قصة كوبا مع الطب (2): الصحة في «الفترة الاستثنائية»

طلاب يتلقون محاضرة في كلية أمريكا اللاتينية للطب، التي افتتحت لتعزيز وجود الأطباء في دول الجنوب، عام 2013. تصوير أدالبيرتو روكي، أ ف ب.

قصة كوبا مع الطب (2): الصحة في «الفترة الاستثنائية»

الجمعة 26 شباط 2021

هذا المقال هو الجزء الثاني من سلسلة من ثلاثة أجزاء حول قصة الطب في كوبا. لقراءة الجزء الأول: عصر البدايات. الجزء الثالث: الداء والدواء في الألفية الجديدة.

عليك أن لا تفكر حتى ولو للحظة
أنّهم لو علّقوك كالعلم على العامود
لكان ذلك أفضل…
عليك أن تتمسّك بالحياة
رغم مسحتها التعسة
فواجبك أن تقاوم
وأن تعيش ليوم آخر نكاية بالأعداء
– ناظم حكمت

منذ هذه اللحظة، لن يبقى أي شيء في كوبا على حاله. انهار الاتحاد السوفييتي، وبين عشية وضحاها، فقدت الجزيرة مصادر ائتمانها وغذائها ونفطها، تضررت صناعتها وأصاب الشلل قطاع نقلها. عاش فيديل كاسترو أصعب مراحل حكمه. منذ الآن، عليه أن يعتمد على السوق الرأسمالي، الذي تهيمن عليه الإمبراطورية الأمريكية أكثر من أي وقت مضى، ليوفر الغذاء والدواء ومدخلات الإنتاج للجزيرة. قبل الانهيار، كان أكثر من 85% من واردات كوبا، من وقود، وغذاء، ومعدات طبية، ومواد خام أساسية لمجموعة من الصناعات الأساسية، كالأدوية وغيرها، تأتي من دول الكتلة الاشتراكية، وأكثر من 85% من صادرات كوبا يذهب إلى الاتحاد السوفييتي، من ضمنها وأكثرها أهمية لكوبا: السكر.[1] 

عشية الانهيار، شكّلت عائدات السكر وحده 80% من عائدات التصدير الكوبي.[2] حينها، كان الاتحاد السوفييتي يشتريه من كوبا بثلاثة أضعاف سعره العالمي، كشكل من أشكال الدعم المالي. منذ منتصف السبعينيات وكوبا تبحث عن حل لمعضلة اعتمادها على السكر كمصدر وحيد للتصدير. كل الحلول لتنويع الإنتاج والخروج من معضلة الاعتماد على السكر، حتى قبل الثورة، كانت تصطدم بمحدودية موارد كوبا وحاجتها العضوية للأساسيات. كوبا جزيرة صغيرة، غير نفطية ومحدودة الموارد الطبيعية، يجبرها مناخها وطبيعة أرضها دومًا على استيراد قمحها وأرزها من الخارج. لذا، ليس أمرًا مستهجنًا أن يشكل كل من النفط والغذاء الحصة الأكبر من إنفاقها على الواردات. 

عانت الدولة من شح الوقود ونقص السلع الغذائية. توقفت السيارات ووسائل النقل، ونفد الكثير من الأدوية من الصيدليات، وأصبح من الصعب الحصول على اللحوم الجيدة.

بالنسبة لكوبا، بدا المجال العالمي، منذ تلك اللحظة، أمريكيًا بشكل غير مسبوق. قبل الانهيار، شكل الاتحاد السوفييتي، جدارًا حمائيًا لكوبا من الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة عليها منذ الثورة. لهذا، كانت قدرة الولايات المتحدة على خنق كوبا اقتصاديًا محدودة بحكم محدودية اعتماد كوبا على السوق الأمريكي ومن يدور في فلكه لتأمين الجزيرة بالضرورات، إضافة إلى توفر سوق بديل وسخيّ لما تنتجه الجزيرة. تغير المشهد كليًا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ودخول كوبا بما سيعرف بـ«الفترة الاستثنائية» والتي يقصد بها فترة الأزمة الاقتصادية الممتدة طيلة عقد التسعينيات.

نساء في مخبز في هافانا، عقب ارتفاع في أسعار الخبز نتيجة لشح القمح، عام 1990. تصوير رافاييل بيريز، أ ف ب.

منذ فرض العقوبات على كوبا في الستينيات، كانت الولايات المتحدة تبيع العالم وهم الالتزام بتشريعات الحظر في معاقبتها لكوبا، إذ كانت تشريعات الحظر السائدة منذ الحرب العالمية الثانية بالغالب تستثني «السلع الإنسانية» كالغذاء والدواء. لكن في أصعب الظروف الاقتصادية، وفي الفترة التي كان فيها الكوبيون، بأشد الحاجة للغذاء والدواء، بذلت الولايات المتحدة كل ما في وسعها لتعميق الأزمة وزيادة معاناة الكوبيين والتسريع في الانهيار. فقد سنت عام 1992 قانون توريسيلي،[3] المسمى بشكل مثير للسخرية قانون الديمقراطية الكوبي. منع القانون الشركات الأمريكية خارج الولايات المتحدة من التجارة مع كوبا، وشمل المنع الأدوية والغذاء.[4] كما حرم القانونُ السفنَ البحرية التي تنقل البضائع لكوبا من أن ترسو في الموانئ الأمريكية لمدة ستة أشهر.[5] استهدف الحظر أيضًا وبشكل مباشر واردات كوبا من المواد الخام المستخدمة في قطاع التكنولوجيا الحيوية الصاعد في الجزيرة.[6] لا يتردد السيناتور الأمريكي روبرت توريسيلي، الذي وضع مشروع القانون، بالإفصاح بصراحة عن أن القانون تم تصميمه «لإحداث فوضى في الجزيرة»، كما ينقل الباحث وعضو حزب الخضر الأمريكي، دون فيتز في كتابه «الرعاية الصحية الكوبية: الثورة المستمرة».[7]

انعكس النقص الحاد في الغذاء والأدوية بشكل مباشر على صحة الكوبيين وعافيتهم. انخفض كل من متوسط السعرات الحرارية المتناولة ومتوسط تناول البروتين بقرابة 40%.[8] وأصاب نقص التغذية الكبار البالغين بشكل مباشر، تحديدًا الرجال، حيث وضعت الدولة برامج تغذية خاصة لحماية الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن. أثّر انقطاع الوقود والكهرباء على الرعاية الصحية المقدمة في المستشفيات والعيادات المتخصصة، وساهم هذا مع نقص المعدات واللوازم الطبية في انخفاض عدد العمليات المجراة في المستشفيات. تتحدث كل من ميشيل باري، أستاذة كلية الطب في جامعة ستانفورد ومديرة معهد الابتكار في الصحة العالمية في الجامعة، وبول درين، أستاذ مساعد في كليات الطب والصحة العامة والوبائيات في جامعة واشنطن، في ورقتهما «خمسون عامًا من الحصار الأمريكي: حصيلة صحة كوبا ودروسها»، عن انخفاض في العمليات الكبيرة والمتوسطة في المستشفيات الكوبية بنسبة 30% في السنوات الأولى من الفترة الاستثنائية، مقارنة بما قبل الأزمة.[9]

خلقت العقوبات المفروضة على كوبا «ضريبة افتراضية» بنسبة 30% على جميع الواردات، إذ يتوجب على كوبا شراؤها من أسواق أغلى وأبعد وعبر عدد من الوسطاء، ناهيك عن تكاليف تبادل العملات.

في كثير من الأحيان، كانت أرفف الصيدليات فارغة أو شبه فارغة، كان النقص الحاد في الدواء يطال الأدوية الأساسية والمضادات الحيوية والفيتامينات بأنواعها. لكن، من أين ستأتي كوبا بالأدوية إذا كان حوالي نصف الأدوية المصنعة في العالم منذ عام 1970 منشؤها الولايات المتحدة الأمريكية؟[10] والعديد من الأدوية الأساسية تصنع بشكل رئيسي من قبل الشركات الأمريكية، داخل الإمبراطورية أو خارجها. كما أن الحصول على الأدوية والمضادات الحيوية التي يتم إنتاجها بموجب براءات الاختراع الأمريكية من أماكن أخرى أو عبر أطراف ثالثة يزيد من تكاليفها بشكل كبير. على سبيل المثال، يأتي 75% من إمداد العالم من الإنسولين من بورتوريكو المجاورة لكوبا، المستعمرة والتابعة للولايات المتحدة. تعد بورتوريكو -وهي أرخبيل صغير لا تتجاوز مساحة جزره مجتمعة 10 كيلو متر مربع- خامس أكبر منطقة في العالم لتصنيع الأدوية، وفيها أكثر من 80 مصنعًا. غزت شركات الأدوية الأمريكية بورتوريكو في ستينيات القرن الماضي للاستفادة من حافز ضريبي سمح للمصنّعين في الولايات المتحدة بإرسال جميع الأرباح من المصانع المحلية في الجزيرة إلى المصانع الأم في الولايات المتحدة دون الحاجة إلى دفع أي ضرائب فيدرالية. بشكل أو بآخر، كان عالم الأحياء الكوبي وأحد الشخصيات الرئيسية في قطاع التكنولوجيا الحيوية، بيدرو لوبيز-ساورا، محقًا في توصيفه حين قال إن بورتوريكو بالنسبة للولايات المتحدة «ليست سوى مصنع لأقراص الدواء».[11] إن مقارنة كوبا ببورتوريكو (التي اقترح ترمب بيعها في اللحظة الذي كانت تلملم فيها جراحها من إعصار مدمر أودى بحياة الآلاف) أو غيرها من الجزر الخاضعة لهيمنة الولايات المتحدة في الكاريبي تمنحنا صورة أوضح لمصير كوبا لو ألحقتها الولايات المتحدة بمجالها الحيوي كما فعلت بالعديد من الدول والجزر المحيطة بها.

لم يعد بإمكان كوبا الوصول عبر الكتلة الاشتراكية إلى المواد الخام اللازمة لتصنيع المنتجات الصيدلانية. ونقص الدولار وارتفاع التكلفة جعلا من الصعب شراء الأدوية والمعدات الطبية من أوروبا الغربية أو أماكن أخرى في العالم. تشير التقديرات إلى أن العقوبات المفروضة على كوبا خلقت «ضريبة افتراضية» بنسبة 30% على جميع الواردات،[12] إذ يتوجب على كوبا شراؤها من أسواق أغلى وأبعد وعبر عدد من الوسطاء، ناهيك عن تكاليف تبادل العملات، فإجراءات الحظر المختلفة تمنع كوبا من استخدام الدولار الأمريكي في التجارة الدولية.

ارتبط نقص الأدوية بزيادة وفيات السل في كوبا بنسبة 48% من عام 1992 إلى 1993، وتسبب نقص الأغذية والفيتامينات في إصابة قرابة 50 ألف كوبي باعتلال الأعصاب المحيطية الذي يعيق الرؤية ويؤثر على الأرجل.[13] وعلى الرغم من الجهود المبذولة لحماية الأطفال، ارتفع عدد الأطفال الذين يقل وزنهم عن 2500 غرام عند الولادة من 7.6% في عام 1990 إلى 9% في عام 1993،  كما ارتفع إجمالي معدل الوفيات بنسبة 13% في الفترة نفسها.[14]

أب يقل أطفاله إلى المدرسة على الدراجة في أول أيام العام الدراسي عام 1993، نظرًا لشح المواصلات. تصوير أدالبيرتو روكي، أ ف ب.

«اتفاق مع الشيطان»

جادل الاقتصاديون بأن الانهيار الاقتصادي في كوبا وشيك، والتحول إلى الرأسمالية مسألة وقت لا أكثر. بالمقابل، وكما تقول هيلين يافي، أستاذة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي في جامعة غلاسكو في اسكتلندا، في كتابها «نحن كوبا: كيف صمد شعبٌ ثوري في عالم بعد ــ سوفييتي»، استبعدت الحكومة خيار الانتقال إلى الرأسمالية وسَعَت للبحث عن خيارات بعيدة عن المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين، تمكّنها من الخروج من الأزمة وجلب الدولار. وصف فيديل كاسترو الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية التي ستتبناها الجزيرة مرغمة بـ«الاتفاق مع الشيطان»، لما ستتركه من آثار دامية على الدولة والمجتمع في كوبا. لقد تحدث في أحد خطاباته عن ذلك بصراحة قائلًا: «لا يمكننا أن نرشد أنفسنا بمعيار ما نحب أو نكره، بل ما هو مفيد وغير مفيد للأمة والشعب … قلنا إننا ندخل عناصر الرأسمالية في نظامنا، في اقتصادنا، هذه حقيقة. لقد تحدثنا حتى عن العواقب التي نراها من استخدام مثل هذه الآليات. نعم، نحن نفعل ذلك».[15]

سمح التحرير الاقتصادي المحدود بالاستثمار الأجنبي باعتباره الوسيلة الأرخص لجمع رأس المال، دون أن يشمل الأصول العامة للدولة، وعلى رأسها قطاعات الصحة والتعليم والدفاع. تضمنت الإصلاحات إضفاء الصفة القانونية على الدولار الأمريكي للمعاملات اليومية، وتحويل معظم مزارع الدولة إلى تعاونيات زراعية، والسماح بالعمل الحر، وفتح قطاع السياحة على مصراعيه. كانت السياحة بالنسبة لكوبا تذكر بأسوأ أيام الوضع شبه الاستعماري للجزيرة قبل الثورة، لما حملته من فساد وعنصرية واستغلال. يتذكر الكوبيون جيدًا تلك الأيام التي حولت فيها الولايات المتحدة الجزيرةَ إلى كازينو كبير يخدم فيه عمال ومزارعو السكر. مع الانفتاح الاقتصادي، صارت السياحة التجسيد الأوضح لعبارة فيديل «اتفاق مع الشيطان»، فهي من جانب، تؤمن مصدرًا سريعًا للدولار وسوقًا للمنتجات الكوبية وتخلق الكثير من فرص العمل، لكنها وفي الوقت نفسه، تخلق انقسامًا عاموديًا في مجتمع حد بشكل استثنائي من التفاوتات على أساس العرق أو الطبقة أو النوع الاجتماعي.

صارت السياحة التجسيد الأوضح لعبارة فيديل «اتفاق مع الشيطان»، فهي تؤمن مصدرًا سريعًا للدولار وسوقًا للمنتجات الكوبية وتخلق الكثير من فرص العمل، لكنها تخلق انقسامًا عاموديًا في المجتمع.

نما قطاع السياحة في كوبا بشكل كبير خلال فترة الأزمة، وشكل وحده في نهاية «الفترة الاستثنائية»، عام 2000، قرابة 40% من إجمالي إيرادات السلع والخدمات. إذ قفز إجمالي عائدات السياحة من 243 مليون دولار في عام 1990 إلى ملياري دولار في عام 2002، وزاد عدد السياح من 340 ألفًا إلى مليوني سائح في الفترة نفسها، ووفرت السياحة أكثر من ربع مليون وظيفة، لكنها ساهمت بخلق تفاوتات اجتماعية لم تعرفها كوبا الجديدة.[16] منح الانفتاح السياحي واستخدام الدولار في المعاملات اليومية العاملين في القطاع السياحي والقطاعات المرتبطة به وصولًا مباشرًا للدولار، الأمر الذي حُرم منه العاملون في قطاعات أخرى كالصحة والتعليم، الذين كانوا في السابق في قمة سلم الأجور. عمليًا، خفّض الاقتصاد المزدوج وقوننة الدولار من قيمة أجور الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، مما أحدث خللًا في هيكل الرواتب، الذي كان حتى وقت قريب، واحدًا من أكثر هياكل الرواتب إنصافًا في العالم، كما تقول سارة بلو، أستاذة الجغرافيا في جامعة تكساس، في ورقتها «الأممية الطبية الكوبية: الآثار المحلية والدولية».[17]

مشاكل الأجور التي ظهرت مع دولرة الاقتصاد لم تقتصر على العاملين في الصحة (على عكس ما حاول العديد من كُتاب المقالات الأجانب ترويجه، بعد جولاتهم السياحية في الجزيرة وأحاديثهم العابرة مع عدد من سائقي التاكسي). فرغم أن العاملين في الصحة والتعليم تأثرت أجورهم، بعد أن غلّبت الحكومة المصلحة العامة بمنع أي استثمار أجنبي في هذه القطاعات، إلا أن صناعة السياحة، وما تجلبه من علاقات وتحيزات عنصرية، أدت أيضًا إلى استبعاد العديد من النساء والسود، بعد أن كانوا قد حققوا منذ عقود مكاسب استثنائية كبيرة في العمل والتعليم والمشاركة في مجالات مختلفة، كانوا محرومين منها قبل الثورة.[18] (مع بداية الألفينات، سيؤدي توسيع البعثات الطبية لتحسين ظروف أعداد كبيرة من العاملين بالقطاع الصحي، من بينهم النساء والسود، الذين استهدفتهم الدولة بشكل قصدي للمشاركة في البعثات الخارجية لمعالجة الخلل الناشئ عن الاقتصاد المزدوج في التسعينيات).[19]

كوبي يبيع الفواكه في أحد شوارع هافانا، عام 1994. تصوير أدالبيرتو روكي، أ ف ب.

الدفاع عن الصحة

في أوائل التسعينيات، وفي ظل الأزمة الكوبية، بدت العديد من دول الجنوب مختبرًا لسياسات المؤسسات المالية النيوليبرالية، التي سعت إلى تقليص دور الدولة في الاقتصاد، والتقشف والانضباط المالي، ورفع الضوابط، والخصخصة، وتفكيك مؤسسات وبرامج الحماية الاجتماعية أو الحد منها. تُرجمت هذه السياسات على مستوى الصحة على النحو التالي: خصخصة الأنظمة والخدمات الصحية، التقشف وتقليص الإنفاق العام على الصحة، إدخال التأمين الصحي الخاص، تقاسم أكثر لتكاليف الرعاية الصحية العامة بين الدولة والمواطن، وأخيرًا، التراجع عن شمولية التغطية الصحية لكافة المواطنين.[20] نستطيع أن نضيف بعدًا آخر نتج عن هذه السياسات، يتحدث عنه بإسهاب هوارد ويتزكين، الطبيب وأستاذ علم الاجتماع في جامعة نيومكسيكو في كتابه «الرعاية الصحية تحت المبضع». يفسر ويتزكين كيف طغى في دول الجنوب، خلال التسعينيات، نهج الرعاية الصحية الرأسي، أي الذي يقوم على تدخلات علاجية محددة لمواجهة أمراض محددة، بدلًا من رعاية أفقية شاملة تركز على الطب الوقائي الذي دعت إليه منظمة الصحة العالمية في إعلان ألما آتا عام 1978، بتأثير من الدول الاشتراكية في حينه. تكرس نهج الرعاية الصحية الرأسي، كما يقول ويتزكين، إثر تسلل البنك الدولي لمنظمة الصحة العالمية من باب الأزمة المالية التي عصفت بالمنظمة خلال الثمانينيات، بعد أن حجبت إدارة ريغان أجزاء كبيرة من المستحقات السنوية المترتبة على الولايات المتحدة الأمريكية للأمم المتحدة، بسبب اختلافها الأيديولوجي مع العديد من البرامج التي تديرها المنظمات الفرعية التابعة لها. يقول ويتزكين إن منظمة الصحة العالمية حسمت خياراتها خلال التسعينيات بتبني نهج الرعاية الصحية الرأسي، الذي سيتعزز أكثر فأكثر مع دخول مؤسسات «الرأسمالية الخيرية» كمؤسسة بيل ومليندا غيتس كداعم وممول لمنظمة الصحة العالمية وبرامجها خلال الألفينات. فقد سارت هذه المؤسسات على خطى أوائل المؤسسات الخيرية الأمريكية التي ظهرت مطلع القرن الماضي وعلى رأسها منظمة روكفلر، التي أسسها رجل الأعمال جون روكلفر، الذي احتكر صناعة تكرير النفط في الولايات المتحدة في نهاية القرن التاسع عشر. كانت منظمة روكفلر، كما هو الحال اليوم مع بيل غيتس، تستهدف الأمراض المعدية، لما تحمله من تداعيات سلبية على الاقتصاد،[21] فقد عملت على حملات لمكافحة أمراض مثل الدودة الشصية (التي أطلقوا عليها مرض الرجل الكسول) والملاريا والحمى الصفراء، فيما تستهدف كلا المؤسستين حاليًا الإيدز والإيبولا.[22] [23]

في أحلك ظروف الفترة الاستثنائية وأصعبها، قاومت كوبا التحول النيوليبرالي الذي سارت عليه العديد من دول الجنوب، ورفضت أن تتبنى أيًا من هذه السياسات على مستوى الصحة. استبعدت الخصخصة كليًا، ولم تقلص الإنفاق على الصحة بل زادت من حصتها، كما وسعت بشكل كبير من الرعاية الصحية الأولية واستمرت في تخريج المزيد من الأطباء والكوادر الصحية. وبالرغم من شدة الانهيار الاقتصادي، زادت الجزيرة حصة الإنفاق على البرامج الاجتماعية (بشكل رئيسي الصحة والتعليم) من الناتج المحلي الإجمالي بنحو 35% مقارنة بما قبل الأزمة.[24]

في أحلك ظروف الفترة الاستثنائية وأصعبها، قاومت كوبا التحول النيوليبرالي الذي سارت عليه العديد من دول الجنوب، ورفضت أن تتبنى أيًا من هذه السياسات على مستوى الصحة.

وضعت كوبا حزمة من الإجراءات للتعامل مع الأزمة على المستوى الصحي. فطوّرت أنظمة غذائية خاصة للأمهات والأطفال وكبار السن، وأنشأت المزيد من دور الأمومة للنساء ذوات الحمل عالي الخطورة، ودور كبار السن، ودور ذوي الإعاقة. وشجعت المستشفيات الأمهات الجدد على البقاء في المستشفى لفترة أطول والحصول على نظام غذائي خاص، كما شجعت على الرضاعة الطبيعية التي ارتفعت من 63% عام 1990 إلى 97% عام 1994.[25] وفي ذروة «الفترة الاستثنائية»، استمرت عمليات التطعيم على نطاق جماهيري، لتغطي 90% من السكان بتلقيحهم ضد السل، والخناق والسعال الديكي والكزاز (لقاح ثلاثي)، والمكورات السحائية ب، والتهاب الكبد ب، والنكاف، والحصبة، والحصبة الألمانية. تقول ليندا وايتفيلد، أستاذة الأنثروبولوجيا الطبية التطبيقية والصحة العامة في جامعة جنوب فلوريدا في كتابها مع لورانس برانش «الرعاية الصحية الأولية في كوبا: الثورة الأخرى»، إن هذا المستوى من التطعيم يتجاوز مستويات الكثير من الدول المتطورة.[26]

للتعامل مع مشكلة نقص التغذية، تبنت الدولة الزراعة الحضرية وشجعت عليها، وأطلقت برنامجًا أسمته «إنتاج الغذاء في الحي، ومن قبل الحي، ومن أجل الحي»، ساهم في زيادة إنتاج الخضروات والفواكه والأعشاب محليًا بشكل كبير خلال الفترة الاستثنائية. كانت الزراعة الحضرية مفيدة على عدة مستويات، فهي من جانب تساهم بشكل كبير في حل مشكلة نقص التغذية، ومن جانب آخر تقلل من استخدام الآلات وتخفض من تكاليف النقل والطاقة، ومن جانب ثالث هي زراعة عضوية بالكامل. في النصف الأول من الألفية، كان 80% من الإنتاج الزراعي للجزيرة عضويًا بعد أن قفز إنتاج الخضروات والأعشاب ألف مرة، من أربعة آلاف طن في بداية التسعينيات إلى أربعة ملايين طن في منتصف الألفينات. أمّن هذا البرنامج، كما تقول يافي، أطنانًا من الطعام للمدارس ودور المسنين ودور الأمومة، وغطّت الزراعة الحضرية قرابة 50% من احتياجات الفاكهة والخضروات لسكان هافانا، و80% إلى 100% من احتياجات السكان من الفاكهة والخضروات في المدن والبلدات الأصغر. بحلول عام 1999، عاد مستوى تناول السعرات الحرارية إلى ما كان عليه قبل الأزمة، واستمر في الارتفاع.[27]

فلاح يثبت محراثًا على ثور، في مزرعة تعاونية في إحدى ضواحي هافانا، عام 1995. تصوير أدالبيرتو روكي، أ ف ب.

يعتقد فيتز أن مواصلة كوبا إعطاء الأولوية للتعليم الطبي في ظل الأزمة، كان أحد العوامل الرئيسية للتخفيف من تداعياتها على صحة السكان. في «الفترة الاستثنائية» كانت الجزيرة بحاجة إلى المزيد من الكوادر الطبية للتوسع أفقيًا لتأمين أكبر قدر من الوصول الطبي عبر عيادات طب الأسرة، ولتعويض نقص المعدات واللوازم الطبية التي تحتاجها الرعاية الصحية في المستشفيات. انضم أكثر من 15 ألف مهني طبي إلى الخدمة بين عامي 1990 و1994، الأمر الذي رفع عدد الأطباء من 3.6 إلى 5 أطباء لكل ألف من السكان.[28] وفيما غطى برنامج طب الأسرة أقل من نصف الكوبيين بقليل عام 1990، فقد غطى أكثر من 98% من السكان في نهاية الفترة الاستثنائية عام 1999.[29] 

يظهر لنا هذا أن مسألة توفر الكوادر الصحية أو نقصها لا يمكن أن تناقش بمعزل عن السياسة الصحية للدولة ككل. ويذكرنا بنقاش نقص الكادر الطبي في العديد من الدول العربية خلال الجائحة الحالية، حيث سادت تحليلات تتجاهل السياق الذي قاد لهذا النقص. في تسعينيات القرن الماضي، حين قام القطاع الصحي الخاص في العديد من هذه الدول بسحب الكوادر الطبية من القطاع العام من أجل المزيد من التوسع والربح، كانت كوبا تستثمر المزيد في التعليم الطبي العام، لتعزيز الكادر الطبي بمهنيين جدد من أجل حماية أحد أهم مكتسبات الثورة الكوبية: حق الكوبيين بصحة مجانية وشاملة. بين عامي 1990 و2003، زاد عدد الأطباء الكوبيين بنسبة 76%، وأطباء الأسنان بنسبة 46% والممرضين بنسبة 16%. وارتفع عدد الأطباء من 3.6 إلى 6 أطباء لكل ألف من السكان،[30] كلهم يعملون في الخدمة العامة في قطاع واحد ومركزي تديره وزارة الصحة الكوبية.

مع هذا الكم من الطواقم الطبية، وتحديدًا من أطباء الأسرة، تطور نظام الرعاية الصحية الأولية في كوبا عبر التعامل مع أشكال مختلفة من الأزمات الصحية والاقتصادية، حتى غدا، كما تقول ميشيل باري ووبول درين، أحد أكثر أنظمة الرعاية الصحية الأولية استباقية في العالم.[31] تعكس العديد من المؤشرات الخاصة بالفترة الاستثنائية قوة نظام الرعاية الصحية في كوبا. على سبيل المثال، وصل معدل وفيات الرضع والأمهات إلى أدنى مستوى له في كوبا على الإطلاق خلال الأشهر الستة الأولى من عام 1996، وانخفض معدل وفيات الرضع في الفترة الاستثنائية من 10.7 لكل ألف ولادة حية عام 1990 إلى 6.9 عام 2000.[32] هذا المعدل أقل من معدل الولايات المتحدة الذي بلغ 7.1 في السنة نفسها، وأقل بكثير من الأردن الذي كان المعدل نفسه فيها عام 2000، 22.6 لكل ألف ولادة حية. يشير فيتز أيضًا إلى أن المرة الأولى التي انخفض فيها معدل وفيات الأطفال تحت سن الخامسة في كوبا إلى ما دون مثيله في الولايات المتحدة كانت عام 1998، قرب نهاية الفترة الاستثنائية، الأمر الذي يدلل على مدى فعالية تدابير الطوارئ التي تم تنفيذها في ذلك الوقت.

لعب الإحصائيون والأخصائيون الاجتماعيون وجامعو البيانات دورًا مساندًا لنظام الرعاية الأولية خلال الأزمات، كما لعبت المنظمات الاجتماعية كلجان الدفاع عن الثورة واتحاد النساء الكوبيات أدوارًا مهمة بتدعيم النظام الصحي بالمتطوعين المنخرطين في مجتمعاتهم. بعد الخروج من الفترة الاستثنائية مباشرة، عمل الأخصائيون الاجتماعيون، بمساعدة المنظمات الاجتماعية، على مشروع لقياس وزن كل طفل كوبي تحت سن الخامسة عشرة. تقول يافي، إنه تم وزن وقياس أكثر من 2.2 مليون طفل في منازلهم، وبعد ذلك تم تنفيذ برنامج للمساعدة الغذائية لقرابة 100 ألف طفل، إذ وصفت حالة قرابة 30 ألف طفل بالحرجة والتي تحتاج إلى تعامل طارئ معها.[33] وبعد عامين، أطلقت وزارة الصحة الكوبية برنامجًا آخر شبيهًا خاصًا بذوي الإعاقة. 

طبيبة عيون تفحص مريضًا في عيادة في هافانا، عام 1993. تصوير أدالبيرتو روكي، أ ف ب.

ساهم هذا الشكل من الرعاية المتواصلة في تحقيق كوبا لمؤشرات صحية تفوق مؤشرات غالبية دول الجنوب وتضاهي أحيانًا مؤشرات دول الشمال العالمي. لذلك، في حين دعت منظمة الصحة العالمية عام 1990 البلدان إلى خفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة بمقدار الثلثين بحلول عام 2015، كانت كوبا قد حققت هذا الهدف بحلول عام 2000.[34] رغم قسوة عقد التسعينيات وانعكاسه الكبير على صحة الكوبيين والكوبيات، كشف تقييم لمقياس اللامساواة النسبية في الصحة أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2000 وشمل 25 دولة في الإقليم، أن كوبا هي أفضل بلد في أمريكا اللاتينية والكاريبي من حيث الحالة الصحية. وهي أيضًا أكثر بلد حقق تأثيرًا فعالًا عبر الموارد المستثمرة في القطاع الصحي، رغم شحها.[35]

يعتقد آدم جافني، الباحث في الصحة العامة وأستاذ في كلية الطب في جامعة هارفارد، في كتابه «من أجل شفاء الإنسانية: الحق في الصحة عبر التاريخ»، أنه مهما يكن رأي المرء في النظام السياسي في كوبا، من الصعب عدم الاعتراف بالتقدم المهم والاستثنائي في الرعاية الصحية الكوبية. يقول جافني إن قليلًا من العدل والإنصاف يتطلب أن نتذكر أن كوبا حافظت على عهدها بالحق في الصحة في العصر النيوليبرالي وفي أصعب الظروف وأقساها. رغم أن النظام الصحي في كوبا تعرض لصدمة كبيرة في السنوات الأولى من الأزمة، تحديدًا بين عامي 1990-1994، لكنه استطاع أن يتكيف مع متغيرات العالم الجديد وأن يمتص الصدمة ويمضي قدمًا في الالتزام بمبدأ توفير الخدمات الصحية للجميع على قدم المساواة.

التزام كوبا بهذا المبدأ لم يكن محصورًا بحدود الجزيرة أو مواطنيها. صحيح أن بعض البرامج الصحية المقدمة عبر البعثات الطبية في الخارج قد توقفت في فترة الأزمة، لكن كوبا بقيت ملتزمة ببعضها في أصعب ظروف الفترة الاستثنائية، بل عادت بعدها لتنخرط بأشكال جديدة في تقديم الخدمة الصحية لمن يحتاجها في مناطق مختلفة من العالم، تحديدًا دول الجنوب.

أطفال تشرنوبل في تارارا

 

«بينما أبدت دول غنية عديدة شفقتها، أبدت كوبا تضامنها، بالمساعدة على إنقاذ وتحسين صحة آلاف الأطفال والشبان الأوكرانيين».
– ليونيد كوتشما، الرئيس الأوكراني السابق، 2010.

في السادس والعشرين من نيسان 1986، وقع انفجار في المفاعل رقم 4 في محطة الطاقة النووية في تشرنوبل في أوكرانيا السوفيتية، مما أدى إلى انصهار المفاعل وانبعاث كميات هائلة من المواد المشعة في الغلاف الجوي. تعرض أكثر من ثمانية ملايين شخص لمستويات إشعاع خطيرة. وفي السنوات التالية للانفجار، ارتفعت معدلات الوفيات وأصيب آلاف الأطفال بسرطان الغدة الدرقية، وانخفض متوسط ​​العمر المتوقع. في شتاء 1989، أبلغت السلطات الأوكرانية سفير كوبا الجديد لدى أوكرانيا بمخاوفها المتعلقة بصحة الأطفال. أرسلت كوبا فريقًا طبيُا مختصًا مؤلفًا من أطباء أمراض الدم وأطباء أطفال وعلماء نفس وأخصائيي الغدد الصماء من أجل تقييم الحالة الصحية واحتياجات الأطفال. وفي آذار 1990، قبل أشهر قليلة من تفكك الاتحاد السوفييتي ودخول كوبا في الفترة الاستثنائية، عاد الفريق ومعه أول مجموعة مكونة من 139 طفلًا مريضًا برفقة ذويهم لتلقي العلاج والإقامة في كوبا.[36]

كاسترو في استقبال أطفال تشرنوبل في تارارا، عام 1990.

مع دخولها الفترة الاستثنائية، لم تعلّق كوبا برنامج أطفال تشرنوبل الذي سيستمر لأكثر من عقدين وسيستفيد منه أكثر من 26 ألف شخص غالبيتهم من الأطفال الأوكرانيين. لكن، لماذا قدمت كوبا المساعدة لأطفال تشرنوبل في الوقت الذي يعاني بعض أطفالها من نقص التغذية نتيجة الأزمة الاقتصادية؟ طرح كثيرون هذا السؤال مرارًا وتكرارًا وبأشكال مختلفة. يقول جون كيرك، أستاذ دراسات أمريكا اللاتينية في جامعة دالهاوسي في كندا، في كتابه «رعاية صحية بلا حدود: نحو فهم الأممية الطبية الكوبية»، إنه لفهم استمرار برنامج «أطفال تشرنوبل» في ظل الواقع الاقتصادي الصعب في الجزيرة، علينا أولًا تجاوز أسئلة الجغرافيا السياسية البسيطة، ومفاهيم السياسة الدولية مثل «القوة الناعمة» و«الدبلوماسية الكوبية»، التي رُوّج لها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي كتفسير للمكسب المفترض الذي تسعى كوبا إليه في المرحلة الجديدة، والتي لن تمكننا من فهم المسار الذي سلكته «الأممية الطبية» في كوبا من بعد الثورة لليوم. كما أنها لا تساعد على فهم التغييرات التي طرأت على المسار نفسه عبر السنوات، بحسب كيرك. مثل هذه التحليلات تُبسط تجربة التنمية الاشتراكية الشاملة التي سعت الثورة الكوبية لإطلاقها، والتي كان الحق في الصحة مركزيًا فيها، ويمتد خارج كوبا إلى دول ليست غير حليفة لها فحسب، بل سيطرت عليها حكومات يمينية معادية في بعض الأحيان، كما حدث حين استجابت كوبا لعدة كوارث طبيعية في أمريكا اللاتينية ودول البحر الكاريبي وفي مراحل زمنية مختلفة.

تجاوز التفسيرات السطحية لا يعني أن الاعتبارات السياسية لم تكن عنصرًا مهمًا وأساسيًا في المساعدات والبرامج الطبية التي قدمتها كوبا في العديد من دول العالم. صحيح أن الدعم السخي الذي قدمته كوبا لأطفال تشرنوبل كان بمثابة رد جميل للاتحاد السوفييتي وحلفائه لما قدموه لكوبا خلال 30 عامًا، كما يقول كيرك، لكنه في الجوهر، يقوم على نفس المبادئ العامة التي قامت عليها برامج كوبا قبل الفترة الاستثنائية. 

إن الاهتمام الصادق بتحسين حياة الناس والمستند إلى فهم الكوبيين لـ«الأممية»، يجب أن يُرى كعامل أساسي في مسعى كوبا لتصدير الطب.

قبل الأزمة، لم تحصل كوبا على أي عوائد اقتصادية تذكر من بعثاتها الدولية، بل على العكس، كثيرًا ما كانت تظهر سخاءً كبيرًا في أوقات البحبوحة، وتقاسمًا للمتاح في أوقات الشدة، تحديدًا مع حلفائها وداعمي ثورتها. ذات مرة، سُئل خوليو ميدينا، مدير البرنامج الطبي لأطفال تشرنوبل، عن مسألة استمرار البرنامج في ظل الأزمة الاقتصادية في كوبا، فكان جوابه بكل بساطة أن كوبا لا تقدم الفائض، بل تتقاسم ما هو موجود. يتقاطع كلام ميدينا مع ما قاله خوسيه فينتورا، رئيس أول بعثة طبية كوبية أبحرت إلى الجزائر عام 1963، على الرغم من افتقار كوبا للكوادر الطبية وحاجتها الماسة إليهم. يقول فينتورا: «ما قدمناه كان ضئيلًا حقًا؛ كنا كالمتسول الذي يمد يد العون. لكننا كنا نعلم أن الجزائر تحتاج المساعدة أكثر منا، وكنا نعلم أنها تستحقها أيضًا».[37] إن الاهتمام الصادق بتحسين حياة الناس والمستند إلى فهم الكوبيين لـ«الأممية»، يجب أن يُرى كعامل أساسي في مسعى كوبا لتصدير الطب. ولعل الامتناع عن الاعتراف بهذا العامل الجلي هو ما يجعل المعادلة الكوبية تبدو «لغزًا» يستعصي على الفهم بالنسبة لكثير من المحللين.

بين الستينيات والثمانينيات، كانت برامج الرعاية الصحية الكوبية جزءًا من الحملات التنموية والعسكرية الأوسع التي قدمتها كوبا لحركات التحرر من الاستعمار وشعوب دول الجنوب. كان تصدير الطب جزءًا لا يتجزأ من مسار التنمية الاشتراكية الكوبية المعادية للاستعمار والإمبريالية. لهذا، حين واجهت الجزائر وأنغولا تحديات مماثلة لتلك التي واجهتها كوبا، بما في ذلك خروج الأطباء الفرنسيين من الجزائر أو البرتغاليين من أنغولا التي بقي فيها 14 طبيبًا فقط، كانت كوبا ترسل بعثاتها الطبية لتأسيس أنظمة صحية في تلك البلدان.[38] كما رافق الأطباءُ والمعلمون وعمال البناء والمهندسون، الجنودَ الكوبيين في أنغولا وموزمبيق وناميبيا في حملاتهم ضد الاستعمار البرتغالي والجنوب إفريقي وحلفائهما. لم يكن مفهوم «التضامن الأممي» حينها يقتصر على المساعدات الطبية أو التنموية، فكما قال فيديل، لم يكن الكوبيون يتحدثون فحسب عن الأممية، بل ضحّوا بدمائهم على طريقها. عام 1995، شكر نيلسون مانديلا في أحد خطاباته كوبا على ما قدمته للقارة الإفريقية قائلًا:

«لقد جاء الكوبيون إلى منطقتنا أطباءً ومدرسين وجنودًا وعمالًا زراعيين، ولم يأتوا مستعمرين قط. لقد شاركونا الخنادق ذاتها في النضال ضد الاستعمار والتخلف والفصل العنصري. ضحى مئات الكوبيين بحياتهم، حرفيًا، في صراع كان، أولًا وقبل كل شيء، صراعنا نحن، لا صراعهم هم. إننا، كجنوب أفريقيين، نحييهم ونقطع على أنفسنا عهدًا بألا ننسى أبدًا هذا المثال الذي لا نظير له في الأممية والإيثار».[39]

في عالم ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، كان الدعم الكوبي التنموي متنوعًا وشاملًا وسخيًا،[40] وكان الطب في مركزه. فمنذ الثورة حتى وصول «أطفال تشرنوبل» إلى هافانا، شارك أكثر من 40 ألف طبيب وعامل صحي كوبي في بعثات إلى 26 دولة،[41] معظمها في أفريقيا وبشكل أقل في أمريكا اللاتينية. حينها، أخذت المساعدات الطبية أشكالًا عدة، مثل إرسال ألوية طوارئ للتصدي للكوارث الطبيعية في تشيلي ونيكارغوا وبيرو في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أو المساعدة في إنشاء أنظمة صحية لتوفير الرعاية الصحية المجانية للسكان في الجزائر وأنغولا بعد خروج الاستعمار من كلا البلدين، إضافة إلى تأسيس كليات طبية كما حدث في اليمن وأوغندا وغانا وإثيوبيا في السبعينيات والثمانينات (بين عامي 1976 و2010، ساهمت كوبا بتأسيس كليات طب لتدريب السكان المحليين في 11 دولة). كما تضمنت المساعدات الطبية الكوبية في تلك الفترة جلب المرضى الأجانب إلى كوبا لتلقي العلاج الطبي المجاني في الجزيرة، كما حدث مع أطفال الجزائر وجرحى الثورة الجزائرية،[42] وأطفال تشرنوبل.

أقام أطفال تشرنوبل في منتجع تارارا الذي يبعد عن هافانا كيلومترات قليلة، والذي يحتوي على ما يزيد عن 500 منزل صغير، ومستشفى مركزي يضم أكثر من 350 سريرًا، إضافة إلى مركز ثقافي ومسرح وسينما ومرقص وملاعب رياضية. كانت تارارا قبل الثورة مصيفًا للطبقات الوسطى الكوبية، قبل أن تحولها الدولة إلى معسكر شبابي صيفي، تعافى فيه تشي جيفارا من الربو وقضى فيه شهر عسل زواجه من أليدا مارش.

لم يدفع المرضى أو أهاليهم شيئًا مقابل كلفة العلاج أو الطعام أو الإقامة في تارارا والتي شملت الرحلات وزيارة المتاحف وملاهي لينين والحدائق بأنواعها. عام 2010، قدرت منظمة غير حكومية أوكرانية، تعرف بالصندوق الدولي لتشرنوبل، تكلفة الأدوية وحدها بحوالي 350 مليون دولار أمريكي. قالت إحدى الأمهات الأوكرانيات إن الرعاية الطبية التي تلقاها ابنها في هافانا كانت ستكلف أكثر من 100 ألف دولار أمريكي لو تلقاها في أوكرانيا.[43] في العام نفسه، قال الرئيس الأوكراني ليونيد كوتشما إن بلاده ستساهم في دفع تكاليف برنامج أطفال تشرنوبل، الأمر الذي أكد عليه خليفته الرئيس فيكتور يانوكوفيتش عام 2011. لكن، مع مغادرة أخر مريض من تارارا عام 2013، لم تتلقَ كوبا أي شيء من الحكومات الأوكرانية، ولم تتلقَ شيئًا حتى اليوم.

إعصاران وجامعة

 

«لا أعرف أي كلية طب أخرى تقدم كل هذا لطلابها بالمجان. لا أعرف أي كلية طب أخرى تعتمد سياسة قبول تمنح الأولوية للمتقدمين القادمين من مناطق فقيرة، الذين يعرفون معنى أن تعيش بلا قدرة على الوصول لرعاية صحية أساسية. على غير العادة، أصبحت ميزة أن تكون فقيرًا، أو أنثى، أو من السكان الأصليين. هذه هي الأخلاقيات المؤسسية التي تجعل كلية الطب هذه فريدة من نوعها».
– المديرة السابقة لمنظمة الصحة العالمية، مارغريت تشان.[44]

لم يكن برنامج «أطفال تشرنوبل» الاستجابة الوحيدة لكوبا على مستوى الصحة العامة في الخارج في الفترة الاستثنائية،[45] لكنه كان شاهدًا على أصعب مراحل الأزمة بين عامي 1990-1994. في السنوات الأخيرة من الفترة الاستثنائية، وفي وقت بدأ فيه الاقتصاد الكوبي بالتعافي، استجابت كوبا لإعصارين ضربا أمريكا الوسطى والكاريبي عام 1998، وخلّفا كوارث كبيرة. تسبب الإعصار «جورج» بمقتل 600 شخص في هايتي وألحق أضرارًا كبيرة بالبنية التحتية للبلاد تقدر بستة مليارات دولار. وأحدث إعصار «ميتش» فيضانات وانهيارات أرضية تسببت بمقتل أكثر من 20 ألف شخص وتشريد أكثر من مليوني شخص في نيكاراغوا وغواتيمالا وهندوراس. عرضت الولايات المتحدة وكندا وكل من صندوق النقد والبنك الدوليين قروضًا بعشرات الملايين للبلدان المتضررة. في المقابل، كان الرد الكوبي مختلفًا، فقد أعلن فيديل كاسترو أن كوبا ستوفر 2000 كادر طبي للمناطق المتضررة في أمريكا الوسطى.[46] لكن، في الحقيقة، ما قدمته كوبا كان أكثر من ذلك بكثير.

تقول يافي إنه حين وصل الكوبيون للمناطق المتضررة وبدأوا بالعمل، كانت تلك المجتمعات بأكملها بدون أي رعاية صحية، والكثيرون يعانون من أمراض مزمنة، وكان نقص الكوادر الطبية المشكلة الأكبر في العديد من هذه البلدان. طلبت الحكومات المضيفة من الكوبيين البدء بتصحيح أوجه القصور في النظم الصحية المحلية وتأسيس برامج صحية شاملة. كان الكوبيون يعتقدون أن الوضع الصحي العام لهذه البلدان التي خرجت للتو من كوارث طبيعية، يتطلب ما يتعدى الدعم الطارئ أو المؤقت. وحتى تكون الرعاية الصحية التي سيقدمها الأطباء الكوبيين لسنوات عديدة في هذه البلدان مستدامة، على أبناء وبنات أمريكا الوسطى أن يتدربوا كي يصبحوا أطباء، يعيْنون أنفسهم بأنفسهم. في غضون أسابيع من طلب الحكومات المضيفة، أعلن فيديل عن خطة لتأسيس «كلية أمريكا اللاتينية للطب» (ELAM) في كوبا لتعليم الطلاب من المناطق المتضررة، ثم توسعت بقبول الطلبة من دول أخرى من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وخارجهما. كانت الفكرة من الكلية توفير كادر طبي محلي وتأسيس نظم رعاية صحية مستدامة في البلدان المتضررة. أكد فيديل أن وجود هؤلاء الأطباء الجدد في المناطق التي هي في أمس الحاجة إليهم، سيعمل كل عام على إنقاذ أرواح أكثر من أولئك الذين فُقدوا في الأعاصير. «عشرون عامًا يمكن أن تمر دون «ميتش» ويموت مليون شخص بصمت في أمريكا الوسطى دون أن يلاحظ أحد»، قال فيديل.[47]

تأسست الكلية في المبنى السابق لمدرسة تدريب تابعة للبحرية الكوبية. وبافتتاحها في تشرين الثاني 1999، كان على مقاعدها قرابة 2000 طالب من 18 دولة، يتلقون تعليمًا مجانيًا يشمل الإقامة والطعام والكتب والمعدات اللازمة.[48] منذ تأسيسها على إثر إعصاري «ميتش» و«جورج»، تستهدف الكلية الطلبة من المجتمعات الفقيرة والمحرومة وأبناء الطبقات العاملة والفلاحين والسكان الأصليين للدراسة فيها. بالمقابل، يتعهد هؤلاء بأن يعودوا لبلدانهم ويمارسوا الطب في مجتمعاتهم المحلية في الأرياف والمناطق المهمشة، التي كثيرًا ما يرفض أطباء تلك البلدان العمل فيها. «سيكونون أطباءً مستعدين للعمل حيثما توجد الحاجة إليهم، في أقصى أقاصي العالم، إلى حيث لا يرغب الآخرون في الذهاب. هؤلاء هم الأطباء الذين سيتخرجون من هذه الكلية»، قال فيديل في حفل تأسيسها.

د. فالنتينا كوييو فارجاس تدرس طلاب السنة الأولى في كلية أمريكا اللاتينية للطب، تشرين الأول 2015. تصوير أليسون شيلي.

يُطلب من الطلاب الالتحاق ببرنامج تحضيري لمدة ستة شهور، يشمل دورات في العلوم الصحية والكيمياء والأحياء والرياضيات والفيزياء، إضافة إلى دورة لغة إسبانية مكثفة مدتها 12 أسبوعًا. يمضي الطلبة أول عامين من أعوامهم الست في حرم الكلية، المكون حاليًا من 28 مبنى، ثم يتم توزيعهم على الكليات الطبية الواحدة والعشرون المنتشرة في البلاد، ويتلقون تدريبهم الطبي في المستشفيات والعيادات التخصصية التعليمية.

أشادت الطبيبة والمديرة السابقة لمنظمة الصحة العالمية مارغريت تشان بالتدريب الطبي المقدم للطلبة، لجعلهم مشاركين نشطين في مجتمعاتهم المحلية، وقادرين على التعامل مع الظروف الصعبة، ومدربين على نهج الوقاية من الأمراض، والتعامل مع الكوارث الطبيعية والحالات الطارئة. في كلمة لها أمام أعضاء هيئة التدريس والطلاب عام 2009 قالت تشان: «[في هذه الكلية] يجري تدريبكم لتصبحوا أعضاء منخرطين في المجتمعات التي تخدمونها، لا مجرد أطباء بمعاطف بيض ينتظرون مجيء المشاكل إلى مكاتبهم، ويفضل في موعد محدد». خلال البرنامج، يتدرب الطلاب على أيدي العديد من الأطباء الذين شاركوا لسنوات في البعثات الكوبية في دول مختلفة، وتعرفوا على أمراض لا تعرفها كوبا، وراكموا خبرات في التعامل مع الحالات الطارئة والعمل في ظروف صعبة، في أماكن مهمشة تفتقر للخدمات الأساسية. يركز البرنامج التدريبي المستند لمبادئ الصحة العامة في كوبا على المحددات الاجتماعية للمرض، وتطوير مهارات سريرية تعتمد على الفحص والتقييم البدني أكثر من التكنولوجيا المتقدمة التي تفتقر لها العديد من النظم الصحية في البلدان الفقيرة.

لا تمتاز كلية أمريكا اللاتينية للطب فقط بأنها وفرت تعليمًا طبيًا مجانيًا لآلاف الشباب والشابات من المجتمعات والدول الفقيرة، كما يقول كيرك، بل أن تجربتها في استقطاب الطلبة من هذه المجتمعات والدول تمثل نقيض ما يسمى بـ«هجرة العقول» لبلدان الشمال العالمي، والتي تستنزف الموارد البشرية للعديد من دول الجنوب. تجذب الأجور المرتفعة في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا 27% من خريجي الطب في سريلانكا وأكثر من 40% في جامايكا،[49] ويترك النزوح الجماعي للأطباء الغانيين لهذه البلدان، غانا بطبيب واحد لـ 8098 شخص، مقارنة بواحد لكل 356 في بريطانيا.[50] ويوجد في شيكاغو التي يبلغ عدد سكانها قرابة تسعة ملايين، أطباء أثيوبيون أكثر مما يوجد في أثيوبيا التي يبلغ عدد سكانها 112 مليونًا. من المفيد أن نتذكر أنه نظرًا للكلف العالية لبرامج الطب في دول الشمال والقبولات المحدودة فيها نتيجة التقشف ونقص التمويل، فإن كل عملية «إصلاح للبرامج الطبية» لتوسيع الرعاية الصحية في تلك الدول، تؤدي بالضرورة إلى سحب المزيد من أطباء دول الجنوب التي هي في أمس الحاجة لهم.[51]

في الواقع، ما تفعله كلية أمريكا اللاتينية للطب هو تعويض النقص الحاد في الأطباء العاملين بالخدمة العامة في دول الجنوب، الناتج عن إخضاع الصحة لقوانين وشروط السوق الرأسمالي. ففي الوقت الذي تدفع فيه خصخصة الرعاية الطبية، مقدمي الخدمات للاستجابة لقوى السوق والترّكز في المدن والعواصم وبلدان الشمال العالمي، تنتج الكلية أطباء يعززون الرعاية الصحية للذين حرموا منها في الأرياف والمناطق المهمشة في أوطانهم. لهذا السبب، تقول تشان، إن طلبة هذه الكلية يجري تدريبهم لكي يصححوا اختلالًا في الطريقة التي توزَّع بها الرعاية الصحية في العالم.

طلاب في حرم كلية أمريكا اللاتينية للطب قرب هافانا، عام 2015. تصوير أليسون شيلي.

بمرور الوقت، سيتخرج الطلبة وتعود أغلبيتهم للعمل في بلدانهم جنبًا إلى جنب مع الأطباء الكوبيين الذين استمروا في تقديم الرعاية الصحية منذ الزلزال لمن هم في أمس الحاجة لها. على سبيل المثال، سيعود 150 طالبًا غواتيماليًا مع أول دفعة أطباء تتخرج من الكلية عام 2006،[52] ليتلقوا تدريبهم في المناطق والبلدات التي تعمل فيها الفرق الطبية الكوبية. وبحلول عام 2008، سيخدم الأطباء الكوبيون والغواتماليون حديثو التخرج قرابة 2.5 مليون شخص، وستنخفض معدلات وفيات الأمهات عند الولادة في المناطق التي عملوا فيها من 491 لكل مئة ألف ولادة حية إلى 114، وسينخفض معدل وفيات الرضع من 40 لكل ألف ولادة حية إلى 9، ومعدل وفيات الأطفال تحت الخامسة من 40 لكل ألف إلى 13.[53]

ستكتسب الكلية أهمية أكبر مع توسع البرامج الطبية الكوبية في أمريكا اللاتينية مطلع الألفية بعد وصول هوغو تشافيز إلى السلطة في فنزويلا وعودة اليسار للحكم في العديد من دول القارة. بحلول عام 2019، وبعد عشرين عامًا من تأسيسها، سيتخرج من كلية أمريكا اللاتينية للطب قرابة 29 ألف طبيب من 105 دول، يمثلون 100 مجموعة عرقية، معظمهم أتوا من مجتمعات فقيرة، وقرابة نصفهم من النساء.

  • الهوامش

    [1] Economic crisis and access to care: Cuba’s health care system since the collapse of the Soviet Union, Kamran Nayeri and Cándido M López-Pardo, 2005.

    [2] We Are Cuba: How a Revolutionary People Have Survived in a Post-Soviet World, Helen Yaffe, Yale University Press publications, 2020, p. 41.

    [3] عام 1996، وسّعت الولايات المتحدة الأمريكية نطاق الحظر ليشمل المزيد من الشركات الأجنبية بعد أن سنّت قانون هلمز-بيرتون والمسمى «قانون الحرية والتضامن الديمقراطي الكوبي». نص القانون على معاقبة الشركات الأجنبية التي يُزعم أنها «تتاجر» بممتلكات كانت مملوكة سابقًا لكوبيين أصبحوا لاحقًا مواطنين أمريكيين، وصادراتها كوبا بعد الثورة.

    [4]  أنهت الولايات المتحدة عام 2000 القيود المفروضة على بيع المواد الغذائية لكوبا، لكنها أبقت على القيود المفروضة على الأدوية والإمدادات الطبية.

    [5] The impact of the economic crisis and the US embargo on health in Cuba, Richard Garfield, and Sarah S Santana, American Journal of Public Health, 1997.

    [6] شمل الحظر نشر المقالات العلمية الكوبية، الأمر الذي قاومته المجلات العلمية الكبرى مثل Nature وScience. كما أن أي شركة تصبح ملكيتها أمريكية، يشملها الحظر مباشرة، حصل هذا مع الشركة الإسبانية التي تشتري منها كوبا الكتب الطبية باللغة الإسبانية، والمصنع الرئيسي الوحيد غير الأمريكي لجهاز تنظيم نبضات القلب في العالم عام 1994.

    [7] Cuban Health Care :The Ongoing Revolution,Don Fitz, Monthly Review Press, 2020, p. 118.

    [8] The nutrition transition in Cuba in the nineties: an overview, Arturo Rodríguez-Ojea , Santa Jiménez, Antonio Berdasco, Mercedes Esquivel, Public Health Nutrition, 2002.

    [9] Fifty Years of U.S. Embargo: Cuba’s Health Outcomes and Lessons, Paul K. Draint and Michele Barry, Published by AAAS, 2010.

    [10] The Cuban Cure :Reason and Resistance in Global Science, S. M. Reid-Henry, The University of Chicago Press,2010, p. 139.

    [11] Ibid, p. 140.

    [12] The Impact of the US Economic Sanctions on Health in Cuba, Narges Akbarpour and Mohsen Abbasir, International Journal of Resistive Economics, 2014.

    [13] Oxford Textbook of Global Public Health, Roger Detels and others, Oxford University Press, 2015, p. 1068.

    [14]  Fifty Years of U.S. Embargo: Cuba’s Health Outcomes and Lessons, Paul K. Draint and Michele Barry, Published by AAAS, 2010.

    [15] We Are Cuba: How a Revolutionary People Have Survived in a Post-Soviet World, Helen Yaffe, Yale University Press publications, 2020, p. 44.

    [16] Cuban Health Care :The Ongoing Revolution,Don Fitz, Monthly Review Press, 2020, p. 120.

    [17] Cuban Medical Internationalism: Domestic and International ImpactsSarah Blue, Journal of Latin American Geography, 2010.

    [18] Ibid.

    [19] عُرف الأول من كانون الثاني 2021 باسم «اليوم الصفر» في كوبا. بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من العمل بعملة مزدوجة، تم توحيد البيزو الوطني الكوبي (CUP) والبيزو القابل للتحويل (CUC).

    [20] Health Care Under the Knife: Moving Beyond Capitalism for Our Health, Howard Waitzkin and the Working Group on Health Beyond Capitalism, Monthly Review Press, 2020.

    [21] يطلق ويتزكين اسم «الرصاصة السحرية» على النهج المتبع من قبل مؤسسات «الخيرية الرأسمالية» العاملة في الصحة العامة، بكونهم يستهدفون أمراض محددة عبر التركيز على اللقاحات والأدوية والرعاية الخاصة، بدلاً من مبادرات الصحة العامة الواسعة والشاملة التي تستهدف كل السكان المحرومين من الرعاية الصحية.

    [22]  Health Care Under the Knife: Moving Beyond Capitalism for Our Health, Howard Waitzkin and the Working Group on Health Beyond Capitalism, Monthly Review Press, 2020, p.120-130.

    [23] بحسب ويتزكين، في أفريقيا يتعمد بعض الأشخاص إصابة أنفسهم بالإيدز للحصول على رعاية صحية في المؤسسات الطبية المدعومة من «مؤسسات الخيرية الرأسمالية» لما تقدمه من رعاية متقدمة لهم، تفوق بمراحل الرعاية المقدمة على المستوى المحلي أو الوطني.

    [24] We Are Cuba: How a Revolutionary People Have Survived in a Post-Soviet World, Helen Yaffe, Yale University Press publications, 2020, p. 128.

    [25] The Impact of the US Economic Sanctions on Health in Cuba,Narges Akbarpour and Mohsen Abbasir, International Journal of Resistive Economics, 2014

    [26] Primary Health Care in Cuba: The Other Revolution, Linda M. Whiteford and Laurence G. Branch, Rowman & Littlefield, 2008, p.g 44

    [27] We Are Cuba: How a Revolutionary People Have Survived in a Post-Soviet World, Helen Yaffe, Yale University Press publications, 2020, p. 65-67.

    [28] We Are Cuba: How a Revolutionary People Have Survived in a Post-Soviet World, Helen Yaffe, Yale University Press publications, 2020, p. 58.

    [29] Cuban Health Care: The Ongoing Revolution, Don Fitz, Monthly Review Press, 2020, p. 127.

    [30] Economic crisis and access to care: Cuba’s health care system since the collapse of the Soviet Union, Kamran Nayeri and Cándido M López-Pardo, 2005.

    [31] Fifty Years of U.S. Embargo: Cuba’s Health Outcomes and Lessons, Paul K. Draint and Michele Barry, Published by AAAS, 2010.

    [32] We Are Cuba: How a Revolutionary People Have Survived in a Post-Soviet World, Helen Yaffe, Yale University Press publications,2020, p. 59.

    [33] We Are Cuba: How a Revolutionary People Have Survived in a Post-Soviet World, Helen Yaffe, Yale University Press publications, 2020, p. 78-80.

    [34] Cuban Health Care :The Ongoing Revolution, Don Fitz, Monthly Review Press, 2020, p. 130.

    [35] Revolutionary Doctors: How Venezuela and Cuba Are Changing the World’s Conception of Health Care, Steve Brouwer,Monthly Review Press, New york, 2011, p,g 67

    [36] We Are Cuba: How a Revolutionary People Have Survived in a Post-Soviet World, Helen Yaffe, Yale University Press publications, 2020, p. 157-158.

    [37] Healthcare without Borders: Understanding Cuban Medical Internationalism, John Kirk, University Press of Florida, 2015, p. 38-39.

    [38] بحلول عام 1977، كانت كوبا توفر ما بين 45% و84% من الأطباء العاملين في ستة بلدان أفريقية.

    [39] Healthcare without Borders: Understanding Cuban Medical Internationalism, John Kirk, University Press of Florida, 2015, p. 24.

    [40] صحيح أن كوبا قبل تفكك الاتحاد السوفييتي كانت تركز بدعمها المقدم للعديد من دول الجنوب على التعليم والرعاية الصحية والبناء، إلا أنها قدمت أشكال أخرى من الدعم التنموي في مجالات: الزراعة وتربية الحيوانات، الاتصالات، النقل، الصيد، السياحة، تنظيم النقابات، والرياضة.

    [41] Healthcare without Borders: Understanding Cuban Medical Internationalism, John Kirk, University Press of Florida, 2015, p. 29.

    [42] في كانون الأول عام 1961، وصلت سفينة «باهيا دي نيبي» الكوبية إلى الجزائر، محملة بمئات البنادق وعشرات الرشاشات والكثير من الذخائر، لدعم جبهة التحرير الجزائرية في صراعها مع الاستعمار الفرنسي، وهو أول دعم عسكري تقدمه كوبا في أفريقيا. في شباط من العام التالي، عادت السفينة ذاتها إلى كوبا محملة بـ76 جريحًا جزائريًا لتلقي العلاج في الجزيرة، ومعهم 20 طفلًا جزائريًا من مخيمات اللجوء، معظمهم من أيتام الحرب. حينها، كتبت صحيفة «ريفولوسيون» الهافانية: «سيدرس الأطفال ويكبرون هنا .. ويومًا ما سيصبحون مواطنين فاعلين في الجزائر الحرة».

    [43] We Are Cuba: How a Revolutionary People Have Survived in a Post-Soviet World, Helen Yaffe, Yale University Press publications, 2020, p. 158.

    [44] Healthcare without Borders: Understanding Cuban Medical Internationalism, John Kirk, University Press of Florida, 2015, p. 59.

    [45] أرسلت كوبا ألوية طبية إلى إيران (زلزال 1990) والبرازيل (التسمم الإشعاعي 1990) ونيكاراغوا مرتين (فيضان 1991 وثوران بركاني عام 1992).

    [46] من بين طلاب الطب الكوبيين البالغ عددهم 21,000 طالب، أبدى 14,800 طالب رغبتهم بالتطوع في هايتي وأمريكا الوسطى.

    [47] We Are Cuba: How a Revolutionary People Have Survived in a Post-Soviet World, Helen Yaffe, Yale University Press publications, 2020, p. 159.

    [48] منذ عام 2012، بدأت كوبا تطلب من الدول غير الفقيرة المساهمة بتغطية تكاليف الدراسة لمواطنيها. على سبيل المثال تدفع حكومة جنوب أفريقيا 60 ألف دولار عن كل طالب من الـ 1200 طالب المسجلين في الكلية من جنوب افريقيا.

    [49]  Cuban Health Care: The Ongoing Revolution, Don Fitz, Monthly Review Press, 2020, p. 162.

    [50] يعمل 50% من الممرضين الغانيين في كندا وبريطانيا والولايات المتحدة.

    [51] في حين أن بلدان إفريقيا جنوب الصحراء تضم 12% من سكان العالم و25% من العبء العالمي للأمراض، فإن لديها فقط 1.7% من أطباء الصحة في العالم. 

    The African Health Workforce Brain Drain: The Socioeconomic and Geopolitical Realities, Nimrod juniahsScifed Journal of Surgery, 2017.

    [52] بحلول عام 2009، كان حوالي 470 غواتيماليًا قد تخرجوا كأطباء من كلية أمريكا اللاتينية للطب في هافانا، مع 600 آخرين كانوا على مقاعد الدراسة. وفي العام نفسه، تخرج 461 طالبًا من هندوراس من الكلية كأطباء، و1200 طالبًا على مقاعد الدراسة.

    [53] Healthcare without Borders: Understanding Cuban Medical Internationalism, John Kirk, University Press of Florida, 2015, p. 59.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية