قانون الانتخاب: الشيطان في التفاصيل

الخميس 25 شباط 2016

كما هو متوقع فقد أقر مجلس النواب مشروع قانون الانتخاب كما جاء من الحكومة مع تعديلات شكلية غير مؤثرة على الجوهر كانت من ضمن المسموح به حفاظاً على ما تبقى من ماء وجه للنواب.

عندما أعلن رئيس الوزراء في آب الماضي عن مسودة المشروع التي استبدلت الصوت المجزوء بنظام القائمة النسبية، كتبت أنه خطوة إيجابية نحو الإصلاح لأنه يمنح الناخب حق الاقتراع بعدد مقاعد دائرته الانتخابية ويقصر الترشيح في قوائم على مستوى الدائرة ويوسّع حجم الدوائر. لكن الشيطان دائمًا في التفاصيل، وهو ما ظهر جليًّا عند الإعلان عن تفاصيل المشروع.

قبل الخوض في مشروع القانون، لا بد من التوقف عند الطريقة التي أقرّ بها في ثلاثة أيام في مجلس النواب، حيث بدا جليًا الإدارة النزقة للمقترحات الخجولة من قبل بعض النواب لتعديل مواد معينة في القانون تُخالف التوجه الرسمي بحيث ظهر النواب وكأنهم في صف مدرسي يديره الأستاذ المتمثل برئيس المجلس.

تم أيضًا إقرار القانون بسرعة غير مسبوقة وكأن الانتخابات ستجري غدًا، ونتج عن ذلك التغاضي عن مقترحات عديدة واضطرار العديد من النواب ممن أبدوا معارضة للمشروع أو بعض مواده في مستهل الجلسات إلى التصويت مع تلك المواد ومع مجمل القانون، الأمر الذي أكّد واقع المجلس باعتباره مسيّرًا وليس مخيّرًا، يخضع للقرارات التي تأتيه من السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية. ومن الواضح أن الأجهزة الأمنية تتصرف بذات الفوقية في إدارة المجلس تطبيقًا لقاعدة قالها أحد النواب ذات يوم في ندوة في مركز الدراسات الاستراتيجية بما معناه: إنهم من أتى بنا ولهم حق الطاعة.

عودة إلى مشروع القانون، ومن خلال دراسة مواده، نجد أنه وللأسف يحقق ذات الغاية التي من أجلها تم وضع قانون الصوت المجزوء في العام 1993، والتي لا نزال نعاني من نتائجها، وهي التجزئة وخلق وترسيخ الانقسامات العامودية والأفقية بين مكونات المجتمع وبالتالي ضمان عدم تشكيل تحالفات بين المرشحين و/أو الأحزاب أو أي جهات لديها فكر أو موقف سياسي متشابه، مما يُمكن السلطة التنفيذية من بسط سيطرتها على تلك المجالس بحيث تستمر مجرد ديكور ديقراطي شكلي بلا مضمون، بل ويرسخ النظرة المجتمعية السلبية لهذه المؤسسة الدستورية الهامة والتي تشكل الركن الاول من اركان نظام الحكم، كل ذلك في سبيل الوصول إلى رضى وقبول شعبي بالاستمرار بحالة الانفراد المطلق بالحكم من قبل السلطة التنفيذية وأدواتها الأمنية.

بعكس ما هو مأمول من قانون انتخاب على أساس القائمة، فإن هذا المشروع الذي أقرّ يمنع التحالفات البرامجية الحقيقية المستقرة وبالتالي يضمن استمرارية وصول أفراد متفرقين إلى مجلس النواب

باستثناء إيجابية توسيع الدوائر الانتخابية ، فإن المشروع يؤدي إلى ذات النتائج التي عانى منها البلد من قانون الصوت الواحد. إذ بعكس ما هو مأمول من قانون انتخاب على أساس القائمة، فإن هذا المشروع الذي أقرّ يمنع التحالفات البرامجية الحقيقية المستقرة وبالتالي يضمن استمرارية وصول أفراد متفرقين إلى مجلس النواب ويتضح ذلك من خلال ما يلي:

أولًا: عدم وجود نسبة (عتبة) كحد أدنى من الأصوات تحصل عليها القائمة تؤهلها للحصول على مقاعد نيابية.
فمثلًا: لو كان عدد أصوات الناخبين في إحدى الدوائر ١٠٠ ألف، وكان عدد مقاعدها باستثناء الكوتات أربعة، فإن القائمة التي تحصل على ٢٥ ألف صوت تفوز بمقعد. وبغياب حد أدنى من الأصوات التي يجب الحصول عليها، وإذا تشتتت أصوات الناخبين بين عدد كبير من القوائم، يمكن للقائمة التي تحصل على عشرة آلاف صوت، وتلك التي تحصل على خمسة آلاف صوت، الحصول على مقعد واحد لكل منهما أيضًا.

هذا يعني حكماً عدم وجود مصلحة لأي مرشح في التحالف مع مرشح قوي داخل ذات القائمة حتى ولو كانوا يتشاركون في الموقف السياسي أو البرامجي. وهذا سيؤدي الى قيام كل مرشح قوي بتشكيل قائمة شكلية فقط ليتجنب وجود منافسين له على المقعد الوحيد الذي قد تحصل عليه القائمة، مما سيؤدي الى  ترسيخ الخوف وعدم الثقة بين الحلفاء الشكليين.

ثانيًا: لا يزال القانون يمارس تمييزاً سلبياً ضد المسيحيين والشركس والشيشان والبدو؛ الأصل في الكوتا أن تشكل تمييزًا إيجابيًا مطلوبًا في الحالات التي لا يكون وعي المجتمع قد نَضج بما يكفل قُدرته على إفراز ممثلين عنه بشكل حر على أساس الأفكار والمبادئ وبرامج العمل وليس على أساس الإقليم أو الدين أو الجنس او العرق. وهنا يتدخل المُشرع بحيث يضمن حدًا أدنى للفئات المشمولة فيه والتي لا تملك ذات الفُرصة الموجودة للفئات الأخرى، ويكون تواجد هذه الفئات ومشاركتها في الحياة السياسية من خلال دورهم التشريعي والرقابي في مجلس النواب جوهري وحيوي وضروري. ومن هُنا نجد أن الكوتا للنساء مثلاً قد حددت خمسة عشر مقعدًا لهُن كحد أدنى دون أن يمنعهن ذلك من الترشح على باقي المقاعد والفوز بمقاعد أكثر.

وعلى الرغم من قناعتي أن عدد النساء في مجلس النواب أقل بكثير مما يجب أن يكون، إلا أننا نجد أن نظام الكوتا وفقاً لمشروع قانون الانتخاب الحالي لا يتعامل فيما يتعلق بالكوتا الخاصة بالمسيحيين والشركس والشيشان بذات المبدأ القانوني والسياسي الخاص بالكوتا النسائية بجعل الكوتا حدًا أدنى فقط مع إتاحة الفرصة لهم للتنافس مع الآخرين على مقاعد أكثر في كل الدوائر سواء كان لهم فيها مقاعد كوتا أم لم يكن. ما اعتمده المُشرع في مشروع قانون الانتخاب هو العكس، إذ حددت الكوتا للمسيحيين مثلا حداً أقصى وهو تسع مقاعد ومُنعوا من الترشيح خارج تلك الدوائر المُحددة للحصول على أية مقاعد أخرى. والحال كذلك فيما يتعلق بمقاعد الشركس والشيشان.

منع المسيحي مثلًا من الترشح في عمان الثانية بحجة أن عدد المسيحيين في تلك المنطقة قليل يناقض مبدأ المواطنة المتساوية والانتخاب على أسس برامجية

ان هذا النظام لا يحقق العدالة، ليس للمسيحيين والشركس والشيشان فقط، بل للمجتمع بأكمله ولكل مساعي بناء أردن مدني ديمقراطي، لأن منع المسيحي مثلًا من الترشح في عمان الثانية بحجة أن عدد المسيحيين في تلك المنطقة قليل يناقض مبدأ المواطنة المتساوية والانتخاب على أسس برامجية، وكأن المسلم لا يمكن أن يختار مسيحياً ليمثله في البرلمان. كما ان منعهم من الترشح في الدوائر الاخرى خارج المقاعد المحددة لهم حصرًا يُعرقل التطور الطبيعي للمجتمع من خلال هذا التفاعل بين مكوناته جميعًا في إطار ديمقراطي مدني يوفر الظروف أمام الناخبين لاختيار المرشح دون التعصب لأصل جغرافي أو جنس أو دين أو عرق.

مشروع قانون الانتخاب الجديد الذي تم إقراره شكّل مُناسبة احتفالية للنظام والسلطة التنفيذية لإيهام الخارج، والغرب تحديدًا، بأن الأردن ماضٍ قدمًا في تحقيق الإصلاح. لكن واقع الحال داخليًا أننا ما زلنا بعيدين عن ذلك.

ما هي الخيارات المتاحة أمامنا في ظل الظروف الإقليمية المحيطة بنا والتي أدّت إلى اختلال موازين القوى لصالح الوضع القائم؟

أترى يستطيع الأردنيون إن شاركوا جميعًا وبقوة أن يتجاوزوا سلبيات القانون الجديد وأن يوصلوا نوابًا قادرين على إعادة الدور الحقيقي لهذه المؤسسة الدستورية التي تشكل الركن الأول من اركان نظام الحكم حسب المادة الاولى من الدستور؟ قد يكون هذا هو خيارنا الوحيد.

*نشر هذا المقال على مدوّنة هلم جرًا بتاريخ ٢٥ شباط ٢٠١٦

Leave a Reply

Your email address will not be published.