الهيدروجين الأخضر: حلقة جديدة في الاستيلاء الأوروبي على شمال إفريقيا

الثلاثاء 11 تشرين الأول 2022
حافلة تسير بالهيدروجين الأخضر في كوستاريكا. تصوير إيزيكويل بيكيرا. أ ف ب.

يبدي الاتحاد الأوروبي اهتمامًا كبيرًا هذه الأيام تجاه «الهيدروجين الأخضر»، أي الهيدروجين الناتج عن التحليل الكهربائي للمياه، عبر فصله عن الأكسجين باستخدام كهرباء من مصادر متجددة مثل الرياح أو الشمس، بصفته بديلًا مستقبلًا يؤمل أن يحل محل الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة. إذ يعتزم الاتحاد استيراد ما يصل إلى 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول سنة 2027، من مناطق يمكنها إنتاج هذا الهيدروجين استنادًا لمصادر طاقة متجددة. والمرشح الأول لهذا الموقع هي دول شمال إفريقيا، نظرًا لقربها من القارة الأوروبية، وإمكانات الطاقة العالية فيها، والتكاليف المنخفضة.

هذا ما تدفع باتجاهه خطة المفوضية الأوروبية المعروفة باسم REPowerEU، والتي تأتي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا كمحاولة لوضع حد للاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي وتوفير مصادر طاقة بديلة قادرة على ضمان الأمن الطاقي لأوروبا. ويكلف هذا السعي لإنهاء هيمنة الغاز الروسي ثمنًا باهظًا، حيث يساهم في خلق وتعزيز مناطق جديدة يضحّى بها في سبيل تجميع هذه الطاقة منها، كما هو الحال في شمال إفريقيا التي تظل خاضعة لمقتضيات محاولة جديدة للاستيلاء الاستعماري. 

تسلط دراسة نشرها المعهد الدولي (TNI) ومرصد شركات أوروبا (CEO) في أيلول الماضي الضوء على عدد من المشاكل وراء خطة استيراد الهيدروجين من شمال إفريقيا. حيث تكشف تكاليف الإنتاج والنقل المرتفعة وطبيعة عمل مصادر الطاقة المتجددة أن الطموح الأوروبي غير واقعي بتاتًا مقارنة بالأهداف المتوقعة. 

فمن ناحية، إذا كان لا يزال من الممكن الاعتماد على مصادر متجددة لإنتاج الهيدروجين فإن طبيعة عمل هذه المصادر المتجددة المتقطعة تعني أن الهيدروجين الأخضر لن يتم إنتاجه على مدار الساعة بلا توقف. من ثم، فمن المرجح أن يتم توصيل محطات الهيدروجين بشبكة الكهرباء الرئيسية التي عادة ما تعتمد في تشغيلها على الوقود الأحفوري. على سبيل المثال، لا يمكن أن تنتج المحطة الكهروضوئية سوى 24-27% من سعة طاقتها الاسمية، لأن الشمس تغذيها بالطاقة نصف الوقت فقط، ولا تكون أشعتها قوية في الصباح وقبل الغروب. 

في هذا الصدد، يثير مشروع بناء محطة هيدروجين أخضر بسعة 1 غيغاواط تعمل بالطاقة الشمسية في الجزائر من قبل الشركة الإيطالية متعددة الجنسيات «ENI» تحديات عدة. فهذا المشروع يستطيع استبدال حوالي 0.2% فقط من صادرات الغاز الجزائرية. أما إذا غيّرت الجزائر صادراتها من الغاز إلى الهيدروجين، فسوف تضطر إلى تركيب مزارع من الألواح الشمسية قادرة على إنتاج 500 غيغاواط، وهو ما يزيد عن 1000 ضعف ما هو موجود حاليًا. إضافة إلى تكاليف الإنتاج الباهظة للغاية، سيتأثر استخدام الأراضي والمياه والموارد الأولية بشكل كبير جدًا بخطة كهذه. 

إن اهتمام الاتحاد الأوروبي بالهيدروجين لا يقتصر على أراضي شمال إفريقيا، إذ يطمح الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء سوق هيدروجين عالمي لتلبية احتياجاته الخاصة.

من جهة أخرى، فإن الآثار الناجمة عن تكاليف نقل الهيدروجين باهظة أيضًا، حيث تتطلب عملية النقل طاقة أكثر بكثير من الطاقة اللازمة لنقل الوقود الأحفوري. ومن المحتمل أن تقوم مصر والمغرب بتصدير الهيدروجين الأخضر مسالًا عن طريق الناقلات البحرية. تبلغ الطاقة اللازمة لتسييل الهيدروجين الأخضر ثلاثة أمثال الطاقة اللازمة للنقل البحري، ويحتوي الغاز المنقول على 27% فقط من الطاقة في نفس الكمية من الغاز الطبيعي. كما تستكشف مصر فكرة استبدال الوقود البحري الحالي بغازات الميثانول والأمونيا الخضراء المنتجة من الهيدروجين الأخضر. بالإضافة إلى سمّيتهما المثبتة، فإن كلا الغازين أغلى بأربعة إلى خمسة أضعاف تكلفة الوقود الحالي. 

بالتالي، تعتبر قضية إنتاج الهيدروجين وتكاليف النقل وأنواع الوقود «الخضراء» المرتبطة به مصدر قلق كبير. وتصبح الكلفة مثيرة للقلق بشكل خاص عندما يكون الهيدروجين المنتج في شمال إفريقيا موجهًا لتلبية احتياجات الاتحاد الأوروبي من الطاقة. إذا كانت أوروبا ستستخدم هيدروجين شمال إفريقيا، فقد يكلف ذلك ما يصل إلى 11 ضعف تكلفة استخدام الغاز الطبيعي. والسؤال هنا: من سيدفع هذه التكاليف؟ 

في الواقع، يمكن تفسير اهتمام الاتحاد الأوروبي المتزايد بالهيدروجين الأخضر على أنه حصان طروادة لصناعة الغاز، أو باب خلفي يسمح باستمرار عمليات استخدام الوقود الأحفوري. في الحقيقة، يرى الاتحاد الأوروبي أنه لا يزال من الممكن استخدام أشكال أخرى من الهيدروجين «منخفض الكربون»، الذي يعرف بـ«الهيدروجين الأزرق»، وهو هيدروجين منتج باستخدام الوقود الأحفوري، بالتالي فإن إنتاجه يطلق ثاني أكسيد الكربون الذي يتم التقاطه ودفنه تحت الأرض. لذا، يعتبر الهيدروجين الأزرق بمثابة «وقود انتقالي» نحو الهيدروجين الأخضر. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن أقل من 1% فقط من الهيدروجين المنتج في أوروبا حاليًا يعد أخضرًا. ومع ذلك، فإن استخدام الهيدروجين الأزرق ليس فقط أسوأ بالنسبة للمناخ من الهيدروجين الأخضر، بل هو أكثر ضررًا من مجرد استخدام الغاز الأحفوري. 

هكذا، تحاول شركات الغاز الأوروبية خلق ضجيج حول اقتصاد الهيدروجين، بحيث تضفي الشرعية على استخدام الأشكال الضارة من الهيدروجين في حالة نقص الكهرباء الخضراء. حيث تأمل شركات الغاز الأوروبية أن يتجاوز الطلب على الهيدروجين الأخضر إمدادات الكهرباء المتجددة اللازمة لإنتاجه، وبهذا يضطر الاتحاد الأوروبي (أو العالم بأسره) إلى الاعتماد على الهيدروجين الأزرق. وبهذه الطريقة، فإن ما كان من المفترض أن يكون «وقودًا انتقاليًا» قد يصبح عمليًا «وقود الوجهة النهائية».  

في خطاب حالة الاتحاد الأوروبي الأخير، أعلنت رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، عن توفير تمويل عام ضخم لتغطية التكاليف المرتفعة للهيدروجين. حيث سيؤسس الاتحاد الأوروبي بنكًا أوروبيًا للهيدروجين بقيمة ثلاثة مليارات يورو، من المفترض أن يغطي الفجوات الأولية بين تكاليف الإنتاج وأسعار البيع. مما يثير جدلًا كبيرًا حول أهمية وفائدة تجميع مثل هذه الأموال عندما تكون القارة الأوروبية في خضم أزمة تكاليف المعيشة وأسعار الطاقة المتزايدة بمعدلات تنذر بالخطر. ألن تكون البرامج الموسعة لتحسين عزل الإسكان ومكافحة الافتقار الطاقي هي بند الإنفاق الأجدر بالاهتمام؟ 

لكن فلنفترض أن الاتحاد الأوروبي يمكنه تغطية تكاليف المستهلكين بالكامل. قد يتساءل المرء بعد ذلك ما إذا كان من الحكمة لدول مثل المغرب والجزائر ومصر ضمان أهدافها الخاصة بالكهرباء المتجددة والمناخ بدلاً من توفير احتياجات الطاقة الأوروبية. إن تحقيق أوروبا لأهدافها على حساب دول شمال إفريقيا ليس أمرًا سخيفًا فحسب، بل إنه أمر استغلالي أيضًا. ومع ذلك، هذا هو هدف العديد من الشركات الأوروبية متعددة الجنسيات، مثل فيتول وإني وسيمنس على سبيل المثال لا الحصر، التي تزعم إنتاج وتصدير الهيدروجين من شمال إفريقيا عن طريق المال العام الأوروبي. إن هذا الضغط من أجل الهيدروجين الأخضر هو توضيح مثالي للاستيلاء الاستعماري الجديد على الموارد، الذي تم تمكينه بشكل خاص بفضل التواطؤ بين الشركات متعددة الجنسيات في أوروبا والقادة السياسيين مع النخب المحلية.  

يجدر القول إن اهتمام الاتحاد الأوروبي بالهيدروجين لا يقتصر على أراضي شمال إفريقيا، إذ يطمح الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء سوق هيدروجين عالمي لتلبية احتياجاته الخاصة، مع الحديث عن التنمية العادلة والمستدامة في العالم لذر الرماد في العيون، إذ تتأثر دول مثل تشيلي وجنوب إفريقيا أيضًا بالسعي الأوروبي للحصول على الهيدروجين الأخضر. 

إن الدفع باتجاه اتفاقيات تجارة حرة جديدة بهدف استيراد الهيدروجين يؤكد بوضوح أنه وراء خطاب التعاون المتبادل، توجد في الواقع تجارة أحادية الطرف، أي من الهامش إلى المركز. لقد أثبتت اتفاقيات التجارة الحرة قدرتها على التدمير البيئي والاجتماعي والاقتصادي. هل سيكون من العدل أن يُجبر الأفراد والمجتمعات على مشاهدة أراضيهم ومياههم يتم تدميرها والاستيلاء عليها من طرف المشاريع العملاقة لإنتاج الهيدروجين الأخضر للاتحاد الأوروبي؟ إن اندفاع الشركات الأوروبية إلى الربح يعمّق الخطر الذي تشكله الاستخراجية المفترسة من ناحية، والمفروضة على المجتمعات المحلية من ناحية أخرى. بالتالي، لا تطمح الصناعة الأوروبية إلى تمهيد الطريق لتنمية مستدامة حقيقية، بقدر ما تطمح إلى تعزيز مكانة الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية، مع إضفاء الشرعية على وارداته. 

من أجل إحداث قطيعة تامة مع نموذج الطاقة الاستعماري الجديد المبني على إخضاع شعوب الجنوب، يجب على الاتحاد الأوروبي التخلي بشكل قاطع عن أهدافه الواهمة لاستيراد الهيدروجين، وإعادة التركيز على تلك الاستثمارات الواعدة بالطاقات المتجددة والكفاءة الطاقية بشكل عادل ومنصف.


باسكو سابيدو باحث في مرصد شركات أوروبا (Corporate Europe Observatory).

وفاء حديوي وحمزة حموشان منسقان لبرنامج شمال إفريقيا في المعهد الدولي (Transnational Institute).

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية