اللامركزية: استنساخ وزارة الداخليّة في 12 حكومة محليّة

اللامركزية: استنساخ وزارة الداخليّة في 12 حكومة محليّة

الثلاثاء 08 آب 2017

«إشراك المواطن في عملية صنع القرار، وتعزيز دوره في تحديد الأولويات التنموية والخدماتية في منطقته»، من أهم أهداف مشروع اللامركزية، حسبما قال الملك عبدالله الثاني لدى توجيهه الحكومة لإجراء انتخابات مجالس المحافظات والبلديات، في شباط الماضي. ولكن..

تعميق مشاركة الناس في إدارة شؤونهم يستوجب كسب ثقتهم قبل أيّ شيء آخر، بمعنى أن يكونوا واثقين من إمكانيّة ممارسة هذا الدور بشكل فاعل يفضي إلى نتائج ملموسة، وهو ما يصعب تحقيقه في ظلّ الغموض الذي يحيط بقانون اللامركزيّة، نتيجة تداخل صلاحيّات مجالس المحافظات التي يفترض أن تكون منتخبة، والمجالس التنفيذيّة التي ستعيّنها الحكومة بناء على تنسيب وزير الداخليّة.

ينص قانون اللامركزية الذي أقر في عام 2015 على تشكيل مجلسين في كل محافظة، أحدهما تنفيذي، برئاسة المحافظ، يكون كافة أعضائه معينين من قبل الجهات المختصة. أما المجلس الثاني فيسمى مجلس المحافظة، غالبية أعضائه منتخبون، بينما يعيّن مجلس الوزراء بتنسيب من وزير الداخلية ما لا يزيد عن 15 بالمئة من أعضاء هذا المجلس.

وفقًا لهذا القانون، يبقى الإشراف على الخطط التنمويّة والخدميّة وعلى إعداد الموازنة السنويّة للمحافظة ضمن صلاحيات المحافظ. أمّا المجلس التنفيذي، المعيّن بالكامل، تناط به كافة المهمات الفعلية المتعلقة برسم السياسات والخطط التنموية، ووضع مشروع موازنة المحافظة.

بالمقابل، تناط بمجلس المحافظة المنتخب مهمة إقرار مشروعات الخطط وإقرار الموازنة و«الإطلاع على كيفية تنفيذ الموازنات السنوية لجميع بلديات المحافظة».

أمّا بالنسبة لقانون البلديّات فقد نصّ على تشكيل مجالس بلديّة تتولّى إدارة البلديّات وتتألّف من الرئيس ورؤساء المجالس المحليّة، ولكن كل ما يصدر عن هذه المجالس رهن بإرادة المدير التنفيذي، الذي يُعيّن بقرار من وزير الشؤون البلديّة، ليتولّى المهامّ التنفيذيّة بما فيها إعداد مشروع الموازنة السنويّة، والتقرير السنوي، ونصف السنوي، والبيانات الماليّة الختاميّة للبلديات.

كشف تقرير لمركز راصد لمراقبة الانتخابات مؤخّرًا أن 29% فقط من العينة التي شملتها الدراسة يعتزمون المشاركة في الانتخابات البلديّة واللامركزيّة المقبلة، مقابل 58.6% أفادوا بعدم نيتهم المشاركة، في حين لم يحسم قرابة 12% أمرهم بهذا الصدد. وبالطبع، فإن اقتصار المشاركة في هذه الانتخابات على ثلث المواطنين لن يحقّق الهدف المنشود من إجرائها مهما قلّبت المسألة.

ليس مفاجئًا عدم تحمس المواطنين للمشاركة في هذه الانتخابات المقبلة، فما الذي سيدفعهم لذلك في ظلّ غموض القانون وحالة عدم ثقة تهيمن على كلّ عمليّات اختيار ممثلي الشعب، فضلًآ عن غياب الصلاحيّات الحقيقيّة التي قد تدفع الناس للمشاركة في الانتخابات البلديّة واللامركزيّة أملا في إدارة شؤونهم بأنفسهم، بعيدًا عن الوصاية الأبويّة للسلطة التنفيذيّة؟

ما زال رسم السياسات العامّة وسنّ التشريعات بيد المحافظ وأعوانه ممّن تنتدبهم وزارة الداخليّة، أمّا (المقترحون) المنتخبون، فلا حول لهم إلاّ بالاقتراح، دون امتلاك أيّة صلاحيّات تنفيذيّة.

نظرة سريعة على الصلاحيّات التي منحت للبلديّات –حسب قانونها– تكفي لتفسير غياب الدافع لانخراط الناس بالعمليّة الانتخابيّة، بهدف الإسهام في تحديد أولويّاتهم وإدارة شؤون مناطقهم. فدور البلديّات في كافّة المجالات التي تلامس احتياجات الناس، كالصحّة والتعليم والرعاية الاجتماعيّة، وحتّى المواصلات، والخدمات الأساسيّة كالمياه والكهرباء والصرف الصحّي، مازال محدودًا للغاية، حيث يقتصر على التنسيق مع الجهات المعنيّة (المركزيّة) واستجداء الموافقة على هوامش لا تغيّر شيء من واقع الحال. ما زال رسم السياسات العامّة وسنّ التشريعات بيد المحافظ وأعوانه ممّن تنتدبهم وزارة الداخليّة، أمّا (المقترحون) المنتخبون، فلا حول لهم إلاّ بالاقتراح، دون امتلاك أيّة صلاحيّات تنفيذيّة.

وباختصار، فإن 45% من صلاحيّات البلديّات، فيما يتّصل بتلك المجالات، تقتصر على «المساهمة» أو «التنسيق» مع الحاكم الإداري أو الجهات المعنيّة، حيث وردت كلمة «تنسيق» تسع مرّات في قانون البلديّات، فيما وردت كلمة «مساهمة» أربع مرّات. وهكذا يختزل القانون الصلاحيّات الحقيقيّة لهذه المؤسّسات في مهمّات «أوّليّة»، من قبيل: إنشاء المسالخ، وتدوير النفايات، وتعيين مواقع المقابر، وهدم الأبنية.

مجالس على الهامش

طيّب، ماذا عن صلاحيّات مجالس المحافظات فيما يتعلّق بالتنمية، وتوزيع مكتسباتها بعدالة؟ وفقًا لقانون اللامركزيّة، فإن هذه الصلاحيّات تقتصر على «إقرار» ما يردها من المجالس التنفيذيّة المعيّنة من خطط استراتيجيّة وتنفيذيّة، ومشاريع تنموية وخدميّة واستثماريّة، ودليل احتياجات، ومشاريع الموازنات المحالة. ولكن للمجالس المنتخبة أيضًا حقّ «الاطلاع» على كيفيّة تنفيذ الموازنات السنويّة، و«اقتراح» إنشاء مشاريع استثماريّة، و«مناقشة» تقارير عمليّات تنفيذ المشاريع، طبعًا بما لا يتعارض مع عمل أجهزة الرقابة الحكوميّة المختصّة.

أمّا عمليّة صنع القرار ورسم السياسات فبقيت بيد المحافظين والمتصرّفين ورؤساء الأقضية ومدراء المديريّات التنفيذيّة، وغيرهم ممّن يشكّلون المجالس التنفيذيّة المعيّنة، التي أنيطت بها مهمّات إعداد مشروعات الخطط، ودليل احتياجات المحافظات من المشاريع التنمويّة والخدميّة، وكذلك إعداد مشروعات موازنات المحافظات، بالإضافة إلى تقديم التوصيات اللازمة بشأن الاستثمار، وإعداد تقارير عن سير العمل.

وهكذا حدّد القانون إسهام الناخب في عمليّة التنمية وتحديد الأولويّات باختيار ممثّليه لـ «إقرار» ما تعدّه المجالس المعيّنة من خطط وسياسات ومشاريع، وهذا لا يعني إمساك المجالس المنتخبة بناصية صنع القرار. كما أن للسلطة التنفيذيّة الحقّ في تعيين 15% من أعضاء هذه المجالس، بل وحتّى حلّها قبل انتهاء دورتها، تحت عنوان فضفاض ورد في قانون اللامركزيّة بنصّ: «المخالفة الجسيمة للقانون».

ألا تستوجب الديمقراطيّة أن تقوم مجالس المحافظات بانتخاب الجهة التي يفترض أن تتولّى المهام التنفيذيّة، وفقًا لما تعدّه وتقرّره هذه المجالس، عوضًا عن استنساخ وزارة الداخليّة في المحافظات المختلفة؟

وفي حال وقوع خلاف بين المجالس التنفيذيّة التي تحتفظ بمسؤوليّة إعداد الاستراتيجيّات ورسم السياسات، وبين المجالس المنتخبة التي يفترض أن تقرّ ما يرد إليها، يحال هذا الخلاف -وفقًا لقانون اللامركزيّة- إلى لجنة مشتركة يتساوى فيها الأعضاء من كلا المجلسين. وليس من المبالغة تخيّل اجتماع لجنة مشتركة قد تتشكّل في إحدى المحافظات على النحو التالي: «هذا ما جاءكم به مجلس وزارة الداخليّة من خطط ومشاريع وسياسات، فإمّا أن تقبلوا بإقرارها، أو يبقى الحال على ما هو عليه».

وهكذا، فإنه لا يمكن المراهنة على أن القانون يضمن شراكة الناس في إعداد الخطط التنفيذيّة عبر ممثّليهم في المجالس المنتخبة، ما يثير العديد من علامات الاستفهام حول الحديث عن الشراكة الشعبيّة الفاعلة في تحديد الأولويّات ورسم مسارات التنمية، فما تمخّض عن هذا القانون هو تقسيم الأردن إلى 12 إقليمًا (158 دائرة انتخابية تشكل 12 مجلسًا) لكلّ منها «حكومة» محليّة يترأسها المحافظ، ومجلس محافظة منتخب لا يملك صنع القرار، كما هو حال مجلس النوّاب.

ترى، ألا تستوجب الديمقراطيّة أن تقوم مجالس المحافظات بانتخاب الجهة التي يفترض أن تتولّى المهام التنفيذيّة، وفقًا لما تعدّه وتقرّره هذه المجالس، عوضًا عن استنساخ وزارة الداخليّة في المحافظات المختلفة؟

قانون بلا مقدّمات

من جهة أخرى فإن ثمّة تساؤل يطرح نفسه عند الحديث عن طموح التحوّل إلى اللامركزيّة: هل يكفي إصدار قانون لترجمة هذا الطموح على أرض الواقع، دون جملة من الإصلاحات والتغييرات التي تسهم في خلق بيئة مناسبة، تتيح شراكة مؤسّسات المجتمع المدني والأحزاب السياسيّة، وتفعّل دور فئة الشباب لإحداث التغيير المنشود؟

وفقا لمركز راصد، فإن الحراك الانتخابي الخاص بموقع رئاسة البلدية يشهد تنافسية عالية، أكبر من تلك التي تشهدها عضويّة المجالس المحليّة وعضويّة مجالس المحافظات، كما أن البرامج الانتخابية بدت ضئيلة جدًا، حيث لم يعمل معظم المرشّحين على توزيع برامجهم على القواعد الانتخابية، بما فيهم المرشّحين الذين افتتحوا مقراتهم، ناهيك عن رصد أكثر من 190 حالة اعتداء على يافطات ومنشورات مرشّحين من قبل أنصار منافسيهم.

يعكس هذا عدم الاهتمام بعمل المجالس المحليّة وكذلك مجالس المحافظات، مقابل التنافس المحموم على رئاسة البلديّات استنادًا إلى الدعم العشائري على الأغلب، بمعنى أن أغلب المشاركين في هذه الانتخابات غير معنيّين أو ربما غير مؤمنين بإمكانيّة تحقيق التنمية عبر التحوّل إلى اللامركزيّة، ما يجعل من الرهان على تخليص مجلس النوّاب من المهام الخدميّة في المستقبل القريب رهانًا خاسرًا.

كما أن المشاركة الحزبيّة في الانتخابات البلديّة ومجالس المحافظات اقتصرت على 81 مرشّحًا ومرشحة من أصل 6950 طلبًا تسلّمتها الهيئة المستقلّة للانتخابات، اشتملت على أسماء 1315 مرشّحًا ومرشّحة لمجالس المحافظات.

أمّا نسبة المرشّحين الذين تراوحت أعمارهم ما بين 25 – 34 سنة لعضوية المجالس المحلية ومجالس المحافظات، فلم تتجاوز الـ 9%، حيث أن أكثر الفئات ترشحًا لجميع المجالس تمثلت بالفئة العمرية الممتدة من 50-54، بنسبة 20.4% من مجموع المرشّحين، وهذا رغم كلّ المحاضرات وورش العمل والجلسات الحوارية التي نظّمتها وزارة الشباب بالتعاون مع وزارة الشؤون السياسيّة والبرلمانيّة، إلى جانب العمل المكثّف للمنظّمات غير الحكوميّة، بهدف تفعيل دور الشباب في انتخابات اللامركزيّة.

نزاهة على حساب الشراكة؟

على أيّة حال، رغم عدم وجود المقدّمات التي تتيح تطبيق الديمقراطيّة اللامركزيّة، بما يفعّل الدور الشعبي في عمليّة صنع القرار، هناك من لا يزال متفائلًا باعتبار أنّ هذه التجربة بمثابة «بروفة»، وأن التطبيق العملي للّامركزيّة سيحتاج تعديلات على قانونها، الذي يشتمل على بعض الإيجابيّات، فالمادّة 34 مثلا تنصّ على أنّه «إذا أصبح لعضو المجلس منفعة من أيّ مشروع يتولّى المجلس إقراره، يفقد عضويّته».

كما تضمّن القانون عقوبات يمكن وصفها بالرادعة، بهدف ضمان نزاهة انتخابات اللامركزيّة، حيث تصل بعض هذه العقوبات إلى 10 سنوات من الحبس مع الأشغال الشاقّة، وغرامات تصل إلى خمسة آلاف دينار، بالإضافة إلى تفعيل دور المحاكم عبر الفصل فيما يردها من شكاوى خلال فترات زمنيّة قصيرة. وقد تكون المشكلة الوحيدة فيما يتعلّق بهذا الأمر هي سقوط جميع الجرائم الواردة في قانون اللامركزيّة بالتقادم بعد خمسة سنوات فقط.

ومن الإجراءات التي اتّخذتها الهيئة المستقلّة لضمان نزاهة الانتخابات البلديّة واللامركزيّة اعتماد الأوراق المطبوعة مسبقًا لعملية الاقتراع، بالتوازي مع تعديل التعليمات الخاصّة بالحملات الانتخابيّة وتحديد سقف الإنفاق لضمان العدالة بين المرشّحين.

في نهاية الأمر فإن هذا القانون يعكس -إلى حدّ ما- حرص المشرّع على ضمان نزاهة الانتخابات المقبلة، ولكنّه يعكس أيضًا حرص السلطة التنفيذيّة على عدم التنازل عن أيّ من صلاحيّتها للمجالس التي يملك المواطنون حقّ انتخابها، ما يعني أنّ هذه السلطة استجابت لضرورة تطبيق اللامركزيّة بعد أن فرّغتها من مبادئ العمل الديمقراطي، الذي يضمن للناس شراكة حقيقيّة في وضع تصوّر ما لمستقبل التنمية في مناطقهم.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية