الجذور الاقتصادية والصحية للدعم الشعبي لقرارات سعيد

السبت 31 تموز 2021
تونسيون يحتفلون في شوارع العاصمة بعد إعلان قيس سعيد يوم 25 تمّوز. تصوير فتحي بلعيد/أ ف ب

قوبل إعلان رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد تجميد عمل البرلمان، وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورفع الحصانة عن أعضاء البرلمان، باحتفالات في جميع أنحاء تونس على الفور، حيث خرق الآلاف حظر التجول ليغنوا ويهتفوا، ويطلقوا الأبواق والألعاب النارية. أثارت خطوة سعيد انتقادات من قبل خصومه السياسيين، والتي عبر عنها بصراحة حزب النهضة، الحزب الأكثر خسارة للسلطة، حيث ندد بالخطوة باعتبارها «انقلابًا». لكن الأمر يستحق تنحية الأسئلة القانونية جانبًا للحظة، لمحاولة فهم سبب احتفال شرائح كبيرة من المجتمع التونسي بهذه المستجدات.

إن المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع في 25 تموز، رغم الحرارة الشديدة، في جميع أنحاء البلاد، يضمون بينهم أولئك الذين أرادوا ثورة جديدة، جنبًا إلى جنب مع أولئك الذين أرادوا أن يتولى قيس سعيد السلطة فيما وصفه البعض بأنه انقلاب وليس ثورة. لكن المظالم الرئيسية لهؤلاء المتظاهرين هي نفسها، وكانت نفسها بين مختلف الحركات الاحتجاجية والمظاهرات في السنوات الأخيرة. وتشمل هذه المظالم عنف الشرطة الذي يصل حدّ القتل، والقمع، وانعدام المساواة الاقتصادية، والأوضاع المتدهورة بشكل عام في جوانب البطالة والأجور وأسعار السلع الاستهلاكية، وسياسات الدولة غير العادلة في الزراعة والمياه والقضايا البيئية، وإفلات المسؤولين من العقاب، وتجاهل أولئك الذين قتلوا أو أصيبوا بجروح على يد القوات الحكومية خلال الثورة، ومؤخرًا تدهور الأوضاع في الخدمات الصحية، والاستجابة غير الملائمة وغير المنظمة وغير الفعالة لكوفيد-19. تأتي هذه القضايا العامة الملحة التي تجاهلتها الحكومات التونسية المتعاقبة، لتتوج سنوات من النقص العام في الاستثمار، وتدهور الخدمات العامة في التعليم والنقل أيضًا.

لكن يبدو أن الأزمة الصحية كانت أحدث محفّز لغضب ومعارضة واسعة النطاق ضد قوى السلطة. شهدت تونس واحدة من أسوأ معدلات الوفيات المرتبطة بكوفيد-19 نسبة إلى عدد السكان في العالم في الأسابيع الأخيرة، ومع ذلك لم يبدُ أن المسؤولين الحكوميين يتعاملون مع الأزمة بالإلحاح المطلوب. في عطلة نهاية الأسبوع بتاريخ 17 و18 تموز، نشرت منظمة «أنا يقظ» (IWatch)، وهي منظمة رقابية تونسية لمكافحة الفساد، صورًا لرئيس الحكومة هشام المشيشي وفريقه وهم يسترخون بجانب حمام سباحة في فندق فخم في مدينة ساحلية. أثارت هذه الصور تساؤلات حول استخدام محتمل للأموال العامة، ولكن الأهم من ذلك أن هذه الصور بدت منفصلة ومعزولة عن الظروف الخطيرة في المستشفيات والعيادات في جميع أنحاء البلاد. إذ انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو للأطباء وهم يبكون بسبب افتقارهم إلى المعدات والكوادر اللازمة لعلاج مرضاهم.

وبينما كان وزراء الحكومة يسترخون في أحد الفنادق، كان معظم التونسيين عالقون في أحيائهم بموجب حظر تجول في نهاية الأسبوع، يمنع التنقل دون تصريح في جميع أنحاء العاصمة تونس وبين المدن التونسية. كانت عمليات الإغلاق وحظر التجول عقابية للمواطنين التونسيين، ومدمرة للشركات التي تفتقر إلى العلاقات أو الموارد للحصول على تصاريح الإعفاء من حظر التجول. وتركت الإغلاقات العديد ممن فقدوا وظائفهم بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي يائسين، مع مساعدات حكومية شحيحة تقدّم لهم، أو لا تقدّم على الإطلاق. في الوقت نفسه، لم تُبرهن الحكومة على فعالية هذه الإجراءات العقابية في إبطاء انتشار الوباء على أرض الواقع.

لكن الألم الاقتصادي يتجاوز مجرد الاستجابة لأزمة كوفيد-19، في أيار وحزيران رفعت الحكومة أسعار العديد من السلع الاستهلاكية الرئيسية، مثل مياه الشرب والسكر. لمّح البعض إلى أن هذه الزيادات في الأسعار قد تمت لإرضاء صندوق النقد الدولي، الذي كانت تونس تجري معه مفاوضات للحصول على قرض جديد منذ أيار 2021. جاء برنامج قرض صندوق النقد الدولي لتونس، والممتد من 2013 إلى 2020، مع شروط لتجميد التوظيف في القطاع العام -بما في ذلك في قطاع الصحة-، وهو ما كان له العديد من الانعكاسات الاجتماعية السلبية، دون أن يساهم في تحسين البطالة أو العجز التجاري.

في حين أن كل ما سبق يساعد في تفسير سبب ترحيب الجماهير في الشوارع بقرارات قيس سعيد في 25 تموز، هناك بالفعل الكثير ممن يشعرون بالقلق من أن قراراته هذه لن تكون قادرةً على حل جميع مشاكل تونس. إلى جانب حزب النهضة، أعربت أكبر الأحزاب السياسية المنتمية للائتلاف الحاكم عن إدانتها لما اعتبرته تركيزًا غير دستوري للسلطة في يد شخص واحد، مع تعبير أقلية فقط من الأحزاب عن دعمها لرئيس الجمهورية. تحاول بعض المؤسسات بالفعل تأكيد استقلالها، إذ أصدر المجلس الأعلى للقضاء بيانًا أشار فيه إلى أن السلطة التنفيذية التي تندرج تحت رئيس الجمهورية لا تملك سلطة العمل كمدعٍ عام، كما نددت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين باقتحام الأجهزة الأمنية مكتب قناة الجزيرة في 26 تموز، و«دعت النقابة رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى التدخل العاجل والفوري لضمان حرية العمل الصحفي والتصدي لكل الإجراءات غير قانونية وفقًا لما ينص عليه الدستور».

يتمتع رئيس الجمهورية في الوقت الحالي بشعبية واسعة، لكن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية العديدة والمعقدة التي يواجهها لا يمكن حلها على الفور. سوف تدق ساعة قدرته على التعامل معها، وساعة إعادته السلطة إلى أجهزة الحكومة الأخرى. إذا أصبح تركيز سلطاته أداة للقمع، فهناك العديد من الحراكات والنقابات والجمعيات والمؤسسات التي مارست حرية التعبير في السنوات العشر الماضية، والتي لن تتنازل بسهولة عن مثل هذا الامتياز الذي جرى الحصول عليه بشق الأنفس. في غضون ذلك كله، واجه المواطنون التونسيون بشجاعة القمع والاضطهاد مرات لا تحصى، وانتصروا. ومن المؤكد أنهم سيفعلون ذلك مرة أخرى، إذا شعروا بالحاجة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية