الإخوان المسلمون في الأردن: ستة عقود من الانتخابات النيابيّة


الأربعاء 18 نيسان 2018

تصميم مايا عامر، برمجة أحمد مسعود.

(هذا المقال هو الثالث ضمن ملف، تنشره حبر بمناسبة مرور تسعين عامًا على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين. ستنشر المقالات أسبوعيًا على مدار الشهرين القادمين. المقال الأول، المقال الثاني).

المشاركة أم المقاطعة؟ جدلية تاريخية شهدها تطور المسار السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن. سجالات نظرية-دينية بين اتجاه يؤمن بـ«حرمة» المشاركة في الحكم ودخول البرلمان، ويستقي أفكاره وحججه من سيد قطب وغيره، واتجاه آخر يرى «جواز» المشاركة في العملية السياسية مستندًا بذلك إلى آراء مؤسس الجماعة حسن البنا وغيره. لكن هذه الجدلية لم تكن في جوهرها سجالات نظرية-دينية مأسورة بثنائية «الحرمة» و«الجواز»، بل كان للنقاش السياسي الأثر الأكبر على استدعائها وحضورها. لهذا يتيح الاطلاع على تاريخ مشاركة جماعة الإخوان المسلمين بالانتخابات في الأردن رؤية «السياسي» بصورة أوسع من كونه سجالات نظرية بين اتجاهات مختلفة فحسب.

تقدم هذه المادة نظرةً تاريخيةً على مشاركة الإخوان المسلمين في العملية الانتخابية في الأردن، بعد مرور 90 عامًا على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر وأكثر من ربع قرن على تأسيس حزب جبهة العمل الإسلامي بالأردن. يتيح تتبع مسار مشاركة الجماعة في الانتخابات النيابية قياس تطور الاهتمام السياسي للإخوان بالمشاركة البرلمانية وعلاقتها بالتجاذبات السياسية الداخلية من جانب وبطبيعة العلاقة مع السلطة السياسية في مراحل مختلفة من جانب آخر. كما يتيح لنا هذا التتبّع فرصة لمعاينة التحولات التي طرأت على شعبية الإخوان المسلمين وتوزيع ثقلهم الجغرافي والديموغرافي عبر السنوات، وتفحص سلوك الإخوان الانتخابي وبعض التكتيكات المتبعة وفقًا للظرف السياسي وقوانين الانتخاب.

الإخوان المسلمون في المجالس النيابية 1956-1984

غابت جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها في الأردن عام 1945 عن المجالس النيابية الأربعة الأولى. فالجماعة التي كانت تُعنى بالعمل الخيري والدعوي بشكل خاص لم تنشغل خلال السنوات العشر الأولى، من تأسيسها، بالعمل السياسي المباشر. لكن مع منتصف خمسينيات القرن الماضي بدأت الجماعة تشهد تحولاتٍ تنظيمية داخلية ساهمت بتحول بنيتها من كونها أقرب ما تكون لـ«جمعية خيرية دعوية» تقتصر قيادتها على مجموعة من التجار والعلماء إلى اعتبارها هيئة إسلامية عامة تُعنى بالشؤون السياسية والاجتماعية والدعوية العامة، ويقودها خليط من العلماء والشباب المتعلمين مع تراجع لفئة التجار والوجهاء.1

ومع أن الجماعة أصبحت أكثر تسيسًا إلا أن مشاركتها في الانتخابات النيابية لم تكن قوية ومكثفة طيلة المجالس الخمسة السابقة لتعطل الحياة السياسية والبرلمانية في البلاد بعد حرب عام 1967 وحتى هبّة نيسان عام 1989. اعتبرت مشاركة الإخوان في الانتخابات النيابية لمجلس النواب الخامس عام 1956 المشاركة الأولى لهم، حيث شارك الإخوان في هذه الانتخابات بستة مرشحين واستطاعوا الحصول على أربعة مقاعد من أصل أربعين مقعدًا2، حازها كل من: محمد عبد الرحمن خليفة، وعبد الباقي جمو، وعبد القادر العمري، وحافظ النتشة، ومنحَ هؤلاء النواب الأربعة الثقة لحكومة سليمان النابلسي آنذاك.

أمّا في انتخابات المجلس النيابي السادس عام 1961 فنجح عبد الباقي جمو.3

وفي المجلس النيابي السابع عام 1962 حاز الإخوان على ثلاثة مقاعد في المجلس شغلها كل من: مشهور الضامن، يوسف العظم وعبد المجيد الشريدة، وكانوا ممّن حجب الثقة عن حكومة سمير الرفاعي التي استقالت لعدم تمكنها من الحصول على ثقة ذلك المجلس.

أما في المجلس النيابي الثامن، عام 1963، فأعيد انتخاب جمّو فقط.

انعقد المجلس التاسع، قبل أيام من حرب حزيران 1967. نجح في هذا المجلس ثلاثة من مرشحي الإخوان هم: جمو والعظم والنتشة. وكانت هذه آخر انتخابات نيابية أجريت في البلاد حتى منتصف الثمانينيات، إذ تعطّل الانتخاب العام بعد احتلال الضفة الغربية وتجميد الحياة البرلمانية لمدة عشر سنوات بعد عام 1974 عندما حلّ الملك حسين المجلس التاسع، قبل أن يستدعيه عام 1984 لتعديل الدستور بما يسمح بإجراء انتخابات فرعية للمقاعد النيابية التي توفي أصحابها وعددها ثمانية، حاز الإخوان على اثنين منها، وكانت من نصيب كل من عبدالله العكايلة، وأحمد الكوفحي.4

الإخوان في المجالس النيابية 1989- 2016

انتخابات عام 1989

في تشرين الثاني عام 1989 جرت انتخابات المجلس النيابي الحادي عشر، بمشاركة كبيرة وغير رسمية للأحزاب القائمة (نظرًا إلى أن قانون الأحزاب لم يكن قد صدر بعد)، واعتبرت هذه الانتخابات أول انتخابات تقتصر على الضفة الشرقية دون الضفة الغربية منذ عام 1950، وأوّل انتخابات عامة منذ عام 1967. أجريت هذه الانتخابات على أساس قانون أغلبيّ يتيح للناخب اختيار عدد من المرشحين مساو لعدد المقاعد المخصصة في دائرته الانتخابية.

رشّح الإخوان المسلمين لهذه الانتخابات ستة وعشرين مرشحًا، إضافة إلى عدد آخر من الإخوان كانوا قد خاضوا الانتخابات بصفة مستقلة. لم ترشح الحركة أي امرأة في هذه الانتخابات التي اعتبرت أول انتخابات نيابية عامة يحق للمرأة فيها أن تترشح للبرلمان بعد حصولها على الحق في الترشّح للمجالس النيابية عام 1974.

استطاعت الجماعة أن تحصل على عشرين مقعدًا في البرلمان من أصل ثمانين مقعدا،5 وانضم إلى كتلة نواب الإخوان لاحقًا مرشحان كانا قد خاضا الانتخابات بصفة مستقلة6. وتمثل مشاركة الإخوان المسلمين بهذا العدد الكبير من المرشحين مقارنة بمشاركاتها السابقة تحولًا في رؤية الحركة الإسلامية لأهمية العمل البرلماني. ولم تجسد الحركة رؤيتها للعمل البرلماني من خلال هذه المشاركة الواسعة فقط بل أيضًا من خلال الدور الذي شغله نوابها داخل هذا المجلس. فقد تولّى عبد اللطيف عربيات رئاسة المجلس لثلاث دورات متتالية وترأس عدد من نوابها الآخرين لجانًا نيابية عدة في المجلس نفسه.7

اعتبر العديد من المراقبين أن حصول الحركة الإسلامية على 25% من مقاعد البرلمان مؤشر واضح على تنامي شعبية الحركة في البلاد. ولمعرفة حجم الحركة الإسلامية في تلك الانتخابات، يمكن النظر إلى نسبة الأصوات التي حصل عليها مرشحو الحركة (فائزين وخاسرين) من مجمل الأصوات التي حصل عليها كافة المرشحين (فائزين وخاسرين) في المملكة، والتي بلغت 14%. ونلاحظ هنا كيف حاز الإخوان على نسبة مقاعد في البرلمان تفوق نسبة الأصوات التي حصلوا عليها في هذه الانتخابات، ويعود هذا الفرق إلى طبيعة قانون الانتخاب في تلك الدورة، الذي كان أغلبيًا لا نسبيًا، فالفوز بمقعد قد يكون بنسبة 90% من الأصوات وقد يكون بنسبة 30% منها طالما حاز المرشح على أعلى عدد من الأصوات، بالتالي فإن كتلًا تصويتيةً مختلفةً قد تقود إلى عدد المقاعد نفسه.

انتخابات عام 1993

قبل عام من انتخابات 1993 صدر قانون الأحزاب السياسية الذي أتاح مشاركة الأحزاب المرخصة بصورة علنية ورسمية في الانتخابات للمرة الأولى منذ أن تجمد العمل بقانون الأحزاب عام 1957. وفي هذا السياق تأسس رسميًا حزب جبهة العمل الإسلامي في أواخر عام 1992. وقبل ثلاثة شهور من عقد الانتخابات، أجرت الحكومة تعديلًا على قانون الانتخاب الذي أجريت انتخابات عام 1989 على أساسه. وتمثّل التعديل في منح الناخب صوتًا واحدًا فقط بعد أن كان القانون السابق يمنح للناخب عدد أصوات بعدد المقاعد الخاصة بدائرته الانتخابية.

أربك تعديل القانون الانتخابي جماعة الإخوان المسلمين، إذ أنه جاء قبيل الانتخابات بمدة قصيرة. كانت الجماعة قد انتهت، قبل إقرار التعديل، من اختيار مرشحيها للانتخابات وفقًا للقانون السابق. عارضت الحركة الإسلامية (جماعة الإخوان وحزب جبهة العمل الإسلامي) تعديل القانون واعتبرته استهدافًا مباشرًا لها. وتعالت بعض الأصوات في الحركة داعيةً إلى مقاطعة الانتخابات كإحدى خيارات الحركة للتعبير عن رفض قانون «الصوت الواحد».8

قدّم المكتب التنفيذي لجبهة العمل الإسلامي تقريرًا لمجلس شورى الحزب حول إيجابيات وسلبيات خيار المقاطعة، وكان تجنب الوقوع في «فخ المواجهة مع السلطة» بالإضافة إلى «تجنب العزل السياسي» والسعي إلى تعديل قانون الانتخاب واستثمار فترة الانتخابات للتفاعل مع الجماهير من النقاط الإيجابية لخيار المشاركة من وجهة نظر المكتب التنفيذي.9

قررت قيادتا الإخوان والجبهة المشاركة في الانتخابات باسم الجبهة بعد جدال حول المشاركة باسم الإخوان أم الحزب، لتكون هذه الانتخابات أول انتخابات يخوضها الحزب بعد تأسيسه. رشّح الحزب 36 مرشحًا لخوض الانتخابات وخلت قائمة المرشحين من النساء. نجح منهم ستة عشر، ليشكلوا 20% من مجمل مقاعد البرلمان في حينه.10 وحاز كافة مرشحو الإخوان (فائزين وخاسرين) على 16% من مجمل أصوات المقترعين في انتخابات 1993.

مقاطعة انتخابات عام 1997

قبل بضعة أشهر من انتخابات عام 1997، فوّض مجلس شورى الجماعة، المكتب التنفيذي في الجماعة بالبت في قرار المشاركة بالانتخابات أو مقاطعتها. وعند مناقشة القرار صوّت ثلاثة أعضاء مع المشاركة وأربعة ضدها، مما دفع المكتب التنفيذي إلى إجراء استفتاء لدى قواعد الجماعة صوتت فيه 65% من القواعد مع المقاطعة. وبناء على هذا اتخذ مجلس شورى الجماعة قراره بمقاطعة الانتخابات. 11

أصدرت الجماعة بيانًا توضح فيه سبب مقاطعتها للانتخابات بعنوان «لماذا قاطعنا؟»، واحتجت فيه على تعديل قانون محكمة أمن الدولة، وعلى عدم إصدار قانوني نقابة المعلمين والاتحاد العام لطلبة الجامعات. وطالبت باجراء إصلاحات دستورية، وإلغاء قانون «الصوت الواحد» وإلغاء قانون المطبوعات والنشر المؤقت ووقف التطبيع مع «إسرائيل». لاقى قرار المقاطعة معارضةً داخلية، وفُصلَ عدد من قيادات التيار الرافض لقرار المقاطعة منهم عبد الرحيم العكور وعبدالله العكايلة، وخرجت بسبب القرار نفسه مجموعة من أعضاء الجماعة والحزب للمشاركة في الانتخابات، وشكلت لاحقًا مجموعة منهم حزب الوسط الإسلامي.

وانتقل الخلاف على مقاطعة الانتخابات من الأطر التنظيمية إلى الصحف، حيث احتج بسام العموش، عضو المكتب التنفيذي للحزب حينها، على اقتصار الآراء في صحيفة السبيل على تلك المؤيدة للمقاطعة، ونشرَ مقالًا في جريدة الرأي بعنوان «لماذا قاطعوا؟». رد العموش من خلاله على حجج الجماعة الداعية للمقاطعة قائلًا: «هل قاطعوا احتجاجا على التطبيع والمعاهدة؟ بالطبع لا، (..) حيث كان حريًا بالجماعة أن تأمر نوابها بالاستقالة [من مجلس 1993] لكنها لم تفعل» «هل قاطعوا احتجاجًا على الصوت الواحد؟ بالطبع لا، لأنهم اشتركوا في انتخابات 93، ومن حق الناس أن تسألنا من المسؤول عن تحويل قانون الصوت الواحد من قانون مؤقت إلى قانون دائم؟»12. لكن في النهاية لم يستطع تيار المشاركة إقناع التيار الآخر بالعدول عن فكرة المقاطعة، وقاطعت الحركة الإسلامية انتخابات عام 1997.

انتخابات عام 2003

بالرغم من عدم زوال الأسباب التي قاطعت الحركة الإسلامية بموجبها انتخابات عام 1997، وتوغل السلطة التنفيذية في عهد حكومة علي أبو الراغب (2000-2003) على السلطة التشريعية من خلال إصدارها أكثر من مئتي قانون مؤقت في فترة غياب مجلس النواب بسبب تأجيل الانتخابات لمدة سنتين، إلا أن الحركة الإسلامية قررت المشاركة في انتخابات عام 2003.

يعزو البعض مشاركة الإخوان في تلك الانتخابات لكونها الأولى في عهد الملك عبد الله الثاني، فلم ترغب الحركة أن تظهر وكأنها «عقبة في وجه العهد الجديد»13. لهذا كانت المشاركة بمثابة رسالة موجهة إلى مؤسسة العرش للتأكيد على حرص الحركة على عدم الصدام مع القصر أو الدخول معه في مناكفات مبكرة.

خاض الحزب هذه الانتخابات بثلاثين مرشحًا بينهم امرأة واحدة، هي حياة المسيمي عن الدائرة الأولى في محافظة الزرقاء. وكانت هذه أول انتخابات ترشح فيها الحركة الإسلامية امرأة على قوائمها الانتخابية في تاريخ مشاركتها النيابية. جاء ذلك بعد إصدار قانون رقم (11) لسنة 2003 الذي أقرّ تخصيص كوتا نسائية مكونة من ستة مقاعد.

دلت نتائج هذه الانتخابات على تراجعٍ في نسبة الأصوات التي حصلت عليها الجماعة من جانب، ونسبة المقاعد التي شغلوها في البرلمان من جانب آخر، مقارنة بانتخابات عام 1989 وانتخابات 1993. فقد حاز الإخوان في هذه الانتخابات على 15% من مجمل مقاعد المجلس، وحصل كافة مرشحيهم (فائزين وخاسرين) على 12% من مجموع أصوات المقترعين على مستوى المملكة. كما دلت على تراجع الحركة في الدوائر ذات التكتل العشائري خاصة في محافظات الجنوب14، سواء في عدد مرشحي الحركة أو عدد الفائزين منهم في هذه المحافظات.

انتخابات عام 2007

قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات النيابية، تصاعدت حدة الأزمة بين الإخوان المسلمين والسلطة السياسية. فقد سحب الإخوان مرشحيهم للانتخابات البلدية بعد ساعات من بدء الاقتراع احتجاجًا على ما وصفوه بـ«تزوير تجاوز الحدود». وشنت الحركة هجومًا غير مسبوق على دائرة المخابرات العامة حين نشرت على موقعها الرسمي مقالًا موقعًا باسم «المحرر السياسي» بعنوان «لماذا قاطعنا العرس الديموغوائي».15

انعكست مسألة الانتخابات البلدية على موضوع قرار الحركة الإسلامية بالمشاركة بالانتخابات النيابية. فقد نادى تيار في الجماعة بمقاطعة الانتخابات النيابية ردًّا على «اختراق» الانتخابات البلدية من قبل حكومة معروف البخيت التي ستُجري الانتخابات النيابية أيضًا. وفي ظل تطمينات ملكية ولقاءات بين الحكومة والإخوان لضمان نزاهة الانتخابات تمسك تيار المشاركة بعدم جدوى المقاطعة وفشل تجربة عام 1997 التي ادعى هذا التيار بأنها أدت إلى عزل الإخوان سياسيًا وأبعدت الحركة عن مواقع مهمة للتأثير في الشارع.

حسمت الحركة موقفها بالمشاركة في الانتخابات النيابية، وتشكلت القائمة من 22 مرشحًا من بينهم امرأة واحدة، هي النائبة السابقة حياة المسيمي. ويعتبر عدد المرشحين الذي خاضت به الحركة الإسلامية هذه الانتخابات، أقل عدد تخوض فيه الجماعة الانتخابات النيابية منذ عام 1989. كان نجاح ستة مرشحين فقط للحركة الإسلامية أمرًا غير متوقع من قبل أشد المتشائمين من خيار المشاركة في الجماعة. لكن يصعب اعتماد هذه النتيجة كمؤشر على تراجع شعبية الحركة الإسلامية وذلك بسبب ما حصل من تزوير لنتائج هذه الانتخابات، وهو ما اعترفت به الحكومة لاحقًا.

تسببت عملية التزوير ونتائج الانتخابات بأزمة كبيرة داخل أجنحة الجماعة، حيث اتُّهم دعاة المشاركة بالسقوط في «فخ الحكومة» وحُمّل المكتب التنفيذي للجماعة مسؤولية ما حدث. وأسفرت هذه الأزمة عن طلب بعض قيادات التيار الداعي للمقاطعة من مجلس شورى الجماعة تقديم استقالته والدعوة لانتخابات داخلية مبكرة ردًا على التزوير واعترافا بالخسارة، وهذا ما حدث بالفعل بعد أن تم التصويت عليه.16

مقاطعة انتخابات عامي 2010 و2013

قبل أربعة شهور من عقد انتخابات المجلس النيابي السادس عشر والتي جرت في تشرين الثاني 2010 أجرت الجماعة «استفتاءً» داخليًّا لمعرفة رأي قواعد الجماعة والحزب من المشاركة في الانتخابات النيابية التي ستجريها حكومة سمير الرفاعي، وأظهرت نتائج الاستفتاء أن قرابة 70% من القواعد والقيادات معًا يؤيدون المقاطعة.

بعد الاستفتاء قرّر مجلس شورى الجماعة المقاطعة بنسبة 70%، أما شورى جبهة العمل الإسلامي، فقد صوت 61% من الأعضاء مع المقاطعة. وعلى عكس الانتخابات السابقة كان قرار مقاطعة الانتخابات لعام 2010 قرارًا توافقيًا، لم تنقسم تيارات الجماعة عليه كما حدث في الدورات السابقة. فالتيار الذي كان قد أيّد بشدة المشاركة بانتخابات 2007 هو من ضغط باتجاه مقاطعة انتخابات 2010، حيث اعتقد هذا التيار أن الدولة قامت بإفشاله داخل الحركة بعد أن زورت انتخابات 172007.

بعد أشهر من انتخابات 2010 بدأ الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح، وازدادت الفجوة بين الحركة الإسلامية والنظام السياسي. إذ راهن الإخوان على إمكانية رفع سقف المطالب بما يتوافق مع مرحلة «الانتفاضات العربية»، وتعزز ذلك بعد وصول الإسلاميين في مصر وتونس إلى الحكم. واعتقدوا أن بإمكانهم اليوم أن يتحولوا من المشاركة في البرلمان إلى الشراكة في الحكم، وتغيير معادلة «المشاركة لا المغالبة» التي حكمت علاقة الحركة مع النظام السياسي لسنوات.

تمسكت السلطة من جهتها بقانون الصوت الواحد مع إضافة قائمة وطنية على مستوى المملكة. وكانت مطالب الحركة الإسلامية في الشارع قد تجاوزت تعديل قانون الانتخاب إلى مطالب أخرى من ضمنها تعديلات صلاحيات الملك، فكان من المستحيل أن توافق الحركة الإسلامية على المشاركة بالانتخابات النيابية دون تحقيق إصلاحات طالبت بها الحركة طيلة فترة الحراك وتحول جزء منها إلى مطالب سياسية للحراك.

لم يتخذ الإخوان المسلمين قرار مقاطعة انتخابات 2013 منفردين، بل دعوا العديد من الحراكات إلى اجتماع واسع عقد في المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين. أجمع المشاركون فيه على ضرورة مقاطعة الانتخابات في ظل عدم تحقيق الإصلاحات المنشودة وعدم التراجع عن قانون الصوت الواحد. وبعد يومين من اللقاء صدر قرار بشبه إجماع من مجلس شورى الجماعة بمقاطعة الانتخابات النيابية، واتخذ مجلس شورى الحزب القرار نفسه بالإجماع.18

الإخوان في انتخابات عام 2016

كان تراجع المشروع السياسي للجماعة على إثر انتكاسة الانتفاضات العربية، والانقلاب العسكري على حكم الإخوان في مصر، بالإضافة إلى الأزمات التنظيمية والانشقاقات التي تعرضت لها الجماعة في الأردن، أسبابًا جوهرية دفعت الإسلاميين للمشاركة في انتخابات 2016.

جاء إعلان الحزب مشاركته في الانتخابات متوقعًا، وذلك لأسباب سياسية – تنظيمية كان أهمها، كسر حالة العزلة السياسية التي تعاني منها الحركة الإسلامية، والعودة إلى الحياة السياسية عبر البوابة الوحيدة المتاحة؛ مجلس النواب، واستعادة حضورهم النيابي بعد غياب دام تسع سنوات، بالاضافة إلى ضرورات تنظيمية منها رصّ صفوف الجماعة من أجل المحافظة على الذات.

وقد جاء قرار الحزب بعد أن صوت مجلس الشورى فيه لصالح المشاركة بأغلبية 41 صوتًا من أصل 49 صوتًا. وتخلت الجماعة في هذه الانتخابات عن شعار «الإسلام هو الحل» لأول مرة منذ عام 1989.

جرت هذه الانتخابات وفقًا لقانون انتخاب جديد (قائمة نسبية مفتوحة على مستوى الدائرة) بعد أن تم التخلص نهائيًا من قانون الصوت الواحد. شكل الإخوان بموجب هذا القانون تحالفًا انتخابيًا واسعًا تجاوز أعضاء الجماعة باسم «التحالف الوطني للإصلاح» الذي ضم 20 قائمة في 15 دائرة انتخابية على مستوى المملكة. حصل الإخوان على 15 مقعدًا أي ما نسبته 11.5% من مجمل مقاعد المجلس، وحازت كافة قوائم الإخوان (فائزة وخاسرة) على 10% من مجموع أصوات المقترعين على مستوى المملكة، ورشح الإخوان 18 سيدة، نجحت ثلاث منهن.

مراكز ثقل الجماعة في انتخابات 2016

لأول مرة منذ عام 1989 لم تقدّم الجماعة مرشحين لها في أي من محافظات الطفيلة، والكرك، ومعان، وعجلون. وقد يكون انسحاب الجماعة من هذه المحافظات يعود إمّا إلى إدراك الحركة تراجع شعبيتها في تلك المحافظات وبالتالي التركيز على المحافظات «المضمونة»، أو رغبة الحركة، ربما، بعدم تجاوز شروط اللعبة مع النظام السياسي والاكتفاء بقدر معين من المقاعد. تظهر النتائج أن الحضور الأكبر للحركة الإسلامية كان في الدائرة الثانية في عمّان، حيث حصلت قوائمها الثلاث المرشحة في هذه الدائرة على أصوات 35% من مجمل عدد المقترعين في الدائرة. بينما كان حضور الإخوان في دائرة إربد الرابعة من الأضعف حيث حصلت قائمتها على أصوات 4% فقط من مجمل عدد المقترعين. يعتبر حضور الجماعة في هذه الدائرة التي تضم وفق التقسيم الحالي ألوية الكورة، والأغوار الشمالية، والطيبة ضعيفًا تاريخيًا، حيث تعتبر من الدوائر القليلة في المملكة التي لم تتمكن الحركة عبر سنوات مشاركتها من الفوز بأي مقعد من مقاعدها.

تثبت النتائج على مستوى المحافظات أن حضور الإخوان في محافظتي عمان والزرقاء، وقصبة إربد أعلى بكثير من محافظات العقبة، والمفرق، والبلقاء. وهذا ليس أمرًا خاصًا بانتخابات 2016، فالحركة الإسلامية تتمتع منذ سنوات عديدة بشعبية أكبر في المحافظات التي ترتفع فيها كثافة السكان الأردنيين من أصول فلسطينية.

مؤشرات الالتزام مع المرشحين

نستطيع من خلال قراءة نتائج الانتخابات معرفة مدى التزام ناخب الحركة الإسلامية بالتصويت لكافة المرشحين داخل القائمة الواحدة. فقراءة ذلك مهمة لمعرفة إلى أي حد كانت قوائم الإخوان متماسكة وتعبر عن كتلة حزبية منظمة، وهل تألفت من مرشحين «أساسيين» إلى جانب عدد من «الحشوات»، أم أن القائمة ككل عكست وحدة تنظيمية ما. كذلك، فإن الاطلاع على الالتزام بالمرشحين مهم في حالة مرشحي الكوتات أو المقاعد المخصصة لفئات معينة، لمعرفة إلى أي حدٍ كان هؤلاء جزءًا حقيقيًا من قوائم الإخوان، أم تواجدوا فيها لغايات انتخابية بحتة.

لمعرفة ذلك يمكننا اعتماد «مؤشر الالتزام»* على مستوى القائمة الواحدة لمعرفة مدى التزام الناخبين بالتصويت لمرشحي هذه القائمة. وبأخذ معدّل مؤشرات الالتزام في جميع قوائم الإخوان على مستوى الأردن، يتبين أن ناخبي الإخوان صوّتوا بالمتوسط لـ55.6% من مرشحي قوائمهم.

قد يختلف هذا الالتزام من قائمة لأخرى بسبب عوامل عديدة منها، طبيعة الناخب (مثل حزبي، أو مناصر، أو صديق) أو المرشح (مثل حزبي، أو حليف، إضافة إلى أصول المرشح نفسه) بالاضافة إلى طبيعة الدائرة الانتخابية التي ترشحت فيها القائمة وتركيبتها الاجتماعية. لذا قد يكون من المفيد النظر إلى مؤشر الالتزام على أكثر من مستوى، وتحديدًا الالتزام بالمرشحات في قوائم الإخوان، أو بالمرشحين على مقاعد الكوتا؛ أي المقاعد المسيحية ومقاعد الشركس/ الشيشان.

الالتزام حسب القوائم

تبين النتائج أن ناخب الإخوان في العقبة هو الأكثر التزاما بالتصويت لكافة مرشحي القائمة. حيث بلغ مؤشر التزامه 74.5%. وقد يكون صغر حجم الكتلة التصويتية للحركة الإسلامية في العقبة مقارنة بمحافظات أخرى هو العامل الأساسي في ارتفاع هذا المؤشر. حيث حصلت قائمة الإصلاح في العقبة على 2000 صوت تقريبًا وهو أقل عدد أصوات تحصل عليه قوائم الإخوان في المملكة. بالتالي قد يعني ذلك أن جزءًا كبيرًا من ناخبي الإخوان في العقبة في هذه الانتخابات كانوا من أطر الحركة ومناصريها.

وتظهر مؤشرات الالتزام أن ناخبي قوائم الإخوان في محافظة الزرقاء التزموا إلى حد كبير بالتصويت لكافة مرشحي القائمة في الدائرتين الأولى والثانية. وكانت مؤشرات الالتزام متفاوتة في العاصمة عمّان حسب الدائرة الانتخابية. حيث بلغ مؤشر الالتزام مع كافة مرشحي قائمة العدالة في الدائرة الأولى في عمان 68% يليها قائمة الإصلاح في الدائرة الثالثة في عمّان 67%. وكان أدنى مؤشر التزام في دوائر عمّان كافة في الدائرة الثانية، وقد يكون ذلك بسبب وجود ثلاثة قوائم للإخوان في هذه الدائرة مما سبّب توزيع ثقل المرشحين على هذه القوائم الثلاث. وكان ناخب قائمة التعاون في الدائرة نفسها الأقل التزامًا بين كافة القوائم في عمّان، حيث بلغ مؤشر الالتزام للتصويت لكافة مرشحي القائمة 44% فقط، وقد يعود هذا إلى حصول النائب عبدالله العكايلة بوصفه شخصية عامة ونائبًا ووزيرًا سابقًا على أصوات عديدة من خارج التصويت الحزبي ومجموعة كبيرة من أصوات أبناء «حي الطفايلة» الذين لا ينتمون بالضرورة للحركة الإسلامية وآثروا أن يمنحوا أصواتهم للعكايلة منفردًا.

(أشّر/ي على الدائرة لمعرفة معلومات القائمة)

مؤشر الالتزام العام حسب القوائم
– حجم الدائرة يمثل عدد الأصوات للقائمة، ودرجة اللون تمثل مؤشر الالتزام بالتصويت لمرشحي القائمة.

الالتزام بمرشحات الإخوان

أتاح القانون الانتخابي الحالي فرصة أكبر للحركة الإسلامية لترشيح نساء على قوائمها. فقد سعت الحركة إلى ترشيح النساء على قوائمها لتشكل دعمًا تصويتيًا إضافيًا، ولتنافس على مقاعد الكوتا النسائية. حيث تفوز المرأة بمقعد الكوتا المخصص للدائرة عند حصولها على أعلى نسبة من عدد الأصوات التي حصلت عليها إلى عدد المقترعين في دائرتها بالمقارنة مع المرشحات الأخريات في محافظتها. بالتالي فإن المترشحات على مقاعد الكوتا فعليًا ينافسن بعضهن داخل المحافظة الواحدة أكثر مما ينافسن الرجال في قوائمهن، ولو أنهن قادرات على الفوز بالتنافس كما حدث مع خمس من الفائزات.

لهذا شهدت انتخابات 2016 تحولًا كبيرًا في مشاركة النساء في العملية الانتخابية ضمن مرشحي الحركة الإسلامية. فالحركة التي لم ترشح سوى مرشحة واحدة فقط، هي النائبة الحالية حياة المسيمي، منذ عام 1984 رشّحت 18 امرأة على قوائمها في الانتخابات الأخيرة. نجح منهن ثلاث مرشحات، اثنتان على نظام الكوتا وواحدة بالتنافس.

تظهر النتائج أن التزام ناخب الحركة الإسلامية للتصويت للنساء في محافظتي العقبة والزرقاء كان الأعلى في المملكة، بينما كان ناخب محافظة إربد الأقل التزامًا بالتصويت للمرأة المترشحة على قوائم الإخوان المسلمين. وكانت نسبة الالتزام بالتصويت للمرأة في عمّان متفاوتة من دائرة لدائرة ومن قائمة لأخرى. كان الالتزام للتصويت للنائبة ديمة طهبوب هو الأعلى مقارنة بالالتزام مع كافة المرشحات الإسلاميات الأخريات في عمّان. لكن تظهر النتائج أن طهبوب لم تحصل على أعلى عدد من الأصوات بين المرشحات الإسلاميات في العاصمة، فقد حصلت المرشحة الإسلامية عن الدائرة الخامسة سناء أبو فارس على عدد أصوات أعلى مما حصلت عليه طهبوب. لكن قد يكون اختيار الحركة الإسلامية لطهبوب للترشح في دائرة عمّان الثالثة، ذات الحجم التصويتي الأصغر في العاصمة من ناحية عدد الناخبين، مؤشرًا على رغبة الحركة في إيصال المرشحة طهبوب إلى البرلمان، نظرًا إلى طريقة احتساب الكوتا النسائية المذكورة أعلاه.

مؤشر الالتزام بمرشحات الإخوان
– حجم الدائرة يمثل عدد الأصوات للمرشحة، ولونها يمثل مؤشر الالتزام معها.

قد يسود انطباع عند البعض بأن المرشحات في قوائم الإخوان هن «حشوات» ولسن منافسات حقيقيات على مقاعد البرلمان. لكن مقارنة مؤشرات الالتزام بالنواب الإسلاميات الثلاث في البرلمان (حياة المسيمي وديمة طهبوب وهدى العتوم) بمؤشرات الالتزام بغيرهن من الفائزات في المجلس الحالي تنقض هذا الانطباع. فمن بين عشرين سيدة في البرلمان (15 كوتا و5 تنافس)، احتلت الإسلاميات المراتب الثالثة والرابعة والتاسعة من حيث التزام قوائمهن بهن، إلى جانب أنهن احتللن المراتب الأولى والرابعة والثامنة من حيث عدد الأصوات التي حصلن عليها، إذ جاءت النائب حياة المسيمي على رأس الترتيب بأكثر من 11 ألف صوت.

females
مؤشر الالتزام مع الفائزات
– حجم الدائرة يمثل عدد الأصوات للفائزة، ولونها يمثل مؤشر الالتزام معها.

الالتزام بالمرشح المسيحي والشركسي/ الشيشاني

بحسب قانون الانتخاب الحالي، فإن الفوز بالمقاعد المخصصة للمرشحين المسيحيين أو الشركس/ الشيشان يكون من خلال نيل أعلى الأصوات بين هؤلاء المرشحين في الدائرة الواحدة بغض النظر عن أصوات قوائمهم، بالتالي فإن المرشح المسيحي أو الشركسي/الشيشاني ينافس أقرانه في الدائرة الواحدة ولا ينافس زملائه في القائمة. لذا فإن قراءة مؤشرات الالتزام بهم، وبالأخص التفريق بين المرشح المسيحي من جهة، والشركسي/ الشيشاني من جهة أخرى، قد تدل على مدى دعم الإخوان هؤلاء المرشحين من عدمه.

رشح الإخوان في قوائمهم أربعة مرشحين مسيحيين، نافسوا على أربعة من أصل تسعة مقاعد مخصصة للمسيحيين في المجلس، ولم ينجح أي من هؤلاء الأربعة. وبالمتوسط، فإن قرابة 46% ممن صوتوا لقوائم الإخوان التي ترشح فيها هؤلاء صوتوا كذلك للمرشح المسيحي فيها. وحتى نستطيع قراءة هذا الرقم بشكل دقيق، علينا من ناحية مقارنة التزام ناخبي الإخوان بمرشحيهم المسيحيين بالتزام غيرهم من الناخبين بالمرشحين المسيحيين في قوائم أخرى، وبالتزام الإخوان بغيرهم من المرشحين من ناحية أخرى. فإذا اطلعنا على مؤشرات الالتزام بالمرشحين المسيحيين التسعة الفائزين داخل قوائمهم، فإن متوسط الالتزام يبلغ 54%، أي بفارق 8% عن الإخوان.

يظهر الاطلاع على مؤشّرات الالتزام بكل مرشح بعينه تفاوتًا بين المرشحين، سواء مرشحي الإخوان أو غيرهم، فمثلًا بلغ مؤشّر الالتزام بالمرشح عودة قواس الذي ترشّح مع قائمة الإصلاح على المقعد المسيحي في دائرة عمان الثالثة 62% تقريبًا، وهي نسبة تفوق مؤشّر الالتزام بسبعة من المرشحين المسيحيين الفائزين (قد يكون مؤشّر الالتزام «الفعلي» بأحد هؤلاء السبعة -النائب قيس زيادين- أعلى، نظرًا لانقسام حصل داخل قائمته وخفّض هذا المؤشّر عنده). لكن ذلك لا يغير أن متوسط التزام الإخوان بمرشحيهم المسيحيين جاء منخفضًا بشكل عام.

مؤشر الالتزام بالمرشحين المسيحيين عند الإخوان مقارنة بالمرشحيين المسيحيين الفائزين
– حجم الدائرة يمثل عدد الأصوات للمرشح، ولونها يمثل مؤشر الالتزام معه.

من جهة أخرى، فإن المقارنة مع مؤشر التزام الإخوان بمرشحيهم الشركس أو الشيشان تظهر فوارق أخرى. فقد رشح الإخوان أربعة مرشحين على ثلاثة مقاعد مخصصة للشركس/ الشيشان وحازوا عليها جميعها. وبلغ معدل الالتزام بهؤلاء الأربعة قرابة 67% أي أعلى بحوالي 20% من متوسط الالتزام بالمرشح المسيحي. وقد يكون هذا الفرق نابعًا من صعوبة إقناع قواعد الإخوان بالتصويت لمرشح من غير ديانتهم. إضافة إلى أن اثنين من المرشحين الشركس/ الشيشان الفائزين (تامر بينو ونبيل الشيشاني) هما من أبناء التنظيم وليسوا حلفاء من خارج الحركة الإسلامية.

أكثر من قائمة في نفس الدائرة: الدائرة الثانية نموذجًا

اتبعت الحركة الإسلامية في هذه الانتخابات تكتيكًا انتخابيًا في بعض الدوائر يقوم على ترشيح أكثر من قائمة في نفس الدائرة الانتخابية الواحدة. أدركت الحركة مدى صعوبة حصول القائمة على أكثر من مقعد في الدائرة الواحدة؛ غير مصنف تحت بند الكوتات، بسبب آلية احتساب الأصوات في القانون الحالي. لذلك سعت إلى زيادة فرص الحصول على مقاعد أكثر داخل الدائرة الواحدة من خلال ترشيح أكثر من قائمة في نفس الدائرة الانتخابية. تطلب ذلك من الحركة، وفقا لهذا التكتيك، تقسيم كتلتها التصويتية داخل الدائرة الواحدة.

اتبعت الحركة هذا التكتيك في دوائر عمّان الأولى والثانية والخامسة بالإضافة إلى دائرة إربد الأولى. ونجحت في الحصول على أكثر من مقعد وفقًا لهذا التكتيك في دائرة عمّان الثانية فقط. ويبين الاطلاع على النتائج التفصيلية للدائرة الثانية، التي توضّح نتائج كل مركز اقتراع بعينه، مدى نجاح الإخوان في هذا التكتيك من خلال توزيع كتلتها التصويتية جغرافيا داخل الدائرة الثانية.

رشحت الحركة الإسلامية على الدائرة الثانية ثلاثة قوائم هي التعاون والإصلاح والبناء، وتظهر النتائج التفصيلية كيف وزعت الحركة كتلتها التصويتية حسب الأحياء. فوجهت ناخبيها في أحياء الجوفة، وأم نوارة، وجبل التاج، وجبل المنارة، وجبل النصر، وحي الربوة، وحي العودة، وصالحية العابد، وماركا الجنوبية للتصويت لقائمة التعاون. فيما وجهت ناخبيها في أحياء الجبل الأخضر، والذراع الشرقي، والذراع الغربي، وحي الذراع، وحي الياسمين، وحي نزال للتصويت لقائمة الإصلاح. ودعت ناخبيها في أحياء الأشرفية، والوحدات، والزهور، وأم تينة، وجبل المريخ، وجبل النظيف، وحي الزهور، وراس العين للتصويت لقائمة البناء. من أصل أكثر من 28 ألف ناخب صوّت لقوائم الحركة الإسلامية الثلاث في الدائرة الثانية بعمّان، التزم أكثر 22 من ألف ناخب بهذا التوزيع الجغرافي، أي ما نسبته 80% تقريبًا، إذ ذهبت أصوات هؤلاء للقائمة التي تُظهر النتائج التفصيلية أنها تقدمت بفارق ملحوظٍ عن القائمتين الأخريين في الأحياء المذكورة أعلاه.

(أشّر/ي على النقاط لمعرفة معلومات مركز الاقتراع ونتائج القوائم الثلاث فيه)

من الواضح أن النجاح في تنفيذ هذا التكتيك وتوجيه 22 ألف ناخب تصويتيًا بشكل منظم، يعكس قدرة تنظيمية عالية والتزامًا عاليًا من المنتمين والمناصرين للجماعة. لكن كون الجماعة نجحت في هذا التكتيك في دائرة واحدة من أصل أربع دوائر حاولت تنفيذه فيها، قد يطرح تساؤلًا حول فاعلية القدرة التنظيمية وإمكانية استدامتها في ظل تراجع الكتلة التصويتية للجماعة، خاصة أنها لم تخض هذه المحاولة سوى في دوائر تعتبر إلى حد كبير مناطق نفوذ لها، مثل دائرتي عمان الأولى والخامسة ودائرة إربد الأولى.

ختامًا، فإن الاطلاع على عدد من المؤشرات، مثل تراجع نسبة التصويت للإخوان على مستوى الأردن مقارنة بالسنوات السابقة، واستنكاف الإخوان عن المنافسة في دوائر محافظات عجلون والجنوب باستثناء العقبة، وتراجعهم في بعض قواعدهم التاريخية مثل إربد، وفشلهم في إدارة عملية الترشح بأكثر من قائمة في ثلاثٍ من أصل أربع دوائر من مناطق نفوذهم، كل ذلك يطرح أسئلة حول مستقبل شعبية الحركة الإسلامية، في ظل الانقسامات التي شهدتها الجماعة وتراجع مشروع الإسلام السياسي في المنطقة ككل.

  • * حساب مؤشرات الالتزام

    يحسب هذا المؤشر على مستوى القائمة عن طريق ضرب عدد أصوات القائمة بعدد مرشحيها، ثم تقسيم مجموع الأصوات التفضيلية الحقيقية (الأصوات التي ذهبت للمرشحين داخل القائمة) على ذلك الرقم. فمثلًا، لو حصلت قائمة مكونة من 7 مرشحين على 10,000 صوت (للقائمة)، وكان مجموع أصوات التفضيلية لجميع المرشحين 40,000 صوت، فإن مؤشر الالتزام في هذه الحالة يساوي: 40,000 ÷ (7×10,000) أي: 57.14%.

    لكن تجدر الإشارة إلى أن هذا المؤشر على مستوى القائمة لا يعبّر عن نسبة مئوية حقيقية للالتزام بكل مرشح من مرشحيها، بل عن متوسط التزام الناخبين بأي من هؤلاء المرشحين. ففي المثال السابق، يعبر المؤشر عن أن ناخبي هذه القائمة صوتوا بالمتوسط لـ 57.14% من مرشحيها.

    أما عند حساب مؤشر الالتزام بمرشح بعينه، فإنه يعبر عن نسبة مئوية ثابتة لذلك المرشح تمثّل مجموع أصواته مقسومًا على مجموع أصوات القائمة. فلو افترضنا أن مرشحة مع القائمة في المثال السابق نالت 5000 صوت تفضيلي (للمرشحة نفسها)، فإن مؤشر الالتزام بها يساوي: 5000 ÷ 10,000 = 50%، وهي نسبة حقيقية نظرًا لأن الرقمين المعتمدين في هذه الحالة ثابتان لا وسطان حسابيان. بالتالي فإن 50% ممن صوتوا للقائمة المذكورة صوتوا لهذه المرشحة.

  • الهوامش

    1- إبراهيم غرايبة، جماعة الإخوان المسلمين في الأردن (1946/1996)، دار سندباد، عمان، 1997، ص 62 ص 71-72.

    2- محمد أبو رمّان وحسن أبو هنيّة، الحل الإسلامي في الأردن، الإسلاميون والدولة ورهانات الديمقراطية والأمن، مؤسسة فريدريش إيبرت، عمان، 2012، ص 72.

    3- محمد أبو صوفة، خريطة الحياة النيابية في الأردن (1929/ 1993)، المكتبة الوطنية، عمان، 1995، ص 100.

    4- إبراهيم غرايبة، مرجع سابق، ص82.

    5- أحمد عفيف، المجلس النيابي الأردني الرابع عشر عام 2003، واقع الانتخابات ومستوى المشاركة والتمثيل، مجلة دراسات، المجلد 40، العدد 1، 2013، ص150.

    6- ناصر المعايطة، الانتخابات النيابية 1993، الصوت الواحد والتعددية السياسية، الباسم للنشر، عمّان، 1995.

    7- إبراهيم غرايبة، من الدعوة إلى السياسة، الإخوان المسلمين في الأردن: تاريخهم وأفكارهم، دار سيرين للنشر والتوزيع، عمّان، 2017، ص235.

    8- إبراهيم غرايبة، جماعة الإخوان المسلمين في الأردن (1946-1996)، مرجع سابق، ص 127-129.

    9- سالم الفلاحات، الحركة الإسلامية في الأردن، دراسة تاريخية وتحليلية ونقد ذاتي، دار عمار للنشر، عمّان 2017، ص 160-164.

    10- بكر البدور، التجربة النيابية للحركة الإسلامية في الأردن، 1989-2007، دار المأمون للنشر، عمّان، 2011.

    11- حسين أبو رمان وآخرون، دراسات في الانتخابات النيابية 1997، دار سندباد للنشر، عمّان، 2002، ص 122.

    12- بسام العموش، محطات في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، دار زهران للنشر، عمّان، 2008، ص 207.

    13- بكر البدور، مرجع سابق.

    14- أحمد عفيف، مرجع سابق، ص 150.

    15- محمد أبو رمّان وحسن أبو هنية، مرجع سابق، ص 81-82.

    16- سالم الفلاحات، مرجع سابق، ص 331.

    17- حسن أبو هنية، الإخوان المسلمون في الأردن، أزمة الديني / السياسي في السياق الوطني، ص 153.

    18- سالم الفلاحات، مرجع سابق، ص 122.