تضييق وملاحقة: ما الذي يحدث في جامعة بيرزيت؟

الثلاثاء 25 كانون الثاني 2022
صورة ملثمين يحملون أعلاما في فعالية كتلة القطب الطلابي لإحياء ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
من فعالية كتلة القطب الطلابي في جامعة بيرزيت إحياءً لذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 13 كانون الثاني 2021. تصوير أمجد القواسمة.

من أمام مدخل جامعة بيرزيت، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلية يوم الاثنين 11 كانون الثاني الحالي خمسة من كوادر الحركة الطلابية في الجامعة بعدما تعقّبتهم قوة من المستعربين وجنود الاحتلال. أطلق الجنود الرصاص على منسق الكتلة الإسلامية إسماعيل البرغوثي، فأصيب في قدمه، واعتقلوه إلى جانب كلٍ من محمد الخطيب، ووليد حرازنة، وقسام نخلة، وعبد الحافظ الشرباتي. وقد أطلق سراح كل من حرازنة والشرباتي في اليوم نفسه، بينما أُفرج بعد يومين عن نخلة بكفالة مالية، ونُقل إلى المستشفى بسبب كسور في قدمه لم تُعالج خلال اعتقاله، فيما ظلّ الخطيب والبرغوثي قيد الاعتقال.

ليست هذه الاعتقالات الأولى في تاريخ الجامعة، فقد شهدت السنوات الخمس الأخيرة أربعَ حالات اعتقالٍ من حرم الجامعة أو محيطها، وكان أبرزها اعتقال رئيس مجلس طلبة الجامعة الأسير عمر الكسواني عام 2018. فما المختلف هذه المرة؟

حدثت هذه الاعتقالات بالتزامن مع اعتصام تخوضه الحركة الطلابية في الجامعة ردًا على قرار إدارة الجامعة عقد لجنة نظامٍ للطالبين أحمد خاروف ممثل كتلة القطب الطلابي الديمقراطي التقدمي (الذراع الطلابي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، وإسماعيل البرغوثي منسق كتلة الوفاء الإسلامية (الذراع الطلابي لحركة حماس). وقد صدر هذا القرار بعد أن أغلقت الجامعة أبواب إحدى قاعاتها (قاعة كمال ناصر) أمام الكتلة الإسلامية في ذكرى انطلاق حركة حماس في كانون أول الماضي بذريعة الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا. لكن أعضاء الكتلة الإسلامية حطموا مدخل القاعة وأقاموا فعاليتهم فيها.

قالت الجامعة إن لجنة النظام عُقِدت لأن خاروف والبرغوثي خالفا التعليمات وأدخلا معدات لإحياء ذكرى انطلاقات حركتيهما. لكنها ألغت قرارها يوم اعتُقل البرغوثي ورفاقه. وفي السياق نفسه، كانت قوات الاحتلال قد اقتحمت الجامعة في الليلة التالية للاحتفال بانطلاقة الجبهة الشعبية، وقبل الاحتفال بانطلاقة حماس من أجل مصادرة أعلامٍ وبوسترات أُعدّت لهذه المناسبة. وهذه عادة يمارسها ضابط الاحتلال -أو ما يعرف بالكابتن- المسؤول عن الجامعة، حيث تشكّل هذه الاحتفالات تحديًا له.

يرى ممثلو الكتل الطلابية أن السبب الحقيقي لإغلاق القاعة ومنع الاحتفال هو محاولة الجامعة ضبط نشاطات الكتلة الإسلامية تحديدًا، إضافة إلى أي نشاطات أخرى تحمل تعبيرات ورموزًا عسكرية. واعتبرت الحركة الطلابية مماطلة الجامعة في الحوار وإغلاق أبوابها أمام اعتصامهم سببًا في اعتقال الطلبة الخمسة، لذا قررت الحركة توسيع مطالبها لتشمل إقالة كل من القائمة بأعمال عمادة شؤون الطلبة عنان الأتيرة، ونائب الرئيس للتنمية والاتصال غسان الخطيب. وبحسب أعضاء في الحركة الطلابية فإن هذا المطلب الأساسي جاء ردًا على سياسات الأتيرة في التضييق على العمل والنشاطات الطلابية،[1] كما أنه ردٌّ على ما كتبه الخطيب على صفحته في فيسبوك بعد أن نشر صورتين إحداهما لأعضاء في كتلة الوفاء الإسلامية وهم ويحطمون باب قاعة كمال ناصر، وأخرى لقوات الاحتلال أثناء اقتحامها الجامعة، معلقًا: «بين حانا ومانا ضاعت لِحانا، بين عدو غاشم وصديق غافل، اختلط الحبل بالنابل!».

منع «العسكرة» وعودة عن الاتفاقات

انشغلت إدارة جامعة بيرزيت منذ سنوات بمحاولة منع «مظاهر العسكرة» في الجامعة، وما تعنيه بالعسكرة هو استخدام الكتل الطلابية ملابس ومجسمات صواريخ أو أسلحة بلاستيكية عند إحياء ذكرى انطلاق فصائلها بشكل رئيسي، وفي الانتخابات بدرجة أقل، تعبيرًا منها عن الارتباط بفصائل المقاومة، إضافة إلى رفع صور الشهداء والأسرى ومن بينهم أسرى وشهداء من طلبة الجامعة.

في عام 2015 طلبت الجامعة من ممثلي الكتلة الإسلامية إنهاء مظاهر العسكرة، وهو طلبٌ قوبل بالرفض. لكن، في نهاية عام 2018 اتفقت الجامعة مع الكتل الطلابية على أن «تكون مظاهر الدعاية الانتخابية بعيدة كل البعد عن أي مظاهر للعسكرة مثل: المجسمات، التلثيم، وغيرها من المظاهر المخالفة لأنظمة وقوانين الجامعة».

لاحقًا، في ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية في كانون الأول 2019، أرادت الجامعة منع عرض عسكري لكتلة القطب الطلابي، لكن الطلبة لم يلتزموا بقرار المنع ما أحدث توترات بين الطلبة وأمن الجامعة، فقررت الإدارة إخلاء الجامعة من الطلبة، لتشارك الكتلة الإسلامية في اليوم نفسه في فعالية كتلة القطب ردًا على تضييق الجامعة على أنشطة الكتل الطلابية واستخدامها أي رمزٍ عسكري. وكانت أحداث هذا اليوم شرارة اعتصامٍ أقامته الحركة الطلابية داخل الحرم الجامعي.

وفي تشرين الأول 2021 أقام الطلبة اعتصامًا آخر داخل الحرم الجامعي دون أن يغلقوا أبواب الجامعة، إنما شهدَ إغلاقات قصيرة لمبنى رئاسة الجامعة. استمر الاعتصام 27 يومًا قبل الوصول إلى اتفاق نصّ في أحد بنوده على «تحديد الوقت اللازم لإقرار النشاطات الطلابية من قبل لجنة الجهوزية لمدة لا تزيد عن 3 أيام كحد أقصى وتفريغ [تخصيص] قاعة كمال ناصر للأنشطة الطلابية».

في 2020 صنف الاحتلال كتلة القطب الطلابي منظمةً إرهابية، وقبلها في 1996 صنف الكتلة الإسلامية التصنيف ذاته، أي أن النشاط ضمن هذه الأطر الطلابية كفيل باعتقال الطلبة واتهامهم وإدانتهم.

وبالعودة إلى الاعتصام الحالي، فإن إدارة الجامعة لم تلتزم بالاتفاق حسبما يقول الطالب أحمد خاروف لـ«حبر»، حيث أغلقت القاعة أمام كتلة الوفاء الإسلامية ما جعلهم يحطمون الأبواب لإقامة نشاطهم في المبنى. أمّا ممثل الكتلة الإسلامية عمرو خليل فيقول إنهم حجزوا موعدًا في القاعة قبل حوالي أسبوعين من الفعالية، لكن الجامعة تواصلت مع البرغوثي قبل اعتقاله وحمّلته المسؤولية عن إقامة أي نشاط للكتلة الإسلامية داخل الحرم الجامعي، وذلك بعد اقتحام جيش الاحتلال للجامعة وإرسال مخابرات الاحتلال رسائل نصية لعدد من الطلبة تهددهم فيها بالمعاقبة في حال المشاركة في نشاط الكتلة الإسلامية. حاولت الكتلة -بحسب ممثلها- حجز ملعب الجامعة الرئيسي لكن الجامعة زعمت أن الملعب محجوز لنشاط آخر، فقررت الكتلة الدخول إلى قاعة كمال ناصر وإقامة الفعالية فيها، وهو ما أدى إلى عقد لجنة النظام لمحاسبة البرغوثي وخاروف.

طالب الطلبةُ إدارةَ الجامعة بإلغاء لجنة النظام، لكنها رفضت ذلك، ما دفع ممثلي الكتل الطلابية -باستثناء الشبّيبة الفتحاوية، والتي التحقت سريعًا عقب اعتقال الطلبة- إلى إعلان الاعتصام في الجامعة وإغلاقها حتى تحقيق مطلبهم، لتردّ الجامعة بمنع دخول الطلبة إليها -على غير العادة-. ثم تصاعدت المطالب بعد اعتقال الطلبة لتصل حدّ المطالبة بإقالة الأتيرة والخطيب.

خارج أسوار الجامعة أيضًا

في تشرين الأول 2020 صنفت قوات الاحتلال كتلة القطب الطلابي الديمقراطي التقدمي منظمةً إرهابية، وكانت قبل ذلك في أيار 1996 صنفت الكتلة الإسلامية التصنيف ذاته،[2] أي أن النشاط ضمن هذه الأطر الطلابية كفيل باعتقال الطلبة واتهامهم وإدانتهم. وهو ما تسبب باعتقال عدد كبير من كوادر الكتلة الإسلامية والقطب الطلابي.

تعبّر هذه التصنيفات الإسرائيلية عن قلق حقيقي من هذه الحركات الطلابية نتيجة نشاطها في العمل الطلابي سواء على مستوى سياسي أو عسكري. وهو ما أدى إلى ملاحقة شرسة للحركة الطلابية من قبل قوات الاحتلال والسلطة الفلسطينية، وقد أثّر هذا مؤخرًا على عمل الحركة، تحديدًا بعد انتهاء فترة الحظر التي رافقت وباء كورونا وعودة الطلبة إلى حرم الجامعة، من ذلك مثلا اعتقال 33 طالبًا من الكتلة الإسلامية في تموز 2021 بعدما أوقف جيش الاحتلال حافلة تقلّهم لزيارة عائلة الأسير منتصر شلبي بعد هدم منزله في قرية ترمسعيا شمال رام الله المحتلة. وقد جاء اعتقالهم بتهمة المشاركة في نشاط للكتلة الإسلامية باعتبارها مصنفة «مؤسسة إرهابية».

واستمر هذا الشكل من الملاحقات خارج أسوار الجامعة، حيث اعتقل ما لا يقل عن 10 طلاب من الكتلة الإسلامية في اليوم الذي أقامت فيه الكتلة فعاليتها بعد تحطيم أبواب قاعة كمال ناصر، بحسب ممثل الكتلة، ونصبت السلطة الفلسطينية في اليوم نفسه حواجز تفتيش على امتداد الطريقين من رام الله وبيرزيت إلى الجامعة، وكانت تفتش الطلبة الذين يحملون بطاقات الجامعة. فضلًا عن الرسائل التي أرسلها جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) -كعادته- للطلبة محذرًا إياهم من المشاركة في فعاليات انطلاقة فصائل المقاومة. لكن، رغم الاعتقالات ورسائل التهديد، شارك مئات الطلبة في العرض العسكري واحتفال الانطلاقة اللذيْن نظمهما القطب الطلابي والكتلة الإسلامية.

ويمكن القول إن الضفة الغربية لا تشهد تقريبًا فعالياتٍ لإحياء ذكرى انطلاقات فصائل المقاومة إلا تلك التي تقيمها الكتل الطلابية، ولهذا دلالات على إمكانية العمل السياسي داخل حرم جامعة بيرزيت، حيث يكون لفعالياتهم طابعٌ جماهيريٌّ من ناحية مشاركة الطلبة من جهة، والاحتفاء بها خارج الجامعة من جهة أخرى. ولعلّ هذا تعبير مكثف عن حال الضفة الغربية اليوم حيث تُلاحَق فصائل المقاومة فيما تنتزع حيزًا لعملها داخل الجامعة، وإن كان حيزًا صغيرًا ومحصورًا في إطار طلابيّ وجامعي، لكنه يشير إلى إمكانية الفعل السياسي في الضفة الغربية ورفع الحدّ المفروض على كل العمل السياسي والوطني هناك.

ما يخيف السلطة الفلسطينية هو التدنّي الكبير في شعبيّتها، خاصة مع الأحداث التي أعقبت «سيف القدس»؛ مقتل الناشط نزار بنات، واشتعال نقاط مواجهة مستمرة في قرية بيتا.

أمّا في السياق الأوسع، فإن هذه الأحداث تأتي مع تصاعد النشاط المقاوم عقب هبّة أيار ومعركة سيف القدس العام الماضي، كما تأتي بعد جنازة القيادي في حركة حماس وصفي قبها في جنين ومشاركة مسلحين من الحركة فيها، وهو ما وصفه نائب محافظ جنين بـ«المؤشر الخطير»، ونظر إليه الإعلام الإسرائيلي بعين القلق، فيما تحدثت تحليلات إسرائيلية عن إمكانية انفلات الضفة الغربية، ما رفع بشكل ملحوظ وتيرة الاعتقالات الإسرائيلية خلال الأشهر الأخيرة استباقًا لأية أحداث محتملة. يضاف إلى ذلك الحملة الأمنية الأخيرة للسلطة الفلسطينية في مدينة جنين، ومنعها الاحتفاء بالأسرى المحررين، خصوصًا أسرى حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

ما يخيف السلطة الفلسطينية هو التدنّي الكبير في شعبيّتها، خاصة مع الأحداث التي أعقبت «سيف القدس»؛ مقتل الناشط نزار بنات، واشتعال نقاط مواجهة مستمرة في قرية بيتا، وفرار الأسرى الستة من سجن جلبوع، وهزلية تعاملها مع اعتداءات المستوطنين في قرية برقة، وفي الضفة عمومًا. في هذه الأثناء، تزايد التوجه الشعبي نحو فصائل المقاومة، وازدادت شعبية حركة حماس تحديدًا، وهي التي تعاملت مع الأحداث السابقة بشكل مختلف ليعلو الهتاف لقيادتها في شوارع الضفة، ما خلق لدى السلطة والاحتلال مخاوف حقيقية من أن تتجه فصائل المقاومة في غزة -وبحكم الهدنة هناك- إلى دعم مواجهة العدو في الضفة.

قلق من التمدّد

يعزو وليد حرازنة، منسق كتلة الوحدة الطلابية (الذراع الطلابي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين)، التضييق على أنشطة الكتل الطلابية في جامعة بيرزيت إلى أن أزمة «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية مع الحركة الطلابية مردّها أن هذه الحركة مزعجة داخل الجامعة وفي كل نشاط خارجها. وهو ما يتفق معه طارق البرغوثي، ممثل كتلة اتحاد الطلبة التقدمية (الذراع الطلابي لحزب الشعب الفلسطيني)، قائلًا إن «أكبر دليل على أن الكتل الطلابية لا تنحصر أنشطتها داخل أسوار الجامعة، هو مشاركتها في مسيرات الهبة الأخيرة بل في تنظيمها أيضًا، فقد خرجت من الجامعة وبتنظيم من الحركة الطلابية عدة مسيرات على حواجز إسرائيلية وقت الهبة الأخيرة، كما أن قسمًا من الحركة الطلابية كان فاعلًا في المسيرات ضد السلطة عقب مقتل الناشط نزار بنات».

وربما يثْبتُ التقرير الذي نشرته قناة «كان» الإسرائيلية هذا القلق الإٍسرائيلي، إذ علّقت على فعاليات كتلتيْ الوفاء والقطب الطلابي في ذكرى انطلاقة حماس والجبهة الشعبية قائلةً: «كان بالإمكان الاعتقاد أن هذه النشاطات في غزة، وليس شمالي رام الله».

لطالما حازت انتخابات جامعة بيرزيت على اهتمام الحركات الحركات والأحزاب الوطنية، لأنها الفضاء الوحيد الذي تجري فيه انتخابات للكلّ الفلسطيني، وهي تمثل ساحة للصراع بين الحركات الوطنية. وفي المقابل، تمثل للسلطة الفلسطينية و«إسرائيل» فضاءً تُرفع فيه أعلام كل الفصائل الفلسطينية، ما يعني ضرورة ضبطها بشكل مستمر. ويعتقد حرازنة أن تعيين عنان الأتيرة -التي تطالب الحركة الطلابية بإقالتها- عميدةً لشؤون الطلبة قرار مدروسٌ يأتي في إطار محاولات ضبط الحركة الطلابية، خصوصًا أن الأتيرة قبل توليها منصبها هذا في الجامعة كانت قد شغلت منصب نائب محافظ نابلس، وأنها في سياساتها تسعى بوضوح لضبط عمل الحركة الطلابية.

من جهة أخرى، تمرّ حركة الشبّيبة الفتحاوية (الذراع الطلابي لحركة فتح) بأزمةٍ بدأت عقب إصدارها بيانًا نعتْ فيه نزار بنات وطالبت بمحاسبة قتَلته، فأقالت فتح منسّقَ حركة الشبيبة وهيئتها الإدارية. وفي الوقت نفسه شارك طلبة من الشبّيبة في قمع الاحتجاجات برام الله على مقتل بنات، وطالبت الأطر الطلابية الأخرى باعتذار رسمي من الشبيبة وإقالة المشاركين في القمع. وتوسعت الأزمة داخل الشبيبة ومع الكتل الطلابية بعد تعيين هيئة إدارية جديدة لها بقرار من خارج الجامعة، وصلت حدّ رفض الشبيبة قرار الاعتصام الأخير في البداية، ومحاولتها فتح أبواب الجامعة التي أغلقتها باقي الكتل، إلا أنها انضمت للاعتصام بعد اعتقال الطلبة من أمام الجامعة.

يبدو هذه التضييق -الداخلي والخارجي- على الحركات الطلابية في جامعة بيرزيت مؤشرًا على خوف بالغ من تمدد هذه الحركات خارج نطاق الجامعة، وتنظيمها حراكات ومظاهرات بدأت تتصاعد مؤخرًا إمّا احتجاجًا على سياسات السلطة الفلسطينية أو اشتباكًا مع الاحتلال الإسرائيلي. كما يعكس هذا التضييق الضغط على إدارة الجامعة لأسباب تتعلق بالتمويل والحفاظ على صورتها أمام المؤسسات الدولية، وفقًا لما يراه طارق البرغوثي.

لحظة حاسمة

يُلاحَظ لأي مراقبٍ أن الاعتصام الأخير في جامعة بيرزيت يحمل ملامح جديدة -نسبيًا- بالمقارنة مع الاعتصامات والإضرابات السابقة.[3] يتضح الاختلاف هذه المرة على مستوييْن؛ أولهما طريقة تعامل إدارة الجامعة مع الحركة الطلابية، وثانيهما ممارسات الطلبة أنفسهم.

مع إعلان الكتل الطلابية عن الاعتصام، أعلنت الجامعة عن عطلة رسمية يوميْ 10 و11 كانون الثاني الحالي. وفي يوم اعتقال الطلبة أعلنت عن عطلة رسمية أخرى لثلاثة أيام (12 و13 و15 كانون الثاني) للسير في حل المشكلة بين إدارة الجامعة والحركة الطلابية. ثم عادت مجددًا للإغلاق يومي 17 و18 كانون الثاني. إن طريقة التعامل هذه جديدة تمامًا على مشهد الاعتصامات جامعة بيرزيت، وقد بررت الجامعة هذه الإعلانات بأنها فرصةٌ «للمساعي الصادقة والمستمرة لحل الإشكاليات العالقة».

على المستوى الثاني، يشهد هذا الاعتصام التفافًا طلابيًا كبيرًا حوله. يقول أحد الطلبة السابقين إنه في الاعتصامات السابقة، وحتى في تلك التي أقيمت ضد رفع الأقساط الجامعية، عادة ما كانت تُسمع بعض الأصوات الداعية إلى العودة إلى الدوام والانتظام فيه، لكن حجم التأييد والإسناد من الطلبة للحركة الطلابية هذه المرّة كبير جدًا. كما يشهد هذا الاعتصام بروزَ أطرٍ طلابية يسارية لم تكن نشاطاتها ملحوظة أو لم تحظ بانتشارٍ واسعٍ من قبل، ومنها كتلتا الوحدة الطلابية واتحاد الطلبة التقدمية، فضلًا عن عودة كتلة الرابطة الإسلامية، الذراع الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي، بعد غياب لسنوات.

يتفق ممثلو الكتل الطلابية الخمسة على أن هذا الاعتصام يمثل لحظة حسمٍ مهمة في تاريخ الحركة الطلابية وموقعها وفاعليّتها، مشيرين إلى التراجع الملحوظ في نشاط الحركة خلال السنوات الثلاث الماضية، خصوصًا بعد الحظر الناتج عن كورونا واعتقال عدد كبير من طلابها، وهو ما يجعل الاعتصام الحالي فارقًا بالنسبة للحركة بحسب ممثليها الذين يرون أن الحركة الطلابية ستعود إلى سابق عهدها إذا ما تحققت مطالبها، أمّا إذا أُفشلَ اعتصامها فستكون لحظة إعلان انتظام الدوام الجامعي دون تحقيق المطالب هي نفسها لحظة إعلان انتهاء الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت.

  • هوامش
    [1] قابل كاتب المقال كلّا من: طارق البرغوثي (ممثل كتلة اتحاد الطلبة)، أحمد خاروف (ممثل القطب الطلابي)، عمرو خليل (ممثل الكتلة الإسلامية)، مالك عبيدات (ممثل كتلة الشبيبة الفتحاوية)، وليد حرازنة (منسق كتلة الوحدة الطلابية).
    [2] دلال باجس، الحركة الطلابية الإسلامية في فلسطين: الكتلة الإسلامية نموذجًا، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، 2012، ص 60.
    [3] عند الاعتصام في الجامعة تقوم الحركة الطلابية بإغلاق مداخل الجامعة والبقاء داخل حرمها حتى تتحقق مطالبها من قبل إدارة الجامعة. وعادة ما تتراوح مدة الاعتصام بين أسبوع وشهر تقريبًا، وكانت تقام الاعتصامات أساسًا عقب رفع الجامعة للأقساط وعدم الوصول إلى نتيجة بالمفاوضات.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية