رأي

التيار الإسلامي يرمي بثقله في معركة الانتخابات

الجمعة 29 تموز 2016

قراءة في القوائم الأولية لمرشحي حزب جبهة العمل الإسلامي

قد يكون انحسار وتراجع مشروع الإسلام السياسي في المنطقة بالإضافة الى الأزمات التنظيمية المتفاقمة التي يعاني منها التيار الإسلامي في الأردن دفعت حزب جبهة العمل الإسلامي إلى التسليم بأن الطريق الوحيد المتاح اليوم للعودة إلى الحياة السياسية هو طريق البرلمان، وأن مسعى الاعتراف السياسي بهم من قبل النظام الأردني لن يكون إلا من خلال المشاركة في العملية الانتخابية. حيث يذكر أسامة أبو ارشيد الكاتب الإسلامي الأردني المقيم في واشنطن، والمقرب جدًا من حزب جبهة العمل الإسلامي، على صفحته على الفيسبوك أنه يتمنى أن تحتوي القوائم «مزيدا من الأسماء ذات الوزن السياسي والوطني المعتبرين والقادرة على ابرام تسويات مع النظام». (التشديد من كاتب المقال)

من الملاحظ أنه بعد أن انقسم الحزب إلى أحزاب والجماعة إلى جماعات، أصبح التوجه العام عند «الجماعة الأم» بغطاء حزب جبهة العمل الإسلامي يسير نحو الاقتناع -تكتيكياً بالحد الأدنى- بعدم عقلانية خيار المقاطعة، والتى من الممكن أن تكون بالنسبة لهذه الجماعة شكلًا من أشكال الانتحار السياسي الذي قد يودي بمصيرها الى المجهول. لذلك قرر حزب جبهة العمل الإسلامي المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة بعد أن صوت مجلس شورى الحزب بأغلبية 41 صوتًا من أصل 49 صوتًا. وجاء إعلان الحزب مشاركته في الانتخابات متوقعًا، وذلك لأسباب سياسية – تنظيمية كان أهمها باعتقادي، كسر حالة العزلة السياسية التى يعاني منها حزب جبهة العمل الإسلامي والعودة إلى الحياة السياسية عبر البوابة الوحيدة المتاحة اليوم، بوابة البرلمان، بالاضافة إلى ضرورات تنظيمية لها علاقة برص صفوف الجماعة من أجل المحافظة على الذات.

يرغب تنظيم الإخوان المسلمين أن يرسل مجموعة رسائل لعدة أطراف بأنه ما زال التنظيم الأقوى القادر على خوض المناورات السياسية من خلال إبداء المرونة في التعامل مع الخصوم، وفهم مستجدات الواقع السياسي

يعلم هذا التيار الإسلامي جيدًا أن القانون الحالي بحاجة إلى قوى سياسية جماهيرية منظمة، تستطيع أن تخوض الانتخابات بقوائم انتخابية تسعى من خلالها للوصول الى البرلمان. وقد يرى حزب جبهة العمل الإسلامي بنفسه الجهة الوحيدة المنظمة القادرة اليوم على خوض الانتخابات النيابية وفقا لهذا القانون. لذلك يرغب تنظيم الإخوان المسلمين -الذي شكل لجنة مؤقتة لإدارة الجماعة برئاسة عبد الحميد الذنيبات بعد استقالة المراقب العام همام سعيد وأعضاء المكتب التنفيذي للإخوان- من خلال المشاركة في الانتخابات أن يرسل مجموعة رسائل لعدة أطراف بأنه ما زال التنظيم الأقوى القادر على خوض المناورات السياسية من خلال إبداء المرونة في التعامل مع الخصوم، وفهم مستجدات الواقع السياسي وإظهار قدرته على إدارة المرحلة بما يتوافق مع طبيعة الظروف الموضوعية والذاتية المصاحبة لهذه المستجدات. وهذا رغم كل ما تعرض له من انشقاقات داخلية واستقالات بالجملة، كان آخرها استقالة 400 عضو من أعضاء الجماعة على رأسهم حمزة منصور الأمين العام السابق للحزب، بالإضافة إلى مضايقات أمنية طالت قيادته ومقرّاته التى أغلقت بالشمع الأحمر بحجة «عدم الترخيص».

القوائم الأولية والدعوة الى أوسع مشاركة

نشر موقع «البوصلة»، المقرب من جماعة الاخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، القوائم الأولية التى يسعى حزب جبهة العمل الإسلامي خوض الانتخابات النيابية من خلالها. وعلى عكس التوقعات التي كانت تتنبأ بمشاركة متواضعة من حزب جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات النيابية المقبلة، من الواضح أن الحزب ينوي أن يرمي بكل ثقله في انتخابات أيلول – سبتمبر المقبلة. حيث تظهر القوائم الأولية لحزب جبهة العمل الإسلامي رغبة بالدفع الى أوسع مشاركة ممكنة في الانتخابات البرلمانية. وتبين القراءة الأولية للقوائم ما يلي :

أولاً: تحتوي القوائم مزيجًا من شخصيات مستقلة غير حزبية بالإضافة الى شخصيات حزبية، حيث تشير المعلومات الأولية أن القوائم الانتخابية للحزب تطرح أسماء ذات وزن سياسي وجماهيري مثل د.موسى الوحش ود.عبدالله العكايلة عن دائرة عمان الثانية، ود. عدنان حسونة عن دائرة عمان الرابعة، والمهندس علي أبو السكر عن دائرة عمان الأولى. ومن الأسماء المرشحة أيضا علي العتوم و د. محمد البزور عن دائرة إربد الأولى بالإضافة إلى التسريبات التى تشير إلى ترشح كل من نقيب المهندسين الزراعيين السابق عبد الهادي فلاحات ونقيب المحامين السابق صالح العرموطي عن دائرة عمان الثالثة.

ثانياً: تبين القوائم بأن حزب جبهة العمل الإسلامي سوف يسعى جاهدا للوصول إلى كل المساحات التى من الممكن من خلال القانون الحالي الوصول إليها، وأنه ينوي توسيع قاعدة المنافسة من خلال ترشيح شخصيات من المسيحيين والشيشان والشركس للمنافسة على المقاعد المخصصة لهم. ويتقاطع هذا مع رغبة العديد من مرشحي هذه المقاعد بالالتحاق بقوائم حزب جبهة العمل الاسلامي، لأن الترشح من داخل قوائم الحزب قد يزيد من فرص هؤلاء بالحصول على المقاعد المخصصة لهم في البرلمان. وتحتوي القوائم على أسماء مثل د. نبيل الشيشاني عن المقعد الشيشاني لدائرة الزرقاء الأولى، وتامر بينو عن المقعد الشركسي لدائرة عمان الخامسة، وعودة قواس عن المقعد المسيحي لدائرة عمان الثالثة ود. هاني عياش عن المقعد المسيحي لدائرة الزرقاء الأولى، بالاضافة إلى عارف سماوي وأديب عكروش ود. رائد قاقيش كمرشحين عن المقعد المسيحي في البلقاء. وفي حالة قرر حزب العمل الإسلامي فعلًا خوض معركة مقاعد المسيحيين والشركس والشيشان فمن غير المستبعد أن يحصد الحزب معظم هذه المقاعد.

ثالثًا: فيما يتعلق بمقاعد المرأة، تظهر القوائم الأولية مشاركة واسعة للمرأة في القوائم الانتخابية لحزب جبهة العمل الإسلامي، حيث يسعى الحزب إلى توسيع قاعدة المنافسة لتشمل مقاعد الكوتا النسائية. وتحسب مقاعد الكوتا في ظل القانون الانتخابي بصيغة أقرب إلى صيغة نظام الأغلبية، حيث تقارن الأصوات التي حصلت عليها المرشحات داخل الدائرة الواحدة وتحصل المرشحة صاحبة أعلى عدد أصوات على مقعد الكوتا المخصص للمحافظة، وفي المحافظات التى تتكون من أكثر من دائرة انتخابية مثل محافظة العاصمة عمان وإربد والزرقاء، تقارن نسبة أصوات أوائل الدوائر فيما بينهم لمعرفة المرشحة الحائزة على مقعد الكوتا النسائي. وتبين أسماء المرشحات داخل القوائم الانتخابية لحزب جبهة العمل الاسلامي مشاركة نساء لهن وزن سياسي وجماهيري مثل د. حياة المسيمي في دائرة الزرقاء الأولى، والتى كانت أول نائبة إسلامية تدخل البرلمان بعد حصولها على 7133 صوت في انتخابات 2003، ود.ميسون دراوشة في دائرة الزرقاء الثانية، ود. إيمان العمري في إربد الثالثة. وهناك تداول لاسم د. ديما طهبوب كمرشحة عن دائرة عمان الثالثة، وهي أول امرأة تشغل منصب الناطقة الإعلامية باسم الحزب باللغة الانجليزية منذ تأسيس الحزب عام 1992.

رابعًا: قد يقوم الحزب باتباع تكتيك انتخابي يقوم على تشكيل أكثر من قائمة في نفس الدائرة الانتخابية الواحدة، خاصة في دوائر مثل عمان الأولى والثانية والخامسة بالإضافة الى الزرقاء الأولى والبلقاء. حيث يدرك الحزب صعوبة حصول القائمة على أكثر من مقعد في الدائرة الواحدة غير مصنف تحت بند الكوتات بسبب آلية احتساب الأصوات في القانون الحالي، لذلك يسعى إلى زيادة فرص الحصول على مقاعد أكثر داخل الدائرة الواحدة من خلال ترشيح أكثر من قائمة في نفس الدائرة الانتخابية. وهذا التكتيك يفرض على الحزب تقسيم كتلته التصويتية داخل الدائرة الواحدة، وهو يملك القدرات التنظيمية اللازمة لتقسيم كتلته الانتخابية جغرافياً او قطاعياً.

هذا التكتيك يفرض على الحزب تقسيم كتلته التصويتية داخل الدائرة الواحدة، وهو يملك القدرات التنظيمية اللازمة لتقسيم كتلته الانتخابية جغرافياً او قطاعياً.

لتوضيح هذه النقطة نذكر المثال التالي: في انتخابات 2007 التى كانت قائمة على قانون الصوت الواحد ترشح كل من عزام هنيدي وموسى هنطش كمرشحين للتيار الإسلامي عن دائرة عمان الأولى. وحصل حينها المرشح عزام هنيدي على 4779 صوت وحصل المرشح موسى هنطش على 4744 صوت، لاحظ كيف قام التيار الاسلامي بتقسيم كتلته الانتخابية الى قسمين، كل قسم منها يصوت الى مرشح، وحاز المرشحان على عدد أصوات متقارب الى حد ما. يبدو أن الإسلاميين درسوا أيضاً تجربة القوائم الوطنية في انتخابات 2013، حيث حصلت قائمة «أردن أقوى» آنذاك على 100،159 صوت، وكسبت عن طريق هذه الأصوات مقعدين في البرلمان، وفي الوقت ذاته بلغ مجموع الأصوات التي حصلت عليها آخر ست قوائم 99,189 صوت، وحصل كل منها على مقعد. لاحظ أن الموازي لـ 100،159 صوت هو مقعدان في البرلمان، بينما الموازي لـ 99,189 صوت هو ستة مقاعد في البرلمان. حينها كان وزن المقعد النيابي للقوائم الوطنية المغلقة على مستوى المملكة ما يقارب 45,000 صوت، لكن استطاعت قائمة مثل «قائمة المواطنة» أن تحصل على مقعد في البرلمان عن طريق 14,012 صوت فقط، لأسباب لها علاقة بطريقة حساب الأصوات على نظام أعلى البواقي وعدم وجود حد أدنى من الأصوات مطلوب لدخول المنافسة على مقعد. لذلك لو كان لقائمة «أردن أقوى» قدرات تنظيمية وقامت بتشكيل ستة قوائم بدلًا من واحدة ووزعت كتلتها التصويتة على هذه المقاعد لكان بإمكانها أن تحصل على ستة مقاعد بدلًا من مقعدين. لعل قراءة تجربة القوائم الوطنية المغلقة من قبل حزب جبهة العمل الإسلامي ساهمت في تفكير الحزب بأن يقوم باتباع هذا التكتيك، وهو القادر من خلال قدراته التنظيمية التى تؤهله لكي يوسّع رقعة المعركة الانتخابية من أجل الحصول على مقاعد إضافية.

خاتمة

من الواضح من قراءة القوائم الأولية لحزب جبهة العمل الإسلامي أن الحزب قرر الذهاب في معركة الانتخابات إلى أقصى حد. ومن الممكن أن يدفع هذا الحلف الحاكم لإعادة حساباته، حيث لم يكن من المتوقع من حزب جبهة العمل الاسلامي الدفع بكل ما يملك من قوة في هذه العملية الانتخابية، وترافق هذا مع فهم دقيق لتفاصيل قانون الانتخاب، وتعثر وعدم قدرة التيارات السياسية الأخرى على تشكيل القوائم الانتخابية وصياغة التحالفات. لذلك نستطيع أن نقول أنه في حالة عدم الضغط من قبل النظام الحاكم على حزب جبهة العمل الإسلامي بالتراجع إلى الحدود المسموح بها، أو التلاعب بنتائج الانتخابات، أو الخيار الأقل ترجيحاً، تأجيل الانتخابات، قد يحقق حزب جبهة العمل الإسلامي مقاعد في البرلمان تفوق وتتجاوز ما هو مسموح به ضمن شروط اللعبة المتفق عليها.

بالمقابل تظهر القراءة الأولية لواقع الأحزاب والقوى المدنية والشخصيات القريبة أيديولوجيًا وسياسيًا من هذه القوى، تعثرًا كبيرًا في صياغة التحالفات داخل جسم هذا التيار، مما يشير إلى عدم القدرة على الوقوف في وجه التيار الإسلامي ومواجهته، فهذا التيار المبعثر والمنقسم على ذاته يعاني من صعوبات جمة في صياغة التحالفات وتشكيل القوائم، في الوقت الذي لم يتبقَّ سوى ثلاثة أسابيع لإعلان أسماء الكتل المرشحة.

الصعوبات التى يواجهها هذا التيار لها علاقة بطبيعة القانون الانتخابي من جانب، وبطبيعة التيار نفسه من جانب آخر. حيث أن القانون لا يسمح لبناء تحالفات واسعة داخل القائمة الواحدة، وفي نفس الوقت لا يستطيع هذا التيار أن يتّبع أسلوب ترشيح أكثر من قائمة في الدائرة الواحدة لأنه لا يملك القدرات التنظيمية ولا الكتلة التصويتية الوازنة التي يستطيع أن يوجهها ويقسمها، مثل التيار الاسلامي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية