سحل وإغراق بالمياه الباردة: الأسيرات يواجهن حملة قمع جديدة

السبت 04 شباط 2023
أسيرات فلسطينيات
فلسطينيات يشاركن في وقفة داعمة للأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال، في غزة في 22 كانون الأول 2021. تصوير محمود حمس، أ ف ب.

«لا أشعر بشيء من الحرية، أشعر بالغصة والخوف على صديقاتي، والأصعب أنني لم أستطع وداعهنّ». هكذا وصفت الأسيرة الفلسطينية السابقة شروق البدن (28 عامًا) لـ«حبر»، تحررها مساء الثاني من شباط، بعد 14 شهرًا من الاعتقال الإداري في سجن الدامون، في الوقت الذي تعيش فيه الأسيرات الفلسطينيات هجمة من قبل إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي.

عادت شروق إلى عائلتها وطفلتها في قرية تقوع شرق بيت لحم في الضفة الغربية، بعدما أمضت ثلاثة أيام في العزل مع أربع أسيرات، مفصولة عن باقي الأسيرات، فلم تستطع وداعهنّ أو الاطمئنان عليهنّ عند تحررها. ففي 28 كانون الثاني، ساد التوتر في سجن الدامون الذي يضم جميع الأسيرات الفلسطينيات حين اقتحم عدد من السجانين غرفة رقم 10 وسحبوا الأدوات الكهربائية من الأسيرات، عقابًا لهن على احتفالهنّ بعملية الشهيد خيري علقم في القدس المحتلة؛ عقاب طال عددًا من الأسرى أيضًا وخاصة في سجون عوفر والنقب ومجدو، وتضمن عزل مجموعة من الأسرى بعد الاعتداء عليهم بالضرب، وتحويل غرف كاملة إلى عزل جماعي، وقطع الكهرباء والماء عن بعض الأقسام. 

احتجت الأسيرات على سحب الأدوات الكهربائية منهن، وخاصة أجهزة التدفئة البسيطة التي تعتبر مصدر تدفئتهنّ الوحيد في ظل الأجواء الباردة. ووسط تهديدهن بتصعيد خطواتهن الاحتجاجية، تراجعت إدارة السجن عن قرارها وأعادت الأجهزة لهن.

لكن في 30 كانون الثاني، أي بعد يومين، شنت إدارة السجن هجمة قمعية جديدة تجاه الأسيرات بحجة العثور على شفرة ملصقة بعصا خشبية، وعبارات وطنية. وبحسب شهادة ممثلة الأسيرات، الأسيرة مرح باكير، التي نقلتها عبر المحامية حنان الخطيب، فقد استعانت إدارة السجون بوحداتها القمعية إضافة لوحدة اليماز واقتحمت غرف 11 و9 و2 وأخضعتها لتفتيشات استفزازية.

تصاعد التوتر مجددًا، وواجهت الأسيرات الاقتحام بالتكبير والقرع بالطناجر وعلى الأبواب ومحاولة حرق غرفتين في السجن، وهي أدوات احتجاجية تلجأ لاستخدامها الأسيرات والأسرى خلال مواجهة الهجمات القمعية داخل السجون. وعلى إثر هذا القمع، فرضت إدارة السجن رزمة عقوبات على الأسيرات، تضمنت: فرض العزل الانفرادي على خمس منهن، وحرمانهنّ من زيارة الأهل لمدة شهر، وحرمانهن من استخدام الهاتف العمومي، إضافة لتعطيل أجهزة التلفاز، وهي عقوبات لطالما اتخذتها إدارة السجون في أي مواجهة مع الأسيرات والأسرى. كما عُزلت نائبة ممثلة الأسيرات، الأسيرة ياسمين شعبان، في سجن «نفيه تيرتسا» في الرملة. 

أثار قمع الأسيرات حالة من التوتر والغضب امتدت لمعظم السجون، وحذر الأسرى من الذهاب إلى مواجهة مفتوحة إذا لم تتراجع إدارة السجون عما اتخذته ضد الأسيرات، بما شمل تهديد الأسرى بتنفيذ عمليات ضد السجانين، حسب تصريحات صدرت عن حركتي فتح وحماس داخل السجون. 

وتكشف شروق البدن عن تفاصيل استفراد وحدات القمع بها وبأربع أسيرات أخريات خلال حملة القمع. «أحضرت وحدات القمع أنابيب المياه وفتحتها نحو غرفنا. أغرقونا بالمياه الباردة.. ثم اقتحموا الغرفة وبدأوا بضربنا وسحلنا، واستخدموا العصي الكهربائية، ونقلونا إلى زنازين العزل الانفرادي»، تقول شروق التي ما تزال تعاني من أوجاع في يديها جراء الاعتداء عليها.

هذه ليست تجربة شروق الأولى في الأسر، فقد سبق أن اعتُقلت مرتين عام 2019 لمدة عام، وعام 2021 لمدة ثمانية شهور. وقد عايشت في اعتقالها الثاني حملة قمعية عنيفة مارستها إدارة السجون ضد الأسيرات في كانون الثاني 2021. تقول شروق: «ربما أن هذا القمع لم يكن الأعنف من سابقه، ولكنه كان قاسيًا جدًا علينا كأسيرات في الجو البارد، ووسط ظروف السجن القاسية.. وهو ينبئ أيضًا بتصعيد إدارة السجن ضد الأسيرات في المراحل القادمة». 

28 أسيرة في «مستودع» رطب

يقع سجن الدامون في دالية الكرمل قضاء حيفا المحتلة، هو أحد سجون الاحتلال الإسرائيلي الذي يخصص قسم منه للأسيرات. ويعود السجن إلى فترة الانتداب البريطاني إذ أنشأه كمستودع للتبغ، مع مراعاة توفيره للرطوبة العالية لحفظ أوراق التبغ، وهو ما ستعاني منه الأسيرات لاحقًا. بعد وقوع فلسطين تحت الاحتلال عام 1948، حُول المكان ليصبح أحد أقسى سجون الاحتلال على الأسرى والأسيرات.

أغلق الاحتلال سجن الدامون بعد صفقة وفاء الأحرار عام 2011، حين اشترطت المقاومة تحرير كافة الأسيرات اللواتي بلغ عددهن حينها 20 أسيرة. لكن في عام 2015، وتزامنًا مع تصاعد الحالة النضالية في هبّة القدس، أعاد الاحتلال فتح سجن الدامون، بسبب الازدحام في سجن هشارون الذي كان مخصصًا للأسيرات، ونقلت 14 أسيرة حينها إلى سجن الدامون. 

بحسب معطيات نادي الأسير الفلسطيني حول الأسيرات في سجون الاحتلال، فإن الاحتلال اعتقل 172 فلسطينية خلال العام الماضي، فيما يبلغ عدد الأسيرات اليوم 28 أسيرة، بينهن ثلاث قاصرات. وتعتبر الأسيرة ميسون موسى المعتقلة عام 2015 أقدم الأسيرات، وهي محكومة بالسجن 15 عامًا. فيما تقضي الأسيرتان شروق دويات وشاتيلا أبو عياد أعلى الأحكام، البالغة 16 عامًا. 

ومن بين الأسيرات، ست جريحات أصبحن بجراحهن خلال عملية اعتقالهن. وتعتبر حالة الأسيرة إسراء جعابيص أصعب الحالات، إذ تعاني من تشوهات حادة في جسدها، جرّاء تعرضها لحروق خطيرة أصابت 60% من جسدها، جرّاء إطلاق جنود الاحتلال النار على مركبتها عام 2015، ما تسبب بانفجار اسطوانة غاز في مركبتها.

واختيرت الأسيرة مرح باكير ممثلةً للأسيرات، ويترتب على هذه المهمة تمثيل الأسيرات أمام إدارة السجن ونقل مطالبهن. ورغم أن الأسيرات يدرن شؤون حياتهن اليومية حسب ظروفهن في سجن الدامون، إلا أنهن على المستوى التنظيمي يتلقين التعليمات من الهيئات التنظيمية التي يتبعن لها، بما يشمل الخطوات الجماعية الاحتجاجية والإضرابات وغيرها من الأمور التي يتم ترتيبها على المستوى التنظيمي، بما يتناسب مع خطوات كل تنظيم سياسي. 

قمع مستمر

لاحتواء حالة الغضب التي عمّت السجون وضمان عدم تصاعدها، أبلغت إدارة السجون الأسرى في الثالث من شباط أنها سترفع العقوبات عن الأسيرات بعد يومين، وستعيد الأسيرات المعزولات إلى الأقسام. 

لكن المواجهة الأخيرة كشفت عن حجم التوتر داخل السجون، إذ يهدّد الأسرى باتخاذ خطوات احتجاجية جماعية في شهر آذار المقبل، رفضًا لتنصل إدارة السجون من تنفيذ اتفاقياتها معهم، خاصة المتعلقة برفع العقوبات التي تفرضها عليهم منذ عملية نفق الحرية في أيلول 2021، التي تحرر خلالها ستة أسرى عبر حفر نفق من سجن جلبوع، قبل أن يعاد اعتقالهم. 

تقول الناطقة الإعلامية باسم نادي الأسير أماني سراحنة لـ«حبر» إن لجوء إدارة السجون للعنف الجسدي خلال حملات القمع تضاعف في السنوات الخمسة الأخيرة مقارنة بالسنوات السابقة، وذلك عبر الضرب وإطلاق النار وقنابل الغاز على الأسرى والأسيرات. وبلغ تصاعد القمع ضد الأسيرات ذروته في كانون الثاني عام 2021، حين جرى الاعتداء بالضرب على الأسيرات والتنكيل بهن.

تعيش الأسيرات قمعًا يوميًا في سجن الدامون، عبر العزل الانفرادي الذي تستخدمه إدارة السجون بشكل دائم لمعاقبتهن وفق أي ذريعة تسوقها، وعبر كاميرات المراقبة المنتشرة في السجن، والتي تخترق خصوصيتهن. وسبق أن خاضت الأسيرة احتجاجات ضد الكاميرات في سجن هشارون.

 تقول أمل طقاطقة (26 عامًا)، التي قضت سبع سنوات في سجن الدامون حتى تحررها في تشرين الثاني 2021، لـ«حبر» إن وجود كاميرات المراقبة أسوأ ما تعايشه الأسيرات في الدامون، إذ يحرمهن من خلع حجابهن، ما تسبب في تساقط شعر الكثير منهن، ومن ممارسة الرياضة في ساحة السجن بحرية وراحة. «لقد تلف شعري وتساقط وضعف بسبب ظروف السجن. حتى الآن ما زالت أحاول معالجته واستعادتها كما كان من قبل». كما تعرضت بعض الأسيرات لأمراض جلدية بسبب الرطوبة العالية في السجن وعدم التعرض للشمس، كما تبين أمل.

أمّا حمامات الاستحمام، فتتواجد في ساحة سجن الدامون، وهو ما يشعر الأسيرات بالقلق وعدم الراحة وأنهن تحت رقابة السجان وكاميراته. تقول أمل إن «السجان لديه خلفية عن الوقت الذي تستغرقه كل أسيرة في الاستحمام»، مضيفة أن السجانين يراقبون الأسيرات حتى وهن ينشرهن ملابسها الخاصة. 

خلال سنوات أمل السبع في السجن، عايشت أكثر من حملة قمعية شنتها إدارة السجون، كان أعنفها عام 2021، حين حاولت الإدارة فرض عقوبات جماعية شملت نقل الأسيرات بشكل دوري بين الغرف، وعدم السماح لهن بالاستقرار. تقول أمل: «الأسيرات يرفضن باستمرار أي عقوبات تعسفية تحاول إدارة السجن فرضها، كما تعمل الأسيرات على الدوام على المطالبة بتحسين ظروف السجن، ورغم أنهن يواجهن دائمًا بالقمع، إلا أنهن لا يتوقفن عن السعي لانتزاع مطالبهم». 

فرض على أمل العزل ثلاث مرات: الأولى 15 يومًا، والثانية ثمانية أيام، والثالثة 11 يومًا. وعن ظروف زنازين العزل في سجن الدامون تقول: «زنزانة العزل تكون خارج القسم وأحيانًا خارج السجن، تكون زنزانة ضيقة جدًا فيها كاميرا مراقبة تعمل على مدار الساعة، وهي توجه أيضًا للحمام». 

حين تُعزل الأسيرة، تُحرم من «الكانتينا»، أي مقصف السجن، ومن «الفورة» أو الخروج إلى ساحة السجن، كما تُمنع من أخذ ملابسها، وتُعطى بطانية رطبة رائحتها كريهة، ويوضع سجان على باب الزنزانة، كما تقول أمل. «تُفصل الأسيرة بشكل كامل عن الواقع، فلا يكون لها اتصالات مع الأسيرات أو المحامي وتمنع من الزيارة».

هذا الفصل عن الواقع لا يقتصر على العزل المباشر، بل يُمارس أيضًا بـ«أدوات ناعمة»، كما تصف الأسيرة السابقة سلام أبو شرار (28 عامًا). قضت سلام ثمانية شهور في سجن الدامون بين أيار 2016 وكانون الثاني 2017، وكانت ضمن الدفعة الثانية التي نُقلت من سجن هشارون إلى سجن الدامون. 

وتوضح سلام لـ«حبر» أن الاحتلال قسم السجن إلى غرف كبيرة وصغيرة، يصل عدد الأسيرات في الغرف الكبيرة إلى 18 أسيرة، أما الصغيرة فتتسع لأربع أسيرات. وداخل هذه الغرف، تحاول الأسيرات خلق حيزهن الخاص، وهو ما تعمل إدارة السجون على الاستيلاء عليه بشكل مستمر. «كانت بعض الأسيرات تغطي سريرها بشرشف وتميزه.. إلا أن السجانة كان يستفزها ذلك وتطلب إزالته، وأحيانًا كان ذلك سببًا لاقتحام الغرف وإخضاعها لتفتيش وتخريب، باعتباره أمرًا مشبوهًا»، تقول سلام.

ويمنع الأسيرات والأسرى من تغطية رؤوسهم أثناء النوم، لأن السجان يُخضع الغرف لتفتيش ليلي يتطلب أن يرى وجه كل أسير على سريره، إضافة للعدّ الصباحي اليومي بعد اقتحام الغرف. كما يعتبر دق النوافذ جزءًا من الروتين اليومي الذي يمارسه السجان، فضلًا عن العبث بمقتنيات الأسرى والأسيرات الخاصة لمجرد شعوره بتهديد ما. كما تتضمن هذه الإجراءات القمعية تفتيش دفاتر المذكرات، الذي تسبب في كثير من الأحيان بمعاقبة الأسيرات بسبب ما كتبنه على صفحاتها. 

تعلق سلام: «كل هذه الممارسات عبارة عن قمع يومي يولد ضغطًا كبيرًا في داخل كل أسيرة، إذ تجعلنا في حالة من الترقب والانتظار طوال الوقت». 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية