم» فوق الاقتصاد المحلي، حيث لا تزال تعتمد إلى حد كبير على السوق الدولي لتزويدها بمدخلات الإنتاج ورؤوس الأموال والتقنيات ومنافذ البيع. ومع ذلك، ما زال هذا القطاع يلعب دورًا طليعيًا بالنسبة للعديد من الجهات الفاعلة في الأردن، الحكومية أو الخاصة، الوطنية أو الأجنبية، إذ يستفيد هذا القطاع من أسلوب خاص جدًا في الإدارة.

رغم ظهورها على هامش الصراعات الاجتماعية في الأردن -عمليًا ومكانيًا- إلا أن هذه المناطق الحرة لها تأثيرات مهمة على تطور العلاقات الاجتماعية، أو تحول السياسات العامة أو حتى إنتاج الفضاء الوطني والإقليمي. وهي بالفعل مختبرات للعولمة.

عام 2006، نشرت لجنة العمل الوطنية في الولايات المتحدة تقريرًا يدين «الاتجار بالبشر» و«العبودية القسرية» التي يعاني منها العمال الأجانب في الكويز.[10] كان للتقرير تأثير تسبب في انخفاض الطلبات الموجهة للشركات، وبالتالي انخفاض صادراتها بين عامي 2007 و2009.

ناشدت الحكومة الأردنية منظمة العمل الدولية لمساعدتها على تحسين ظروف العمل واستعادة القطاع الذي يعاني من تراجع شديد. بعد ذلك، تم تقديم برنامج «عمل أفضل» (Better Work) في عام 2009، تحت إشراف منظمة العمل الدولية وبالتعاون مع البنك الدولي، بهدف «تحسين ظروف العمل واحترام حقوق العمال» وأيضًا «لتعزيز القدرة التنافسية لشركات الملابس». هذا البرنامج قيد التنفيذ في العديد من البلدان المصدرة للمنسوجات (كمبوديا، فيتنام، بنغلاديش). ومن خلاله يتم إشراك الجهات الفاعلة في القطاع (الوزارات، جمعية مصدري المنسوجات والإكسسوارات والملابس، نقابة العمال، منظمة العمل الدولية، المقاولون، الشركاء (مثل البنك الدولي أو الاتحاد الأوروبي)) لتنسيق جهودهم. وأصبحت الاجتماعات الدورية لبرنامج «عمل أفضل» مكانًا مميزًا للقاء بين هذه الجهات الفاعلة المختلفة.

يجري خلال هذه الاجتماعات اتخاذ قرارات واتفاقيات بشأن القطاع والتفاوض بشأنها، مثل: إنشاء قائمة ذهبية لمكافأة الشركات على «حسن السلوك» بعد عام 2009،[11] وإبرام عقود عمل موحدة للمهاجرين في عام 2015، وبرنامج لتشجيع توظيف العمال السوريين في عام 2016.

كان لهذه الاجتماعات أيضًا تأثير في الجمع بين الجهات الفاعلة وتوحيد رؤاها وخطابها. كما عززت هذه الاجتماعات المناطق الصناعية المؤهلة كقطاع رائد في تنفيذ سياسات مختلفة (إعانات التوظيف، وتوظيف اللاجئين السوريين).

هكذا، على سبيل المثال، وبهدف تعزيز توظيف العمال الأردنيين، أنشأت الحكومة في عام 2009 آلية تشجع شركات هذا القطاع على إنشاء مصانع جديدة خارج الكويز في المناطق التي تم تعريفها على أنها «جيوب فقر».

هذه الوحدات «الفرعية» (satellite) مدعومة بشكل كبير، فالحكومة نفسها توفر المباني الصناعية لمدة 10 سنوات، وتدفع ما يصل إلى 50% من رواتب الموظفين لمدة 12 شهرًا، وتتنازل للشركات عن دفع تصريح عمل لأحد العمال المهاجرين مقابل كل عامل أردني يتم توظيفه في هذه الوحدات. في المقابل، يجب على الشركة توظيف عمال أردنيين حصرًا في هذه الوحدات. وقد تم إنشاء حوالي عشر وحدات «فرعية» بالقرب من مأدبا والطفيلة وعجلون والكرك.

ربما لا يزال من المبكر الحكم على نتائج هذه الوحدات «الفرعية» وهذه «الأرْدَنَة» للتوظيف في هذا القطاع. ومع ذلك، فإن هذه المبادرة تدل على محاولة السلطات الأردنية الاستفادة القصوى من وجود هذه الشركات على أراضيها.

يقول بعض أصحاب العمل إنهم راضون عن هذه السياسة التي تسمح لهم بالتعامل مع القوى العاملة الأردنية التي يجدون صعوبة في جلبها إلى الكويز. يعتقد البعض الآخر، على العكس من ذلك، أن هذه الوحدات ستفرض في النهاية عبئًا إضافيًا على نشاطهم، نظرًا «للإنتاجية المنخفضة جدًا» لهذه القوة العاملة الأردنية، التي يكون عملها «أقل جودة» و«لا يكفي حتى لتغطية تكلفة الوحدة». من جانبها، تعتبر الحكومة المبادرة ناجحة وتخطط لتوسيع هذا المخطط التجريبي ليشمل قطاعات أخرى من النشاط كوسيلة للحد من البطالة في جميع أنحاء البلاد.

خاتمة

إن المبدأ الأساسي للمناطق الصناعية الحرة في العالم هو جذب الشركات والاستثمارات من خلال تعليق العمل بجزء من القانون العام الساري والإعفاء من الجمارك والضرائب وحتى وتشريعات العمل. بالإضافة إلى أهداف النمو والتنمية الاقتصادية، تقع هذه المناطق في قلب استراتيجيات الاندماج في العولمة، وفي صميم تنظيم تدفق السلع ورأس المال والعمال.

في الأردن، كان إنشاء هذه المناطق أيضًا جزءًا من مجموعة من السياسات التي تهدف لخلق سوق إقليمي واحد وجذاب لرأس المال الدولي، ولدعم العمليات السياسية لبناء السلام بين «إسرائيل» والدول العربية، مما يوضح تمامًا الترابط بين الإصلاحات الاقتصادية وإعادة التشكيل الواقع السياسي على مستوى الإقليم.

أتاحت الكويز تنمية قطاع منفصل، متخصص في المنسوجات والملابس المخصصة للتصدير إلى الولايات المتحدة. وهي تتألف بشكل أساسي من شركات أجنبية. وما زالت حتى يومنا هذا تحظى باهتمام خاص من السلطات الأردنية بسبب ثقلها الاستراتيجي في الميزان التجاري للبلاد.

ومع ذلك، فإن هذا القطاع يختلف تمامًا عن صناعة المنسوجات والملابس خارج الكويز، المخصصة للسوق المحلي أو للتصدير إلى وجهات أخرى. هذا التمييز ليس جغرافيًا فقط، ولكنه يتعلق بأنماط الإنتاج والحوكمة.

ظل تفاعل الكويز مع الاقتصاد الأردني المحلي محدودًا للغاية، وكذلك فرص التعاون مع الشركات المحلية ذات الأنماط المختلفة جدًا لتنظيم الإنتاج والعمل. لذلك يبرز التساؤل حول دور هذه المناطق في الأردن وآثارها على الاقتصاد والمجتمع.

تشكل الكويز أداة رائدة من حيث السياسات الاقتصادية في الأردن. هذا الدور الخاص ناتج عن تحرير هذه المناطق عن النظام العام، من حيث الضرائب، وتشريعات العمل، والمرونة الإدارية، ما أدى إلى إنشاء إدارة خاصة ومؤسسات خاصة، تشارك فيها الجهات الفاعلة الحكومية والدولية والخاصة والنقابية.

ورغم ظهورها على هامش الصراعات الاجتماعية في الأردن -عمليًا ومكانيًا- إلا أن هذه المناطق لها تأثيرات مهمة على تطور العلاقات الاجتماعية، أو تحول السياسات العامة أو حتى إنتاج الفضاء الوطني والإقليمي. وهي بالفعل مختبرات للعولمة.

  • الهوامش

    [1] Bost F. (dir.), 2010. Atlas mondial des zones franches. La Documentation française, Paris.

    [2] Mercier D., 2009. “Sociologie des modes de gestion de main-d’oeuvre “hors sol”” , Savoir/Agir 2017/1 (N° 39), p. 32-40.

    [3] Madani D., 1999. A Review of the Role and Impact of Export Processing Zones. World Bank Group, Washington, D.C.

    [4] Labadi T., 2019. “La rente, la dette et la réforme: décryptage de la contestation sociale en Jordanie”, Confluences Méditerranée, 3 (N° 110), p. 55-67.

    [5] al-Bakhit Y. et al., 2009, Ten Years of Qualified Industrial Zones: Absolute Success or Relative Success, Amman, Royal Scientific Society of Jordan et the Friedrich-Ebert-Stiftung ; Awad T., Ghoneim A., 2009. Impact of Qualifying Industrial Zones on Egypt and Jordan: A Critical Analysis. UNCTAD, Genève ; QIZ Unit, 2013. The Future of Jordan’s Qualified Industrial Zones (QIZs), Royal Scientific Society of Jordan and Friedrich-Ebert-Stiftung Amman Office, Amman.

    [6] Nugent J., 2014, « Some Lessons of the Qualifying Industrial Zones (QIZ) Experience in the Middle East for Business Initiated Programs Promoting both Development and Peace », Business, (Peace and Sustainable Development), n°3, 99-114.

    [7] Labadi T., 2021. “Ce que fait l’assignation à circuler aux temporalités de travail”, Temporalités, 33.

    [8] Better Work Jordan, 2017. “Examining Barriers to Workforce Inclusion of Syrian Refugees in Jordan”, International Labour Organization, International Finance Corporation.

    [9] Awad et Ghoneim (2009)

    [10] The National Labor Committee, 2006. U.S. Jordan Free Trade Agreement, Descends Into Human Trafficking & Involuntary Servitude, New York.

    [11] يعمل برنامج BW مع الحكومة لمراقبة المصانع والسكنات لمراقبة الامتثال للحقوق والكشف عن وجود انتهاكات وسوء معاملة. يتم تسجيل الشركات التي تلبي توقعات البرنامج في القائمة الذهبية، وهو ما يضمن لمدراءها الحصول على المزيد من الطلبات، بينما يتم شجب الآخرين، أو حتى معاقبتهم من قبل الحكومة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية