عالم ما بعد 11 سبتمبر: قائمة كتب

تصميم ندى جفال.

عالم ما بعد 11 سبتمبر: قائمة كتب

الجمعة 10 أيلول 2021

تأتي الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر في ظروف تفتح الباب واسعًا للتأمل في ما عنته الأهوال التي حملها العقدان الماضيان. مع اكتمال انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، تبدو فيه «الحرب على الإرهاب» التي قُدمت على أنها رد على الهجمات وكأنها دارت دورة كاملة، وعادت إلى نقطة البداية، لتوضع تحت الضوء من جديد كل التبريرات التي صُدّرت لغزو أفغانستان ثم العراق وللعمليات الحربية في كثير من بلدان العالم بالأخص في منطقتنا، وتُطرح أسئلة من قبيل: ماذا حل بالديمقراطية والمساواة والحرية التي كانت الدبابات الأمريكية تبشّر بها؟ ماذا كانت خلاصة كل تلك الحروب؟

منذ أن سقط برجا التجارة العالمية في نيويورك في ذلك اليوم، تغيّر العالم إلى غير رجعة، ليس فقط عبر الحروب العسكرية التي تلت الهجمات، بل كذلك عبر المعاني الجديدة التي خلقتها، والسرديات التي استثمرت في صناعتها أو تدميرها ماكينات إعلامية ضخمة. لكن رغم أن عالم ما قبل 11 سبتمبر بات يبدو أحيانًا بعيدًا إلى حد لا يمكن معه تذكره، فإن من الضروري العودة إليه والتمعن في تسلل أحداث العقدين الماضيين وتفكيك التغيرات التي أعقبته على صعد مختلفة.

من هذا المنطلق، دعت حبر عددًا من كتابها وكاتباتها إلى اقتراح كتب تساعد القراء على فهم هذا الحدث المفصلي والتحولات العميقة التي تلته والتي غيرت شكل منطقتنا والعالم برمته للأبد. من اقتصاديات «الحروب على الإرهاب» والآثار المادية المباشرة لها، إلى أمننة الحياة السياسية في كثير من أنحاء العالم وتسيّد مفهوم «الإرهاب» لها، إلى التداعيات الثقافية لولادة هذا العدو الجديد، نعرض كتبًا تضيء على هذه التغيرات وتشرحها، وتلفت انتباهنا إلى «الآثار الجانبية» للهجمات حتى في مجالات قد لا تبدو للوهلة الأولى ذات صلة، وترسم أجزاءً من صورة عالم ما بعد 11 سبتمبر.

اضغط/ي على الغلاف للانتقال إلى نص العرض.


 نحو مقاربة دنيوية للنزاعات في الشرق الأوسط: تحليل ظاهرة توظيف الدين في السياسة الدولية

جورج قرم، ترجمة سلام دياب، دار الفارابي، 2014

موسى السادة

يحاول الكتاب تقديم مقاربةٍ جديدة لتفسير الحروب والصراعات التي أسّست لزخمها هجمات الحادي عشر من سبتمبر. إذ يحاول الكاتب قراءة هذه النزاعات بقواعد العلوم السياسية الكلاسيكية، أي الخالية من كل اعتبار ديني أو عرقي، أو ما أسماه المؤلف «التعصّب الحضاري»، مقترحًا أدوات جديدة لفهم هذه الحروب تحت عنوان المقاربة الدنيوية للصراعات. حيث تقوم على تحليلٍ تتضافر فيه عوامل أسباب نشوئها بعيدًا عن الاختزال. يميل هذا التحليل الدنيوي إلى الاختفاء من حقل المعارف الأكاديمية، التي تطغى عليها بشكلٍ خاطئ تحليلات عودة الدين والعرق والثقافوية. مؤكدًا على أن قضايا الدين والثقافة والحضارة -التي غالبًا ما يتم التذرّع بها- ليست سوى بقايا أسباب الصراعات.

فوفقًا للمؤلف، تتطلّب الصراعات التي نسميها بالجيوسياسية التبرير لجعل العنف والدمار الذي تزرع بذوره مقبولًا. ويضيف بأنه لا يمكن لحرب أن تندلع إلا عندما يعتبر هذا الطرف أو ذاك أنه أقنع رأيه العام بضرورة إعلان الحرب.

وعليه، تميّزت الألفيّة الجديدة باستخدام مكثّف للأيديولوجيا والدعاية والتضليل، عبر التذرّع بـ«قيم» ذات طبيعة استعلائية كالديمقراطية وحقوق الإنسان، يجب حمايتها ونشرها. فالتقدّم الذي أحرزته وسائل التواصل الإعلامية، وبدل أن تساهم في نشر تحليلات تتّسم بالتنقيب والموضوعية، أدت إلى انتشار أفكار تبسيطية ومعبئة هادفة إلى تبرير الصراع.

ويشير الكتاب إلى أنه، في السنوات التي تلت أحداث سبتمبر، اتّخذ خطاب شرح أسباب النزاع لهجة جوهرانية تحيل الحروب لعوامل أنثروبولوجية ودينية وعرقية. ويعلّق المؤلف على هذه اللهجة بأنها تبرير ذاتي للصراعات. فبدل استعراض الحروب كنتيجة لأطماع ومصالح قوى مادية، تُستعرض كضرورة لا مفرّ منها للحفاظ على كينونة منزّهة وثابتة تتجسّد خلالها قيم ما، أو تبرّر الحرب لتدمير كينونة أخرى مؤذية تهدد الحفاظ على السلم العالمي. حيث يستذكر المؤلف هنا تقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي قدّم في أيلول من العام 2005، تحت عنوان «المزيد من الحرية»، وهو وفقًا للمؤلف بمثابة صياغة شكلية لعقيدة جورج بوش في تصوير الإرهاب الإسلامي على أنه أكبر خطر يهدد البشرية.

يتطلّب النهج السياسي الدنيوي الذي يقترحه الكتاب، معالجة الحروب والصراعات عبر استعراض حزمة عوامل متعددة. حيث يبدأ باستعراض العامل الديموغرافي، مشيرًا إلى أن عامل الانخفاض والغزارة السكانية يلعبان دورًا رئيسيًا في الغزو والاستعمار، لينتقل إلى العامل الاقتصادي عبر الاستيلاء على الموارد والثروات المادية والسيطرة على الطرق التجارية. ويعطي الكاتب أهمية للعامل الجغرافي، ملاحظًا مفارقة تكرار لفظ الصراعات الجيوسياسية بينما نادرًا ما ينظر المحلّلون إلى الخريطة عند تفسيرهم للحروب.

يتوسّع الكاتب في تفصيل عامل أطلق عليه «ازدراء التاريخ»، إذ ينظر للبلدان الرازحة تحت الحروب على أنها بلا تاريخ ولا تعرف التغيّر التاريخي فهي بلاد جامدة تعاني عطبًا وعيوبًا أنثروبولوجية تُفسّر انفجار أشكال العنف فيها. ثم يتحدث عن الحنين الأوروبي نحو الشعور الطبقي والخصوصيات الإثنية والشعور بالنبالة، وهو ما أسماه «انبعاثًا للأفكار الأرستقراطية والسلطوية»، ليختم حزمة العوامل بالعودة لنظريات المؤامرة وتفاقم أزمة الهوية التي أدّت لها العولمة الاقتصادية وتزايد التفاوت الطبقي.

روح الإرهاب

جان بودريار، ترجمة بدر الدين عمر زكي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010

أحمد ضياء دردير

تُقدّم أمريكا نفسها مركزًا للعالم، ونيويورك مركزًا لهذا المركز؛ فلمّا جرى تركيز العالم في برجي مركز التجارة العالمي التوأمين، استهدفهما الإرهابيون كأنما يستهدفون قلب هذا العالم ومعناه.

هذه باختصار قراءة جان بودريار لهجمات 11 سبتمبر في كتابه «روح الإرهاب»، الذي لا يرى فيه للهجوم حقيقة غير تلك. فبغض النظر عن أي مبررات أيديولوجية أو خلفيات عقائدية لمنفذيه، فإن مغزى الهجوم ينحصر في كسر المعنى الذي ينتجه النظام السائد؛ لا يرى بودريار في المسألة صدامًا للحضارات، وإنما رفض للنظام العالمي ورغبة في تدميره بتدمير مركزه.

كما يرى الكتاب الرغبة في تدمير هذا المركز مرتبطة بطبيعة المركز نفسه، فالإمبراطورية التي تُكرّس كل أشكال السلطة في مركز واحد، تخلق بذلك رغبة في تدميره وتدمير هذه السلطة؛ ولا ترتبط هذه الرغبة -بالضرورة- بالإسلام السياسي أو بضحايا هذه الإمبراطورية؛ بل يذهب إلى أن المنتفعين من هذه الإمبراطورية هم أيضًا متواطئون في أمنية تدميرها.

يرى بودريار أن السينما عبرت كثيرًا عن هذا الحلم، وأن أفلام الكوارث الطبيعية والخيال العلمي تمثّل هذا الحلم مغلفًا بغطاء من المؤثرات السينمائية. وأذكر كيف كنا، في عالم ما قبل 11 سبتمبر، نلعب لعبة الكمبيوتر «قُد وسُد» (Command and Conquer)، في نسختها التي تدور أحداثها ضمن حرب عالمية ما بين قوة مركزية عالمية تقودها الولايات المتحدة وتحالف الإرهاب الدولي، وتمنحك اللعبة حق اختيار أحد الفريقين ثم إذا انتصر فريق الإرهاب يصبح على اللاعب اختيار معلم من معالم الحضارة الغربية لتدميره، وأذكر أن تمثال الحرية كان من بين تلك المعالم. وكأن عالم ما قبل 11 سبتمبر كان يتأهب لهذه اللحظة ويحلم بها قبل أن يدركها.

وبحسب بودريار، فإن برجيْ مركز التجارة العالمي يمثّلان هذا العالم الحديث بأفضل ممّا تمثّله أي من المعالم الأخرى، لأنهما يمثلان النظام الاقتصادي العالمي ويُشبِهانه برسومه البيانية المُسْمَطة الخالية من أي جماليات أو قدرة على التعبير خارج الأرقام الباردة. ويصل إلى أن مأساة الذين ماتوا في انهياره لا تزيد عن مأساتهم في أن يعيشوا فيه، خاصة وقد دخلت الرأسمالية مرحلة احتكارية لم تعد تمثلها سماء نيويورك الممتلئة بالمباني المحتشدة والمتنافسة لترسم شكلا هرميًا، بل يمثلها ذلك البرج الذي يشق السماء عموديًا ويختزل النظام المالي فيما يشبه الرسم البياني أو بطاقة الكمبيوتر المثقبة. ثم لأنهما توأمان فكأنهما يقولان إنه ليس ثمة أصل، بل تعدد للرمز، ومن خلال هذا الرمز الذي لا يعكس إلا توأمه/ ذاته يكتمل إلغاء الأصل، ويكتمل بذلك احتكار البرجين للمعنى خارج النظام الذي منحهما ذلك المعنى، ويكتمل معه تمثيل البرجين للرأسمالية الاحتكارية. ولهذا، فإن سقوط البرجين يعني لبودريار أن سقوط هذا النظام العالمي حتمي.

 تجمّعات إرهابية: القومية المثلية في أزمنة شاذة

جازبير بوار، دار جامعة ديوك، 2007

أحمد ضياء دردير

ما بين عامي 2001 و2003، جنّدت الولايات المتحدة الأمريكية -ربما بشكل غير مسبوق- الملفات الحقوقية، سيما ما يتعلق منها بحقوق النساء والمثليين، لتبرير هجماتها على أفغانستان والعراق.

وفي عام 2004، تسرّبت صور معتقل أبو غريب لتظهر الوجه الآخر للأجندة التحررية التي تطرحها الإمبراطورية الأمريكية من قمع وامتهان وإذلال، وأن الإمبراطورية التي تدّعي تحرير الناس جنسيًا تعمل -بالعكس مما تدعي- على إهانتهم واغتصابهم بأشكال مجازية وحَرْفية.

في الفترة نفسها، ومن أجل زيادة أعداد المجندين في الجيش الأمريكي واختلاق وحدة وطنية في وجه الآخر الإرهابي، بدأ النقاش حول إلغاء سياسية «لا تسل ولا تقل» التي كانت تمنع المثليين والمثليات من المجاهرة بمثليتهم أثناء تأدية الخدمة العسكرية (ألغاها باراك أوباما بالفعل في 2011 ضمن حملته لتجميل وجه الإمبراطورية).

في كتابها «تجمعات إرهابية»، تقرأ بوار هذه الظواهر ضمن عوارض مرحلة جديدة من الاستثنائية الأمريكية، تتوسع في قبول بعض الهويات والممارسات المثلية أو التي كانت تعد شاذة في السابق، بشرط أن تصبح هذه الهويات بيضاء (فيصبح المثلي المثالي هو المثلي الأبيض، وإن كانت تسمح للأقليات العرقية في بعض الأحيان بالانضمام لهذه الهوية البيضاء إن التزمت بمعاييرها، بأن تحاكي مثلًا الأسرة النووية وتشارك في المجتمع الاستهلاكي)، ومن ثم تجند هذه الأقليات في حربها رمزيًا، من خلال التلويح بهذه الأقليات كأحد دلالات الاستثنائية الأمريكية، وفعليًا بالتوسع في ضمها إلى جيشها.

أمّا ما يخرج عن هذه المعايير العرقية والاجتماعية، يصبح شاذًا شذوذًا عرقيًا وجنسيًايتخيل هذا الخطابُ غيرَ الأبيض (العربي المسلم خصوصًا) كائنًا شاذًا، دون أن يعني الشذوذ هنا المثلية بالضرورة؛ وإنما الانحراف عن معايير الغرب العرقية والاجتماعية والجنسية؛ فيظهر شذوذ العربي المسلم في الثقافة الأمريكية والغربية من خلال صور نمطية عن تعدد الزوجات أو عن اشتهاء الحيوانات أو عن الكبت الجنسي. بل إن هذا الخطاب ينتج في بعض الأحيان المثلي الشاذ/ المنحرف (العربي أو غير الأبيض) في مقابل المثلي المعياري (الأبيض أو الملتزم بالمعايير البيضاء). يبزع «الوحش الإرهابي» -ومن خلاله العربي والمسلم إجمالًا- ككائن شاذ، مثلي ومعاد بعنف للمثلية في آن، ذكورته ناقصة ومتعدية في آن، فيصبح، على سبيل المثال، مكبوتًا أو عاجزًا، ومزواجًا في الآن ذاته. وتجند هذه التصورات في ممارسات عدوانية وقمعية، مثل التي رأيناها في أبو غريب (كأنها تنزل الإرهابي-الوحش-الشاذ، -بحسب التعبير الذي صاغته بوار (monster-terrorist-fag)- منزله، أو تعاقبه على وحشيته وشذوذه، بأن تفرض عليه وضع الحيوان والامتهان الجنسي)، وفي مقابلها تجند الأقليات الجنسية البيضاء أو التي تقبل بمعايير المجتمع الأبيض، جنودًا مخلصين في جيش الإمبراطورية الحرفي والمجازي.

هل المسلمات بحاجة إلى إنقاذ؟

ليلى أبو لغد، دار نشر جامعة هارفارد، 2013

عروبة عثمان

يبدو هذا الكتاب مُلحَّا للغاية في الفترة الراهنة، بعدما تعالتْ أصوات ماكنة الخوف على مصير المرأة الأفغانية وحريتها بعد تحرير أفغانستان من الاحتلال الأمريكي على يد طالبان. وإذ ينبني الكتاب على أساس تفكيك مدى مركزية مسألة حقوق المرأة الأفغانية في سياسات «الحرب على الإرهاب» التي راجتْ بعد أحداث 11 سبتمبر، فإنّ أبو لغد تجادل بأنّ أمريكا ونسويّتها الاستعمارية عملتا على حشد مقولة إنقاذ النساء الأفغانيات من براثن «الرجعيّة الإسلاميّة» بغرض تسويغ تدخّلهم الاستعماريّ في أفغانستان. تعزو الكاتبة ذلك إلى تغليب الغرب منطقَ التفسيرات الثقافيّة واللاتاريخيّة على فهم «حركة» وإشكالات المجتمعات الإسلامية خاصةً، ومجتمعات العالم الجنوبيّ عامةً، بما ينطوي على مركزية عرقية ونسبية ثقافية تعيدان إنتاج الخيال الاستشراقيّ وثنائياته بين «طالبان الإرهابية الكارهة للنساء» و«أمريكا مخلّصة النساء من العبودية الإسلامية».

وفي حين ترى أبو لغد أنّ فزاعة النساء تُثار حصرًا حينما تتواشج مع الإسلام دون المسيحيّة أو اليهوديّة، فإنّها تقرأ هذا التأطير الثقافيّ والدينيّ كسدٍّ معرفيٍّ يعيق الاستكشاف الجاد لجذور المعاناة الإنسانية لذلك الجزء من العالم، بل ويغطي على شبكة علاقات القوى الاستعمارية التي تتدخّل مباشرةً في تشكيل حيوات الأفغانيات وقهرهنّ التاريخيّ. تركّز الباحثة، في كتابها، على سياسات الحجاب والبرقع الأفغانيّ، بما تمثّل هوسًا أنثروبولوجيًا غربيًا اختُزل في كونه علامةً قهريةً مفروضةً على الأفغانيات يتطلّب تحريرهنّ منه بعد دحر طالبان. بَيْدَ أنّ الصدمة الاستعماريّة تجلّتْ بعدم خلع الأفغانيات براقعهنّ في المناطق التي خرجت عن سيطرة طالبان بعد الاحتلال الأمريكيّ لها. تحلّل أبو لغد ذلك من مداخل عديدة؛ أهمّها أنّ البرقع سابقٌ على ولادة طالبان، ويمثّل شكلًا من الغطاء المحليّ لنساء «البشتون» عند عبورهنّ إلى الحيّزات العامة. كما تقرأه ضمن سياسات التقوى والحِشمة وأهليّة المرأة الأفغانيّة، ليكون بمثابة «خلوةٍ متنقّلةٍ» أتاحتْ للنساء الخروج إلى المجال العام وفقَ اتفاقيّةٍ رمزيّةٍ توحي للجميع ببقائهنّ في مساحاتٍ غير قابلةٍ للانتهاك من قِبل الغرباء، وليس كعلامة إخضاع طالبانيّة بالدرجة الأولى.

ارتباطًا بما تقدّم، يقضي الكتاب بضرورة الاستناد إلى الممارسة الفعلية والمعايشات الإثنوغرافيّة للنساء الأفغانيات التي تحيّد التعميمات الأنثروبولوجيّة المتخيّلة جانبًا، وتتيح لنا فهم الاختلافات كمنتجات ذات تواريخ وظروف مختلفة، وكمظاهر لرغبات منظّمة بشكل مختلف. بكلماتٍ أخرى، تحثّنا أبو لغد على تقبّل وجود أشكال متعدّدة من العدالة للنساء، واحترام اختيار هؤلاء النساء مستقبلًا مختلفًا عمّا تراه أخرياتٌ أنّه الأمثل لهنّ، خاصةً بإدراكنا أن معظم الناشطات الأفغانيات يجمعن على تشكيل الإسلام نقطة البداية للإصلاح في علاقة الدولة بالمرأة.

وعودًا على بدء، فإنّ تشكيكنا مؤخّرًا في نوايا الأصوات التي ثارت حميّتها في سرقة ألسنة الأفغانيات أنفسهنّ، ومقاربة التحرّر من المستعمِر الأمريكي بعين الخوف الأحادية على لباس الأفغانيات وشعورهنّ، كمدخل لإعادة استدعاء الاستعمار «الإنقاذيّ» وإضفاء طابعٍ أخلاقيٍّ عليه، لا يعني بحسب الباحثة إنكار دوغمائية طالبان في بعض الجوانب المتعلقة بالنساء، وخضوعهنّ إلى حالات عنف مادية تحت حكمها. لكنّه يستدعي موضعة الاضطهاد المركّب ضمن ظروف أفغانستان المتواشجة مع الغرب واقتصاده العالميّ وحربه الدولية على «الإرهاب». ذلك أن ما يتراءى للعيون الغربية كتقاليد غالبًا ما يجسّد مظهرًا من أشكال جديدة أكثر وحشيةً من إخضاع الضعفاء الذي بات ممكنًا بفعل التدخّل الاستعماري وانعدام الأمن ونشوء الاقتصاد الإجرامي، بجانب تآكل أواصر الثقة الذي خلّفته الاضطرابات الاجتماعيّة الناتجة عن الحروب. أخيرًا، يمثّل هذا الكتاب إضافةً معرفيةً جادّةً في مضمار لغة التفكيك النقديّ لأثر سياسات الرهاب من الإسلام على نساء العالمين العربي والإسلامي بعد انهيار البرجين التجاريين في أمريكا، ولعلّ الجملة التي أوردها الكتاب «حمام دم للنساء سيحدث إنْ تركنا أفغانستان» أكبرُ برهانٍ على الأداتيّة المستمرة لقضايا نسائنا لشرعنة الاستعمار.

 عصر الغضب: تاريخ الحاضر

بانكاج ميشرا، دار آلان لين، 2017

إبراهيم الشريف

درس ميشرا في كتاب «عصر الغضب» الحاضرَ وما يحدث فيه، من عودة العصبيات القوميّة والعرقيّة بقوّة للساحة، منطلقةً من إحساس عدم الرضا المنتشر بين الشعوب؛ عدم الرضا الذي استغله وأجّجه قادة بعض الدول «الديمقراطيّة» في العالم (ترامب في الولايات المتّحدة، وجونسون في المملكة المتّحدة، ومودي في الهند، إلخ)؛ وكلّ ما نتج عن ذلك من عنفٍ وعسكرةٍ إرهابيّة ضد أقليّات مسلمة أو يهوديّة أو كويريّة، وصلت في بعض الأحيان إلى إبادات ممنهجة أو متغافل عنها بعمد.

فما علاقة هذا الكتاب بعالم ما بعد 11 سبتمبر؟ يقول ميشرا في مقابلة أجراها قبيل صدور الكتاب: «لقد ارتكبنا [نحن المثقفين] انتحارًا فكريًّا بعد 11 سبتمبر، حين صرنا نفكّر في الإسلام بوصفه مُنتِجًا للعنف». حين تُصرّ النخبة المثقفة (خاصّة الغربيّة) على تبرير الحروب بلوم «العنف الإسلامي»، وحين تُبرّر العصبيّة ضد المسلمين بوصفها محاربةً للتطرّف والتخلّف مثلًا، لا بوصفها فوقيّة عرقيّة وثقافيّة ودينيّة؛ أو حين يُلام المهاجرون على الانهيار الاقتصادي بدل لوم تغوّل الرأسماليّة؛ أو حين يقع لوم انهيار المجتمعات الديمقراطيّة على ظهور دعاة التنوّع الاجتماعي والمساواة لا على تعصّب رافضي التنوّع؛ هذه الخطيئة المتعمّدة، هي بالذات الانتحار الفكريّ الذي يقصده ميشرا، الانتحار الذي نجد أحد أبرز أمثلته في الإسلاموفوبيا التي استشرت بعد 11 سبتمبر، والتي نرى اليوم عودتها -غير المفاجئة- بكلّ ثنائيّاتها الاستشراقيّة مع أحداث أفغانستان الراهنة.

إن دراسة حاضر العالم، من ناحية فكريّة على الأخصّ، لا بدّ أن تتعامل مع تاريخ الخطأ المستمر الذي يُصرّ على تشتيت الانتباه وإلصاق «السبب» بشيء خارجي. ليس هذا الكتاب دفاعًا عن الإسلام وصورته ولا هجومٌ على الغرب وتاريخه، ولكنّه كتابٌ يُوضّح بتفصيلٍ مدهشٍ أن أسباب العنف، أو الغضب وعدم الرضا، ليست محصورةً في ثقافة أو ديانة معيّنة. ما السبب وراء تغوّل الرهبان البوذيين في ميانمار وتحوّلهم إلى قادة للإبادة والتطهير العرقي؟ وماذا عن الدول التي تزعم ممارسة الديمقراطيّة (الولايات المتّحدة، والكثير من دول أوروبا، والهند «أكبر ديمقراطية في العالم»، والاحتلال الصهيوني «الديمقراطية الوحيدة في المنطقة») التي تمارس في الواقع التعصّب والإقصاء والإبادة، على النقيض من كلّ قيم التسامح والتنوّع التي تزعم أنها تمثّلها؟ إنّ الكتاب يوضّح أيضًا أنّ كلّ تلك الانتحارات الفكريّة الغربيّة هي مجرّد امتداد لماضٍ حرص الغرب بالذات على تعقيمه؛ فالعنصريّة لم تظهر اليوم فجأة في الولايات المتحدة مثلًا، العنف العسكري الذي يُغرق دولًا كاملة في الدماء ليس شيئًا استثنائيًّا أو اضطراريًّا بالنسبة لقوى الغرب الكبرى.

إن كتاب ميشرا هذا مهمٌّ جدًّا، فهو لا يتغافل عن المشكلات أو يستمر في خلق ثنائيات، وإنما يكشف هذه الخطايا الفكريّة ويستقصي جذورها، لعلّ ذلك يُجنّب بعض «المثقفين» الانتحار فكريًّا مرّة تلو الأخرى، ولعلّه أيضًا يساعدنا نحن القراء على إدراك تلك الانتحارات دون القفز من فوق الحافة وراء أصحابها!

النيوليبرالية والإرهاب: مقاربات نقدية

تشارلوت هيث كيلي، كريستوفر بيكر وآخرون، دار روتليدج، 2016

فخري الصرداوي

يتوزع هذا الكتاب على مجموعة من الأوراق الأكاديمية البحثية السياسية والاقتصادية والثقافية، المقدمة من المشاركين والمشاركات في مؤتمر «النيوليبرالية والإرهاب/ النيوليبرالية كإرهاب»، والذي عقد في أيلول من العام 2014 في جامعة توتينهام ترينت، وذلك قبل نشر هذه الأبحاث في عدد خاص من مجلة «الدراسات النقدية للإرهاب» (Critical Studies on Terrorism). 

يقارب الكتاب ظاهرة اختلاط وتفاعل مشروع الدولة النيوليبرالية التي صعدت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مع مشروع دولة الأمن القومي التي صعدت بالطبع بعد هجمات 11 سبتمبر، لكي تتبلور لدينا لنا دولة هجينة قائمة على الأيديولوجية الأكثر شيوعًا حول العالم: النيوليبرالية السلطوية، حيث تقوم سياسات الإصلاح النيوليبرالية بدور مصادرة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في الوقت نفسه الذي تقوم فيه سياسات الحرب على الإرهاب بدور مصادرة الحقوق السياسية والمدنية. وهنا تتخلى الدولة عن الأمن الإنساني والاقتصادي والصحي والغذائي والمائي، وتستبدله بعقيدة «أمن دولة» عدمية، متمحورة حول «غير المعروف» و«غير المؤكد» و«غير المتوقع».

هذا الطابع الأساسي للحرب على الإرهاب يجعلها شبيهة بالنيوليبرالية، من حيث أنهما أزمةٌ مستمرة أو إنتاج مستمر للأزمات. حيث إن سردية الحرب على الإرهاب تقوم على أن «الهجمة المجهولة» قادمة لا محالة، وأن وقوعها يحوّلها إلى «هجمة معروفة» مرتبطة «بهجمة مجهولة» أسوأ قادمة لا محالة، وهكذا. وهنا تتساءل هذه الدراسات النقدية إن كانت هناك أي «نهاية» للحرب على الإرهاب. 

الجواب هو لا. ليس من مصلحة النيوليبرالية وطبقة رأس المال المرتبطة بها أن تنتهي هذه الحرب. بحسب التحليل الطبقي لعدد من دراسات هذا الكتاب فإن الحرب على الإرهاب هي فصل جديد وخطير من فصول الصراع الطبقي. حيث  تغدو الحرب أداة من أجل تمرير الأزمات الاقتصادية التي تنتجها الوصفات النيوليبرالية، وتعتمد عليها، وتؤدي بها إلى إعادة تشكيل وترتيب مؤسسات الدولة، وتعزيز تراكم الثروات والاستغلال، في الوقت الذي تَحول فيه هذه الأداة دون تحوّر تلك الأزمة الاقتصادية إلى أزمة سياسية طبقية حقيقية، تشكل تهديدًا وجوديًا لرأس المال. يحصل ذلك عن طريق صناعة «العدو الكوني» المستقبلي المبهم، لخلق منظومة قيمية وهمية، وإطار ثقافوي سلس، تستغل فيه طبقة رأس المال الدولة لمواجهة الجميع، بما يشمل الخصوم السياسيين والعمال والمهمشين، تحت حجة «الوحدة الوطنية» و«الوحدة الإنسانية» في مواجهة الإرهاب والتطرف. 

في المحصلة، يُطبّق هذا الكتاب الفرضية الأساسية للدراسات النقدية للإرهاب، القائمة على أن الإرهاب ليس فقط العنف الذي ترتكبه الجهات الفاعلة من غير الدول. وعلى هذا الأساس، تصبح النيوليبرالية وجناحها العسكري؛ الحرب على الإرهاب، وصدماتها الجماعية ضد الشعوب بحد ذاتها إرهابًا.

 حيوات في الظلّ: النساء المنسيّات في الحرب على الإرهاب

فيكتوريا بريتن، دار بلوتو برس، 2013

أميرة عكارة

في هذا الكتاب تتناول المؤلّفة جانبًا غير مطروق من تداعيات هجمات 11 سبتمبر، إذ ترصد آثارها المباشرة على حيوات مجموعة من زوجات وعائلات المعتقلين في بريطانيا وأمريكا خلال العقد الذي تلا الأحداث. ترى بريتن في هذه الحيوات نموذجًا مصغّرا لما أفرزته سياسات الذعر وغلبة الهاجس الأمنيّ في بريطانيا والولايات المتحدة، عقب 11 سبتمبر، وما ترتّب على هذه السياسات من انتهاكات جسيمة للحقوق والحريّات، ومن ممارسات الوصم والنبذ والقسوة التي طالت العرب والمسلمين في الغرب.

تستعرض بريتن في مقدّمة الكتاب الأحداث المفصليّة التي أدّت إلى «الحرب على الإرهاب»، والتي امتدّت جذورها لعقود سابقة من السياسات والتدخّلات الاستعماريّة الغربيّة في دول عديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، وما نتج عنها من صراعات داخليّة في تلك الدول، ومن حروب بالوكالة أدارتها وانخرطت فيها الولايات المتحدة والقوى العظمى في العالم، وما رافق ذلك من صعود بن لادن والقاعدة، وصولًا إلى هجمات 11 سبتمبر، وما تبعها من سياسات وحروب وأحداث، مُبيّنة، عبر عرض موجز، السياق التاريخيّ الأكبر لما سيلي من قصص المعاناة التي عايشتها عدّة عائلات عربيّة ومسلمة على جانبي الأطلسيّ.

في ثمانية فصول زاخرة بالتفاصيل، توثّق المؤلّفة كيف تبدّلت حيوات مجموعة من النساء من دول عربيّة وإسلاميّة عدّة، إثر اعتقال أحد أفراد العائلة في معتقل باجرام في أفغانستان أو جوانتانامو في كوبا، أو في غيرها من السجون شديدة الحراسة في بريطانيا والولايات المتحدة. ترتكز هذه الفصول على رصد ما واجهته النساء المعنيّات من معاناة مع الانتظار والترقّب والوحدة لسنوات، تجاوزت العقد أحيانًا، ومن مخاوف تتعلّق بسلامة ومصائر ذويهنّ من المعتقلين، ومن عدم التمكّن من زيارتهم والتواصل الهاتفيّ معهم لفترات طويلة أحيانًا، وما رافق ذلك من اعتلالات وانهيارات صحيّة ونفسيّة للمعتقلين وعائلاتهم، ومن معاناة الأطفال من غياب الآباء لسنوات، ومن التعرّض للوصم في المدارس، بالإضافة إلى ما حلّ ببعض هذه العائلات من أزمات اقتصاديّة جرّاء اعتقال المعيل الوحيد لها.

تشير بريتن من خلال قصص هاته النساء وعائلاتهنّ إلى الإخفاقات العديدة لنظم وإجراءات العدالة والتقاضي في بريطانيا والولايات المتحدّة عقب أحداث 11 سبتمبر، متمثّلة في ممارسات من بينها الاعتقال لسنوات دون توجيه لائحة اتّهام ودون محاكمة، والاحتجاز والمحاكمة بناءً على «أدلّة سريّة»، وشهود مجهولين، وخضوع بعض المعتقلين إلى الإقامة الجبريّة لفترات طويلة وبشروط تقييديّة كبيرة، كحظر التجوّل لـ22 ساعة، وحظر استخدام الإنترنت والهواتف المحمولة وأجهزة الحواسيب، والتعرّض للزيارات الأمنيّة التفتيشيّة المفاجئة، وإعادة الاعتقال عدّة مرّات، ومواجهة بعض المعتقلين من اللاجئين أو المقيمين في بريطانيا أو الحاملين لجنسيّتها خطر الترحيل إلى الولايات المتحدة أو إلى بلدانهم الأمّ.

يقدّم الكتاب عبر سرده لوقائع ما مرّت به النساء وعائلاتهنّ، وعبر انطلاقه من التفاصيل الدقيقة المُعاشة لحيوات شخصيّة تبدّلت وتهشّمت إلى الصورة الأكبر لعالم تداعت فيه قيم العدالة والحريّة والحقوق المدنيّة باسم الأمن القوميّ، شهادة مهمّة وواقعيّة وجريئة حول ملامح العقد الأوّل لما بعد 11 سبتمبر، والتداعيات الجسيمة وطويلة الأمد لما ساد فيه من سياسات.

 مراكز البحوث الأمريكية ودراسات الشرق الأوسط بعد 11 سبتمبر: تشكيل الإدراك الأمريكي

هشام القروي، مركز نماء للبحوث والدراسات، 2014

عبد الله أبو لوز

مؤلّف هذا الكتاب هو الدكتور هشام القروي، باحث وأكاديمي ومحلل سياسي. حاصل على الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون في باريس، وعمل باحثًا في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في قطر، ومركز دراسات الشرق الأوسط المعاصر في جامعة السوربون.

يعتبر الكتاب بمثابة دراسة تفحص فرضيةً تتعلق بطريقة عمل النظام الأمريكي، تسمى الأبواب الدوارة للسلطة. حيث يعتبر الباحث أن هذه الأبواب الدوارة تشكل الأدوات البنيوية، أي البطانة التي تؤسّس لعملية تشكيل العقل الأمريكي وصنع السياسة الأمريكية الخارجية. كما تناقش الدراسة أثر الأبواب الدوارة على التساؤلات التي أثيرت بعد أحداث 11 سبتمبر، في النقاش حول جدوى دراسات الشرق الأوسط داخل الولايات المتحدة. يستهل القروي بحثه بتوطئة تاريخية حول نشأة مفهوم دراسات الشرق الأوسط، ويوضح في هامشه اختلافه مع فحوى المفهوم، ويؤكد أن استخدامه له يأتي بغرض تسهيل الفهم والأمانة في ترجمة الاصطلاح المعمول به في الولايات المتحدة. مشيرًا إلى أن تاريخ الدراسات المختصة بالشرق الأوسط هو جزء لا يمكن فصله عن تاريخ عمل الأكاديميا الأمريكية، حتى وإن عاد به بعض الباحثين إلى نشاط المنصّرين، فالواقع يدل على أن هؤلاء بدأوا في تحركهم من المؤسسات التعليمية.

يتحدث القروي عن ازدياد اهتمام الحكومة الأمريكية بدراسات اللغة العربية والإسلام والشرق الأوسط. حتى أن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت عن تدابير جديدة لتشجيع الطلاب الشباب على التسجيل في أقسام اللغات والحضارات الشرقية المسماة عادة دراسات الشرق الأوسط. على الصعيد الشعبي، ازدادت مبيعات الكتب المتعلقة بالإسلام والشرق الأوسط في الدول الغربية بشكل واضح، في الفترة التي تلت مباشرة أحداث 11 سبتمبر. أيضًا، يُبيّن الكتاب الروابطَ الملتبسة بين الأكاديمي والسياسي، حيث يكشف عن الرؤية التي يحملها التعليم العالي (وبالتالي المستقبل) والدور السياسي الذي تلعبه الولايات المتحدة في منطقتنا. في الفصل الثاني يعرض الكاتب مجموعة من آراء الباحثين والمختصين من داخل وخارج جمعية دراسات الشرق الأوسط MESA. فيخص الداخل بآراء رشيد الخالدي، وجويل بينين، وليزا أندرسون، ولوري ي. براند. في المقابل، خَصّ الكاتب الخارج بآراء ستانلي كرتز، ومارتن كريمر، وبرنارد لويس، ومالكولم كير، وعرفان حبيب، ودانيال أتكين.

علاوة على ذلك، يتناول الكاتب مجموعة من القرارات التشريعية في الكونغرس الأمريكي صدرت في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، لتشكيل لجان استشارية مستقلة للتعليم العالي، تشرف على المواد التي تدرس في المؤسسات الأكاديمية، ومنح أموال المساعدات لبرامج الجامعات للدراسات الدولية. لقد أثارت هذه التشريعات جدلًا ضخمًا في وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية والحقوقية ومراكز الدراسات، بين مؤيد لها ومعارض يرى فيها تقييدًا للحرية الأكاديمية. لقد ترتب على أحداث 11 سبتمبر وضع ذو نفسٍ قوميٍ متشدد في الأوساط الأكاديمية والمؤسسات ومراكز الأبحاث. لذلك شكلت هذه القوانين والتشريعات أفقًا يضغط ويوجه الطلاب الشباب الجدد نحو إنتاج معرفة تفيد الدولة وصناع القرار، ويضع النخبة في تبعية إزاء أموال المنح المقدمة من الدولة.

 صورة العرب في السينما العالمية بعد 11 سبتمبر

أحمد عاطف، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2015

ريما العيسى

يعتمد هذا الكتاب المنهج الكرونولوجي المتصاعد في تحليل أفلام وأحداث تناولت العلاقة الثلاثية بين الغرب والعرب والسينما. يقول المؤلف إن شخصية العربي بقيت تقدم في السينما بصورة كاريكاتورية ومهينة لسنوات طويلة، إلا أن هذه السخرية توقفت بعد 11 سبتمبر لمدة ثلاث سنوات لينطلق من بعدها سيل من الأفلام الهوليوودية التي تبحث في قضايا عربية وتحلل شخصية الإنسان العربي، وقد شارك فيها حتى بعض الممثلين العرب. وعلى رأس تلك الأفلام «سيريانا» (Syriana) الذي يقول إن التطرف ليس دينيًا فحسب بل ورأسماليًا وعرقيًا أيضًا. كذلك فيلم «ميونخ» (Munich) لستيفن سبيلبرغ الذي يعيد النظر في حادثة ميونخ عام 1972. تميّز عام 2006 بوجود أكثر من فيلم عن العرب ومعظمها أفلام سياسية، مثل «بابل» (Babel) الذي يعتبر التطرف أبرز ملامح المسلمين. ثم اتجهت السينما التجارية الأمريكية في 2007 نحو السعودية والعراق وأفغانستان منتجة خمسة أفلام لكبار النجوم والمخرجين من أهمها «تمت إعادة صياغته» (Redacted) للمخرج برايان دي بالما ويدور حول اغتصاب طفلة عراقية في الثالثة من عمرها وإحراقها من قبل خمسة جنود أمريكيين. كذلك ظهر فيلم «معركة من أجل حديثة» (Battle for Haditha) ويدور حول مجزرة قام بها المارينز في الحديثة في العراق. ثم فيلم «في وادي إيلاه» (In the Valley of Elah) ويحكي قصة اختفاء جندي أمريكي بعد عودته من العراق. وأخيرًا فيلم روبرت ريدفورد وميريل ستريب وتوم كروز «الأسود للحملان» (Lions For Lambs).

ظهر في أوروبا عدد كبير من الأفلام وعلى رأسها فيلم «مختبئ» (Hidden) للنمساوي مايكل هانيكاه الذي يتهم أوروبا بأنها تمارس الفظائع ضد العرب وتتهرّب من مسؤوليتها تجاه المهاجرين منهم. والفيلم الإيطالي «طالما ولدت لا تستطيع الاختباء» (Once You’re Born You Can No Longer Hide) وهو يتحدث بدوره عن مشكلة المهاجرين عمومًا. يعبّر الفيلمان عن الشعور بالذنب والاعتذارية عما يفعله الغرب بالشرق. على الجهة الأخرى ظهرت العديد من الأفلام المسيئة للعرب فجاء فيلم «محامي الإرهاب» (Terror’s Advocate) عام 2007 وهو يدور حول حياة المحامي الفرنسي الذي دافع عن المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد. ومن بعده «من السيء أن يحبك الحمقى» (It’s Hard to Be Loved by Idiots) عام 2008، ويعتبر من أشد الأفلام إساءة للعرب والمسلمين.

وفي العام 2010 جاء فيلم المخرج الإنجليزي كين لوتش بعنوان «الطريق الإيرلندي» (Route Irish)، وهو فيلم يدين التواجد العسكري البريطاني في العراق.

يتناول المؤلف قضايا الهوية في أفلام عالمية لسينمائيين عرب. ويشيد بفيلم «باب الشمس» للمخرج يسري نصر الله الذي يعتبره أحد أعظم الأفلام في تاريخ السينما العربية. ويركز على الاهتمام الذي بدأت توليه شركات السينما وقنوات التلفزيون الأمريكية بالخليج، وخاصة كبار المنتجين في محاولة لتصيّد فرصة وجود أموال ضخمة متوفرة هناك.

 عن التفجيرات الانتحارية

 طلال أسد، ترجمة فاضل جتكر، المركز الثقافي العربي، 2008

شهد الحموري

عندما نتحدث عن القتل، ما الفرق ما بين إسقاط صواريخ على بغداد من طائرات أمريكية وعمل إنتحاري في مترو لندن؟ أوليست النتيجة هي ذاتها؟ خسارة روح لم تختر المشاركة في هذه الحرب. في هذا العمل النظري القصير يتحدى طلال أسد، الأستاذ في جامعة سيتي في نيويورك، صورة «ماهية العنف الشرعي» التي رسمها الإعلام في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. يبدأ أسد بتأكيد طبيعة العلاقة غير المباشرة لأغلبية العالم مع العنف، وسهولة تشويه الواقع من خلال تغيير السردية المطروحة من قبل الإعلام. كما يناقش مفارقات بسيطة تبيّن الانحيازات المزروعة في السردية الغربية حول «الارهاب»، ومنها يُسائل نظريات تستخدم عادة لتأطير عنف الدول المتقدمة اقتصاديًا كعنف مشروع، مثل نظرية «صراع الحضارات» التي افترضت أن الفروقات في الهوية الثقافية والدينية ستكون أساس الصراعات السياسية في عالم ما بعد الحرب الباردة، والتي غالبًا ما يتم استخدامها لشيطنة الحركات المرتبطة والهوية الإسلامية، ونظرية «الحرب العادلة» التي تبرّر الحروب التي تقودها الدول دفاعًا عن مصالحها، وترفض الحركات المسلحة التي لا تنتمي لدولة ما. يحاول هذا العمل وضع مختَلف أنواع العنف الموجهة نحو العامة داخل إطار واحد، ليرسم صورة أصدق لدينامكيات العنف الدولية في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر.

جيش هاليبورتن: كيف ثوّرت شركة بترول نافذة من تكساس أساليب الحرب الأمريكية

برتاب شاترجي، 2010

شهد الحموري

لقد وفرت «الحرب على الإرهاب» التي أُعلنت عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر فُرصًا استثماريةً مميزة، خاصة لدوائر رجال الأعمال ذوي النفوذ في البيت الأبيض. فوفرت هذه الحرب الدفعةَ الملائمة لأجندة خصخصة المهمات العسكرية والتقليل من التكلفة المجتمعية لخوض الحروب في منطقة الشرق الأوسط والمناطق المحيطة بها. في هذا السياق، تختص شركة هاليبرتون التي ارتبط تأسيسها بوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد ونائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، اللذين تناوبا على المناصب السياسية والتجارية جنبًا لجنب لأكثر من عشرين عامًا، بكل ما يتعلق باستغلال وتسهيل الحرب. هل تبحث عن قاعدة عسكرية قابلة للتركيب والفك خلال 24 ساعة؟ أو عن وجبات سريعة للجنود؟ أو عن مرتزقة أفارقة؟ أم هل لديك أحواض نفطية مُحتلة للبيع بسعر بخس؟ ستتجاوب شركة هاليبرتون مع كل هذه الاحتياجات بسرعة وسلاسة.

في هذا الكتاب المبني على تحقيقات استقصائية، يتناول الصحفي الهندي البريطاني برتاب شاترجي قصصًا تتمحور حول تطوّر شركة هاليبرتون و«الحرب على الإرهاب». ويسلط الضوء على قصص العلاقات ما بين مدراء الشركة، تاريخهم السياسي الذي يمتد لحرب على فيتنام، والممارسات الفاسدة، والتطورات القانونية، والعلاقات الاقتصادية مع الدول المجاورة التي غيرت وجه الحروب الحديثة. فيناقش القصص الموازية للتكنولوجيا الحديثة التي طورتها الشركة، وأساليب الإدارة الحديثة التي طبقتها في سياق الحروب، والدور السياسي للقائمين على الشركة في توفير دعم غير مباشر لتشريع قوانين توكل للشركات مهامّ كانت تاريخيًا من نصيب الدولة، ودورها في رسم توجهات السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.

القافلة: عبد الله عزام وصعود الجهاد العالمي

توماس هيغهامر، ترجمة عبيدة عامر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2021

حسن أبو هنية

«القافلة: عبد الله عزام وصعود الجهاد العالمي،» كتابٌ جديدٌ لتوماس هيغهامر، كبير الباحثين في مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة أوسلو في النرويج. ويتناول سيرة حياة الشيخ عبدالله عزام بدءًا من مولده في فلسطين وعلاقته بأسامة بن لادن، حتى اغتياله في ظروف لا تزال غامضة في 24 تشرين الثاني 1989 في بيشاور في باكستان. والكتاب ثمرة جهد كبير استمر على مدى أكثر من عشر سنوات، وهو مبني على مقابلات واسعة، ويعتمد على ثروة هائلة من المصادر الأولية، معظمها باللغة العربية. ويتتبّع جانبًا من حياة عبد الله عزام، بدءًا من ولادته في فلسطين، ومرورًا بتجربة الإخوان المسلمين، ثم انتقاله إلى باكستان، وكذلك دراسته في دمشق والقاهرة، وتدريسه بالسعودية وباكستان، وصولا إلى «الاغتيال الأكثر غموضا بتاريخ الجهادية».

يتمتع الكتاب بأهمية كبيرة نظرًا لأن الشيخ عزام أحد أهم مؤسسي عولمة الجهاد، الذي سيؤدي لاحفًا إلى هجمات 11 سبتمبر، ويشير المؤلف، في مقدمة كتابه إلى أنه عمل عليه بنسبة الثلثين كمؤرخ، وبنسبة الثلث كعالم اجتماع. هيغهامر لا يكتفي بسرد الأحداث والتطورات والتحولات، بل يسعى أيضًا إلى تفسيرها ووضعها في سياقاتها النظرية والتاريخية. ولذلك، فالكتاب ليس مجرد سيرة ذاتية للشيخ عبد الله عزام، وإنما هو تحليل اجتماعي وسياسي وعسكري لنشأة تنظيم القاعدة والجهادية العالمية، ومحاولة لتفكيك خيوط إحدى المراحل المعقدة المتشابكة في تاريخ المنطقة، والتي ما زالت نتائجها و«قافلتها» تسير حتى اليوم.

حسب هيغهامر كان النضال لتخليص أفغانستان من الاحتلال السوفياتي قضية شرعية للجهاد العسكري في معظم أنحاء العالم الإسلامي. وقد انضم عزام إلى الجهاد الأفغاني عام 1981، وقضى معظم ذلك العقد وهو يحشد له على المسرح الدولي. وفي عام 1989 كان عزام أسطورة حية والمنِّظر الجهادي الأكثر تأثيرًا في العالم، وينظر إليه بوصفه أبًا للحركة الجهادية الدولية. لقد قاد عزام حشد المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان، خالقًا بذلك المجتمع الذي انبثق منه تنظيم القاعدة والمجموعات الراديكالية الأخرى. فشهادات اعتماده الإسلامية، وصلاته الدولية، وكاريزمته الشخصية؛ جعلته كلها مجنِدًا فعّالًا بشكل استثنائي. وبدونه لم يكن «العرب الأفغان» ليكونوا بهذا الحجم.

صاغ عزام جملة من الأفكار المؤسسة للجهادية العالمية، ومنها محاججته بأن على المسلمين الدفاع عن بعضهم البعض كما يؤكد هيغهامر، فإذا هوجم أحد أجزاء العالم الإسلامي فعلى كل المؤمنين أن يهرعوا للدفاع عنه، وقد شكلت هذه الفكرة الأساس الأيديولوجي للقتال التضامني العابر للحدود، تلك الظاهرة التي تجلت في العديد من الصراعات الأخرى في العالم الإسلامي، بدءًا من البوسنة إلى الشيشان في التسعينيات، مرورًا بالعراق والصومال في العقد الأول من الألفية، وصولًا إلى سوريا في العقد الثاني من الألفية. كما حث عزام الإسلاميين على نقل انتباههم من السياسات المحلية إلى السياسات الدولية، مهيِّئا الأرضية أيديولوجيًا لصعود الجهادية المعادية للغرب في التسعينيات.

يؤكد المؤلف على أن عزام لم يدافع بنفسه عن الإرهاب الدولي، ولم تكن له علاقة بتأسيس «القاعدة»، لكن إصراره على الحاجة لردع أعداء الإسلاميين الخارجيين أصبح فكرة مركزية في تبرير «القاعدة» للهجمات على أميركا.

9-11: هل كان ثمة بديل؟

نعوم تشومسكي، ترجمة إبراهيم محمد إبراهيم، مكتبة الشروق الدولية، 2002

محمد استانبولي

رغم عدد صفحاته القليلة، إلا أن كتاب «9-11»* للمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي لا زال خيارًا ملائمًا يقصده القارئ اليوم، مع حلول الذكرى العشرين لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتزامنها مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

يقدم تشومسكي في الكتاب، الذي يضم مجموعة من المقابلات التي أجريت معه بعد الهجمات مباشرةً ومقالةً كتبها عام 2011 بعيد مقتل أسامة بن لادن، رؤية متعددة الأوجه لما جرى. فكما يوضح المفكر الأمريكي مرارًا وتكرارًا، لا يمكن النظر إلى تلك الهجمات بمعزلٍ عما كان يجري على الساحة الدولية، من تمويل وتدريب الولايات المتحدة الأمريكية للمجاهدين في أفغانستان، أو تدخلها في دول مثل نيكاراجوا وإندونيسيا وفيتنام، وعلاقتها بحكومات وشعوب المنطقة والعالم الإسلامي قبل ذلك.

واليوم، مع انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان والسؤال عما ينتظر هذا البلد، يقدم الكتاب وثيقة تاريخية هامة لمناهضة هذه الحرب بالمقام الأول، لأسباب قانونية وأخلاقية، وبسبب الجدوى المفترضة منها وآثار الإصرار على تشكيل تحالفٍ دولي وشن حملة عسكرية كبيرة بدل ملاحقة الفاعلين ضمن إطار قانوني دولي، في وقتٍ كانت قلّة من المفكرين داخل الولايات المتحدة تتجرأ على قول ذلك ومناهضة التيار الذي يقرع طبول الحرب.

يمر تشومسكي إضافةً إلى ذلك على نقاط عدة، سابرًا ما كان الإعلام الأمريكي وبعض المعلقين على طرفي المجال السياسي الأمريكي يقولونه حينها، وصولًا إلى أسئلةٍ كانت شائعة حينها عما إذا كان العالم مقبلًا على «حرب حضارات بين الشرق والغرب» أو إنّ ما هو على المحك مرتبط بطريقة حياةٍ ما أو قيم تعجز ثقافات «الآخر» عن تقبلها، منوهًا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تبنّت موقفًا عدائيًا من الكنيسة الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية بسبب اصطفافها السياسي مع الفقراء، في الوقت الذي كانت تبني فيه علاقاتٍ ودية مع حكومات في العالم الإسلامي، كحكومة سوهارتو في إندونيسيا. وإذا كانت طبيعة الكتاب لا تسمح بالتوقف مطولًا عند أحد هذه المواضيع، فإنه سيوفر لقارئ اليوم، بما لديه من إمكانات البحث، نقطة انطلاق جيدة لفهم لحظة مفصلية كهذه، ضمن سياقها التاريخي.

* النسخة الأصلية المنشورة عام 2001 حملت عنوان «11-9» فحسب، بينما حملت النسخة المحدثة عام 2011 إضافة «هل كان ثمة بديل؟» وهي على حد علمي لم تعد ترجمتها إلى العربية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية