عقوبات حصار اقتصادي دولار

السلاح الاقتصادي: صعود العقوبات كأداة للحرب الحديثة

المصدر: شترستوك.

السلاح الاقتصادي: صعود العقوبات كأداة للحرب الحديثة

الخميس 31 آذار 2022

نشر هذا المقال بالإنجليزية في مجلة لندن ريفيو أوف بوكس في عدد 24 آذار 2022.

هناك تفاوت مثيرٌ للانتباه في الاقتصاد العالمي. ففيما يتعلق بالتجارة والناتج المحلي الإجمالي، نجد أن هناك ثلاثة أقطاب عالمية تتمثل في: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والصين. إلا أن دولةً واحدةً فقط تتمتع بسلطة ساحقة ضمن النظام المالي العالمي. إذ يتم توجيه الأغلبية الساحقة من المدفوعات العالمية عبر البنوك الأمريكية. فسندات الخزانة الأمريكية تمثل في واقع الحال الأصل الاحتياطي حول العالم. كما أن نظام الاحتياط الفيدرالي هو المورد العالمي للسيولة وقت الأزمات. بالتالي، فإن الاقتصادات الوطنية تستجيب بسرعة للسياسات النقدية الأمريكية. تتحكم المؤسسات المالية الأمريكية والأوروبية العملاقة -والجزء الأكبر منها موجود في الولايات المتحدة- بحصة كبيرة من نشاط الشركات العالمية. إذ تمثل نيويورك في واقع الأمر المركز التنظيمي الرئيسي للرأسمالية العالمية. تُسعَر وتسوى أغلب المعاملات بين الدول تقريبًا بعددٍ محدود من العملات، ينال فيها الدولار النصيب الأكبر إلى حدّ بعيد. فالبيزو الكولومبي يُستخدم في كراتشي بالقدر ذاته الذي تستخدم فيه الروبية الباكستانية في بوغوتا، غير أن الدولار يستخدم في كلتيهما. وحتى الاقتصادات الكبرى مثل تلك الموجودة في الهند والبرازيل وكوريا الجنوبية، تدير ما يقارب 85% من تجارتها بالدولار.   

يستعرض ماثيو كلاين ومايكل بيتيس في كتابهما «الحروب التجارية هي حروب طبقية» (2020)، كيف تعمل الولايات المتحدة كمورد يمثل الملاذ الأخير للعالم، حيث تمتص الفوائض التجارية لأوروبا والصين، كما يظهران أن الطبقة العاملة الأمريكية هي مَن يدفع الثمن. لكنهما لم يستعرضا القوة المتراكمة للولايات المتحدة من خلال هيمنتها المالية. ولم يؤتَ على ذكر العقوبات الاقتصادية إلا في سطر واحد فقط: «منحَ دور الدولار في نظام المدفوعات العالمي وزارةَ الخزانة سلطةً هائلة لفرض عقوبات مالية على ما تستهدفه في أي مكانٍ في العالم». والحقيقة هي أن واشنطن تتحكم في الوصول إلى النظام المالي الدولي. وبقدر ما يمنع الحصار البحري الوصول إلى البحار، فإن العقوبات الأمريكية تستند إلى احتكار السلطة على المشاعات العالمية: احتياطي العملة ووسيلة التبادل. إن العقوبات هي سلاح أيضًا. وبوصفها مكونًا من الاستراتيجية الأمريكية، فغالبًا ما يُنظر إليها بوصفها بديلًا عن العنف العسكري، تَعِد، «بتحقيق أهداف السياسة الخارجية دون استخدام القوات المسلحة»، على حدّ تعبير افتتاحية واشنطن بوست الأخيرة. غير أنه في حقيقة الأمر، عادةً ما يرافق العقوبات عمل عسكري (ليبيا في 2011 وسوريا منذ 2012) أو تكون مقدمةً له (هايتي في 1994 والبوسنة في 1993 وكوسوفو في 1999 وأفغانستان في 2001 والعراق في 2003). 

لطالما كانت العقوبات «أداة الملاذ الأول» للسياسة الخارجية الأمريكية. فخلال الولاية الرئاسية الثانية للرئيس أوباما، أُعلن عن 2350 عقوبة جديدة. وزادت في الفترة الرئاسية لترامب لتبلغ 3800 عقوبة. لقد تطور النظام الحالي للسلاح المالي الأمريكي جنبًا إلى جنب مع الحالة الأمنية المتنامية سريعًا خلال الحرب على الإرهاب. وبحثت وزارة الخزانة، التي كانت حريصةً على التماشي مع مكانة جهاز الأمن القومي، عن طرقٍ للمساهمة. أيديولوجيًا، تمّمت العقوبات خطاب «الدولة المارقة» في التسعينيات. ومن ثمّ طُبقت [العقوبات]، تحت غطاء إجماع الأمم المتحدة، على العراق بأثر مدمر، حيث أدت ذرائع القسر السلمي إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين. عندما غزت العراق الكويت، بُنيت العقوبات حول فرض حظر على النفط العراقي، ولكن بعد 11 سبتمبر، استُخدمت طرق جديدة. حيث أَجبرت مجموعة من المراسيم والأحكام الرئاسية بموجب قانون باتريوت البنوكَ على تقديم معلومات استخباراتية مالية إلى وزارة الخزانة الأمريكية. كما وافقت سويفت، الشبكة العالمية الرئيسية للمدفوعات بين البنوك، سرًا على تسليم بيانات المعاملات إلى الحكومة. لقد منحت المادة 311 من قانون باتريوت وزارة الخزانة سلطة قطع الصلة بين النظام المالي الأمريكي وسلطات وطنية بأكملها. ونظرًا إلى أن جميع البنوك الدولية تقريبًا تعتمد على البنية التحتية المالية الأمريكية، فقد كان هذا ابتكارًا هامًا. وبالتالي أصبح نبذ دولٍ من النظام المصرفي بمثابة عقوبة الإعدام في عالم المال. 

كيف بدا ذلك عمليًا؟ تعرضت إيران لتجميد الأصول بعد ثورة 1979. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات تجارية تقليدية خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية، وحظرت التجارة مع إيران في 1995. ومن ثمّ في السنة اللاحقة، أدى الحظر فعليًا إلى قتل صناعة الغاز الطبيعي السائل في البلاد. لكن لم يتضح مدى فاعلية أسلحة الخزانة الأمريكية الجديدة إلا بعد تطبيقها على طهران. ولاحقًا في عام 2006، بدأت الولايات المتحدة بعزل البنوك الإيرانية عن نظام النقد الدولي. وفي 2011، شنت إدارة أوباما «هجمة عقوبات». حيث استُهدفت صادرات النفط والموانئ وصناعة البتروكيماويات والبنك المركزي الإيرانية، وفُصلت البنوك الإيرانية من سويفت. لقد كانت قبضةً مالية خانقة كليًا. جُنِّد حلفاء الولايات المتحدة -المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا اليابان وكوريا الجنوبية وكندا، جنبًا إلى جنب مع الأنظمة الملكية في الخليج- لإضفاء مظهر خادع من التعددية. رُفعت بعض هذه العقوبات فقط بعد دخول الاتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ في عام 2015، وأُعيد فرضها مجددًا حين انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق عام 2018. اعترض حلفاء أمريكا بشدة هذه المرة: حاول الأوروبيون لفترة وجيزة إنشاء نظام مدفوعات بديل، هو إينستكس (INSTEX)، وذلك للالتفاف على العقوبات، وبُذلت بالمقابل جهودٌ لحظرهم من خلال الأمم المتحدة. لكن سُحِقت في مجلس الأمن المعارضة بصرامة شديدة، وترافق ذلك مع تصريحٍ عدواني لمايك بومبيو بأن معارضة الموقف الأمريكي «لا تعدو كونها حماقة». 

إن بنية التمويل الدولي تعني أن حتى أكبر البنوك لا يستطيع تحمل عقبات إثارة الحنق الأمريكي. 

لقد كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إيران عام 1979 أعلى بقليل من مثيله في تركيا، ويصل الآن إلى ما نسبته أقل من 25% منه، وذلك بالرغم من سلسلة الانهيارات الحكومية والأزمات الاقتصادية في أنقرة. إن مسار الاقتصاد الإيراني شبيهٌ إلى حدٍّ كبير بمسار الاقتصاد العراقي، الذي عانى لعقدٍ من العقوبات التقليدية الوحشية أعقبه غزوٌ كامل وحربٌ أهلية. غير أنه كان من الصعب في حالة إيران فصل الأسباب، حيث كان للسياسات الثورية آثارها الخاصة. لكن العقوبة المالية في عهد أوباما 2011-2012 كانت مسؤولة عن انخفاض فوري في الناتج المحلي الإجمالي الإيراني، وهو ما أدى إلى القضاء على ثلث النشاط الاقتصادي. يصف ريتشارد نِفيو، المسؤول السابق للشؤون الإيرانية في مجلس الأمن القومي، في كتابه «فن العقوبات: وجهة نظر ميدانية» (2017)، العقوباتِ بأنها تستند إلى «أهداف لفرض الألم»، مصحوبة بتعليمات حلول «الشروط اللازمة لإزالة الألم». إنه مخطط الجلاد، المستقى مباشرة من كتيب الحرب على الإرهاب. (كان نفيو، حتى كانون الأول، نائب المبعوث الخاص لإيران للرئيس بايدن).

لقد أخفق مصطلح «العقوبات الاقتصادية» في فهم طبيعة هذه التدابير: فهي حصار مالي كامل، وتوقف للتدفقات التي تسمح للاقتصاد بالعمل. حين يفرض الاتحاد الأوروبي «عقوبات» على موظفي مجموعة المقاولات العسكرية الروسية فاغنر، أو يفكر في فرضها على زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك، فهذا شكل من أشكال الضغط الدبلوماسي. ومن ناحيةٍ أخرى، فإن القيود التي تفرضها المملكة المتحدة على الشركات الحكومية البيلاروسية تعدّ عقوباتٍ اقتصادية، لكنها فعليًا عقوبةٌ صناعية، لا تشبه إطلاقًا الأسلحة المالية التي تستخدمها الولايات المتحدة (ولم يكن من المرجح بأية حال أن تجري المملكة المتحدة الكثير من الصفقات التجارية مع مصنع مينسك للجرارات). يعدّ حظر الوصول إلى الشبكات المالية في لندن عائقًا كبيرًا لكنه لا يقارن بتاتًا بقطع الوصول إلى النظام المالي الدولي بذاته. يزعم الاتحاد الأوروبي بأنه يدير «نظام عقوباتٍ مستقلٍ تمامًا» في خدمة «حماية قيم الاتحاد الأوروبي». ولكن الجزء الأكبر من عقوباته وعقوبات المملكة المتحدة يُطبق مقترنًا بقوة الولايات المتحدة. إن بنية التمويل الدولي تعني أن حتى أكبر البنوك لا يستطيع تحمل عقبات إثارة الحنق الأمريكي. 

لم تكن إيران الحالة الوحيدة. كانت مينامار أحد أول ضحايا البند 311. ففي عام 2003، استُهدف بنكان بورميّان بالعزل، حيث وصفا بأنهما «مؤسسات مالية تُعنيان بالأساس بغسيل الأموال». وخلال أسابيع، أغلقت الحكومة البورمية البنكين وقدمت لوائح تتوافق مع الرغبات الأمريكية. ولكن كما يوضح نيكولاس مولدرفي كتابه «السلاح الاقتصادي»، فإن هناك تاريخًا أطول بكثير يكمن خلف اختراع العقوبات الحديثة. عندما اندلعت الحرب عام 1914، كانت الإمبراطورية البريطانية هي القوة البحرية المهيمنة لمدة قرنٍ تقريبًا. لقد موّلت أسواقُ رأس المال اللندنية 60% من التجارة العالمية: مثلما هي نيويورك اليوم، كانت لندن مركز البنية التحتية للرأسمالية الصناعية. انضمت فرنسا إلى بريطانيا في فرض حصارٍ على الصناعات الألمانية الثقيلة، التي اعتمدت على وارداتٍ من أماكن بعيدة مثل ساحل مالابار. ويعود الفضل في كون فرض حصارٍ بحري كاملٍ على الموانئ الأوروبية أمرًا غير قابلٍ للتطبيق، إلى الحياد الهولندي والسويسري. عوضًا عن ذلك، فرضت بريطانيًا نظامًا للتوقف والتفتيش في بحر الشمال. وبدءًا من 1916، خضعت جميع السفن التي تتزود بالوقود في محطات الفحم البريطانية لتفتيش البضائع بغية التحقق من البضائع المهربة المتجهة إلى أوروبا الوسطى. 

لقد كان هذا حصارًا ماديًا، لكنه سرعان ما أصبح نقديًا أيضًا. فصادرت الحكومة البريطانية الأصول المالية الموجودة في لندن وأجبرت البنوك على توقيع ضمانات لمنعها من التعامل مع القوى المركزية. وحتى عام 1916، كانت التدفقات المالية توجه إلى ألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية من خلال البنوك الهولندية والسويسرية والاسكندنافية. يمارس البريطانيون الآن سلطتهم على الدول المحايدة من خلال التهديد باستبعاد بنوكهم من النظام المالي اللندني الباريسي. بدايةً كان التأثير محدودًا، لكن التهديدات أصبحت أقوى بعد انضمام الولايات المتحدة إلى هذا المسعى عام 1917. إذ وضِع بنك هولندي على القائمة السوداء لأنه يعمل مع عملاء ألمان. كما حظرت معاملات بنك «كريديت ليونيز» الفرنسي. 

 تتراوح تقديرات الوفيات الناجمة عن الحصار المفروض على أوروبا الوسطى بين 300 و400 ألفًا (قال [العسكري والسياسي الألماني] لودندروف إنه لولا الإمدادات الغذائية الآتية من رومانيا لكان الوضع أسوأ بكثير). وبطبيعة الحال، كان توازن القوى يعني أن الحرب كانت اقتراحًا خاسرًا لقوى أوروبا الوسطى على أي حال، إذ لا يمكن مقارنة نتائجها بنتائج الحظر التجاري أو الحصار المالي. لكن وكما يوضح مولدر، فقد كانت هذه الإجراءات حاسمة في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث كانت أجزاء كبيرة من الإمبراطورية العثمانية تعتمد على الحبوب المستوردة. لقد تمكنت بريطانيا وفرنسا، خلافًا لشمال أوروبا، من فرض حصارٍ بحري شامل. نتيجةً لذلك، شهدت بلاد الشام مجاعة وحشية مات خلالها ما يبلغ 500.000 إنسان. في جبل لبنان، نجا شخصٌ واحد من كل شخصين. هنا، تجلى السلاح الاقتصادي بكامل قوته.  

أُعجب قادة القوى العظمى بذلك وسعوا إلى إنشاء عقوبات تُشمل في مشروع عصبة الأمم. قبل الحرب، بحث «المُحَّكمون» -وغالبيتهم من القانونيين الفرنسيين- عن طرقٍ لفرض القانون الدولي دون اقتراف فعلٍ عسكري. وظنوا أنهم قد وجدوا في أساليب التجويع طريقة لتحقيق ذلك خلال الحصار الأنجلو-فرنسي. كان [الرئيس الأمريكي] وودرو ويلسون يرى بأنه من المستحيل مقاومة «الاختناق» الاقتصادي. لقد أشاد وزير التجارة الفرنسي، إتيان كليمنتل، بفكرة إخضاع الشعوب «الجامحة» من خلال التلاعب بتوريد المواد الأولية. تحدثت القوى المشاركة في معاهدة فرساي عن القانون والنظام، لكنها كانت حريصةً على جعل الحصار في زمن الحرب شكلاً دائمًا من أشكال الانضباط الإمبريالي. لم يكن لدى مسؤولي عصبة الأمم المتحدة أي تخيل لأثر ذلك على المدنيين. وكما قال رئيس قسم الاقتصاد يمكن، وبكل ثقةٍ، تهذيب الأمم المتمردة من خلال «تجويع عامة الشعب».  

إلا أن قرار الولايات المتحدة بعدم الانضمام إلى عصبة الأمم أعاق التحقق الكامل لهذا الحلم. ومع ذلك، كان لبريطانيا وفرنسا بعض اللحظات الناجحة في محاولتهما السيطرة من خلال العقوبات. في عام 1921، منع التهديد بفرض حصار بحري بريطاني مدعوم من العصبة اندلاع حربٍ بين يوغسلافيا وألبانيا. ولاحقًا عام 1925، شهدت الغارات الحدودية الرومانية على بلغاريا مزيجًا من التهديد بفرض عقوبات من قبل العصبة بالإضافة إلى احتمال قيام البحرية الملكية بمناورات قبالة بيرايوس [قرب أثينا]. غير أن هذه حالات ثانوية، وربما يبالغ مولدر في مدى اعتبارها تغيرًا في الطريقة التي تمارس فيها القوى العظمى سيطرتها. في إيرلندا وأفغانستان، كانت بريطانيا ما تزال تقمع حركات الاستقلال بالقوة العسكرية. كما احتلت فرنسا وإيطاليا أراضٍ مجاورةً في أوروبا. وقصفت السفن الأنجلو-أمريكية مدينة نانجينج [الصينية]. يريد مولدر أن يحاجج بأن الاكتفاء الذاتي الذي حققته اليابان وإيطاليا وألمانيا في الثلاثينات كان إلى حدٍّ ما رد فعل على تهديد الحصار المالي. لكن إن كان مُحقًا، فهذا رد فعل مبالغٌ فيه، لأن التهديد كان تافهًا إلى حدٍّ كبير. فالمرة الوحيدة التي طُبقت فيها عقوبات العصبة فعليًا كانت في أعقاب الغزو الإيطالي لإثيوبيا، وكانت غير فعالة بشكل عام لأن الولايات المتحدة رفضت فرض حظر نفطي. ولم تُبذل أي جهود جادة لاستخدام السلاح الاقتصادي ضد ألمانيا في 1936 أو اليابان عام 1937 أو ألمانيا عام 1938. 

حين أُنشئ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، دُمجت العقوبات ضمن تصميمه كعقوبة تكون الملاذ الأول لمواجهة الأمم المتمردة. 

في غياب الدعم الأمريكي، لم يكن فشل محاولة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية في فرض السيطرة من خلال العقوبات مُفاجئًا أبدًا. فقد قلب التصنيع بنية الاقتصاد العالمي ومعه توازن القوى، وأصبحت أمريكا وحدها تمتلك القوة المالية للضغط على الشعوب الأخرى بالوسائل الاقتصادية. ظهر ذلك للمرة الأولى عام 1941. فقبل الانضمام إلى الحرب، جمدت الولايات المتحدة الأصول التابعة لدولٍ تقبع تحت السيطرة الألمانية وفرضت حظرًا نفطيًا على إسبانيا لمناورتها بعيدًا عن المحور. وفي تموز 1941 قطعت الولايات المتحدة وبريطانيا إمدادات النفط عن اليابان، مما أدى إلى الهجوم الانتحاري على بيرل هاربر. ورغم أن تسوية ما بعد الحرب فُرضت بالقوة الجوية الأمريكية لا عن طريق الإكراه الاقتصادي، ألا أن العقوبات أثبتت جدواها. حين أُنشئ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، دُمجت العقوبات ضمن تصميمه كعقوبة تكون الملاذ الأول لمواجهة الأمم المتمردة. 

لقد منحت الأممُ المتحدة العقوباتِ مظهرَ الشرعية متعددة الأطراف. ولكن عمليًا، كان السلاح الاقتصادي سلاح دولار. خلال الحرب الباردة، منع حضور الاتحاد السوفييتي والصين في مجلس الأمن الولاياتَ المتحدة من نشر سلاحها تحت رعاية الأمم المتحدة، وهو ما لم يتحقق إلا منذ التسعينيات. بيد أنه يمكن للولايات المتحدة فرض حظرٍ تجاري خاصٍ بها، يستهدف الاتحاد السوفييتي والصين من وقتٍ لآخر. ومع ذلك، فإن أكبر برنامج عقوبات أمريكي كان مُخصصًا لكوبا، التي تمثل هدفًا لم يحظَ باهتمام كبير في تأريخ العقوبات، كما لو أن الحظر الأمريكي سمة طبيعية لا تتطلب أي تعليل. لا تلعب كوبا بالضرورة أي دورٍ في كتاب مولدر، الذي يقف نطاقه عند عام 1945. لكن الحصار بدءًا من حظر الأسلحة في الخمسينات، إلى أن أصبح شبه كلي في عام 1962 واستمر منذ ذلك الوقت، هو أطول وأعنف برنامج عقوباتٍ في العالم. إنه متضمنٌ في قانون الولايات المتحدة، مما يجعله كما تصفه وزارة الخزانة بفخر «متفردًا ضمن العقوبات على الصعيد القطري». يصعب حصر تكاليف ذلك الحصار على كوبا بمرور الوقت لكنها تصل بالتأكيد إلى ما يعادل اليوم مئات المليارات من الدولارات.  

باعتبارها محاولة لإسقاط البنى السياسية للثورة الكوبية، يمكن القول أن العقوبات الاقتصادية فشلت بشكلٍ واضح. ويمكننا أن نقول الشيء نفسه عن إيران. كثيرًا ما انتُقدت فاعلية العقوبات كأداة للإكراه ضمن المؤسسة الأمريكية. نشر روبرت بيب، وهو عالم سياسة يحظى باحترام صناع السياسات، ورقةً عام 1997 ذات تأثير مهم بعنوان: «لماذا لا تؤتي العقوبات الاقتصادية أُكلها». حيث يحاجج بيب بأن حتى أشد الإجراءات الاقتصادية قسوةً ستواجه حتمًا عزمًا قوميًا، وبغض النظر عن مدى صرامة الحصار، فإن النخبة ذات العلاقة الجيدة في الدولة ما تزال قادرةً على تحصّيل الرفاهية التي اعتادوا عليها. وبالتالي سيكون الفقراء أكثر المتضررين؛ ونادرًا ما يكون التخفيف من معاناة الفقراء أولويةً قصوى للحكومة. 

حتى تلك الدول التي تعرضت لأقسى العقوبات الأمريكية وجدت طُرقًا للتكيف. فبالرغم من عقودِ الاعتداء الاقتصادي، تمكنت إيران من رفع مستوى متوسط العمر المتوقع لتصل إلى مستوى اقتصاد صناعي معياري من خلال الالتزام بالصحة العامة وهو الأمر الذي يعدّ استثنائيًا وفقًا للمعايير الإقليمية. وفي كوبا فإن متوسط العمر المتوقع، بفضل خدماتها الطبية ذائعة الصيت، يساوي أو يزيد على متوسط العمر المتوقع في أمريكا. لكن، وحسب وصف مسؤوليين أمريكيين سابقين، فإن انتقاد العقوبات بناءً على ما تحققه هو تجاهلٌ للمنطق الكامن وراء إلحاق الأذى. إذ أن التعذيب في كثيرٍ من الأحيان متعلقٌ بالعقوبة أكثر من الإكراه. أبقى بيب على رأيه بأنه يمكن أن يكون للعقوبات فائدة أخرى، تتمثل في «تعطيل النقد الموجه لاستخدام القوة لاحقًا». وبعبارة أخرى، فإن العمل العسكري الأمريكي سيكون مُستساغًا أكثر إذا قُدم كملاذ أخير بعد «فشل» العقوبات. فالنقد المبدئي الذي لا يستند إلى جدوى العقوبات بل إلى المعاناة التي تُلم بالمدنيين نادرٌ جدًا. في عام 2017، أقرت إدارة ترامب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات بخمسة أصواتٍ معارضةٍ فقط في مجلسي النواب والشيوخ.  

ربما تكون قيود التجارة الوطنية غير حكيمة، بل وحتى وحشية، إلا أن حظر الحكومة تجارتها الخاصة مع دولةٍ أخرى يعدُ جزءًا شرعيًا من أصول الحكم. بيدّ أن الحظر الأمريكي ذو طبيعة مختلفة، حيث تؤكد الولايات المتحدة بأنه من غير القانوني لأيٍ كان، وأينما كان، التعامل مع دولٍ وكياناتٍ فرضت عليها [أمريكا] عقوبات. دفعت البنوك الكبيرة بما في ذلك بنك «Lloyds TSB» و«Credit Suisse» و«Standard Chartered» و«HSBC» و«RBS» و«BNP Paribas» و«Commerzbank» و«ING» غراماتٍ لانتهاكها العقوبات الأمريكية، وكذلك فعلت بنوك «Bank of Brazil» و«Bank of Tokyo-Mitsubishi» و«Bank of China». وقد تصل الغرامات في بعض الأحيان إلى مئات الملايين من الدولارات. خارج الولايات المتحدة، يُنظر بسهولة لهذه «العقوبات الثانوية» على أنها توسعٌ خارج الحدود الإقليمية، بلا أي مبررٍ يتعدى كون ذلك جزءًا من القوة الغاشمة لأمريكا. يحاجج توم رويس وسيدريك رينغايرت في الكتاب السنوي البريطاني للقانون الدولي بأن العقوبات الثانوية تعدّ «سلاحًا خارجًا عن السيطرة». وبالرغم من أن القادة الأوروبيين غالبًا ما يعبرون عن حنقهم إزاء كونهم عرضةً للأهواء الأمريكية، إلا أنهم لم يظهروا أبدًا على علاماتٍ على المقاومة الفعلية، فمن المسلم به أن الولايات المتحدة سوف تنتهك حقوق جميع الدول الأخرى. 

ليست الصين وروسيا مردوعتين إلى هذا الحد: فكلاهما يدينان بشدة «السلطة القضائية طويلة الذراع» للنظام القانوني الأمريكي. وكما أشار النقاد في الصين، فإن العقوبات المالية الأمريكية تعادل الحرمان البابوي الكنسي. إن هذه الأفكار جديدة على نحو مدهش: لقد شاركت روسيا ذات مرة في خنق إيران عام 2006 وامتثلت الصين لمحاولة الولايات المتحدة للقضاء على اقتصاد كوريا الشمالية. ثم جاءت نقطة التحول عام 2014، حين فرضت إدارة أوباما عقوباتٍ على روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم. وعلى الرغم من أن العزل لم يكن كاملاً كما في النموذج الإيراني، إلا أن هذه الإجراءات، بالإضافة إلى أسعار النفط المنخفضة قد ساهمت في الركود الروسي. رأت الصين تلك الحالة كما رأتها روسيا؛ فقد تم تجاوز خطٍ ما. فمعاقبة الولايات المتحدة لدولٍ هامشية مثل إيران وكوبا على عصيانها يختلف كثيرًا عن أن تجرب ذلك مع قوة نووية كبرى. 

عندما بدأت القوات العسكرية الروسية، في أواخر العام الماضي، بالتجمع من مدينة روستوف حتى مدينة بينسك، هددت الولايات المتحدة بتوسيع عقوباتها لتشمل حصارًا اقتصاديًا كاملًا على روسيا. لاحقًا، حين اعترف بوتين باستقلال الدونباس الانفصالية في 21 شباط، ردّ بايدن بفرض عقوبات على شركة الاستثمارات الحكومية الروسية وكذلك بنك «Promsvyazbank» المدعوم من الدولة. وفي اليوم التالي، أعلن بايدن أن الولايات المتحدة قد «عملت مع» ألمانيا من أجل إلغاء خط أنابيب نورد ستريم 2، الذي كان من المقرر أن يزود ما يكفي 26 مليون منزلاً أوروبيًا بالغاز الطبيعي الروسي. في اللحظة التي تخطت بها القوات الروسية الحدود إلى أوكرانيا، أظهرت أمريكا السلاح المالي الثقيل. ففي 24 شباط، قُطع صلات البنوك الروسية الكبرى («Sberbank» و«VTB» و«Gazprombank») إلى البنية الأساسية المالية الدولية. لقد كان هذا هجومًا على النظام المالي الروسي برمته، ناهيك عن غالبية مواطنيها. وانهارت الشركات الأوروبية التابعة لـ«Sberbank» بين عشية وضحاها. أتبعت الولايات المتحدة ذلك بحظر جميع المعاملات مع البنك المركزي الروسي وجمدت أصوله. وفي 27 شباط، قُطعت جميع البنوك الروسية عن سويفت. 

منذ عام 2014، اتخذت روسيا خطواتٍ لجعل اقتصادها مقاومًا نسبيًا للعقوبات. حيث أعاقت عامدةً الإنفاق على البضائع والخدمات المستوردة، وتضاعف تقريبًا الاحتياطي الروسي من العملات الأجنبية، ليصل 640 مليار دولار. من الصعب معرفة مكان الاحتفاظ بهذه الأصول على وجه التحديد، لكن يُعتقد بأن ما يصل إلى 65% منها مع مؤسسات مالية مقرها في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وسويسرا. أما نسبة 35% المتبقية فقد احتُفظ بها ذهبًا أو في الأراضي الصينية. ربما تكون هذه الاحتياطيات عرضة لمراسيم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي، وقد مورست بعض الضغوط من قبل بنوك الدولة الصينية، التي رفضت تمويل مشتريات النفط الروسي مخافة العقوبات الأمريكية الثانوية. 

إن انتقاد العقوبات بناءً على ما تحققه هو تجاهلٌ للمنطق الكامن وراء إلحاق الأذى. إذ أن التعذيب في كثيرٍ من الأحيان متعلقٌ بالعقوبة أكثر من الإكراه.

لكن بالرغم من تلك الإجراءات القاسية، أُعفيت صادرات الطاقة الروسية مبدئيًا من العقوبات الأمريكية. وأعلن بايدن بأن البرنامج «مُصممٌ خصيصًا» للسماح لأوروبا بمواصلة دفع ثمن النفط والغاز الروسي الذي تعتمد عليه: أخبر المسؤولون الأمريكيون البنوكَ الدولية بأنها لن تُعاقب جراء معالجة معاملات الطاقة، وذلك لأن روابط الطاقة بين روسيا وأوروبا تعدّ سمة مركزية للسياسات العالمية، لدرجة بدا من غير المحتمل حتى للحرب أن تقطعها. إذ أنه بالكاد تغيرت الواردات الأوروبية من الهيدروكربونات الروسية منذ 2014. في 8 آذار، ذهب بايدن أبعد من ذلك، فأصدر أمرًا تنفيذيًا يحظر شراء النفط والفحم والغاز الروسي. ومن غير المرجح أن تضر هذه الخطوة الاقتصاد الأمريكي. بينما تعيش أوروبا، المنقسمة بشدة والتي ما تزال تدرس خياراتها، حالة أشد صعوبة بكثير. 

أقرّ الكرملين بأن هذه «عقوبات ثقيلة». وبالتالي خسر الروبل، في 28 شباط، ما يقارب ثلث قيمته واضطر البنك المركزي إلى مضاعفة أسعار الفائدة. بدأ المسؤولون الأمريكيون يشعرون بالقلق ليس لأن العقوبات غير مجدية، بل على العكس لأنها كانت تعمل عملها بشكل جيدٍ جدًا: وبالتالي، هل يمكن أن يؤدي وضع روسيا تحت هذا الضغط الهائل إلى تصعيدٍ عسكري؟ لا أحد يعرف على وجه الدقة مدى الضرر الذي قد تلحقه العقوبات بدولة في حجم روسيا وأهميتها. لذا اتخذت الحكومة الروسية إجراءاتٍ لدعم العملة من خلال إجبار المُصدِرين على شراء الروبل من عائدات المبيعات الأجنبية. بعض هذه الإجراءات الدفاعية التي اتُخذت خلال السنوات الثماني الماضية لم تُختبر بعد. سمح نظام المدفوعات الروسي البديل، «مير»، بمواصلة المعاملات المحلية دون أي عوائق وذلك على الرغم من تعليق ماستركارد وفيزا للمعاملات الروسية. ولكن بصرف النظر عن الاسم فإن نظام مير -الذي يعني «العالم»- قلما يستخدم خارج روسيا وأرمينيا. ومن غير المرجح أن تكون شبكة نظام تحويل الرسائل المالية الروسية (SPFS) بديلاً مناسبًا لنظام سويفت. من الواضح أن العقوبات الأمريكية ضد الصين لن تتسبب في درجة الضرر الكبيرة التي تتلقاها دول أصغر، مثل إيران. لكن ماذا عن روسيا؟ 

سيكون المواطنون العاديون في الدول الخاضعة للعقوبات على الدوام هم الضحايا الأكبر للحصار المالي. سواء كانت الأسلحة المالية الأمريكية قادرةً على تكبيد روسيا معاناة جماعية أم لا، فإنها ما تزال تفعل ذلك في دولٍ أصغر. في عام 2017، فرضت الولايات المتحدة حصارًا ماليًا على فنزويلا، كجزء من محاولة إجبار نيكولاس مادورو على التنحي من منصبه، وترافق ذلك مع عقوباتٍ أُشير إليها بأنها «ذكية» و«موجهة». منذ ذلك الحين، أفاد مركز أبحاث السياسات الاقتصادية ومقره واشنطن بأن العقوبات كانت مسؤولة في الواقع عن أكثر من 40 ألف وفاة؛ فقد «خفضت [العقوبات] معدل السعرات الحرارية التي يحصل عليها العامة، ورفعت معدل الإصابة بالأمراض والوفيات (لكلٍ من البالغين والرُضع) وشردت الملايين». لقد كانت أصداء المجاعة في زمن الحرب جلية، لكن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة دعما تلك السياسة على أية حال. وبالمثل، كانت عقوبات «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين»، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2020، عشوائية بالقدر ذاته. خلُصَ برنامج الغذاء العالمي إلى أن عدد السوريين الذين ليس لديهم غذاء يكفيهم قوت يومهم قد تضاعف. وأشارت فرق الإغاثة إلى أن العقوبات تقيد عملية التزويد بالإمدادات الغذائية. غير أن أيٍ من هذا لم يُغير سياسات النظام السوري. 

يبقى هذا النوع من القوة امتيازًا أمريكيًا. شرع المحللون الأمريكيون بالحديث عن استخدام الصين المتزايد للعقوبات -التي تضمنت قيودًا تجارية، وحظر سفر على المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين، في إطار المعاملة بالمثل- كما لو كانت عقوباتٍ مماثلة لتلك التي فرضتها الولايات المتحدة. لكن الرنميبي [العملة الصينية] لا يشكل سوى ما نسبته 2% من المعاملات الدولية. لا يمكن أن يعد حظر تغطية النبيذ أو كرة السلة تهديدًا اقتصاديًا. لكن هذا لم يمنع خُدام أمريكا من الادعاء بأن الصين بل وحتى روسيا هما أستاذة العقاب الحقيقيون، تمامًا كما يفعلون فيما يخص عسكرة الفضاء والحرب بالوكالة. 

أجرت إدارة بايدن مراجعة لبرنامج العقوبات الأمريكي في العام المنصرم. إذ اقترحت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، إصلاحًا واحدًا فقط: هو أنه يجب أن منح استثناءات للمساعدات الإنسانية، «حيثما كان ذلك ممكنًا ومُناسبًا»، فيما تمسك بايدن بالعقوبات التي فرضها ترامب على سوريا وفنزويلا. لقد ساهم حصار السعودية لليمن عام 2017، بالتنسيق مع حرب بالوكالة مدعومةٍ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في خلق ظروفٍ بائسةٍ لغالبية الشعب اليمني. وتبحث إدارة بايدن الآن إعادة فرض عقوباتٍ على الحوثيين. وبعد انسحابها من أفغانستان العام الماضي، جمدت أمريكا ما قيمته 9.5 مليار دولار من أصول الدولة الأفغانية بموجب العقوبات القديمة المفروضة ضد طالبان. بالكاد تستطيع المؤسسات المالية الأفغانية العمل الآن بينما تواجه البلاد خطر مجاعة عامة. وقد تجاهلت الولايات المتحدة النداءات الموجهة من الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي لإلغاء تجميد الأصول. وعلى الرغم من الالتزام المخلص لبايدن بسياسة عهد ترامب، إلا أنه انتُقد من اليمين الأمريكي لعدم قيامه بأي شيء للحيلولة دون «التحدي السافر» الذي أقدمت عليه الشركات الصينية بشرائها للنفط الإيراني. 

لقد استُحدث الحصار المالي كأداة للسيطرة الإمبريالية، وما يزال على هذه الحال، حتى حين يُستخدم كرد على عملٍ عدواني صريح. أظهر الغزو الروسي لأوكرانيا بأن العقوبات لا تحظى بدعمٍ واسعٍ فحسب، بل تعدّ الآن قوةً حتميةً بل وطبيعية في السياسة العالمية. ومع ذلك، فإن المنظومة الحالية للاقتصاد العالمي ليست حتمية. في مرحلةٍ ما، قد لا تكون الولايات المتحدة في مكانة تتيح لها استغلال مركزيتها المالية كما تفعل الآن. حينها ستكون تلك اللحظة مدعاةً للاحتفال في أجزاء كبيرة من العالم. 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية