«حافة الديمقراطية»: أمل البرازيل المؤجل

الأحد 23 تشرين الأول 2022
لولا دا سيلفا
الرئيس البرازيلي السابق، والمرشح الرئاسي الحالي، لولا دا سيلفا خلال تجمع انتخابي، مطلع تشرين الأول 2022

«أمريكا اللاتينية مُغرمة جدًا بكلمة «أمل». نحب أن يطلق علينا «قارة الأمل». هذا الأمل يشبه وعد السماء، وهو الديْن الذي يؤجل سداده دائمًا؛ يؤجل إلى الحملة التشريعية المقبلة، إلى العام المقبل، إلى القرن المقبل».
بابلو نيرودا، الأديب والسياسي اللاتيني.

أثبتت نتيجة الجولة الأولى للانتخابات في البرازيل، مدى صعوبة -إن لم تَكُنْ استحالة- استخدام أساليب القياس التي تستخدمها الديمقراطيات الغربية في حملاتها وقراراتها السياسية. بعد أشهر عدّة من استطلاعات للرأي خلصت جميعها إلى أنّ هزيمة الرئيس الحالي جايير بولسونارو، أمام الزحف الأحمر الذي يقوده الرئيس السابق، اليساري والمناضل العُمالي والمتَّهم والبريء، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، أمر لا مفر منه. ولكن كما رأى نيرودا من قبل، أجلّت البرازيل قرارها للجولة الثانية من الانتخابات في 30 تشرين الأول. وبدلًا من حَسْم ما ظن أنه تدافع قوة التغيير، بَاتَ بولسونارو ليلته وهو يحتفل. 

تَستكمل المعركة الانتخابية المشتعلة بين بولسونارو ولولا فصول الاستقطاب والانقسام الحاد في أكبر دولة بالقارة الأميركية الجنوبية. تفرض حالة الانقسام المجتمعي على مستقبل المشهد السياسي في البرازيل قتامة؛ فالرئيس الحالي بولسونارو يؤكد أنه لن يتخلى عن السلطة بأيّ شكل، مدعومًا بقاعدة من الطبقة الغنية وفئات جماهيرية واسعة، فيما لم يتمكن المعارض الشرس لولا من إقناع نصف الناخبين من أول جولة، ولم تحسِم المناظرة بينهم أيّ شيء، بل قد يكون تبادل بولسونارو ولولا الإهانات والشتائم أشعل الحشود الملتهبة المستعدة للانقضاض على الآخر في الشارع.

وسط هذا المشهد الملتبس والمعقد، يعيننا فيلم المخرجة والممثلة البرازيلية بترا كوستا، الوثائقي البديع «حافة الديمقراطية» على  فهم ما يجري في البرازيل اليوم بشكل مُعمّق. يقص الفيلم قصة صعود حزب العمال بقيادة لولا إلى الحكم، مركزًا بعدها على العملية التي أدت في نهاية المطاف إلى عزل خليفته ديلما روسيف عام 2016. واحد من أكثر المشاهد التي لا تُنسى في الفيلم، الذي عُرض في عام 2019 لأول مرة، كان مشهد تنصيب الرئيسة ديلما في 2011، المشهد جمعها مع لولا وزوجته، وبجوارهم ميشال تامر، نائب الرئيس والسياسي المحافظ والزعيم في الحركة الديمقراطية. كان تواجد تامر في المشهد نتاج تحالف محفوف بالمخاطر تمّ بين الحزبين لضمان وصول ديلما. تنقل كوستا، تعليق ديلما على هذا «الزواج المُدبّر» بين حزب العمال والحركة الديمقراطية، بأنه «لو أتى المسيح للبرازيل لكان مجبرًا على التحالف مع يهوذا». 

في الأناجيل، كان يهوذا الإسخريوطي التلميذ الذي خان يسوع وسلّمه لليهود مقابل ثلاثين قطعة فضة وبعد ذلك ندم على فعلته ورد المال لليهود وقتل نفسه. لكن في الدراما الواقعية التي أعقبت سقوط ديلما، في عام 2016، لم يندم تامر ولم يقتل نفسه، بل انفرد لوحده بالمشهد رئيسًا جديدًا للبرازيل. كانت ديمقراطية البرازيل على الحافة في تلك المرحلة، عُزلت أول رئيسة برازيلية بعد تعرضها للسخرية في محاكمة استعراضية في مجلس الشيوخ، على أيدي أعضاء مجلس فاسدين يواجهون تُهمًا تتراوح ما بين القتل إلى امتلاك العبيد؛ محاكمةٌ كان رأس الحربة فيها رئيس الكونغرس البرازيلي إدواردو كونيا، الذي قاد الحملة الشرسة ضد ديلما، هو نفسه يشتبه في أنه أخذ ملايين الدولارات كرشاوى. وسرعان ما أصبحت جرائمه أكبر من أن تخفى، لتقرر المحكمة العليا بعد ذلك تجريده من منصبه. 

ظاهريًا تحوّلت ديلما لكبش فداء للاقتصاد البرازيلي، الذي دخل في ركود بعد عقد من النمو المرتفع، لكن باطنيًا تُظهر كوستا أنّ أعداء ديلما أرادوا خروجها، حتى يتمكن تامر من تولّي زمام الأمور في انقلاب صريح. رصدت بترا بكاميرتها داخل مجلس الشيوخ كواليس عزل ديلما، حين شرعت في سؤال النواب أخبرها أحدهم أنّ ديلما لم «ترتبط بالطبقة السياسية جيدًا»، آخر أخبرها أنها «كانت باردة ولم تعانقه أبدًا». وآخر يقول «يمكنني أن أقول إنّ ديلما كانت صادقة. لكن الطباخ الجيد ليس من يطبخ حسب ذوقه الخاص- بل من يطبخ لإرضاء أولئك الذين سيأكلون». كانت سريالية المشهد البرازيلي حينذاك خادعة. 

صوّرت بترا بصدق حالة الانقسام السياسي الذي طوى كل شيء آخر في البلاد. الآلاف يحتشدون بين مؤيدين ومعارضين يفصل بينهم سور حديدي هش. يظن الناظر لتلك الحشود أن جنة الديمقراطية لن تكون أكثر من ذلك، لكنه يطرح سؤالًا هامًا: هل يمكن طعن الديمقراطية بأدوات الوصول إليها؟ يطرح الفيلم تلك المُعضلة بينما كانت ديلما تستقل سيارة رسمية بعد أن صوتت أغلبية المشرعين في مجلس النواب للتو على عزلها. ارتسمت على وجه ديلما ابتسامة غامضة، وهي تقول لمحاميها الجالس بجانبها: أنا «جوزيف ك» شخصيًا. أصاب التشبيه الأدبي لديلما كبد الحقيقة، ففي رواية «المحاكمة» لفرانز كافكا، كان «جوزيف ك» موظف بنك غير ملحوظ، اعتقلته سلطة مجهولة الهوية، ثم حوكم بتهمة ارتكاب جريمة غير محددة.

حللت عدسة كوستا مراحل الإطاحة بديلما كاشفةً أنها كانت مُجرّد مقدّمة لانقلاب سياسي أكبر، يهدف إلى تحييد مُعلّمها وسلفها لولا، الأب الروحي لليسار البرازيلي ومؤسس حزب العمال، والسياسي الأكثر شعبية في البلاد. إن كان ديلما ولولا هما البطلين الأساسيين المأساويين لهذه الدراما، فإن الممثلين الداعمين هم من اضطهدوهم، وعلى رأسهم القاضي سيرجيو مورو، الذي ظهرت حقيقته لاحقًا حين أصبح وزيرًا للعدل في عهد السياسي اليميني المتطرف جايير بولسونارو، الذي اجتاح السلطة عام 2018. توضح لنا كوستا في «حافة الديمقراطية» كيف أصبح القاضي مورو عدوًا للولا، وظلّ يتابع القضية ضده بحماس شخصي. في أحد المشاهد يطالب لولا بمعرفة تهمته بالضبط، ويقابل مورو سؤاله بالصمت. لكن في النهاية، يظل مورو يتّهم لولا بالفساد، ويتأكد من اعتقاله وسجنه والحكم عليه لمدة تسع سنوات. وعندما يستأنف لولا الحكم، يُرفع إلى 12 سنة (أمضى لولا منها سنة ونصف في السجن قبل أن يفرج عنه ويبرّأ إثر قرار من المحكمة العليا بإبطال محاكمته السابقة بسبب انحياز القاضي). كما اتهم مورو زوجة لولا، ماريسا ليتيسيا، التي أصيبت بسكتة دماغية بعدها بوقت قصير وماتت.

 يقص الفيلم قصة صعود حزب العمال بقيادة لولا إلى الحكم، مركزًا بعدها على العملية التي أدت في نهاية المطاف إلى عزل خليفته ديلما روسيف عام 2016

تُعرف الممثلة والكاتبة والمخرجة البرازيلية بترا كوستا، بدمج تاريخها الشخصي والعائلي والتاريخي بثقل أفلامها. ففي فيلم «إيلينا» عام 2012، حوّلت كوستا بحثها عن أختها الكبرى الغائبة إلى فيلم وثائقي مثير للذكريات عن الخسارة، والحب العائلي، والتنافس، والتشريد. أمّا في «حافة الديمقراطية» فربطت كوستا عائلتها وما حققه أجدادها من ثروة في صناعة البناء، التي دعمت طبقة تامر وبولسونارو والمؤسسة الليبرالية الغنية في البرازيل، بكفاح والديْها الماركسيين في ظلّ الحكم العسكري وسجنهم وملاحقتهم في الستينيات والسبعينيات. كما ربطت نفسها بهذا الواقع بوصفها ابنة الانفتاح السياسي الذي بدأ في عام 1985، بعد أن تنحى الجيش جانبًا عقب 21 عامًا في السلطة، وسمح للبرازيل بإعادة تشكيل الدولة الديمقراطية. تنقل كوستا قلقها المتزايد حول مستقبل البرازيل قائلة: «الديمقراطية البرازيلية وأنا في نفس العمر تقريبًا. كنت أظن أنه في الثلاثينيات من العمر، سنقف على أرض صلبة». 

رغم محاولاتها الظاهرة في سرد الأحداث بصدق، لم تخفِ كوستا ولاءاتها السياسية اليسارية، ولم تُجمل تاريخ عائلتها المرتبط أيضًا بالمصالح التجارية -صناعة البناء على وجه الخصوص- التي قالت إنها شوهت السياسة البرازيلية وقوضت الديمقراطية. ينتقد الفيلم انخراط حزب العمال في «اللعبة السياسية»، وتسامحه مع فساد بعض أعضائه، وسذاجته في كثير من الأحيان واستخفافه بقوة اليمين. ورغم أن كوستا نسجت قصة باهرة عن اليسار، إلا أن الفيلم ظلّ يرسم صورة أشبه بتأريخ لما حدث، أشبه بملحمة يونانية مليئة بالإثارة، وقصص التآمر، والمكائد، والخيانات، وانقلاب المؤسسات على بعضها وعلى أنفسها. 

تكشف اللقطات الجوية المأخوذة من كاميرات كوستا المُسيرة مجتمعًا مستقطبًا بشراسة، مجتمعًا أصبحت فيه الشروط الأساسية للهوية الوطنية والتاريخ الجماعي والحقيقة نفسها موضع نزاع. يسخر هذا المشهد المليء بالفوضى والانحدار من «النظام والتقدم»، الشعار المثالي على العلم البرازيلي، لدرجة أن كوستا تجد نفسها تتساءل عما إذا كانت الكلمات دائمًا مزحة. لكن السؤال الذي غاب عن كوستا طرحه كان هو كيف وصلت البرازيل للحافة؟ وهل للقوى العظمى يد في ذلك أم هو مجرد فشل؟ ولمَ كانت الديمقراطية الوليدة بعد ديكتاتورية بتلك الهشاشة؟ كما يُلح سؤال جدي أعمق هو ما حدود ضمان فرض ديمقراطية الصناديق نفسها على شعبوية الاستقطاب؟

رغم غناها بالعديد من الموارد، يعيش نحو 25% من البرازيليين في الأحياء الفقيرة سيئة السمعة، وعندما يكون واحد من كل أربع من سكان البلد في فقر مدقع، يصعب على تلك الدولة أن تكون غنية.

للبناء على ما أسسه كوستا نحو فهم أعمق، ينبغي التوقف عند طبيعة البرازيل كبلد. فهي تشكّل ثلث أراضي أمريكا الجنوبية، أي تقريبًا بحجم الولايات المتحدة، وولاياتها الفيدرالية السبعة والعشرون تحتل مساحة أكبر من دول الاتحاد الأوروبي الثمانية والعشرين مجتمعة؛ ولكن على عكسها تفتقر إلى البنية التحتية، رغم غناها بالعديد من الموارد. يعيش نحو 25% من البرازيليين في الأحياء الفقيرة سيئة السمعة، وعندما يكون واحد من كل أربع من سكان البلد في فقر مدقع، يصعب على تلك الدولة أن تكون غنية. هذا لا يعني أن البرازيل ليست قوة صاعدة، لكن يجب فهم الموقع الذي تصعد منه وبالتالي حدود هذا الصعود.

ثلث مساحة البرازيل غابات، ما يعني أن اقتطاع أرض صالحة للسكن البشري الحديث مكلف بشكل مؤلم. فتدمير غابات الأمازون المطيرة يمثل مشكلة بيئية طويلة الأجل للعالم بأسره، ولكنها أيضًا مشكلة متوسطة الأجل للبرازيل: تسمح الحكومة للمزارعين بزيادة الرقعة الزراعية بقطع الغابة، لكن التربة فقيرة جدًا لدرجة أنه في غضون بضع سنوات، لا يمكن زراعة المحاصيل. ينتقل المزارعون إلى المزيد من الغابات المطيرة، وبمجرد تفريغها، فإنها لا تنمو مرة أخرى. يعمل المناخ والتربة ضد تنمية الزراعة. لكن أسفل منطقة الأمازون مباشرة، في المرتفعات، توجد السافانا، وعكس الغابات، كانت هذه المنطقة تعتبر غير صالحة للزراعة، ولكنها تحولت إلى واحدة من أكبر منتجي فول الصويا في العالم. بالنسبة لنهر الأمازون، قد يُعد صالحًا للملاحة في أجزاء منه، ولكن ضفافه موحلة والأراضي المحيطة بها تجعل من الصعب البناء عليها، وتحدّ هذه المشكلة أيضًا من كمية الأراضي المربحة المتاحة. 

تبلغ مساحة الأراضي الزراعية الجنوبية نحو حجم إسبانيا والبرتغال وإيطاليا مجتمعة، وهي مروية جيدًا نسبيًا، ولكن معظمها يقع في المناطق الداخلية ويفتقر إلى طرق النقل المطورة، وهو ما ينطبق على معظم البرازيل. إذا نظرنا إلى العديد من المدن الساحلية البرازيلية من جهة البحر، فعادة ما نرى جرفًا ضخمًا يرتفع بشكل كبير عن الماء، يحد المناطق الحضرية وأحيانًا يفصل بينها، ويهيمن على جزء كبير من ساحل البرازيل. يعرف هذا الجرف باسم الجرف الكبير، وهو نهاية الهضبة المسماة الدرع البرازيلي، والتي تتكون منها معظم المناطق الداخلية للبرازيل. ونظرًا لأن البلاد تفتقر إلى سهل ساحلي، يربط مدنها الساحلية الرئيسية، فهي تحتاج إلى بناء طرق تصعد الجرف، ثم تنزله لتصعد مرة أخرى في المنطقة الحضرية التالية. كذلك، لا وجود لطرق حديثة لائقة بسبب نقص مُماثل في مسار السكك الحديدية.

كل تلك المشاكل الجغرافية تمنع التطور الاقتصادي والتداول المربح داخليًا، كما أنها تُصعّب قدرة الحكومة المركزية على توحيد مساحة كبيرة سياسيًا. كما أن البرازيل لا تملك وصولًا مباشرًا إلى مصبات أنهار منطقة ريو دي لا بلاتا التي ينبع جزء منها من البرازيل، حيث تتجمع الأنهار وتصب في المحيط الأطلسي في الأرجنتين، مما يعني أنه لعدة قرون نقل التجار بضائعهم إلى بوينس آيرس بدلًا من حملها صعودًا وهبوطًا في الجرف الكبير للوصول إلى موانئ البرازيل المتخلفة. تقدر شركة الاستخبارات الجيوسياسية «Stratfor» التي تتخذ من تكساس مقرًا لها، أن أكبر سبعة موانئ في البرازيل مجتمعة، يمكنها التعامل مع سلع أقل سنويًا من ميناء نيو اورليانز الأمريكي وحده. لذلك، تفتقر البرازيل إلى حجم التجارة التي ترغب فيه، وبالقدر نفسه من الأهمية، يتم نقل معظم سلعها على طول طرقها غير الكافية بدلًا من الأنهار، مما يزيد من التكاليف. 

تضمن المشاكل الموروثة في الدول اللاتينية بشكل عام، والبرازيل بشكل خاص، بقاء تلك الدول في هذه الخانة؛ حيث لا سقوط ولا نهوض، بل تظل كما وصفتها كوستا تقف «على الحافة»

إلى الجنوب من السافانا، توجد الأراضي الزراعية البرازيلية التقليدية. هذا القسم البرازيلي الصغير نسبيًا هو المكان الذي عاش فيه المستعمرون البرتغاليون الأوائل، ومر 300 عام قبل أن يتمكن أحفاد المستعمرين من الخروج من هذا المركز والانتشار في بقية البلاد. وحتى يومنا هذا، لا يزال معظم الناس يعيشون بالقرب من المناطق الساحلية، على الرغم من القرار الدراماتيكي الذي اتخذ في أواخر الخمسينيات بنقل العاصمة (ريو دي جانيرو سابقًا)، على بعد عدة مئات من الأميال الداخلية إلى مدينة برازيليا المبنية لهذا الغرض، في محاولة لتطوير قلب البرازيل. رصدت كوستا في «حافة الديمقراطية» أول ظهور لبرازيليا، «المدينة الخاوية»، ولاحقت تطور البناء فيها، لكنها عادت بعد سنوات طويلة لتؤكد أنّ العاصمة المتطورة لا ترتبط بالسكان، لكنها أيضًا لم تذكر أن العاصمة فشلت في ربط الأطراف بالمركز.

كان لاكتشاف البرازيل احتياطيات الغاز البحرية الضخمة أثر كبير، فعملت المكاسب الجديدة في دفع تكاليف بناء البنية التحتية للنقل، للتغلب على عيوبها الجغرافية، وتقليل الاعتماد على واردات الطاقة البوليفية والفنزويلية. ولسخرية القدر، كانت مشاريع البنية التحتية التي بدأها لولا وأكملتها ديلما هي التي استغلها موور في ملاحقتهما وحزبهما في القضية التي سميت بـ«مغسلة السيارات».

تخوض الديمقراطية في البرازيل حربًا صعبة وغير عادلة، في محاولة مستمرة لإصلاح عيوب لم تصنعها. فالقيود المفروضة على جغرافية أمريكا اللاتينية منذ بداية تشكل دولها القومية أكبر من أن تحلها حكومة يمينية أو يسارية. في الولايات المتحدة مثلًا، بمجرد الاستيلاء على الأرض من سكانها الأصليين، تم بيع الكثير منها أو التخلي عنها لصغار ملاك الأراضي (وإن كانوا في البداية بيضًا فقط، ما خلق تفاوتًا عرقيًا في الملكية يستمر حتى اليوم). لكن على النقيض من ذلك، في أمريكا اللاتينية فُرضت ثقافة العالم القديم لملاك الأراضي الأقوياء، ما عنى أن الطبقات الرأسمالية لا تزال تستأثر بالحصة الأكبر وتتحكم وتؤثر في السياسة والاقتصاد. كما أدخل المستوطنون الأوروبيون مشكلة جغرافية أخرى تمنع حتى يومنا هذا العديد من البلدان من تطوير إمكاناتها الكاملة: فقد بقوا بالقرب من السواحل، لذلك كانت معظم المدن الكبرى، وغالبًا العواصم، ساحلية، وتم تطوير جميع الطرق من الداخل للاتصال بالعواصم ولكن ليس ببعضها البعض. 

تضمن المشاكل الموروثة في الدول اللاتينية بشكل عام، والبرازيل بشكل خاص، بقاء تلك الدول في هذه الخانة؛ حيث لا سقوط ولا نهوض، بل تظل كما وصفتها كوستا تقف «على الحافة».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية