انتخابات الجامعة الأردنية: صعود «الوطنية البرامجية» وتراجع مستمر للإسلاميين

تصوير محمد اغباري

انتخابات الجامعة الأردنية: صعود «الوطنية البرامجية» وتراجع مستمر للإسلاميين

السبت 21 نيسان 2018

تصميم مايا عامر

لطالما كانت انتخابات الجامعة الأردنية فرصة للمراقبين والمهتمين بالعمل السياسي والطلابي لمعاينة الارتباطات بين تقدم أو تراجع تيار طلابي وسياسي ما وعلاقتهما بوضع هذا التيار في الحياة السياسية العامة في البلاد. تتيح انتخابات الجامعة الأردنية مساحة لمراقبة تغيّر وتبدل خارطة الكتل الطلابية في الجامعة. لهذا قد يكون من المهم الاطلاع على نتائج انتخابات «الأردنية» ومراقبتها بشكل مستمر، من أجل رؤية هذه التبدلات والتغيرات ومعرفة مسبباتها وربطها في تحول الواقع السياسي خارج أسوار الجامعة، دون أن نغفل خصوصية العمل الطلابي، ودون أن نبالغ في الخصوصية ذاتها بشكل يعزل الجامعة وطلابها عن المحيط السياسي والاجتماعي.

مؤشرات التصويت والنظام الانتخابي الجديد

بلغ عدد طلبة الجامعة الأردنية الذين يحق لهم الاقتراع في انتخابات اتحاد طلبة الجامعة التي أجريت يوم الخميس الماضي 41,269 اقترع منهم 18,670 طالبًا وطالبة، أي أن نسبة الاقتراع على مستوى الجامعة ككل بلغت 45% تقريبًا، بينما كانت نسبة الاقتراع على مستوى قوائم الجامعة 40%. وبلغ عدد المرشحين 450 طالبًا وطالبة. حيث ترشح 386 مرشحًا ضمن 87 قائمة على مستوى الكليات وترشح 64 مرشحًا ضمن أربع قوائم على مستوى الجامعة (النشامى، والعودة، والتجديد، وأهل الهمة). وتنافس المرشحون على 105 مقاعد في اتحاد الطلبة: 87 مقعدًا للقوائم على مستوى الكليات، و18 مقعدًا للقوائم على مستوى الجامعة.

كنت قد تطرقت في مقالة سابقة للتحولات التي طرأت على النظم الانتخابية في الجامعة الأردنية منذ مطلع الألفينات. فقد حرم نظام التعيين -المعتمد بين عامي 2000 و2008- الطلاب من انتخاب نصف ممثليهم في اتحاد طلبة الجامعة. تم إلغاء نظام التعيين عام 2008 وطُبّق نظام الصوت الواحد (الذي كان معمولًا به على نصف المقاعد) على كافة المقاعد.

عام 2012 تم تعديل النظام الانتخابي ومُنح الطالب صوتين؛ صوتًا للقائمة النسبيّة المغلقة على مستوى الجامعة والتي كانت مكونة من تسعة مقاعد، وصوتًا للمقعد الفردي على مستوى الكليات والأقسام. عام 2017 جرت انتخابات الاتحاد على ثلاث مستويات، قسم، كلية، جامعة. وتم رفع عدد مقاعد القائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة لتصبح 15 مقعدًا، بدلًا من تسعة.

طال النظام الانتخابي الذي أجريت انتخابات هذه السنة على أساسه مجموعة من التعديلات كان أهمها التعديلات على المادتين السابعة والثامنة، حيث تم إلغاء التصويت الفردي بالكامل، على أن تجري الانتخابات على مستويين، كلية وجامعة على أساس القوائم النسبية المغلقة وتعتبر كل كلية من الكليات الـ 19 دائرة انتخابية واحدة، يجب أن لا يقل تمثيلها عن ثلاثة أعضاء. وفيما يتعلق بالقوائم على مستوى الجامعة، تم رفع عدد مقاعد القائمة النسبية المغلقة لتصبح 18 مقعدًا، بدلًا من 15 مقعدًا. مع رفع نسبة الحسم أو العتبة من 5% إلى 8%، أي أن القائمة التي لم تستطع الحصول على 8% من عدد المقترعين للقوائم على مستوى الجامعة يتم استبعادها من المنافسة.

ترتيب القوائم وطبيعة المرشحين

يعتبر ترتيب المرشحين داخل القائمة في الانتخابات التي تجري على أساس القوائم المغلقة من الأمور المهمة. حيث تحصل القائمة المؤهلة (التي تجاوزت العتبة) على نسبة من المقاعد تساوي نسبة الأصوات التي حصلت عليها من مجموع عدد المقترعين للقوائم المؤهلة، وينال هذه المقاعد مرشحو القائمة بحسب ترتيب أسمائهم فيها. لذلك فإن الاطلاع على طبيعة المرشحين وترتيبهم داخل القوائم يتيح لنا التعرف على الطريقة التي تشكلت فيها القائمة ومدى مراعاتها لتمثيل الطلبة على مستوى جنس الطالب وعمره وطبيعة تخصصه الدراسي. والتي تعكس بشكل ما طبيعة تحالفات وفكر هذه القائمة أو تلك.

تساوت قائمتا النشامى وأهل الهمة في عدد الطالبات المرشحات على قوائمهم، حيث ضمت قائمة النشامى المتنافسة على مستوى الجامعة ثماني طالبات من أصل 18 مرشحًا، وضمت قائمة أهل الهمّة ثماني مرشّحات من أصل 17 مرشحًا. بينما رشحت كل من قائمتي العودة والتجديد خمس طالبات من أصل 17 مرشحًا في العودة و12 مرشحًا في التجديد.

تميّزت قائمة أهل الهمة عن القوائم الأخرى المتنافسة على مستوى الجامعة بأن الطالبات المرشحات جاء ترتيبهنّ في مواقع متقدّمة، حيث أخذن المواقع الثاني والثالث والرابع، بينما خلت أول سبع مواقع في ترتيب قائمة النشامى من الطالبات. لكن مع هذا نجحت طالبتان عن النشامى في الترتيب الثامن والتاسع داخل القائمة.

ضمت قائمة النشامى على مستوى الجامعة طالبًا وطالبة مسيحيين في الترتيب السادس والتاسع، وهي القائمة الوحيدة التي ضمّت مسيحيين، كما ضمّت طالبة شركسية في الترتيب السادس عشر وطالبًا من الجالية الكويتية في الترتيب الثامن عشر، واستطاعت القائمة إيصال الطالبين المسيحيين المرشحين على قائمتها إلى مجلس الطلبة.

كانت قائمة أهل الهمة متنوعة من ناحية اختيار مرشحيها حسب الكليات الدراسية (علمية، صحية، إنسانية) بينما اعتمدت قائمة التجديد بشكل رئيسي على مرشحين من الكليات الإنسانية. واعتمدت قائمتا النشامى والعودة على مرشحين من الكليات العلمية والإنسانية.

كانت النسبة الأكبر من مرشحي قائمة أهل الهمة من دفعة 2015، بينما كان الاعتماد الأكبر لدى «النشامى» على مرشحين من دفعة 2016، وهي القائمة الوحيدة التي لم ترشح أي طلاب من دفعة عام 2017 مقارنة بالكتل الأخرى المتنافسة على مستوى الجامعة. أما قائمة العودة فكان العدد الأكبر من مرشّحيها من دفعة عام 2014. واعتمدت «التجديد» بشكل رئيسي على مرشحين من دفعتي 2015 و2016.

نتائج الانتخابات

حصلت كتلة النشامى على 7542 صوت بنسبة 45% تقريبا من مجمل عدد المصوتين للقوائم على مستوى الجامعة، ما مكنها من الحصول على تسعة مقاعد من أصل 18. بينما حازت قائمة أهل الهمة على 5614 صوت وبنسبة 34% تقريبًا من مجمل عدد المصوتين، وحصلت من خلال هذه الأصوات على 6 مقاعد. واستطاعت قائمة العودة الحصول على 2663 صوت أي ما نسبته 16% من مجمل عدد المصوتين، وحصلت على ثلاث مقاعد من أصل 18 مقعدًا مخصصا للقائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة. وخرجت قائمة التجديد من التنافس، حيث حصلت على 766 صوتًا، بالتالي لم تتمكن من تجاوز عتبة الـ 8% من أصوات المقترعين للقوائم المتنافسة على مستوى الجامعة.

حافظت قائمة العودة على عدد الأصوات التي حازت عليها على مستوى الجامعة في الانتخابات الماضية، كما حافظت تقريبا على نسبتها من عدد المصوتين للقوائم على مستوى الجامعة مقارنة بالعام السابق مع زيادة ضئيلة لم تصل 1 %.  ويعزو أحمد الغول أحد مسؤولي كتلة العودة محافظة القائمة على كتلتها التصويتية ، مقارنة بالعام الماضي، إلى استمرار الكتلة بالأنشطة والفعاليات الطلابية وثبات البرنامج، بالإضافة إلى وجود ممثل عن القائمة في تنفيذية الاتحاد السابق كنائب لرئيس الاتحاد، مما أتاح مساحة أكبر للتواصل أكثر مع الطلبة والكتل الأخرى.

حصلت قائمة العودة على نسبة كبيرة من أصواتها على مستوى الجامعة من كليات الأعمال والزراعة والآداب، وقد يعود هذا بشكل جزئي إلى ترتيب القائمة، حيث ترأس قائمة العودة الطالب محمد أبو سرسك من كلية الأعمال، ومن أصل أول سبعة طلاب في القائمة كان هناك ثلاثة من كلية الزراعة.

تراجعت كتلة التجديد تراجعًا ملحوظًا عن الدورة السابقة، حيث خسرت 242 صوتا من كتلتها التصويتية على مستوى الجامعة مقارنة بانتخابات العام الماضي. قائمة التجديد هي القائمة الوحيدة التي كان يمكن أن تتأثر برفع نسبة الحسم بكونها صاحبة الكتلة التصويتية الأقل حجما بين الكتل. لكن النتائج تظهر أن فقدان التجديد لمقعدها الوحيد الذي حازت عليه في العام الماضي لم يكن بسبب رفع نسبة الحسم، حيث لم تتجاوز القائمة في الانتخابات الحالية حاجز الـ5% بعد أن حصلت على 4.62% من مجمل أصوات المقترعين للقوائم على مستوى الجامعة.

ويعزو علاء حجه، أحد مسؤولي كتلة التجديد، هذا التراجع إلى عوامل عدة: «انتخابات السنة الماضية كانت أول انتخابات بعد الاعتصام المفتوح، هذا كان عامل مهم، وقد يكون جزء من الطلبة كانوا بتوقعوا منا نحقق أكثر من اللي حققناه»، يقول حجه. بالإضافة إلى هذا فهو يعتقد أن الصوت الواحد ما زال يهيمن على عقلية الطالب باختياره لممثليه، ولم يتم تجاوزه إلى الآن، حيث أن القائمة ترفض فكرة التحالفات غير البرامجية كما يقول. حازت «التجديد» على معظم أصوات القائمة على مستوى الجامعة من كليات الحقوق، الهندسة، واللغات. وقد يعود هذا إلى ترؤس الطالب أيمن جبريل من كلية الحقوق للقائمة ووجود قائمتين للتجديد في كليتي اللغات والهندسة كانت قد تنافست على مستوى الكليات.

تقدمت كتلة النشامى تقدمًا بسيطًا بعدد الأصوات التي حصلت عليها على مستوى الجامعة مقارنة بالدورة السابقة. حيث استطاعت القائمة أن تضيف 276 صوت لكتلتها التصويتية التي حازت عليها في العام الماضي. ورفعت نسبة الأصوات التي حصّلتها من مجمل المقترعين للقوائم المغلقة على مستوى الجامعة من 41.8% في الدورة السابقة إلى 45.5% في الدورة الحالية. مع الأخذ بعين الاعتبار انخفاض نسبة المصوتين للقوائم على مستوى الجامعة مقارنة بالعام السابق بما يقارب 2%.

ويعزو هشام السوالقة، أحد مسؤولي كتلة النشامى، هذا التقدم إلى ما يصفه بالإنجازات التي حققتها «النشامى» للطلبة خلال هذا العام. «النشامى ضلت ملازمة لمطالب الطلاب من عودة التخريج لملعب الجامعة، هذا كان مطلب قريب من الطلاب وبخصّ أهاليهم، بالإضافة إلى إظهار علامات الفاينل والامتحانات المتوسطة [بالأرقام] على موقع الجامعة»، وليس فقط مجموع علامات الطالب النهائية بالأحرف كما يقول. ويضيف إلى هذه الإنجازات تعديلَ قرار الدفع قبل التسجيل ليصبح بعد التسجيل، حيث يعتبر أن هذه القرارات كان للنشامى دور كبير في تحقيقها، ولو أنهم لم يكونوا الوحيدين في المطالبة بها، بحسب بعض الطلاب.

كان الثقل التصويتي لقائمة النشامى موزعًا على العديد من الكليات منها: الهندسة، الأعمال، الآداب، الصيدلة، وتكنولوجيا المعلومات. وبات من الملاحظ أن «النشامى» تنافس وتكسب أصواتًا للقائمة المغلقة على مستوى الجامعة في كليات كانت تعتبر معاقل تصويتية رئيسية للإسلاميين كالهندسة والصيدلة وطب الأسنان. ويؤكد السوالقة أن المعركة الانتخابية في الكليات الطبية والهندسة تقوم على الجوانب الحقوقية والخدماتية وليس على الاصطفافات العشائرية أو الاقليمية. «من الصعب جدًا إنّك تشتغل شغل عشائري أو مناطقي داخل هاي الكليات»، يقول السوالقة.

فيما يتعلق بقائمة أهل الهمة فقد تراجعت تراجعًا ملحوظًا عن العام السابق، حيث خسرت القائمة 773 صوتًا من مجموع الأصوات التي حصلت عليها بانتخابات العام الماضي على مستوى الجامعة، أي بمعنى أنها خسرت 12% من كتلتها التصويتية للعام السابق. وحازت أهل الهمة على عدد كبير من أصوات قائمتها المتنافسة على مستوى الجامعة من كليات الهندسة، الطب، الشريعة واللغات. وعند سؤال زيد الخطيب، رأس قائمة أهل الهمة عن أسباب التراجع العام للأداء الانتخابي للقائمة، قال إنه من المبكر الوصول إلى استنتاجات: «لسه ما فش تحليل واضح، ولا عنا فهم واضح للي صار»، يقول الخطيب.

بينما يعزو جهاد أبو السكر، أحد مسؤولي «أهل الهمة»، التراجع العام للقائمة على مستوى الجامعة إلى تأخر انطلاق العمل الإعلامي للقائمة، وانشغال الكتلة بترتيب الأمور الداخلية: «ما كان في عمل حقيقي ككتلة مركزية خلال السنة الماضية بسبب ترتيب الأوراق الداخلية للكتلة، والعامل الثاني إنه كنا مشغولين بالأقسام أكثر (..) الأهم من هذا الكلام إنه إحنا فعليًا ما استطعنا إنه نجيب زي السنة الماضية حِلف على القائمة المركزية [قائمة على مستوى الجامعة] بصورة حقيقية، أحلافنا [هذه السنة] كانت خلينا نحكيها شكلية»، يقول أبو السكر.

ولأول مرة منذ سنوات تتفوق قائمة النشامى على قائمة أهل الهمة في كلية الهندسة من حيث عدد الأصوات التي حازت عليها القائمة على مستوى الجامعة من هذه الكلية. ويعتبر تراجع أهل الهمة في كلية الهندسة من الأمور الملفتة في هذه الانتخابات، إذ أن الهندسة من الكليات الرئيسية التي يحظى الإسلاميون فيها بشعبية واسعة تاريخيًا. ويعتقد الخطيب أن السبب قد يعود إلى عدم ترؤس طالب من كلية الهندسة لقائمة أهل الهمة على مستوى الجامعة كما جرت العادة.

يربط أحد طلاب كلية الهندسة المهتمين بالانتخابات تراجع «أهل الهمة» في الكلية بالتراجع العام للقائمة على مستوى الجامعة من جانب، والتراجع العام للحركة الإسلامية في البلاد من وجهة نظره. ومن جهة أخرى يشير إلى أن تطور الاهتمام بالعمل البرامجي والخدماتي لقائمتي «النشامى» و«العودة» في كلية الهندسة، أثّر على شعبية قائمة أهل الهمة التي كانت تقوم بهذا النوع من الخدمات لوحدها في السابق: «في كثير طلاب بالجامعة مش مسيّسين بحكيلك أنا بصوّت للي بخدمني، صار كثير طلاب يلاقوا أنه النشامى بخدموا».

ختامًا، مرّت الجامعة الأردنية بتحولات عديدة تتعلق بشعبية تيارات سياسية وطلابية معينة تتصاعد في فترات وتتراجع في فترات أخرى. وعادة ما يكون هذا التراجع والتصاعد مرتبطًا بالحالة السياسية العامة وشعبية هذا التيار في البلاد. بعد تراجع شعبية اليساريين والقوميين في الجامعة في ثمانينيات القرن الماضي ووصول التيار الإسلامي إلى أوجه في تسعينيات القرن الماضي، نشهد اليوم تراجعًا كبيرًا للتيار الإسلامي وصعودَ تيارٍ طلابيٍّ آخر يزاوج بين خطاب الهوية الوطنية والعمل الطلابي الخدماتي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية