متظاهرون يعتلون برجًا في مهرجان الحركة الإسلامية في قرية سويمة

دعمًا لفلسطين واحتفالًا بالنصر: آلاف الأردنيين في عمّان والأغوار

من مهرجان الحركة الإسلامية في قرية سويمة في الأغوار الجنوبية. تصوير شربل ديسي.

دعمًا لفلسطين واحتفالًا بالنصر: آلاف الأردنيين في عمّان والأغوار

السبت 22 أيار 2021

توافد آلاف الأردنيين طوال نهار الجمعة من عدة محافظات إلى الأغوار الجنوبيّة للمشاركة في ثلاث تظاهرات مختلفة قريبة من الحدود الأردنية الفلسطينية كانت دعت لها الحركة الإسلامية، وفعاليات شعبية ومبادرات على وسائل التواصل الاجتماعي.

اختلفت عناوين الفعاليات كما اختلفت الشعارات التي رُفعت فيها؛ إذ شهدت الفعالية الشبابيّة «يلّا على الحدود» مشاركةً شبابيّةً واسعةً في بلدة الكرامة حاملةً شعارات واسعةً مثل المطالبة بفتح الحدود مع فلسطين، أمّا فعالية الحركة الإسلامية في قرية سويمة التي شاركت فيها قيادات حزبيّة وبرلمانيون تحت عنوان «القدس عنوان النصر» فركّزت على انتصار المقاومة في غزّة والدور الأردني لدعم الفلسطينيين، فيما منعت الأجهزة الأمنية الفعالية الثالثة في قرية داميا.

وشهدت الأغوار الوسطى والجنوبيّة القريبة من الحدود هذه الجمعة زخمًا أكبر في أعداد المشاركين من العاصمة عمّان التي شهدت فعاليات مشابهةٍ حيث خرجت مسيرة من الجامع الحسيني نظمتها الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني، وأخرى في ساحة مسجد الكالوتي نظمها ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية وقوى وحركات شبابيّة وطلابية شارك في كل منهما المئات.

«يلا على الحدود» منذ الصباح 

منذ ساعات الصباح الباكر، وقفت تسع حافلات، بالإضافة إلى مجموعة سيّارات خاصّة، قرب دوار الساعة وسط مدينة إربد، وتجمّع حولها عشرات الشباب الذين جاؤوا تلبيّةً لدعوة أطلقها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان «يلا على الحدود» لتنفيذ تظاهرةٍ في بلدة الكرامة بالأغوار الجنوبيّة. وهي نقطة من عدّة نقاط تجمّع في المدينة توزعت على أطراف مخيم إربد ومجمّع الأغوار الجديد وداخل بعض الأحياء كما يقول أحد ضبّاط ارتباط الفعالية محمد العظامات (27 عامًا)، الذي يؤكّد أن حافلات أخرى سبقتهم إلى الكرامة التي تبعد قرابة ساعتين بالسيّارة.

بعد الخروج من المدينة والدخول في طريق الغور من الشمال وحتّى مكان الفعالية بالقرب من بلدة الكرامة وعلى امتداد 70 كيلو متر أغلقت قرابة 52 نقطة غلق لقوى الأمن مكونة من دوريات نجدة وسير ومركبات جواد الطرق المتفرعة باتجاه الغرب من طريق الغور وهي طرق تنتهي بالمزارع ومن ثم نهر الأردن، وكانت المنطقة قد شهدت تسلل شابين أردنيين باتجاه فلسطين بعد يوم واحد من فعالية مشابهة الجمعة الماضية، كما أعلنت وسائل إعلام إسرائيليّة.

أحد الباصات التي انطلقت من مدينة إربد. تصوير مؤمن ملكاوي.

بحدود الثانية عشر ظهرًا كان آلاف المشاركين قد تجمعوا في ساحة النصب التذكاري للجندي المجهول في الكرامة، وبدأ بعضهم بالمغادرة. 

كان من بين المغادرين زيد جابر (24 عامًا) القادم من خلدا في عمّان مع مجموعة أصدقاء بسيارات خاصة منذ ساعات الصباح، يعتبر جابر ما حصل من وقف إطلاق النار في غزة مع ساعات الفجر الأولى من الجمعة خطوة باتجاه الانتصار، فيما يقول أحد رفاقه أوس السفاريني (24 عامًا) أنَّ مشاركته في التظاهرة ليست مرتبطةً بوقف إطلاق النار وانتصار المقاومة «الفكرة باختصار إنه الشعب ما ينسى شو الهدف بالأخير؛ نحرر فلسطين (..) إحنا بدنا نوصل لحل؛ نطرد السفير ونسكر السفارة وتكون جدّ الأردن مع فلسطين، الأردن لسّا مش ميّة بالمية مع فلسطين وإحنا ننتظر من الأردن تصير مية بالمية مع فلسطين».

فيما كان جابر وأوس يغادران كانت أفواجٌ أخرى تتوافد إلى موقع الفعالية التي تركّزت في ساحة النصب، خلاف فعالية الجمعة الماضية التي استطاع فيها بعض المشاركين الاقتراب من الحدود بهدف الدخول إلى فلسطين المحتلة.

«دخلك يا ريّس الأركان، بدنا ندخل على بيسان (..) ومن كل الأردن جايين بدنا نفوت ع فلسطين» هكذا بدت الهتافات في ساحة النصب التي علقت حولها يافطات دعمٍ للفعالية والمطالب، حملت تواقيع عشيرة العدوان وأخرى لعشائر بئر السبع.

من تجمع المتظاهرين في منطقة الكرامة. تصوير مؤمن ملكاوي.

يقول نمر أبو كفّ (58 عامًا) الذي جاء مع قرابة 200 شخص من أقربائه السبعاويين القاطنين مدينة المفرق إنه ومع انتهاء العدوان على غزة وانتصار المقاومة فقد بدأ دور الشعوب، «الشعوب سبقت حكّامها، فلسطين بحاجة إلى تضحياتنا، كفى ما قدمه أهل غزة، وكفى ما قدمه أهل القدس، وكفى ما قدمه أهل فلسطين قدموا الكثير وتحملوا».

أقام المشاركون صلاة الجمعة في ساحة النصب، وبعد الصلاة كبَّر المصلون تكبيرات العيد في إشارة إلى ما يقولون إنه يوم العيد الحقيقي بانتصار أهل غزّة الذين لم يشهدوا عيد الفطر بسبب القصف.

إغلاقات ومنع

فيما ازدحمت منطقة الكرامة بالسيّارات والحافلات بعد صلاة الظهر، منع الأمن كذلك في الوقت نفسه تظاهرةً كان من المفترض أن تنطلق بعد الظهر في قرية داميا البعيدة 19 كيلومترًا للشمال من بلدة الكرامة.

اصطفّ رجال الدرك على مدخل القرية التابعة إداريًا للواء دير علا، ومنعوا دخول المشاركين إلى القرية حيث كان من المفترض إقامة التظاهرة التي دعت لها فعاليات شعبية عدة دعمًا للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، حيث أخبر الأمن القادمين للمشاركة في الفعالية أنها ممنوعة وأن عليهم التوجه إلى التظاهرة عند نصب الجندي المجهول في الكرامة، بحسب مأمون أبو يامين، أحد منظمي الفعالية.

على باب القرية التي يصل عدد سكانها إلى نحو 1500 شخص، وقفت مجموعة من سكّان القرية والذين يشاركون للمرة الأولى في فعالية شعبية ومن بينهم الشاب بلال (22 عامًا)، الذي يقول إن القرية غير معتادة على  الاحتجاجات أو إغلاق مداخلها من قبل قوات الأمن.

يقول بلال وهو يرى بعض المشاركين وقد منعوا من دخول القرية إن داميا الأقرب على فلسطين وهي المكان الأمثل لتنفيذ الفعاليات الشعبية نصرة لفلسطين. فيما يرى أبو يامين أن «منع الفعالية بأثّر بشكل سلبي علينا إحنا كشباب، [بأثرّ] بنظرتنا للحكومة والنظام، من حيث دعمهم للقضية الفلسطينية»، ويعتقد أن في منع الفعالية ما يعكس حرص الحكومة على عدم خلخلة العلاقات مع «إسرائيل».

رجال الدرك يغلقون مدخل قرية داميا. تصوير شربل ديسي.

رغم ذلك هتفت مجموعة صغيرة من المشاركين لفلسطين والمقاومة، وتبادلوا أحاديث عن موقع قرية داميا فترة الانتداب البريطاني وكيف كانت القرية وجسرها معبرًا لتهريب السلاح للثوار الفلسطينيين.

كان جسر القرية ويطلق عليه كذلك جسر الأمير محمد، قد شهد عبور الدبابات الإسرائيليّة إلى الأردن في معركة الكرامة (1968)، الأمر الذي دفع الجيش الأردني إلى قصفه لمنع مواصلة عبور الدبابات.

«القدس عنوان النصر»

بدأ مهرجان الحركة الإسلامية الذي حمل عنوان «القدس عنوان الانتصار» بعد صلاة العصر في ساحة قرية سويمة في الشونة الجنوبية، بمشاركة الآلاف وتحدثت فيه شخصيات سياسيّة وبرلمانية.

نُصبت شاشة عرضٍ ضخمة ومكبرات الصوت داخل ساحةٍ كبيرة لم تتسع للمشاركين، فاعتلى كثير منهم مئذنة المسجد القريب، وانتشر بعضهم في الشوارع الفرعية.

تقول الخمسينية أم عبدالله القادمة من منطقة جاوا في عمّان مع أبنائها وأحفادها إن سبب اختيارها المشاركة في هذه الفعالية هو قربها من الحدود مع فلسطين، «مشان يسمعونا اليهود، ويشوفونا، ويشوفوا قوتنا ومعنوياتنا».

ركّزت الكلمات التي ألقاها المشاركون على الدور الأردني تجاه القضية الفلسطينية والمقاومة، إذ طالبت أغلب الكلمات بقطع العلاقات السياسية مع «إسرائيل» وإلغاء الاتفاقيات معها، كما جاء في كلمة عبد الحميد الذنيبات المراقب العام لجماعة  الإخوان المسلمين، مطالبًا الحكومة بالاستجابة لإرادة الشعب وطرد السفير وقطع العلاقات وإلغاء اتفاقيات «العار»، على حد تعبيره، داعيًا إياها إلى الانفتاح على حركات المقاومة في فلسطين، لما في ذلك من مصلحة استراتيجية للأردن.

«بدنا دعم أهلنا بغزة مش فقط بالأدوية، بدنا موقف داعم أمام الأمم المتحدة وقطع التعامل مع إسرائيل وقطع التطبيع»

من جهته قال النائب السابق عبدالله العكايلة رئيس التحالف الوطني لمجابهة صفقة القرن، إن حماس «مزّقت صفقة القرن حينما حاول نتنياهو أن يمزّق الوصاية الهاشمية على الأقصى»، وأعادت التمسك بالوصاية، وهو ما يجب أن «تكافأ» عليه بموقف رسمي أردني يتمثل بإعادة فتح مكاتبها في الأردن والتي أغلقت عام 1999.

ودعا العكايلة إلى بناء تحالفات جديدة وإعادة تموضع سياسي، على حد تعبيره، عبر التحالف مع الدول الإسلامية  ذات الشأن المالي والاقتصادي والعسكري، مثل تركيا وقطر وإندونيسيا وباكستان وإيران، من أجل تشكيل ما أسماه «جيش الأقصى»، ليكون قوة رادعة إلى جانب المقاومة في غزة. 

وفي كلمة مسجلة، هنّأ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج المشاركين في المهرجان بالانتصار الذي حققته المقاومة، قائلًا: «نحن اليوم وضعنا أقدامنا على بداية المرحلة النهائية للتحرير والعودة»، مضيفًا أن للجميع دورًا في «مشروع التحرير»، سواء على مستوى الشعوب أو حكوماتها، وذلك عبر الدعم في الإعداد عكسريًا وماليًا وسياسيًا وجماهيريًا، داعيًا «قادة الأمة وزعمائها» إلى الالتحام  مع المقاومة باعتبارها «الخيار الواضح» من أجل تحرير فلسطين.

علّق المنظمون لافتة كبيرة على احدى جوانب المهرجان لجمع التواقيع على إسقاط اتفاقيتي الغاز ووادي عربة. وعلى بعد أمتار من منصة الكلمات الرسمية جلس عدد من المشاركين على الأرض تحت أشجار قريبة وكان من بينهم محمد عبيد (52 عامًا) القادم من الزرقاء.

يقول عبيد إن سبب مشاركته في الفعالية هو إيصال رسالة للاحتلال «اللي تعبوا عليه 100 سنة تفرقةً بين الشعوب، وحّدته الأحداث هاي» في إشارة إلى انتصار المقاومة في غزّة ومشاركة أهل فلسطين المحتلّة العام 1948 والضفة الغربيّة في الاحتجاجات، وتضامن الشعوب العربية مع الفلسطينيين.

يطالب عبيد الحكومة بالتحرك بشكل «فعّال» لطرد السفير ووقف التعامل باتفاقية السلام، «بدنا دعم أهلنا بغزة مش فقط بالأدوية، إحنا مش نخليهم يقصفوك ويموتوك وإحنا نعطيكوا دوا، بدنا موقف داعم أمام الأمم المتحدة وقطع التعامل مع إسرائيل وقطع التطبيع» يقول عبيد. ويرى أن من شأن الفعاليات الشعبية التي طالبت بإلغاء الاتفاقيات مع الاحتلال أن توفر غطاءً شعبيًا للإجراءات الرسمية إذا ما ذهبت إلى قطع العلاقات مع «إسرائيل». 

جانب من مهرجان الحركة الإسلامية في قرية سويمة. تصوير شربل ديسي.

مع ساعات المساء، تحرّك المشاركون باتجاه الحافلات كلّ إلى محافظته التي جاء منها، تقول سميرة مهداوي (58 عامًا) الآتية من عمان، إن اليوم كان بمثابة تعبير عن «الفرحة بانتصار المقاومة»، والتأكيد على تحرير فلسطين، وهو الأمل الذي لم ينقطع منذ عام 1948، «طول عمره الشعب الفلسطيني مقاوم ومحتَل (..) الشيء الجديد إنه بلشت فلسطين نفسها تحرر نفسها من الداخل (..) ما بتستنى الحكومات الثانية إنها تحررها، طالما طلع الصاروخ من نص فلسطين بعتقد إنه النصر صار أقرب إلنا»

عمّان: وقفتان ومسيرة

في العاصمة عمّان شارك المئات في مسيرةٍ دعت لها الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني، وانطلقت بعد صلاة الظهر من ساحة المسجد الحسيني في وسط البلد وحملت عنوان «من يموّل الصهاينة شريك في جريمة الصهاينة»، هتف فيها المتظاهرون ضد الاتفاقية معتبرين إياها اتفاقية «مذلة» للشعب.

يقول محمد العبسي عضو لجنة المتابعة أن الحملة التقطت الفعل والحالة الشعبية في الأيام الماضية للضغط على الحكومة كي تحوّل من أفعالها الكلامية حول إدانة الاحتلال إلى مواقف فعلية وحقيقية عبر إسقاط اتفاقية الغاز خصوصًا أنها تعبر عن المزاج الشعبي وتنسجم مع المواقف الحكومية المعلنة.

وفي نهاية المسيرة دعا المنظمون المتظاهرين للمشاركة في الوقفة التي ستقام في السادسة مساءً في ساحة المسجد الكالوتي بالقرب من سفارة الاحتلال الإسرائيلي. وقد شارك المئات في هذه الوقفة التي جاءت بدعوة من ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية، وجدد المتظاهرون فيها المطالبة بإغلاق سفارة الاحتلال وطرد السفير وإلغاء اتفاقية الغاز.

وقبل إقامة هذه الوقفة، كان أبناء عشائر أردنية قد تجمعوا في ساحة المسجد للمشاركة في فعالية دعوا لها بعنوان «جمعة الزحف العشائري لطرد السفير الإسرائيلي» وسرعان ما اندمجت مع وقفة الأحزاب القومية واليسارية عند السادسة مساءً. 

انتهى يوم الجمعة بعدما شهد مشاركة آلاف الأردنيين في عدة فعاليات في كل من عمّان، والأغوار على بعد مئات الأمتار من الحدود الأردنية الفلسطينية. يقول نمر أبو كفّ، مثل كثيرين قابلناهم، أنه سيلبي «كل يوم وكل ساعة» أي دعوة قادمة للتظاهر قرب الحدود. فيما يؤكّد العبسي أن مسيرة الجمعة التي انطلقت في عمّان ستتواصل إلى جانب فعاليات أخرى ستدعو لها الحملة الوطنية حتى إسقاط اتفاقية الغاز.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية