رأي

نقص في الدولة؛ نزف في الصحة

الأربعاء 17 آذار 2021
من قاعة الانتظار في أحد المراكز الصحية المخصصة للتلقيح ضد كورونا في عمان، كانون الثاني 2021. تصوير خليل مزرعاوي، أ ف ب.

في ظلّ جائحة قتلت في الأردن 5500 شخصًا، ودفعت العالم لإعادة النظر في أهمية القطاع الصحي العام بوصفه خط الدفاع الأول عن المجتمع في مواجهة الفيروس، أحيت حادثة انقطاع الأكسجين في مستشفى السلط الحكومي الحديث عن «ترهل» القطاع الصحي العام في الأردن وتضخمه، وتدني كفاءته، وسوء الإدارة فيه. يعود هذا الخطاب في الوقت الذي تعاني فيه وزارة الصحة الأردنية من نقص عام في الكوادر الطبية، ونقص حاد في أطباء الاختصاص، وهو ما كشفته الجائحة وحادثة السلط نفسها.

ليس هذا النقاش وليد اليوم. فمنذ بداية الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية في التسعينيات والحديث يدور عن قطاع عام متضخم يحتاج لإصلاح إداري يعمل على «ترشيقه»، ويتخلص من الفوائض البشرية فيه، التي تستنزف الموازنة، وتتعامل مع الوظيفة العامة باستحقاق. جاء ذلك في سياق نزع «القدسية» عن القطاع العام لتبرير بيعه والدخول في مسار الخصخصة وتسييل الأصول العامة للدولة. لكن هذا الخطاب يأتي اليوم، بعد أن أُضعف القطاع العام وتآكل، ليحمّل القطاع نفسه مسؤولية وصوله لهذه النتيجة.

يحجب الحديث عن الفساد وسوء الإدارة والمحسوبية في التوظيف الخلفية الأيديولوجية والسياق التاريخي لتراجع القطاع الصحي العام، ويحوّل القضايا العامة إلى مسائل فردية مرتبطة بالمسؤولية والنزاهة والأخلاق، بعيدًا عن السياسات وواضعيها والمدافعين عنهالا شكّ أن هناك أشخاصًا مسؤولين بصفة مباشرة عمّا جرى في السلط، لكن الأسباب الأعمق لحالة التردي في القطاع الصحي العام لا يمكن فهمها بمعزل عن المسار الذي غيّرت فيه الدولة الأردنية طبيعتها ووظائفها في العقود الثلاثة الماضية، والذي هيأ كل الظروف التي جعلت حادثة السلط ممكنة.

«الترهل» والوظيفة العامة

جاء التوظيف في القطاع العام في سياق كانت الدولة فيه هي المشغل الرئيسي، وكانت الوظيفة العامة هي أداتها الوحيدة لتوفير الحماية الاجتماعية لفئة واسعة من الأردنيينفقد نقلت الوظيفة شرائح واسعة من الشرق-أردنيين طبقيًا، ولم توفر لهم دخلًا ثابتًا فحسب، بل أمّنت لهم ولأولادهم الصحة والتعليم والأمان الاجتماعيتورد الباحثة آن ماري بيلوني في ورقتها «عسكرة الرفاه: الليبرالية الجديدة والسياسة الأردنية»[1] أنه في نهاية الثمانينيات، كان ثلاثة أرباع الشرق أردنيين يعملون في الدولة.[2] وفي ظل غياب استراتيجية إنتاجية تنموية تستهدف الأطراف، ظلّت الوظيفة العامة لعقود طويلة الأداة التنموية الرئيسية لشرائح واسعة منهم.

استثمرت الدولة في تأهيل كوادر بشرية مدربة تدريبًا عاليًا، وحمت «الدولة الوطنية» في الأردن مواطنيها من علاقات السوق من الستينيات إلى منتصف التسعينيات، واستفاد جميع السكان من دعم الدولة للسلع والخدمات والاستثمار في الصحة والتعليم.[3] لكن، حين فتحت الدولة أبوابها للتحول الاقتصادي، الذي غيّر وظيفة الدولة جوهريًا ورفع شعار «الترشيق» على مستوى التوظيف وسعى للتخلص من التدابير الحمائية، انكشفت شرائح متزايدة من المجتمع، وكان موظفو الدولة أول من دفع الثمن. في الوقت نفسه، وكما تقول بيلوني، كان القطاع العسكري والأمني هو القطاع العام الوحيد الذي نما خلال فترة الإصلاح الهيكلي، واستمرّ بالنمو لليوم. مع مرور الوقت، تضاءل دور الدولة الاجتماعي والتنموي، وازداد دورها الأمني والعسكري، حتى وصلنا إلى مرحلة بات فيها التفكير بحلّ للمشاكل العميقة في المستشفيات الحكومية يبدأ من تعيين متصرفين فيها، يتبعون مباشرة لوزارة الداخلية.

لذلك، ليس غريبًا أن يُنظر للوظيفة العامة كوسيلة حماية قبل كل شيء، في ظل انعدام البدائل، ووجود سوق صغير، ونمو بلا تنمية، وغياب المشاريع الاقتصادية خارج عمان. الغريب هو أن ترمي الدولة المسؤولية على الناس متجاهلة أنها هي من كرّست هذا الدور، ثم تراجعت عنه. عمليًا، انتهى الدور الاجتماعي والتنموي للتوظيف، وظلّت بقايا الدور السياسي له.

الكلام عن الترهل والتضخم ليس مسألة فنية في الإدارة العامة بقدر ما هو مسألة سياسية قبل كل شيء، وكل المفاهيم المستخدمة اليوم عند الحديث عن «إصلاح» القطاع العام، تأتي من خارجه، ومن إطار مضاد له يسعى لاستكمال القضاء عليه. لذا، كثيرًا ما يتم الحديث عن «ترهل» في القطاع العام أو نزف في الموازنة دون تفصيل عن أي قطاعات ووزارات نتحدث. النظر في الموازنات العامة في السنوات الأخيرة يظهر أن هناك فروقات غير بسيطة في التمويل بين القطاع العام المدني والعسكري. في موازنة 2021، يستحوذ الجهاز العسكري والأمني معًا على 28% من النفقات العامة، مقابل 25% للجهاز المدني. فيما لا تشكل موازنة وزارة الصحة سوى 7% من مجمل النفقات العامة. من جهة أخرى، فإن الحديث عن استنزاف الموازنة كثيرًا ما يركز على رواتب القطاع العام ويتعامى عن بنود مثل فوائد الدين، التي تستهلك وحدها 15% من النفقات العامة، أي أكثر من ضعف ما ينفق على الصحة.

إن التمسك بالحديث عن قطاع عام مترهل ومستنزِف للموارد، في سياق أزمة القطاع الصحي العام اليوم، بمعزل عمّا يقوله الواقع عن إضعاف هذا القطاع وحاجته للتمويل والكوادر، ليس التباسًا أو قراءة غير دقيقة للواقع. إنه تمسك بثوابت أيديولوجية قام عليها المنعطف النيوليبرالي للدولة الأردنية، مفادها لوم القطاع العام على التخريب الذي جرى فيه، وتفوق القطاع الخاص وقدرته على تسلّم دفّة المجال الصحي.

وهم الشراكة

لم تكن الخصخصة عملية إجرائية محايدة، تُوزّع فيها الأدوار بين بنيتين، هما في الأساس متناقضتان جوهريًا؛ بنية الخدمة العامة وبنية الربح. في الحالة الأردنية، عبّرت الخصخصة عن استراتيجية شاملة وعقيدة رسمية، قلبت بنية المجتمع والدولة. رغم انكماش الدولة وتوسّع السوق، استمر الترويج للخصخصة تحت شعار «الشراكة بين القطاعين العام والخاص». لكن في الصحة تحديدًا، لا يمكن أن يتجاور القطاعان ببساطة كمقدمي خدمة دون أن يؤثر أحدهما على الآخر. فدخول عنصر الربح إلى حسابات صحة البشر يشوّه مفهوم الرعاية الصحية، ويخلق إشكاليات عميقة في عدالة الوصول إليها، ويعيق قدرة الدولة على توفير رعاية صحية عامة كفؤة.

رغم أن القطاع الخاص يضم 36% من الأسرّة في الأردن، إلا أنه يحوي ما يقارب 70% من الأطباء (والنسبة بالتأكيد أعلى في حالة الأخصائيين)، و53% من الممرضين.

أحد أوضح الأدلة على هذا الدور التخريبي هي مسألة نقص الكوادر الطبية في القطاع العام. طُرحت المسألة للنقاش في ظل الجائحة، وبشكل خاص مع حادثة السلط، لكن في كثير من الأحيان لم يتطرق النقاش لأسباب هذا النقص وتأثيره. على مدى عقود، سحب القطاع الخاص من العام أفضل أطبائه وممرضيه، مقدمًا لهم رواتب وحوافز لا يمكن للدولة التنافس معها، فضلًا عن الخبرة الاختصاصية والتقنية التي يقدمها. اليوم، رغم أن القطاع الخاص يضم 36% من الأسرّة في الأردن، إلا أنه يحوي ما يقارب 70% من الأطباء (والنسبة بالتأكيد أعلى في حالة الأخصائيين)، و53% من الممرضين. في المقابل، تحوي وزارة الصحة، 35% من الأسرّة، وأقل من 20% من الأطباء، وأقل من 24% من الممرضين.[4] ورغم كل الشروط التي تحاول الوزارة وضعها للاحتفاظ بالأطباء الذين يكملون برامج الاختصاص في مستشفياتها، إلا أنهم يستمرون بالتسرّب نحو القطاع الخاص.

في غياب الاستراتيجية الصحية العامة، ليست لدى الدولة مشاريع تجعلها بحاجة لخلق كوادر بديلة وتأهيلها وتوزيعها. 1.5% فقط من مجمل الإنفاق على الصحة يذهب لتدريب الكوادر، مقابل 6% للإدارة.[5] لذا، في حين أن المرافق موجودة ويجري تطويرها وتجهيزها، في كثير من الأحيان بتمويل من مؤسسات مانحة مثل USAID، فإن الكوادر الطبية، خاصة المختصة، هي أشد ما ينقص القطاع الصحي العام. قد تتردد على الشاشات معلومة أن لكل 10 آلاف نسمة في الأردن أكثر من 27 طبيبًا، لكن قلّما نسمع أن قرابة 19 منهم في القطاع الخاص، و5 فقط في وزارة الصحة.[6]

ضرب القطاع الخاص أيضًا القدرة على توفير رعاية صحية أولية عامة. إذ خلق ميلًا طاغيًا نحو الاختصاص على حساب الرعاية الأولية، باعتبار الاختصاص طريق الطبيب نحو خبرة ومكانة وراتب أعلى. عنى ذلك أنه فيما كان القطاع العام يفقد أخصائييه، كان يواجه صعوبة أيضًا في توفير كوادر كافية وكفؤة في مراكز الرعاية الصحية الأولية والشاملة. شكّل ذلك حلقة مفرغة، تغيب فيها الكوادر عن هذه المراكز، فيضعف أداؤها، فيتجه المواطنون إلى طوارئ المستشفيات بدلًا منها لتلقي الرعاية الأولية، مما يخلق بدوره ضغطًا على هذه الأقسام يفاقم تردي الخدمة فيها، ويزيد كلفتها على الدولة. باختصار، كلما أُضعف القطاع الصحي العام، توسّع القطاع الخاص واستأثر بالمزيد من المرضى. على سبيل المثال، مع ضعف الرعاية الصحية الأولية ونقص الكادر المؤهل، استحوذ القطاع الخاص على 78% من عيادات ومراكز الرعاية الأولية في الأردن.[7] 

كما في الحديث عن القطاع العام، من المهم هنا التفريق بين ما يندرج تحت القطاع الصحي الخاص. فكثيرًا ما تركز الصورة المسوقة عنه على نسبة بسيطة من المستشفيات الفندقية خيالية الأسعار، بينما يتم تجاهل أن هذا القطاع أيضًا فيه شرائح مختلفة من الخدمة. وفي حين أن مراجعي القطاع الصحي العام هم حصرًا من الفقراء، فإن مراجعي الخاص ليسوا أغنياء فحسب، بل يشملون الطبقات الوسطى الدنيا والشرائح العليا من الفقراء، الذين يلجأون للقطاع الخاص للرعاية الأولية والطارئة في كثير من الأحيان.

يقودنا هذا للتفكير في الأساطير التي تُروّج حول القطاع الصحي الخاص، ويتم عبرها تعميم الخدمة التي تقدمها نسبة ضئيلة من المستشفيات لنسبة أقل من المرضى، لتصبح معبرة عن القطاع الخاص برمته، بل عن القطاع الصحي في الأردن ككل. تقول منظمة الصحة العالمية في دراسة للقطاع الصحي الخاص في 12 دولة في المنطقة من بينها الأردن،[8] إن تنظيم هذا القطاع ضعيف، ولا توجد معلومات كافية حول ممارساته وأدائه وقدراته، أو حول العبء المالي الذي يخلقه. كما تقول المنظمة إنه كان هناك «توسع غير عقلاني للقطاع الخاص» بسبب انخفاض جودة الرعاية التي يقدمها القطاع العام والصورة السيئة عنه، وعدم قدرته على التعامل مع الزيادة السكانية. بالتالي، لا سند حقيقي للكثير مما يقال عن كفاءة القطاع الخاص، حتى لو كان أداؤه متفوقًا على القطاع العام.

مع تضخم القطاع الصحي الخاص (الذي بلغ حجمه حتى عام 2016 قرابة 3.6 مليار دولار) وتوسع الاستثمار فيه، تطور قطاع «السياحة العلاجية»، الذي استقبل عام 2017 ربع مليون مريض، معتمدًا بشكل أساسي على جرحى الحروب. تزامن «انتعاش» السياحة العلاجية في ظل صراعات المنطقة بين عامي 2012 و2015 مع تسارع نزف الكوادر لصالح القطاع الخاص، إذ ارتفعت نسبة الأطباء العاملين في الخاص بين هذين العامين من 57% إلى 71% من مجمل الأطباء في الأردن.

استخدمت الدولة تطور هذا القطاع للتغطية على تدهور القطاع العام، بترديد «الإنجازات» المتحققة في القطاع الخاص. فمثلًا، يجري الحديث عن كون الأردن من الدول القليلة في المنطقة التي تُجرى فيها عمليات زراعة الكبد، لكننا لا نعلم عدد هذه العمليات سنويًا، ولا حجم الفئة المستفيدة منها وطبيعتها، ولا حتى نسب نجاح هذه العمليات وما إذا كانت قريبة من النسب العالمية. الأهم من هذا كله، هو أنه في الوقت الذي تتباهى فيه الدولة بإنجاز عملية زراعة كبد في مستشفى خاص بكلفة قد تصل 100 ألف دولار، ما زالت أمراض الطفولة المعدية مثل الإسهال تشكل مشكلة حقيقية للأطفال الأردنيين دون سن الخامسة، يعاني منها أكثر من 15% منهم، خاصة في الأطراف.[9]

من أجل «إصلاح» القطاع الصحي العام فعلًا، لا مفر من تمكين وزارة الصحة والاستثمار فيها، وتوّليها قيادة القطاع الصحي عمومًا وتنظيمه والإشراف عليه وإنهاء حالة التشظي فيه.

كانت نتيجة كل ما سبق هي ضرب العدالة في الوصول للصحة، طبقيًا وجغرافيًا وجندريًا، وتعكس الأرقام المتعلقة بالإنفاق على الصحة هذا الاختلال بوضوح. يحتل الصرف من الجيب (أي من جيب الفرد مباشرة بما لا يشمل التأمينات) 25% من مجمل الإنفاق على الصحة، و77% من الإنفاق الخاص على الصحة.[10] وتستهلك الأدوية قرابة 40% مما يُصرف من الجيب مباشرة.[11] تقول منظمة الصحة العالمية إن نسبة الإنفاق الخاص من مجمل الإنفاق تتناسب عكسيًا مع قيمة هذا الإنفاق الإجمالي، أي أنه كلما أنفقت الدولة أكثر على الصحة، قل توجه الناس للقطاع الصحي الخاص، وقلّت نسبة مدفوعاتهم المباشرة له.

بطبيعة الحال، هذه المدفوعات لا تتوزع بعدالة أيضًا. فالعُشر الأفقر من السكان في الأردن ينفق على الصحة 25.5% من قدرته على الدفع، مقابل 9.1% لدى العُشر الأغنى، أي أن الفقراء ينفقون نسبيًا أكثر من الأغنياء على الصحة.[12] وفي الوقت نفسه، لا يتلقون جودة الرعاية ذاتها، مما ينعكس مباشرة على صحتهم، وتشكل نسب وفيات الأطفال والرضّع مثالًا واضحًا على ذلك. ففي حين يبلغ معدل وفيات الأطفال دون الخامسة بين الأسر الأغنى 11 وفاة لكل ألف ولادة حية، فإن المعدل يتضاعف ثلاث مرات تقريبًا بين الأسر الأفقر (29 لكل ألف ولادة حية). وفي محافظة الطفيلة، يفوق المعدل ذلك ليبلغ 31 وفاة. ينسحب هذا التفاوت أيضًا على أمراض عدة مثل الإسهال وفقر الدم، كما ينسحب على الكشف عن الأمراض، خاصة سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم.[13]

في حين بلغت نسبة وفيات كورونا ممن دخلوا المستشفيات في ذروة الموجة الأولى أكثر من الخُمس،[14] وفي حين بثّت حادثة السلط الرعب في قلوب مرضى كورونا في المستشفيات وأهاليهم، لا شك أن الناس فقدت الثقة في النظام الصحي العام، إن لم يكن في القطاع الصحي عمومًا، وبات الذهاب إلى المستشفى خيارًا أخيرًا يبذلون كل ما في وسعهم لتجنبه. إن انعكاس ذلك على صحة الناس كارثي، لكن لا يمكن لحلول إجرائية أو تقنية أن تغير ذلك، مهما تبدل الوزراء ومدراء المستشفيات والموظفون الإداريون.

منذ تفعيل قانون الدفاع، تردد الحكومة أنها ستفعل كل ما تتطلبه الحاجة الوطنية لمواجهة الجائحة، بما في ذلك التلويح بـ«وضع اليد» على أي مستشفى خاص لتشغيله لاستقبال حالات كورونا، كما جاء في أمر الدفاع رقم 23. لكن الأشهر مرّت، وعادت الإصابات للتزايد، ولم يتم سوى «استئجار» مستشفى خاص واحد، وما زالت بعض المستشفيات الخاصة ترفض استقبال حالات كورونا،[15] مما يعني أن أمر الدفاع عمل على تحسين الموقع التفاوضي للحكومة مع المستشفيات الخاصة أكثر من إخضاعها لتلبية الحاجة الوطنية. وكثيرًا ما يتم تصوير مساهمة القطاع الخاص وكأنها عمل خيري، بينما هي تحقق الأرباح سواء من الفحوصات أو من العلاج. ورغم استحواذها على الكوادر والتمويل، لم تعالج سوى ثلث من دخلوا المستشفيات من مرضى كورونا حتى الآن، فيما بقي العبء الأكبر على وزارة الصحة.

من أجل «إصلاح» القطاع الصحي العام فعلًا، لا مفر من تمكين وزارة الصحة والاستثمار فيها، وتوّليها قيادة القطاع الصحي عمومًا وتنظيمه والإشراف عليه وإنهاء حالة التشظي فيه، وإعادة النظر جوهريًا في دور القطاع الصحي الخاص والمساحات الواسعة المفتوحة له دون قيود، وفي أثره المدمّر على قدرات وزارة الصحة وعلى العدالة في الوصول للرعاية. دون ذلك، قد يحول التيقظ الحالي دون تكرار مأساة السلط على المدى القصير، لكن عشرات الأرواح التي نفقدها يوميًا في ظل الجائحة ستظل نتيجة «طبيعية» لأزمة القطاع الصحي.

  • الهوامش

    [1] الشكر للباحث الأردني محمد الزعبي على لفت انتباهنا لهذه الورقة.

    Militarizing Welfare: Neo-liberalism and Jordanian Policy, Anne Marie Baylouny, Middle East Journal, 2008.

    [2] في ذلك الوقت، كان 92% من القوى العاملة  في الكرك، و99.5% في الطفيلة يعملون في القطاع العام، المدني والعسكري. المصدر السابق، استنادًا إلى بيانات دائرة الإحصاءات العامة، 1992.

    [3] بلغ إنفاق الدولة على الصحة والتعليم في منتصف الثمانينيات 163 دولارًا للفرد، وهو أعلى بكثير من العديد من دول الجنوب في ذلك الوقت. المصدر السابق.

    [4] وزارة الصحة، إحصائيات صحية، خدمات الرعاية الصحية الثانية والثالثة (المستشفيات)، والكوادر البشرية، 2019. الممرضون يقصد بهم الممرضون القانونيون.

    [5] Trends in Health Financing and the Private Health Sector in the Middle East and North Africa, USAID, 2018.

    [6]  وزارة الصحة، إحصائيات صحية، الكوادر البشرية، 2019. الأطباء المتبقون (3 من أصل 27) يتوزعون بين الخدمات الطبية الملكية والمستشفيات الجامعية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

    [7]  Analysis of the private health sector in countries of the Eastern Mediterranean: Exploring unfamiliar territory. World Health Organization, 2014. p.23.

    تم جمع بيانات الدراسة عام 2010. وبحسبها، كان هنالك وقتها 4000 عيادة ومركز أولي خاص في الأردن.

    [8] المصدر السابق. ص 34.

    [9] Analysing equity in health utilization and expenditure in Jordan: with focus on Maternal and Child Health Services, UNICEF, High Health Council, 2016.

    [10]  Analysis of the private health sector in countries of the Eastern Mediterranean: Exploring unfamiliar territory. World Health Organization, 2014. p.19.

    [11]  Analysing equity in health utilization and expenditure in Jordan: with focus on Maternal and Child Health Services, UNICEF, High Health Council, 2016.

    [12] المصدر السابق.

    [13] المصدر السابق.

    [14] بلغت نسبة الإماتة بين المرضى في المستشفيات في شهر تشرين الثاني الماضي 21.7%. آخر نسبة متوفرة هي لشهر كانون الثاني 2021 وبلغت 18.4%. النشرة الوبائية الشهرية لجائحة كوفيد-19، العدد الرابع. لجنة تقييم الوضع الوبائي، بالتعاون مع وزارة الصحة والشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية.

    [15] 20 مستشفى خاص من أصل 40 ما زالت ترفض استقبال حالات كورونا، منها 13 مستشفى متخصص بالتوليد أو العيون أو غيرها أو تقل أسرته عن 40 سريرًا، بحسب رئيس جمعية المستشفيات الخاصة، فوزي الحموري.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية