مُقاتلون أردنيّون يريدون العودة من سوريا: إرهابيّون أم شبّان نادمون؟

الأربعاء 02 أيلول 2015
مسلحون سوريون في ضواحي دمشق، أحمد جاد الله، رويترز.

في ليلة من ليالي أيلول 2013، اختفى علي صلاح ذو الثامنة عشر عامًا من منزله في معان ولم يبن له أثر إلّا عند وصوله الأراضي السورية حين كلّم أهله لطمأنتهم عليه. قُتل علي إثر المعارك بعد خمس وأربعين يومًا من انضمامه لصفوف القتال التي إمّا كانت تابعة للجيش الحر أو جبهة النصرة، حسب ما قال والده.

يقول عبد الله صلاح والد علي إن ابنه لم يكن مؤدلجًا ولا متعصبًا، بل أنه كان شابًّا بريئًا يحب الرياضة وينوي التخصص في الهندسة الكهربائيّة. لذلك، يعتقد الأب أنّ الهدف من انضمامه لم يكن سوى الدّفاع عن الحق وتحقيق العدالة في وجه نظام قمعيّ سفّاح، وينسب هذه الأهداف لمبدأ الفزعة. «الذين خرجوا من معان ليسوا مُعقدّين أو مُهمّشين أو مرضى نفسييّن كما يعتقد الكثيرون»، يقول صلاح.

التُّهم والخيارات

الشباب ذاتهم الذين يعتبرهم أهاليهم ضحايا ساذجين لانضمامهم لصفوف القتال في سوريا، توقِفهم السلطات لكونهم إرهابيين أو محرّضين للإرهاب. لقد غادر ما يقارب مئة شاب مدينتهم معان للالتحاق بفصائل المعارضة في سوريا، جبهة النصرة على وجه الخصوص. البعض منهم، مثل علي، قُتلوا خلال المعارك والاشتباكات، والبعض الآخر ما زال يُحارب. أمّا الآخرون فيريدون الرجوع من حيث أتوا، ولكن بات الأمر عسيرًا.

يواجه المقاتلُ الأردني الّذي يُريد العودة إلى المملكة خيارَيْن: إمّا إجبار نفسه على متابعة القتال، أو محاولة الرجوع، التي إذا فشلت قد تؤدي إلى مقتله على يد الجماعة المنتمي لها بصفته خائنًا، والتي إذا نجحت سيتم توقيفه ومن ثمّ محاكمته وفق قانون مكافحة الإرهاب أمام محكمة أمن الدولة العسكرية. المادّة الثالثة من القانون تعاقب على «الالتحاق أو محاولة الالتحاق بأيّ جماعات مسلّحة أو تنظيمات إرهابيّة أو تجنيد أو محاولة تجنيد أشخاص للالتحاق بها أو تدريبهم لهذه الغاية سواء داخل المملكة أو خارجها» بالأشغال الشّاقّة المؤقتة.

يَعتبر حكيم أبو عودة، شقيق شعبان أبو عودة وهو مُقاتل أردني عالق في الأراضي السورية لعدم تصريح عودته إلى المملكة، أنّ السجن أفضل الخيارين السيئين. فيقول: «نتمنّى أن يدخل شعبان إلى الأردن، فالمهم أن يخرج من الموت. إذا رجع وسُجن، على الأقل نستطيع زيارته».

الموقف الأردني حول الحدود

بحسب مروان شحادة، الخبير في الحركات الإسلاميّة، تطوّر التعامل الأردني بشأن الحدود مع سوريا عبر ثلاث مراحل منذ بدء الصراع فيها. في 2011 كانت جميع الأنظار مُتجّهة نحو نظام الأسد، ولم يكن العبور إلى سوريا للقتال صعبًا. وهذا ما يؤكده صلاح حين وصف الطريق في بادئ الأمر بـ«المفتوحة» أمام ابنه علي.  يقول باسم الطويسي، عميد معهد الإعلام الأردني والمستشار السابق لرئيس جامعة الحسين بن طلال في معان، أنّ ما يقارب 70 مقاتلًا خرجوا من معان في بداية الأزمة السورية حيث «وجدوا تسهيلات من جهات متعددة لخروجهم».

ولكن عندما أصبح للواجهة الدينيّة نفوذ وحاضنة شعبيّة، أصبحت الجماعات الإسلاميّة محطّ الانتباه، وفق ما يقول شحادة، فبدأ الأردن التشديد على الحدود خصوصًا، بعد انضمامه إلى التحالف الدولي ضد «داعش». أمّا الضربة القاضية الّتي غيرّت النظام التي تتبعه الأجهزة الأمنيّة، فكانت مقتل الطيّار معاذ الكساسبة.

أسباب الذهاب والعودة

بعد شهرين من مقتل علي، لحقه إلى سوريا أخوه محمد ذو الثلاثين عامًا، وانضمّ إلى فريق الإسعاف والإنقاذ للمعارضة، على حد قول أبيه. وبالرغم من اعتقاد الأب بأنّ محمد ابنه ليس عنيفًا أو مقاتلًا، إلّا أنّ لمُحمدّ صور وهو مُسلّح على حسابه على الفيسبوك.

حمزة، ابن أحمد الخطّاب، يجلس في حضن عمه محمّد

حمزة، ابن أحمد الخطّاب، يجلس في حضن عمه محمّد

بعد قضاء حوالي نصف عام، قرّر محمد الرجوع إلى المملكة مع صهره أحمد الخطّاب الّذّي انضمّ للمعارضة كمهندس طبي قبله بسنة، واستطاعا في شباط 2015 عبور الحدود، حيث تمّ توقيفهما في سجن موقر 2 لغاية الآن. يقول صلاح أنّ ابنه قرّر العودة لأنّه اكتشف حقيقة الحرب الزائفة، إذ أن الأمر لم يكن كما توّقع من حيث الجهات الداعمة للحرب والفِتن ما بين الفصائل الإسلاميّة.

وبالمثل، قال شعبان أبو عودة العالق في سوريا لأخيه حكيم أنّه ليس نادمًا على التحاقه بجبهة النصرة لأنّه قد كشف حقيقتهم. فلو لم يذهب لبقي كغيره مخدوعًا بما تظهره الجبهة عن نفسها وعن الوضع في سوريا.

يرى شحادة أن أسباب الخروج إلى سوريا مُعقدة وكثيرة، تضم من بين أسباب كثيرة التديّن، والبحث عن الحريّة والعدالة الّلتين يعتقد هؤلاء الشباب أنها ستتحقق في ظلّ دولة إسلاميّة. قد تكون الأزمة والفقر والأفق المسدود أسبابًا تحفّز على خطوة كهذه، ولكنّها ليست أسبابًا رئيسيّة، بحسب قوله.

ويُوافق صلاح بأنّ القضيّة ليست نابعة من وضع ماديّ سيء فحسب. قد يكون هذا سببًا للبعض، ولكنّ محمّد ابنه وزوج ابنته لم يكونا عاطلين عن العمل، فالخطّاب كان والد طفلين، ومهندسًا في مستشفى معان، وكان محمد تاجر كهربائيّات.

أمّا الطويسي فيعتقد أنّ أسباب احتضان التطرف في معان تعود إلى الموقع الجغرافي للمدينة وتكوينها التاريخي. «طبيعة موقع معان الجغرافي وقربها من الحدود العربية السعودية كانت بيئة … للدمج بين المحافظة الاجتماعية وطابع التدين». ويضيف الطويسي أنّ التكوين التاريخي للمدينة قد ساهم في احتضان التطرف، حيث انتمى الكثير من أبناء معان تاريخيًا لجماعات دينية.

ويميّز الطويسي ما بين التديّن والأدلجة السياسيّة، فهو لا يعتقد أنّ المقاتلين من معان مؤدلجون سياسيًا، بل «لديهم تديّن وتم تهيئة البيئة  لهم بشكل مباشر أو غير مباشر للخروج، لكن في الأغلب ليس لديهم مشروع سياسي».  

يتفهّم صلاح التحقيق اللازم إجراؤه مع من يعود من سوريا، ولكنّه يعترض على التشديد الذي حصل بعد حرق مُعاذ الكساسبة، فيقول إنّ هنالك حوالي سبعة عشر معانيًّا عادوا إلى المملكة قبل ابنه محمّد، ولكن لم يتم إيقافهم أكثر من شهرين، وها هم رجعوا إلى أعمالهم ولم يمارسوا أي فعل أرهابي.

بينما لا يستطيع صلاح تصوّر أبنائه مشروعًا إرهابيًّا يهدّد أمن الدولة، يُبرّر وزير الشوؤن السياسيّة والبرلمانيّة خالد الكلالدة قرار التّوقيف بخشية الدّولة من إيقاذ خلايا نائمة في المملكة حال تمّ إطلاق سراح محمد وأمثاله.  

ويعترف الكلالدة أنه من المحتمل أنّ بعض هؤلاء الشباب الذين نووا الرجوع إلى الأردن قد ندموا بالفعل، ولكنّ بذرة الإرهاب موجودة، حسب وصفه. «من يستطيع أن يحكم إن كان هؤلاء الّذين ذهبوا ليقاتلوا والآن أصبحوا عناصر مُدرّبة، لا يعودون إلى تنظيمات أو إلى إنشاء تنظيمات داخل الدولة؟ … في فترات، كان القانون قاسيًّا. ولكن أليس مكفولًا لهم التقاضي على مرحلتين؟ أليس مكفولًا لهم حق الدفاع؟»، يقول الكلالدة.

داعش ومعان

تُعد معان من أكثر المناطق الأردنيّة الحاضنة للتيار السلفي إلى جانب الرصيفة والسلط. ولذلك خلقت الصحافة العربيّة والغربيّة صورة نمطيّة عن معان بأنّها خطرة وداعشيّة الطبع. إلّا أنّ عدد المقاتلين من معان الذين التحقوا بالجماعات في سوريا أقل بكثير من مقاتلي الرّصيفة والسلط، بحسب شحادة والطويسي.

هذه الصورة تشكلت على مدى سنوات لدى الجمهور الأردني، وبدأت تنتقل إلى خارج الأردن كذلك، لأن معان «لا تظهر في وسائل الإعلام إلا حينما تبرز قضية ذات بعد أمني»، كما يقول الطويسي.

ما يعتبره الإعلام مؤشرّات تدلّ على مؤازرة «داعش» في معان، كالأعلام والجداريّات، ليس في نظر صلاح سوى انتماء ساذج وسطحي لمجموعة إسلاميّة تناهض عدو مشتركًا، وليس لأيديولوجية داعشيّة.

جداريّة في معان

وينتقد صلاح تدريب الدولة الأردنيّة للمُنشقين عن الجيش السوري، معتبرًا ذلك دليلًا على ازدواجيّة موقف المملكة بخصوص تعريفها للإرهاب، فيتساءل ساخرًا: «هل هذا إرهاب ديموقراطي، وسطي، مُعتدل؟».

يصف مروان شحادة مناصرة «داعش» في معان بحركات فرديّة ضمن شبكة اجتماعيّة غير تنظيميّة. ومن جهته يقول الطويسي إنّه لا يوجد في معان من هم منتمون إلى تنظيم داعش. «المقاتلون خرجوا من معان ليس للانضمام لداعش بل لجهات أخرى».

بالرغم من أنّ صلاح يؤمن بالدولة الإسلاميّة والجهاد والخلافة كأسس لعقيدته الدينيّة، إلّا أنّه يُخالف طريقة داعش في التطبيق. ولكن في الوقت نفسه يُعارض بشدّة انضمام الأردن إلى التّحالف الدولي. «لو ذهب علي للجهاد في فلسطين لذهبنا معه أنا وأمّه… فهذا واجب ديني وأخلاقي… ولكن الحرب في سوريا ليست نظيفة»، يقول صلاح.

الحل الأمني والحل التنموي

يقول شحادة أنّه قد «ثبت أنّ المقاربة الأمنيّة و العسكريّة وحدها غير مُجدية، بل على العكس فوضع الشباب في السجون يزيد من تعاطفهم وانتشار الأفكار سواء في السجون أو في المجتمع  حيث تتولّد شبكات داعمة لهذه الأفكار. فبالتالي لا بد من مقاربة موازية للمقاربة الأمنيّة وهي المقاربة الفكريّة الّتي تمّس المفاهيم المؤسسة للخطاب والحوافز المُشجعة للقتال كالظلم والتمييز».

وبالمثل يعتبر الكلالدة أنّ الحل يكمن في خطّة وطنيّة شاملة تمس جميع الأصعدة، حيث تتوّلى وزارة التربيّة والتعليم مراجعة المناهج، ووزارة الأوقاف متابعة وتوجيه الأئمّة، بينما تنشر وزارتا الثقافة والإعلام ثقافة الاعتدال، بالإضافة إلى توفير فرص عمل من الناحيّة الاقتصاديّة.

«مقاومة الإرهاب ليست عملًا عسكريًّا فقط»، يقول الكلالدة. «البعض يخطئ باعتقاده أن الحل في مقاومة الإرهاب أمني … الإرهاب في الأردن يُقاوم في مجال فكري، ثقافي، اجتماعي، اقتصادي». وبحسب الكلالدة، فقد بدأت الدّولة بالعمل وفق هذا المنهاج، حيث اعتُمِد مشروع تأهيليّ في السجّون للتعامل مع الفكر المتطرف من خلال التحاور والنّقاش.

وكما يطالب حكيم أبو عودة الحكومة بالسماح لأخيه بالرجوع إلى الأردن، يشدد الطويسي على ضرورة إرجاع الحكومة والأجهزة الأمنيّة لهؤلاء الشباب الذين بنظره قد خُدعوا. «علينا أن نستعيد شبابنا الذين غرّر بهم وذهبوا إلى سوريا تحديدًا، وإلى أي مكان آخر في العالم تحت أي دعوة دينية بهذا الشكل». جزء من واجب الدولة في الحفاظ على المواطن الأردني، برأي الطويسي، هو أن تعيد هؤلاء الشباب إلى الأردن وتفتح كافة السبل والوسائل أمام عودتهم، «وحين يعودون هناك مراجعات وأمور كثيرة تتم لإعادة تأهيلهم كمواطنين طبيعيين».

أمّا حكيم أبو عودة فيعتقد أنّ «الحلّ عند الله ومن ثمّ الحكومة».

تمّ إعداد هذا التقرير بالتعاون مع مؤسسة  Round Earth Media  التي تساعد الجيل الصاعد من الصحفيين العالميين. ساهمت عايدة علمي في الإعداد.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية