أرض الميعاد وأيديولوجية الحلم الأمريكي: من أحلام المستوطنين الأوائل إلى كتاب باراك أوباما الجديد

الإثنين 11 كانون الثاني 2021
أوباما في فعالية لحشد المصوتين لجو بايدن في أتلانتا بولاية جورجيا، 2 تشرين الثاني 2020. تصوير إيلايجا نوفيلاج، أ ف ب.

تتعلق عيون العالم بأمريكا في صعودها وهبوطها. تتعلق عيوننا بها ونحن ننتظر قراراتها ونزواتها التي ستحدد مصائرنا، تتعلق عيوننا بها ويفرضها الإعلام العالمي علينا نموذجًا، ويُقحمها في حياتنا. وفي السنين الأربع الأخيرة، تعلقت أنظارنا بتشنجات وتقلبات ترامب وإدارته؛ وفي الأسبوع الماضي، تعلّقت أعيننا بأحداث المظاهرات في واشنطن واقتحام الكونغرس من قبل متظاهرين يرتدون أزياء وأصباغًا مضحكة في عرض غرائبي، بدا كمشهد النهاية اللائق بإدارة ترامب التي جعلت من السياسة الأمريكية سيركًا وطنيًا. أصبح بعضنا يقلب كفيه على مآل «الديمقراطية الأمريكية» (أو يمصمص شفتيه شماتة فيها)، وبعضنا يصرون على قدرة الديمقراطية الغربية على التعافي من هذه الكبوة العلنية، ليطمئنوا أنفسهم أن عالمهم الخيالي، وأمريكا في قلبه، ما زال سليمًا معافى، وأن نسخة مثالية ما من النظام الأمريكي تظلّ بشكل ما «أرض ميعاد» جميع أبناء العالم الحديث.

وفي نفس الوقت الذي تتعلق فيه أنظار العالم بأمريكا إذ تتغير إدارة العالم من الرئيس الجمهوري، إلى الرئيس الديمقراطي الجديد والنائب السابق لأول رئيس أسود للولايات المتحدة، صدرت مذكرات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن فترة رئاسته، تحت عنوان «أرض ميعاد» أو «أرض موعودة» (A Promised Land).

يحيلنا العنوان، نحن العرب، إلى فلسطين والصهيونية والتوظيف الاستعماري للتوراة، في حين يأخذ باراك أوباما المصطلح التوراتي إلى ميراث أمريكي (ولد بروتستانتيًا ثم أصبح بعد ذلك علمانيًا) يجعل من أمريكا الأرض المقدسة الجديدة، وأرض الميعاد التي يتطلع العالم إليها. 

ففي عام 1620 وقف وليام برادفورد، أحد زعماء الغلاة الانفصاليين من البروتستانت الإنجليز المتزمتين،[1] بعد أن ضاق هو وأصحابه ذرعًا بفشلهم في فرض تفسيراتهم المتزمتة والحرفية للإنجيل والتوراة بالأخص، على إنجلترا وهولندا وعموم أوروبا ليقول «أمريكا هي أرض ميعادنا»، قبل أن تبحر بهم سفينة الميفلاور إلى أمريكا، لينشئوا مستوطنة بليموث التي كرستها الخرافة الوطنية الأمريكية كلحظة تأسيس أمريكا والحلم الأمريكي (ومنذ بضعة أسابيع كانت أمريكا تحتفل بذكرى ميلاد هذه الأسطورة فيما يعرف بعيد الشكر).

كان هذا التناص مع التوراة طبيعيًا بالنسبة لطوائف الغلاة البروتستانت الإنجليز، فقد عُرفوا بالانغماس في العهد القديم إلى الحدّ الذي رأوا فيه أنفسهم عبرانيين قدماء، يحلمون بأرض الميعاد التي سيقيمون فيها شعائر دينهم ونظام حكمهم القائم على تفسيرهم الحرفي والمتطرف للكتاب المقدس. إلا أن كلام برادفورد كان، دون أن يدري، إيذانًا بعالم غربي جديد ينقل مركز ثقله الروحي والرمزي من فلسطين إلى أمريكا.

فإن كانت أوروبا تولي قبل ذلك وجهها شطر فلسطين (توجهًا روحيًا ورمزيًا كان يتجسد بالحج أحيانًا وبالحملات الصليبية أحيانًا أخرى)، فإن غلاة البروتستانت الإنجليز كانوا أول من يعلن أن الحج إلى فلسطين ليس سوى بدعة وهرطقة، وكانوا أول الأوروبيين الذين يفسرون «إسرائيل» على أنها تعني اليهود لا شعب الكنيسة، و«عودة إسرائيل» على أنها تعني «عودة» اليهود إلى فلسطين، بعد أن كانت الكنائس الأوروبية ترى أن هذا الوعد بالعودة نبوءة مجازية لمستقبل مجيد للكنيسة وشعبها،[2] (وهكذا نرى أن العلاقة العقائدية ما بين اليمين الأمريكي وما بين الصهيونية هي علاقة وطيدة سابقة على ميلاد أمريكا والصهيونية، وإن كانت الظروف الموضوعية الاستعمارية هي التي سمحت لهذه العلاقة أن تتجسد وتستمر).

لا يريد أوباما أن يكتفي بتجميل أمريكا (من دون تغيير واقعها بشكل جذري) أو بإعادة تأهيل الحلم الأمريكي، وإنما يريد أن يفرضه فرضًا كغاية أمل الجنس البشري بأسره.

وبالتزامن مع «تخليهم» لليهود عن المكانة الروحية والرمزية لفلسطين، يمّم هؤلاء الغلاة البروتستانت وجههم شطر أمريكا. حلموا بأن أمريكا ستكون مكان الخلاص الذي سيقيمون فيه مجتمعهم القائم بالأساس على تعاليم العهد القديم (وتفسيرهم الحرفي له)، وشبهوا أنفسهم بالعبرانيين القدماء، وشبهوا رحلتهم إلى أمريكا بخروج بني إسرائيل من مصر إلى الأرض المقدسة، وكذلك بعودة بني إسرائيل من الأسر البابلي إلى فلسطين.[3]

وبعد أن أسس الانفصاليون البروتستانت مستعمرة بليموث (1620)، تبعهم غيرهم من المتزمتين فأنشأوا مستعمرة «خليج ماساسوشتس» في 1629، (وكان من بين هؤلاء مجرم الحرب جون آندرهيل، المسؤول عن «تطهير» المساحات الواقعة ما بين كونيتكت في الشمال وجزيرة مانهاتن في الجنوب من سكانها الأصليين)، وتوالت هجرات المتطرفين الذين شبهوا أنفسهم بالحجاج (وهي التسمية التي ستتبناها الرواية الوطنية الأمريكية وخرافة عيد الشكر وتُرَسِّخها)، وبالآباء العبرانيين الذين برروا حروب الإبادة التي شنوها على السكان الأصليين بأنها تشبه حروب بني إسرائيل ضد الكنعانيين (قبل أن يقتبس منهم الصهاينة هذا التأويل للتوراة بعدها بما يقرب من ثلاثة قرون).[4]

نقل هؤلاء العبرانيون الجدد إذن أرض الميعاد والأرض المقدسة من فلسطين إلى أمريكا، وأصبح هذا سائدًا في خطاب الأمريكيين، من خطبة وليام برادفورد وحتى كتاب أوباما. ومنذ ذلك الحين ونحن نجد في أمريكا «فلسطين الجديدة» و«كنعان الجديدة»، وأريحا وبيت لحم والقدس والناصرة، (وكلها أسماء ولايات ومقاطعات ومستوطنات في أمريكا).

أمريكا «مدينةً على التل»

بالإضافة إلى تبرير الغزو والاستيطان، يدل مصطلح أرض الميعاد (سواء في استخدام المستوطنين الأوائل له أو في عنوان كتاب أوباما) على أن النموذج الذي ستأتي به أمريكا هو النموذج الذي سيتطلع إليه العالم، ويعتبره الوعد الذي يرنو إليه؛ أي أن اللغة التوراتية فيما يخص أمريكا لم تنفصل عن أيديولوجية الحلم الأمريكي.

وقد وظف دعاة الحلم/الوعد الأمريكي، منذ مستوطني ماساشوستس المتطرفين وحتى باراك أوباما، مصطلحًا إنجيليًا آخر هو مصطلح المدينة على التل أو الجبل (City upon a Hill)، (من قول المسيح لأتباعه بحسب إنجيل متّى «أنتم نور هذا العالم، لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل»). فعند تأسيس مستوطنة ماساشوشستس، أعطى حاكم المستوطنة، جون وينثروب، خطبةً شهيرةً يدعو فيها لأن تكون هذه المستوطنة نموذجًا للحكم المسيحي (قدم فيها كذلك تبريرًا سريعًا للتمايز الطبقي ما بين أبناء المجتمع الواحد، وللتمييز في المعاملة ما بين «الإسرائيليين» و«الكنعانيين»، وذلك قبل أن يبدأ «إسرائيليو» أمريكا الجدد في ذبح «كنعانييها» وقال قرب آخرها «علينا أن ننتبه إلى أننا سنكون بمثابة مدينة على تل. عيون العالمين ستتعلّق بنا».

أصبح هذا المصطلح فيما بعد من ركائز الدعاية الأمريكية. وفي سنة 2006 قال باراك أوباما، وقد كان آنذاك عضوًا في مجلس الشيوخ، في خطبته في جامعة ماساشوستس-بوسطن: «هنا بالذات، في هذا المحيط حولنا، بدأت التجربة الأمريكية. ما إن وصل المستوطنون الأوائل إلى شواطئ بوسطن وسالم [حيث أقيمت مستوطنة خليج ماساشوستس التي تحدثنا عنها، واسم ثاني هذه المدن مشتق من كلمة شالوم العبرية] وبليموث [حيث أقام «الحجاج» المستوطنة الإنجليزية البروتستانتية الأولى]، حلموا بإنشاء مدينة على تل. وتطلعت إليهم عيون العالمين، مترقبين ليعرفوا إن كانت هذه الفكرة بعيدة الاحتمال المسماة أمريكا لتنجح».

وعد أوباما: أن نحلم بأمريكا عنوةً

يستمر كتاب أوباما في النهج نفسه، فيحاول أن يفرض أمريكا كمحط أنظار العالم ونموذجه وقدوته، فيقول أوباما في مستهل كتابه: «ينظر العالم إلى أمريكا –القوة العظمى الوحيدة في التاريخ التي تضم الناس من كل ركن في العالم، وتتكون من كل عرق ودين وممارسة ثقافية- ليرى إن كانت تجربتنا في الديمقراطية ستنجح. ليرى إن كنا نستطيع أن نحقق ما لم تحققه أمة أخرى قطّ. ليرى إن كنّا نستطيع أن نمارس عقيدتنا في حياتنا».

وهكذا تصبح «أرض الميعاد» في عنوان كتاب أوباما إشارة إلى المستقبل الذي يحلم به لأمريكا، وتصبح أيضًا إشارة إلى أن بقية العالم ينبغي أن يتطلع إلى النموذج الأمريكي كأرض ميعاده. لا يحجم أوباما عن نقد النظام الأمريكي والممارسات الأمريكية، ربما لأنه بنى رصيده السياسي على نقد هذا النظام وطرح نفسه بديلًا له (أو ربما لأنه، والحق يقال، يمتلك ذكاءً نقديًا لا يمتلكه السياسيون الأمريكيون عادةً)، ولا يجعل من النظام الأمريكي حلمًا محققًا أو وعدًا ناجزًا. وإنما يجعل الحلم الأمريكي وعدًا مؤجلًا، فيحصنه بذلك ضدّ النقد والإدانة (فكيف يمكن لنا أن نُقيِّم أو ندين وعدًا مؤجلًا) ويصبح كلّ نقد لممارسات الأمريكية كأنه وعد بتحقيق الحلم الأمريكي في المستقبل.

الكتاب في معظمه عبارة عن سلسلة من الأعذار التي يقدمها أوباما لعدم محاولته تغيير أمريكا جذريًا، لأن النظام الأمريكي لم يكن ليسمح بهذا التغيير.

وبينما يصرّ باراك أوباما على التفرقة ما بين واقع الممارسات الأمريكية منذ تأسيس الكيان، وبين المثال أو الحلم الأمريكي المزعوم، فإنه يوظف التاريخ الاحتجاجي والنقدي للمشروع الأمريكي داخل الولايات المتحدة كأن ذلك التاريخ الاحتجاجي هو من ظواهر الوعد الأمريكي ومن طبائع أمريكا؛ فيستحوذ -على سبيل المثال- على تاريخ مناهضة حرب فيتنام أو على تاريخ حركة الحقوق المدنية للسود، كأنها جزء من الحلم الأمريكي. ويقدم رئاسته، بطبيعة الحال، كخطوة نحو أمريكا الموعودة. ويروي أن أحد القساوسة السود الذين ارتبطوا بحركة «الحقوق المدنية» قال له «نحن الذين كنا جزءًا من الحركة (..) نحن جيل موسى (..) نحن أخرجنا قومنا من مصر، ولكن هذا كان أبعد ما أمكن أن نصل إليه. أنتم يا باراك، أنتم جيل يوشع» الذي «سيخرج قومنا، ويخرج هذا البلد، من التيه». ينتمي كلام القس إلى تراث استلهام السود الأمريكيين لقصة بني إسرائيل كقصة كفاح ضد العبودية في مصر وبابل، أكثر مما ينتمي إلى تراث الاستلهام الاستيطاني للعهد القديم. طبعًا لا مشكلة في استلهام أوباما أو غيره للتوراة، ولا في استحضاره تراث العبيد السود في أمريكا؛ وإنما المشكلة في استحواذ أوباما على التراث الأسود المرتبط بتاريخ العبودية (وهو التراث الذي لا ينحدر منه أوباما إذ نشأ في مجتمع أمه البيضاء، وقد جاء شقه الأفريقي من أفريقيا مباشرة ولم يأت من أجداد كانوا عبيدًا)[5] ليضعه في خدمة النظام الأمريكي، فيضع أرض ميعاد هؤلاء، التي كانوا يحلمون بها خارج النظام الأمريكي، حصرًا في أمريكا.

ويُصَدِّر أوباما كتابه باقتباس من «روحية زنجية» (وهو الاسم الذي كان يطلق على الأناشيد الشعبية، المتأثرة في معظمها بالأناشيد المسيحية وفي بعض الأحيان بتراث الإسلام واليهودية، التي كان ينشدها العبيد في أمريكا، وإن كان أوباما قد سماها، من باب الصوابية السياسية طبعًا، «روحية أفريقية أمريكية») تتحدث عن اللقاء في أرض الميعاد. طبعًا لا يتحدث النشيد عن اللقاء في أمريكا، بل على العكس، تمثل أرض الميعاد في هذا الميراث «الزنجي» رمزًا لمستقبلٍ يتحررون فيه من واقعهم الأمريكي، سواء كان ذلك في القارة الأمريكية أم خارجها (بعض جماعات الأفارقة بالذات في الكاربيي وبين المهاجرين الكاريبيين في الولايات المتحدة -ومن بينهم أتباع ديانة الراستافاري التي اشتهرت بفضل موسيقى الريجي- أخذت الاستلهام التوراتي بشكل أكثر حرفية فقالوا إنهم هم بنو إسرائيل وإن أرض ميعادهم هي أفريقيا، أو في بعض الحالات أثيوبيا، أما أمريكا فهي بابلهم التي تمثل لهم الأسر والعبودية والتي تصبح في النظام الرمزي التوراتي نقيض أرض الميعاد).

لو حاول أوباما بالفعل تغيير طبيعة أمريكا بشكل جديّ، أثناء رئاسته أو بعدها، لأصبح هذا الاستحواذ أقل إشكالية؛ ولكن الكتاب في معظمه عبارة عن سلسلة من الأعذار التي يقدمها أوباما لعدم محاولته تغيير أمريكا جذريًا، لأن النظام الأمريكي لم يكن ليسمح بهذا التغيير؛ أما بعد رئاسته فقد ذهب أوباما إلى وسط الحزب الديمقراطي لا إلى يساره، ولم يؤيد حتى مشروع التغيير الخجول الذي قدمه بيرني ساندرز، وفي المسألة العرقية، أدان أوباما في السنة الأخيرة انتفاضة السود ضد الممارسات العنصرية والإجرامية من قبل الشرطة الأمريكية بحق السود. لم يرد أوباما لرئاسته أن تغير طبيعة أمريكا (ما عدا النية بالقلب، لو صدقناها) ولكنه يريدها أن تكون خطوة لتثبيت أمريكا ونموذجها في خيال الناس، بما فيهم ضحايا أمريكا، داخل أمريكا وخارجها؛ يقول «[كنت] أعلم أنني في اليوم الذي سأرفع فيه يدي بآداء القسم لأكون رئيسًا للولايات المتحدة، فإن العالم سيبدأ في النظر إلى أمريكا بشكل مختلف».

يقر أوباما بأن هناك «من يؤمنون بأن الأوان قد آن للتخلص من هذه الأسطورة، وبأن أي معاينة لماضي أمريكا، وأي نظرة وإن كانت عابرة على عناويننا الرئيسية في يومنا هذا، ستظهر لنا أن مبادئ هذه الأمة كانت دائمًا ثانوية لغزو [الشعوب] وإخضاعـ[ها]، ولنظام التراتب العنصري، وللرأسمالية المتوحشة، وبأن من يتظاهر بغير ذلك هو متواطئ في لعبة قائمة على الغش من أولها»، (حتى وهو يظهر الجانب الناقد للنموذج الأمريكي يصر أوباما على التمييز ما بين الممارسات والمبادئ كأن هناك مبادئ أمريكية غير ما ذكر من ممارسات قائمة على الظلم والإجحاف). ولكنه يعود ويصر على تمسكه بالحلم الأمريكي بالقول «لست مستعدًا للتخلي عن إمكانية أمريكا، ليس فقط من أجل الأجيال القادمة، ولكن من أجل الجنس البشري بأسره». 

أي أن أوباما لا يريد أن يكتفي بتجميل أمريكا (من دون تغيير واقعها بشكل جذري) أو بإعادة تأهيل الحلم الأمريكي، وإنما يريد أن يفرضه فرضًا كغاية أمل الجنس البشري بأسره، وينفي في سبيل ذلك أو يهمّش كلّ الأصوات التي تدعو للخلاص من هيمنة أمريكا فكرًا وممارسة. في كتابه البديع «أمريكا»، يقول الفيلسوف جان بودريار إن «العالم يحلم بنيويورك بينما تضطهد نيويورك ذلك العالم وتستغله»، ويصف الحلم الأمريكي قائلًا «إنها تلك الثقافة التي (..) تبهر نفس الناس الذين يعانون على يديها، وتفعل ذلك من خلال قناعة عميقة وغير معقولة بأنها تحقق كل أحلامهم». ربما أضعفت أربع سنوات من إدارة ترامب هذا التأثير الثقافي والأيديولوجي الأمريكي ولكن أوباما يعيد تقديم ذلك الوهم ويريد أن يظل الناس يحلمون بأمريكا، وأن يملي عليهم أن يحلموا بها، حتى وهم يعانون على يديها، قبل أن يقاطعه العرض الغرائبي في واشنطن، لتحلّ «المسخرة الأمريكية» محلّ الحلم والوعد والوهم الأمريكيين.

  • الهوامش

    [1]  كانت طائفة الانفصاليين إحدى الفرق البروتستانتية الإنجليزية المتمسكة بحرفية التوراة والإنجيل وبالتطبيق المتزمت لهما، والتي سيطلق عليها فيما بعد اسم المتزمتين أو التطهريين (puritans). كان الانفصاليون في ذلك الوقت يتمايزون عن عموم المتزمتين في تبنيهم للانفصال التام عن الكنيسة الإنجليزية (فلا عجب أن نراهم يسارعون لاستيطان أمريكا) في حين أراد المتزمتون «إصلاح» الكنيسة الإنجليزية (وإن كانوا سيسارعون عما قليل إلى أن يحذوا حذو طائفة الانفصاليين في استيطان المناطق الأمريكية التي ستعرف باسم «انجلترا الجديدة»). في كثير من الأحيان يشار إلى الطائفتين معا باسم «المتزمتين» نظرًا لتشابه فكرهما وارتباطهما تاريخيًا ببعضهما. جدير بالذكر أن فرقة المتزمتين والانفصاليين حكمت إنجلترا في الفترة الجمهورية ما بين 1649 و1660 . وباسم الجمهورية، أشعلت هاتان الطائفتان حربًا دموية في أيرلندا أخذت طابعًا دينيًا-طائفيًا ضد الكاثوليك وطابعًا مناطقيًا-قوميًا ضد أبناء أيرلندا—وطابعًا استيطانيًا لإحلال الإنجليز البروتستانت محل الأيرلنديين الكاثوليك. وباسم الدين والجمهورية منعوا الفنون في عموم إنجلترا وكان المسرح في زمنهم محرمًا وكان الممثلون يُجلدون في الشوارع.

    [2] Regina Sharif, Non-Jewish Zionism.

    [3] بالإضافة إلى المرجع السابق، نجد وصفًا واضحًا لهذه الحالة العبرانية في James Leynse, Preceding the Mayflower. وبالإضافة إلى تقديم هذه الكتاب سردًا مفصلًا للعالم الروحي لهؤلاء المستوطنين وللنقاشات التي خاضوها قبل أن يبحروا إلى أمريكا، فإن أهمية هذا الكتاب تكمن أيضًا في تمسكه بنفس المعايير والقيم، وإعادة تقديمه لها في ثوب علماني أحيانًا وديني بروتستانتي أحيانًا أخرى.

    [4] Robert Warrior, «Canaanites, Cowboys, and Indians: Deliverance, Conquest, and Liberation Theology Today». 

    [5] ثمة زعم بأن بعض أجداد أوباما من ناحية أمه البيضاء كانوا عبيدًا سودًا في أمريكا؛ إلا أن هذه التفصيلة لا تنفي أن أوباما ينحدر بالأساس، اجتماعيًا وثقافيًا، من سادة بيض لا من عبيد سود.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية