اعتصام ساحة العين في السلط: استعادة التاريخ وتآكل قنوات السياسة

من مسيرة احتجاجية انطلقت من ساحة العين في السلط يوم 9 شباط/ فبراير 2018. تصوير: محمد اغباري.

اعتصام ساحة العين في السلط: استعادة التاريخ وتآكل قنوات السياسة

الأربعاء 14 آذار 2018

«أصبحت هذه الساحة (..) ملتقى لأحرار يدافعون عن وطن، يرغبون بالمحافظة على مستقبل أبنائهم» هذا ما قاله الدكتور هاني العزب في اليوم الرابع والثلاثين لاعتصام مدينة السلط، في ساحة مفتوحة مقابل مسجد السلط الكبير. يعتصم في الساحة المئات من أهالي المدينة يوميًا منذ ما يقارب الشهر والنصف احتجاجًا على قرارات حكومة هاني الملقي الاقتصادية الأخيرة المتمثلة بالتعديلات على ضريبة المبيعات ورفع الدعم عن الخبز ورفع العديد من أسعار السلع الأساسية.

بات اعتصام ساحة العين في مدينة السلط العنوان الرئيسي لموجة الاحتجاجات الأخيرة. وأهمية هذا الاعتصام المستمر منذ 41 يومًا لا تكمن في رفع سقف الهتاف الذي طال الملك شخصيًا، فهذا أمر ليس بجديد ولا استثنائي، فقد ظهر هذا الخطاب الموجه للملك منذ ثمان سنوات وأثبت الواقع صعوبة لجمه، وعلى الأغلب سينطلق مجددًا مع كل احتكاك حاد مع السلطة. لذلك فالتوقف عند مسألة الهتاف، أو عند سؤال «إلى أين يتجه هذا الاعتصام؟» يحرمنا من معاينة التحولات الاجتماعية والسياسية التي يمر بها مجتمعنا. فبعد مرور قرابة مئة عام على تأسيس الدولة يعيد اعتصام ساحة العين، بمكانتها ودلالاتها السياسية التاريخية، أسئلة البدايات، بسبب الحاضر، حول شكل الدولة وغايتها ومن المستفيد منها وما تبدل وتغير من وظائفها.

رمزية الساحة ودلالاتها

يعتز الكثير من أبناء السلط بتاريخ ساحة العين، ويعزو بعض المعتصمين اختيارهم للساحة كمكان للاعتصام لما تحمله من رمزيات ودلالات تاريخية شكّلت ذاكرة جماعية للمكان. مثنى عربيات، أحد المشاركين باعتصام السلط، ينظر للساحة باعتبارها المكان الذي انطلقت منه الدولة وأن الاعتصام الحالي يهدف إلى المحافظة على هذه الدولة وحمايتها. «ساحة العين في 1920 مؤتمر السلط الأول أقيم فيها (..) وهاي الساحة كان فيها السرايا وبتحمل رمزية لمنَعة وعزة مدينة السلط. ساحة تاريخها كان إله دور في تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية وإنشاء هذه الدولة، بنروح لهاي الساحة اليوم حتى نطالب بحماية مكتسبات هاي الدولة».

يؤكد الأستاذ الجامعي هاني العزب أحد قيادي اعتصام السلط، أن هناك رسائل عدة يحملها اختيار ساحة العين كمكان للاعتصام. فيقول «الدكتور» -كما يرغب المعتصمون بمناداته- أن أبناء مجتمع السلط كانوا يتداولون ويناقشون الغالبية العظمة من شؤون مدينتهم في هذه الساحة، وهذا ما يؤكده الباحث محمد الخريسات. ويضيف «الدكتور» أسبابًا أخرى لاختيار هذه الساحة، منها موقعها في مركز المدينة، حيث يسهل الوصول إليها، وهي بديل تكتيكي عن خيمة اعتصام دائم قد تؤدي إلى صدام مع السلطة سيكون «الكل فيه خسران».

هناك العديد من الأحداث التاريخية المهمة التي مرت على هذه الساحة والتي ما يزال بعض أبناء السلط يذكرونها جيدًا. عام 1935 تجمهر عدد من تلاميذ مدرسة تجهيز السلط (مدرسة السلط الثانوية حاليًا) في هذه الساحة احتجاجًا على الهجرة الصهيونية. وعام 1936 شهدت الساحة والمناطق المحيطة بها احتجاجات عنيفة من قبل الطلبة تضامنا مع ثورة الـ(36) في فلسطين.

يفتخر عبد الكريم صالح القصير «أبو عماد» وهو من مواليد عام 1940 وأحد الذين شاركوا في مظاهرات عام 1955 ضد حلف بغداد بأنه لم يغب يومًا واحدًا عن اعتصام ساحة العين الحالي. الساحة التي يصفها الباحث محمد عطيات باعتبارها «قلب المدينة التجاريّ والثقافي والديني والوطني» والتي كانت شاهدة على المظاهرات المطالبة بإسقاط كلوب باشا، وعدم المشاركة بحلف بغداد والتي سقط على إثرها شهيدان من مدينة السلط هما: صبحي الفاعوري وعلي النسور1.

سُميت ساحة العين بهذا الاسم نسبة إلى عين ماء كانت تتجمع فيها المياه المنبثقة من سفح جبل القلعة الجنوبي، وتتصل بسرداب قلعة السلط وتمر بمحاذاة مسجد السلط الكبير. يذكر أبو عماد العين جيدًا «كان هون عين المي، محل الشجرة هذيك، كانت مية السلط، وكل أهل السلط يشربوا منها بالمجان (..) وطفسوها الله يطفسهم». سُقفت العين في ستينيات القرن الماضي، الفترة التي طرأت فيها على الساحة ومحيطها تغييرات عمرانية كبيرة من قبل الدولة من أجل شق طريق وإقامة مبانٍ عامة ومرافق خدمية. هدمت الدولة بأمر من الحاكم العسكري مبنى السرايا الذي بني عام 1869 ومسجد السلط الكبير الذي بني في القرن نفسه من وقفيات وتبرعات أهالي المدينة2.

اعتصام مجموعة من أبناء السلط في هذه الساحة، بما تحمله من مركزية على المستويات السياسية والاجتماعية وحتى المكانية، يشكّل مدخلًا جيدًا يساعدنا على فهم الحالة السياسية والاجتماعية التي تمرّ بها المدينة اليوم.

عندما نرى الدولة من اعتصام الساحة

قد يكون من الصعب تقديم إجابات شافية ونهائية للأسباب التي دفعت بعض أبناء السلط للخروج إلى الشارع. لكن من الممكن تقديم ملامح إجابة ومقاربات عامة قد تساعدنا على فهم ما يدور في المدينة وعلاقته بالتغير الحاصل في الدولة.

من المهم، باعتقادي، النظر إلى موجة الاحتجاجات الحالية في السلط ومدن أخرى باعتبارها حالة إلى حدٍ ما جديدة ومختلفة في ظروفها وواقعها عن حالة الحراك السابق (2010-2012) وإن كان لها بعض الامتدادات. يميز الكاتب منصور المعلا بين شعار «تغيير النهج» الذي رفع في هذه الاحتجاجات وبين شعار «إصلاح النظام» الذي ساد في الحراك، باعتبار الأول يقوم على رؤية الشعب الأردني لشكل النظام السياسي الذي يريد في مقابل شعار إصلاح النظام الذي كان يعتمد على رؤية النظام السياسي لشكل الإصلاح الأنسب له. ويمكن أن نضيف إلى هذا أن موجة الاحتجاجات الحالية تتركز في مدن وقواعد اجتماعية كانت مشاركتها في الحراك محدودة مقارنة بالاحتجاجات الحالية كالسلط، وحراك بني حسن في الزرقاء، إضافة إلى حراك أبناء عباد.

يتحدث معتصمو السلط عن أسباب عدة دفعتهم للمشاركة في الاعتصام، ومن المهم، باعتقادي، التعامل مع هذه الأسباب كحزمة واحدة تتمحور حول فكرة الشعور بالخذلان، من السلطة وسياساتها، من نهجها، من وسطائها ومؤسساتها. يتحدث المعتصمون عن جملة من التغييرات التي طرأت على الحالة العامة، منذ عشر سنوات وحتى اليوم، دفعت بالكثيرين للمشاركة في الاعتصام الحالي في الوقت الذي تغيّبوا فيه عن حراك 2010-2012، رافضين بشدة أن يُعزا غيابهم عن الحراك الماضي لتولّي عبدالله النسور، ابن مدينة السلط، رئاسة الحكومة في ذلك الوقت.

يعتقد «الدكتور» العزب أن عوامل أهم من ذلك قد تفسر كثافة واستمرارية اعتصام الساحة مقارنة بالحراك الماضي، منها عدم وفاء الدولة بالوعود التي قدمتها في تلك المرحلة، وإدراك الناس بحكم واقعهم المتغير بأن الكلام عن التطوير والتنمية كان عبارة عن «إبر تخدير» لا أكثر، بالإضافة إلى تراجع دور أذرع الدولة في المجتمع المحلي، من وجهاء ووسطاء ونواب، بينما يؤكد معتصمون آخرون أن المساس بالخبز ورفع الأسعار المتتالي والاستخفاف بكرامة المواطن كانت وراء مشاركتهم بالاعتصام الحالي.

«الموضوع تذليل، الموضوع تجويع، (..) وصندوق النقد الدولي صار مستعمِر. [الصندوق] قوة مسلحة تعمل خارج القانون، تعمل على سلب الناس وفرض الأتاوات».

ارتفاع أسعار السلع المتواصل و ثبات الدخل والشعور بالغبن، دفعت بشرائح اجتماعية جديدة -لم تشارك في الاحتجاجات من قبل- للمشاركة في الاحتجاجات الحالية. رعد الجزازي، متقاعد من الأمن العام، قال إن هذه هي المرة الأولى التي يشارك بها في الاعتصامات، و«السبب اللي خلاني أشارك هو الظلم اللي عايشينه في البلد، في تفاوت كثير بالفرص، من ناحية الرواتب التقاعدية، من ناحية الشغل، فش انتباه للمتقاعدين العسكريين (..) رواتبنا زي ما هي، أنا تقريبا من عشر سنين متقاعد، راتبي ما زادش بالمرة، من عشر سنين الراتب زي ما هو، والمصروف شوف قديش زاد». ويفسر أحمد الشوبكي وهو متقاعد آخر من الأمن العام مشاركته الأولى بوصفها ردة فعل على رفع الأسعار الذي ينظر إليه الشوبكي باعتباره ثمرة للنهج السياسي المتبع من قبل الدولة، ويربط بين هذا النهج وتردي نوعية التعليم والصحة وتدمير الاقتصاد بحسب قوله.

رمزية الخبز قد تكون عاملًا آخر. رُبط الخبز تاريخيًا بالكرامة، ولعبت الدولة دورًا في تعزيز شعور الناس بأن الخبز شيء مقدّس ولا يمكن المساس به، كما يقول مثنى عربيات. بالتالي فإن التعدي على الخبز يعني المساس بالخط الأحمر الأخير والتعدي على كرامة الناس. يتفق سعد العلاوين، أحد المشاركين بالاعتصام، على أن للخبز رمزية كبيرة لكنه يشير إلى أن رفع أسعار العديد من السلع انعكس على مجمل الوضع الاجتماعي للناس «الحلاق هذول ارتفعن عليه، معقول بدوش يرفع إيجار حلاقته؟ تاع الذرة، (..) بيقولك طيب ما أنا صرت اشتري الخبز غالي، والكهربا غليت علي والمي وكل شي غلي، فـرح يرفع».

أبو بكر النسور، أحد المشاركين في الاعتصام، يأخذ الموضوع إلى أبعد من ذلك، إذ يقول أن الجميع يستطيع أن يشتري رغيف الخبز، لكن هناك سياسة عامة ونهجًا يؤدي إلى إذلال الناس وتجويعها على حد قوله. «الموضوع تذليل، الموضوع تجويع، خصخصوا كل الشركات، باعوا كل الشركات الربحية، أصبح الوطن مرهون لصندوق النقد الدولي، وصندوق النقد الدولي صار مستعمِر. [الصندوق] قوة مسلحة تعمل خارج القانون، تعمل على سلب الناس وفرض الأتاوات».

«حارة كل من إيده إله»

عبّر أغلب المعتصمين الذين تحدثت إليهم عن فقدان ثقتهم بالوجهاء والشيوخ، وأظنها نقطة مهمة تستدعي الوقوف عندها نظرًا لأهميتها المتمثلة بفقدان الدولة للحلقات الوسيطة بينها وبين المجتمع والتي نشأت وتطورت تاريخيًا لأسباب لها علاقة في طبيعة الدولة نفسها.

في الأردن، مثل كل الدول الريعية-الزبائنية، جمهوريات كانت أو ممالك، تلتف حول الحاكم نخبة عليا، تقوم تحتها نخب أخرى بمستويات مختلفة، ضمن تسلسل هرمي اجتماعي-سياسي، قائم على التوزيع الريعي لمقدرات الدولة لكسب الولاءات. ويأخذ التوزيع أشكالًا عدة منها، التوظيف في أجهزة الدولة، وتوفير الخدمات المجانية، والدعم المالي المباشر، أو حتى الاعتراف بمكانة اجتماعية ما.

تاريخيًا، نمت في الأردن شبكة من العلاقات؛ علاقة الأفراد بالنخب، وعلاقة النخب الدنيا بالنخب العليا، واتسعت وتعقدت هذه الشبكة أكثر مع مرور الزمن. وتتغلغل في هذه العلاقات ما يسميه الكاتب وليم نصار بـ«الشخصانية»3 النابعة أساسًا من نموذج إدارة رأس الدولة أمور وشؤون الدولة باعتبارها أموره الشخصية، أو كما يقول ماكس فيبر «لا يكون عامة الناس مواطنين في دولة، بل مجرد امتدادات للشؤون المنزلية للحاكم»4. تم تعميم هذا النموذج في إدارة الدولة الأردنية باعتبارها شأنًا خاصًا يعتمد على شبكة واسعة من العلاقات الهرمية بين الناس والنخب الوسيطة التي تشكل حلقة وصل بين الأفراد والدولة لتأدية مجموعة من الوظائف منها تأمين الولاءات للحاكم ولعب دور خط الدفاع الأول عنه.

الوجاهة والمشيخة والمخترة كلها أدوار اجتماعية سابقة على وجود الدولة، أي أنها معطى اجتماعي له علاقة بطبيعة المجتمعات «التقليدية» وليست حكرًا على المجتمع الأردني فحسب. لكن ما فعلته الدولة أنها غيّرت من وظيفة هذه الأدوار لمصلحتها وعلى حساب المجتمعات المحلية. نستطيع أن نلمس هذا من خلال الفرق في المواقف التي كان يتخذها «الوسطاء» في بداية تأسيس الدولة والمواقف اللاحقة مع تطور الدولة وتغيير وظائفهم.

يذكرنا الباحث محمد الكردي بموقف شيوخ وزعماء السلط الذين رفضوا وقاوموا المعاهدة البريطانية الأردنية، حين عبّر وفدٌ منهم عن رفضهم للمعاهدة أثناء لقائهم مع الأمير عبدالله، عندما تحدث الوجيه محمد باشا الحسين بالنيابة عنهم قائلا: «نحن أهالي البلاد الذين يحق لهم وحدهم تقرير مصيرهم، وبما أن المعاهدة تقضي بأن تكون بلادنا مستعبدة لإنجلترا، أو هي أعنّة5 وضعت في رقابنا يقتادنا الإنجليز [منها] إلى حيث يشاؤون، فإننا نرفضها»6 . يميز أحمد الشوبكي بين ما يسميهم «شيوخ الديوان» غير المبالين «اللي الوطن يباع ويشترى وقاعدين يتفرجوا وحاطين رجل عرجل ومستفيدين» وبين شيوخ ووجهاء الماضي الذين كانوا يستمدون شرعيتهم من الناس وليس من الحكومة كما يقول.

أمّا مثنى عربيات فيعتقد أن الكثيرين فقدوا الثقة مؤخرًا بالوجهاء بعد تنكّرهم لمطالب الناس عند لقاء الملك معهم في دارة نذير رشيد، المدير السابق لدائرة المخابرات العامة، بعد أيام من انطلاق الاعتصام في السلط. وهذا ما يؤكده أيضا سعد العلاوين، «الوجهاء التقليديين [الناس] فقدوا الثقة بيهم إنه يتبنوا قضايهم أو يدافعوا عنهم. همه قعدوا مع الملك. إحنا حراكنا بدأ في 1-2 بـ4-2 الملك فات عالسلط (..) ولا واحد منهم حكى عن همّ الناس».

بدلًا من الاعتقال والتنديد بـ«تطاول» بعض المعتصمين، فإن الأجدى بالنظام السياسي الاعتراف بأن هذا «التطاول» نتيجة منطقية لسياسات لا يمكن لها أن تستمر بالقوة.

ما ينطبق على الوجهاء ينطبق إلى حد كبير على النواب، الذين تضاءلت دائرة المخدومين من قبلهم، بحيث انحصرت في مجموعة صغيرة من أقربائهم أو أصدقائهم المباشرين، لتتم تعرية شرائح من المجتمع كانت في السابق تستطيع أن تجد شبكة أمان ولو محدودة في الوجهاء أو النواب أو الأقرباء. يقول أبو عماد «النواب نسيوا الشعب، إلنا سبع سنين، لا زيادة، والشعب بنادي عليهم، إحنا انتخبناكم، شوفوا دوائركم الشعبية، شوفوا مطالبهم، بيجوا [المسؤولين] بيقولولهم، تعال إنت نائب؟ روح وظفلك ستةـ سبعة زي ما بدك، جيب ابنك ولا بنتك، والا ابن أخوك، مالك ومال غيرك. هاي حارة كل من إيده إله، الطايح رايح، القوي بياكل الضعيف».

من المخل، باعتقادي، عزل تراجع ثقة البعض بالوجهاء والشيوخ والنواب عن مجموعة من الأسباب التي ترافقت مع هذا، فتردي الوضع الاقتصادي للناس بسبب السياسات الاقتصادية المتبعة من قبل الدولة، وفقدان الثقة بمؤسسة البرلمان والحكومة، بالإضافة إلى تفشي الفساد وتغلغله بشبكة واسعة من العلاقات المصاحبة لشكل وطبيعة الدولة الريعية، كان له الانعكاس الكبير على علاقة الأفراد بالوسطاء، بحيث لم يعد هؤلاء الوسطاء قادرين على لعب الدور الخدماتي بنفس المستوى حتى إن أرادوا ذلك.

هذه الأسباب جميعها بتشابكها وترابطها ساهمت بخروج بعض أبناء السلط إلى الشارع والمشاركة في اعتصام ساحة العين. ولعل هناك سببًا آخر ذاتيًا ساهم في استمرارية الاعتصام، حتى اللحظة، في موجة الاحتجاجات الحالية، فالمشاركة المحدودة في حراك 2010-2012 أبعدت السلط عن الدخول في حالة «اللاجدوى»، وهو الشعور الذي أصاب العديد من الذين شاركوا -أفرادًا وجماعات- بشكل مستمر ومكثّف في حراك 2010-2012 بأنهم لم يستطيعوا تحقيق مكاسب حقيقية طيلة فترة الحراك السابق، ما أدى إلى ابتعاد البعض عن العمل العام والتشكيك في جدواه.

كلمة أخيرة

تحتاج كل الأنظمة السياسية في العالم إلى تجديد شرعيتها باستمرار، لا وجود لشرعية أبدية ودائمة كما يعتقد البعض. اعتصام ساحة العين، بعيدًا عن نتائجه وإمكانية استمراريته، يحكي لنا الكثير عن طبيعة الدولة التي نعيش فيها اليوم، وشكل النظام السياسي الذي يحكمنا. المشروعية السياسية لا تُستمد فقط من التاريخ، فالحاضر هو من يمنح التاريخ قيمته. عندما يفقد الناس شبكات الرعاية والأمان الاجتماعي، ويتنامى الشعور بالمهانة والخذلان، وعندما تفقد المؤسسات التمثيلية قيمتها، ويفقد النظام السياسي مجموعة من القنوات الوسيطة، ويُعطّل العمل السياسي، ينكشف المجال بين الناس ورأس الدولة، فيوجهون كلامهم له مباشرة، يطالبونه بتغيير النهج حينا ويغضبون منه أحيانًا. لذلك، بدلًا من التخويف والاعتقال والتنديد بـ«تطاول» بعض المعتصمين، فإن الأجدى بالنظام السياسي اليوم الاعتراف بأن هذا «التطاول» أمر طبيعي تمامًا ونتيجة منطقية لممارسات وسياسات لا يمكن لها أن تستمر بالقوة، ودون إزعاج كما يريد.

  • الهوامش

    1- محمد عطيات، السلط: تاريخ وشخصيات، محاضرات ومقالات عن مدينة السلط، وزارة الثقافة، 2009، ص 37.

    2- جورج فريد، مرجع سابق، ص 321- 322.

    3- وليم نصّار، مأزق الديمقراطية في الوطن العربي في ظل النظم «البتريمونيالية الجديدة»، الأردن نموذجًا، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2016، ص 55.

    4- وليم نصّار، مرجع سابق، ص43.

    5- يقصد قيد أو لجام.

    6- محمد الكردي، مرجع سابق، ص 92.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية