الصور المركبة: لمحات من السخرية السياسية في الأردن

الصور المركبة: لمحات من السخرية السياسية في الأردن

الأربعاء 04 تشرين الأول 2017

أثارت الشكوى القضائية التي قدّمتها النائب ديمة طهبوب بحق الشاب راكان حياصات، بعد نشره صورة مركبة لها على صفحته الخاصة على الفيسبوك، جدلا ونقاشا شديدين حول الحق في حرية الرأي والتعبير، ومدى تقبل الشخصيات العامة  لما اعتبره البعض نقدًا لاذعًا مشروعًا، فيما رأى فيه آخرون إساءة تمسّ اعتبارهم أو حياتهم الخاصة.

تُظهر الصورة المركبة طهبوب وهي تركب حصانًا وترفع سيفًا، وكتب عليها اقتباس مأخوذ من رسالة وجّهتها، في حزيران الماضي، عبر صحيفة السبيل، إلى كل من وزير الداخلية ومدير الأمن العام، تنتقد فيها «المطاعم التي تفتح نهارًا» في شهر رمضان.

وبحسب ناشطين فإن إعادة نشر الصورة هو احتجاج على مواقف سياسية تبنّتها أو أعلنت عنها طهبوب بصفتها نائبًا في البرلمان. بينما وجدتها الأخيرة إساءة شخصية، لأن التركيب يصوّرها كأحد عناصر تنظيم الدولة (داعش)، بحسب ما تعتقد، كما تبعَ الصورةَ إساءات أخرى وصلت إلى صندوق رسائلها في الفيسبوك.

قد يفتح هذا النقاش تساؤلات أخرى حول الأدوات التي يملكها الناس للتفاعل مع القضايا العامة، خصوصًا بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وتطور الأدوات الإبداعية التي تمكنهم من ابتكار وسائل جديدة تساعدهم على التعبير والنشر.

إلا أن استخدام الصور المركّبة كوسيلة للتعبير أو السخرية من الشخصيات العامة ومواقفهم السياسية -أو تلك الشخصية التي حدثت في سياق عام- ليست وليدة عصر مواقع التواصل الاجتماعي، فقد سبقتها بعض الصحف الورقية إلى ذلك.

تستعرض هذه المادة بعض الصور المركّبة في أرشيف إحدى الصحف الورقية الأردنية، إضافة إلى صور أخرى، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، لشخصيات في الحكومة ومجلس النواب.

الصور المركبة في الصحافة الورقية

رغم مساهمة الإنترنت وبعض برامج التصميم الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في صنع مئات أو آلاف الصور المركبة وتوسيع مساحة انتشارها، إلا أن ثقافة الصور الساخرة أو المركبة كوسيلة للتعبير عن قضايا يتفاعل معها العامة ليست طارئة، فقد كانت تستخدمها بعض الصحف الورقية الساخرة، كصحيفة «عبد ربه»، التي انطلقت عام 1996، لكنها توقفت عام 1997 بعد صدور قانون المطبوعات والنشر حينها الذي يزيد القيود على الصحافة الأسبوعية.

بعد أشهر حكمت محكمة العدل العليا بعدم دستورية القانون، ما أدى إلى إلغاءه، لتعود الصحيفة إلى النشر مرة أخرى، لكنها توقفت عن الصدور تماما عام 1998.

يقول يوسف غيشان، أحد مؤسسي الصحيفة ورئيس هيئة تحريرها سابقًا، بأن «(عبد ربه) أول صحيفة ساخرة كانت تصدر بشكل منتظم» أسبوعيًا في الأردن، مؤكدًا أن عشرات القضايا رُفعت ضد الصحيفة من قبل بعض الغاضبين من محتواها.

صحيفة عبد ربه، العدد رقم 12، عام 1998، تعليقًا على الموقف الرسمي الأردني من العدوان الأمريكي على العراق

من عددها رقم 7، عام 1998، تعليقًا على قضية تلوث المياه التي شهدتها الأردن، وتضارب التصريحات حينها بين وزير المياه والري منذر حدادين، ووزير الإعلام عبد الله نسور حول تأثير مياه بحيرة طبريا في ما حدث

تعليقًا على توقيف رئيس تحرير الصحيفة، يوسف غيشان، عام 1997

من عام 1997، تعقيبًا على تصريح لرئيس الوزراء حينها، عبد الكريم الكباريتي، قال فيه للرئيس الفلسطيني: أنت رجل خارق، أنت سوبرمان

الصور المركبة في زمن السوشيال ميديا

قد تكون حكومة عبدالله النسور (تشرين أول 2012 – أيّار 2016) ذات رصيد مميز بعدد الصور المركبة التي انتقدت بعض قراراتها، وكان للرئيس النسور حصة الأسد من الصور التي عبّرت عن اعتراض الناس على غلاء المعيشة والرفع المتكرر لأسعار السلع.

في كانون الثاني/ يناير عام 2016، ألقى النسور كلمة خلال افتتاح المؤتمر الثاني للجمعية الوطنية الأردنية لمكافحة التدخين، قال فيها إن التدخين «إثم وخطيئة وقد يكون من الكبائر».

طلال الشريف: بطل فلم آكشن

في أيلول 2013، وقعت مشاجرة بين النائبين، في مجلس النواب السابق، قصي الدميسي وطلال الشريف، قام الشريف على إثرها بإطلاق عيار ناري تحت القبة، وهي السابقة التي تفاعل معها عدد كبير من الأشخاص بنشر تصاميم تصوّر الشريف كأبطال أفلام الآكشن.

أدّت الحادثة إلى فصل الشريف من مجلس النواب، وإحالته إلى القضاء، ثم صدر حكم بحسبه لثلاثة أشهر.

محمد نوح القضاة في كل مكان

على مرّ أشهر، لم يغفر ناشرو الصور المركبة خطأً وقعت به وكالة الأنباء الأردنية «بترا»، عندما قامت هي نفسها بتركيب صورةٍ لوزير الأوقاف الأسبق محمد نوح القضاة داخل صورة أخرى لاجتماعٍ عقدته الوزارة، كي يظهر القضاة حاضرًا في ذلك الاجتماع.

على إثر ذلك قام أشخاص ساخرون بتركيب العديد من الصور للقضاة في الاجتماع، كان بعضها مستوحى من مسلسلات الكرتون، وأخرى تعبرّ عن مواقف قد تكون سياسية؛ منها استبدال القضاة بزعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن.

سمير الرفاعي منزعجا

لم يكن لرئيس الوزراء الأسبق، سمير الرفاعي، مرونةَ عبدالله النسور في ما يتعلق بالصور المركبة، فقد عبّر صراحة عن انزعاجه من إحدى الصور المركبة له، حيث أطلق تغريدة على موقع تويتر بعد نشر صورةٍ أظهرته في عباءة الزعيم الليبي السابق معمّر القذافي؛ تعقيبا على ما نشرته تقارير إعلامية حول استقطاب الرفاعي لشركات استشارية في مجال التعامل مع الإعلام والعلاقات العامة، هي ذاتها التي تعاقد معها القذافي سابقًا.

وتساءل الرفاعي في تغريدته: «هل الاستهزاء بمواطن بهذه الطريقة من حق الصحافة؟»، إلا أن هذا الانزعاج لم يوقف تركيب صور جديدة للرفاعي لاحقا.

هند الفايز ويحيى السعود إلى العالمية

حققت الصور المركبة للحادثة التي وقعت بين النائبين هند الفايز ويحيى السعود، في مجلس النواب السابق، انتشارًا كبيرًا انتقل من وسائل التواصل الاجتماعي ليصل لاحقا إلى الصحف والقنوات العالمية.

لم يكن السعود شريكًا في النقاش الذي يدور تحت القبة، في كانون الأول 2014، عندما تحدث نواب إسلاميون، بعد اعتقال نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين زكي بن رشيد، عن التضييق الذي تواجهه الحركة الإسلامية من قبل العديد من التيارات، ومنها القومية، ما دفع بنواب آخرين، أبرزهم هند الفايز، للاعتراض على تلك المداخلات.

مَنعَ انفعال الفايز محاولات السعود المتكررة لبدء كلمته التي حان دورها، ما جعله يطالبها مرات عديدة بالجلوس مستخدما جملته المشهورة «اقعدي يا هند»، لينفعل هو الآخر بعدها بلحظات، ويدعو على «اللي جاب الكوتا على هالقبّة» في إشارة منه إلى أن الفايز حصدت مقعدها النيابي بقوة الكوتا.

لاحقًا، وبعد الانتشار الكبير للصور المركبة والنكات حول ما حدث، أطلقت النائب هند الفايز مبادرة بعنوان «لا تقعدي»، بالتنسيق مع ملتقى البرلمانيات الأردنيات ولجنة المرأة في مجلس النواب، حيث تهدف المبادرة، بحسب الفايز، إلى «محاسبة المقصّرين».

يحيى السعود ومباطحة «الاسرائيلي» حزان

بعد استشهاد الفتى الأردني محمد الجواودة على يد حارس أمن إسرائيلي في عمّان، وتصاعد ردود الفعل الشعبية في تموز الماضي، كتب عضو الكنيست الإسرائيلي أورن حازان عبر موقع تويتر ما اعتُبر إساءة للأردن، لكن سرعان ما ردّ عليه النائب يحيى السعود بدعوته «للمباطحة» على جسر الشيخ حسين، وهو معبر يصل بين الضفتين الشرقية والغربية. قَبِل حازان الدعوة بحسب ما نقلت صحيفة معاريف.

ولكن، تدخّلَ -لاحقا- مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نيتنياهو، لمنع حازان من المواجهة بحسب ما نقلت وسائل إعلام عبرية، ثم نشر السعود تسجيلًا صوتيًا لمكالمة هاتفية جمعته بحازان قال فيها الأخير إنه يحمل رسالة سلام، بينما كان يطالبه السعود بالاعتذار للشعب الأردني.

انتشر خبر «المباطحة» سريعا، وكان مادة دسمة لهواة تركيب الصور الساخرة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية