أعمار وراء القضبان: سِيَر بعض أقدم المعتقلين السياسيين في العالم

الأحد 07 أيار 2017
عمل فني لمولي فير، بعنوان «فوق الجدران والقضبان».

يعيد إضراب أكثر من 1500 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، منذ 17 نيسان الفائت، قضية الحركة الأسيرة إلى الواجهة باعتبارها ركنًا أساسيًّا من نضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرر من الاستعمار الصهيوني. كما يعيد إلى الأذهان التفكير بالسجن عمومًا كمنظومة قمعية وظّفتها الدول الحديثة، ومنها الدول الاستعمارية، لا من أجل العقاب فحسب، وإنما من أجل قتل القدرة على الخروج على النظام ومقاومته، أيًا كانت هويته. فمن معمار السجون إلى أساليب التحقيق إلى التعامل مع الإضراب، كثيرًا ما أبرزت تجارب دول مختلفة تعلم السلطات من بعضها، وتشابه السجّانين.

في هذه الدولة الحديثة، حل السجن كمنظومة «عقلانية» محل المقصلة من جانب، والتعذيب العلني من جانب آخر. ويعد السجن أداة رئيسية من أدوات السلطة والاستعمار، فالسلطة الاستعمارية استخدمت السجن، وما زالت، كمؤسسة إخضاع للمجتمعات المستعمرة، وللتصدي لأي فعل مقاوم لهذه السلطة. بالإضافة إلى هذا، يعتبر السجن رمزًا من رموز القوى المستعمِرة، الذي كثيرًا ما تحوّله المجتمعات المتحررة من السلطة الاستعمارية إلى متحف تاريخي كشاهد على مرحلة وجود الاستعمار والتضحيات التي قدمت على طريق التحرر منه، كما حدث في معتقل الخيام في الجنوب اللبناني.

في دراسة للأسير الفلسطيني وليد دقة، الذي أمضى 31 عامًا في سجون الاحتلال، يحلل دقة إضراب الأسرى الفلسطينيين عام 2004، واصفًا الآليات التي لجأ إليها العدو لكسر إرادة الأسرى و«صهر وعيهم» المقاوم، لا لمجرد إلحاق الأذى بهم فحسب. ويشير دقة إلى أن مصلحة السجون الإسرائيلية استندت «لخبرات عالمية كخبرة المخابرات الأمريكية وربيباتها من الأنظمة الحاكمة في دول أمريكا اللاتينية في سنوات السبعينيات، إن كان ذلك بطبيعة الوسائل المستخدمة لقمع الإضراب أو الأهداف الرئيسية التي يستهدفها هذا القمع».

وكما تتشابك تجارب السلطات في السجن، تتصل تجارب المعتقلين أيضًا. فسِيَر الأسرى والمعتقلين السياسيين حول العالم كثيرًا ما تظهر أمثلة متقاربة على الالتزام الصلب بالقيم التي دخلوا السجن وهم يدافعون عنها؛ التزامٌ يضطر السلطة في كل مرة إلى «تطوير» منظومة السجن بحثًا طرق جديدة للاحتواء والقمع. وفي هذه المقالة نسلّط الضوء على سير ستة من أقدم المعتقلين السياسيين في العالم، ما زالوا قيد الاعتقال حتى اللحظة، دون أن تستطيع منظومة السجن تغيير قناعاتهم التي دفعوا من أجلها سني عمرهم.

كريم يونس، فلسطين
مدة الاعتقال: 34 عامًا، 1983- حتى الآن
العمر: 61 عامًا

ولد كريم يونس عام 1956 في قرية عارة في فلسطين المحتلة. تلقى تعليمه المدرسي في مدارس القرية ومدينة الناصرة، ودرس هندسة الميكانيك لثلاثة أعوام في جامعة بئر السبع. اعتقلته قوات الاحتلال في السنة الدراسية الثالثة بتاريخ 6-1-1983، ووجهت له تهم الانتماء إلى حركة فتح وقتل جندي إسرائيلي. وبعد محاكمة دامت عامًا كاملًا، حكمت عليه المحكمة العسكرية بالإعدام شنقاً بتهمة «خيانة المواطنة»، باعتباره من فلسطينيي 1948، ثم خفضت المحكمة لاحقًا الحكم من الإعدام إلى المؤبد المفتوح، وقبل عدة سنوات حددت المحكمة مدة محكوميته بأربعين عامًا.

رفضت قوات الاحتلال إطلاق سراح الأسير كريم يونس ضمن عمليات التبادل، منذ «عملية الجليل» عام 1985، مرورًا بالإفراجات التي سبقت معاهدة أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال، وصولًا إلى صفقة شاليط. وفي عام 2013، وعلى إثر «تعثر مسار المفاوضات»، وافقت دولة الاحتلال على إطلاق سراح «أسرى ما قبل أوسلو» والبالغ عددهم حينها 104 أسرى، مقابل «العودة إلى المفاوضات». لكن «إسرائيل» رفضت الإفراج عن الدفعة الرابعة من هؤلاء، والتي تضم 30 أسيرًا معظمهم من أسرى الداخل،ومن بينهم كريم يونس.

في فيلم «مؤبد مفتوح» الذي يتناول قصة الأسير كريم يونس، يتحدث رفاق كريم عن شخصيته، حيث يخبرنا سلمان جاد الله، الأسير المحرر ورفيق كريم في السجن، عن الثقافة الواسعة التي يتحلى بها يونس، ويقول «كان إنسان مميز كونه مثقف ثقافة عالية (…)  ويذكرني دائمًا، ولأنه من وادي عارة، بالأغنية التراثية اللي تقول «يا طلت خيلنا من وادي عارة». هذه الأغنية كنت أرى كريم فيها فوق صهوة جواد في وادي عارة ينطلق ويناضل ضد الاحتلال الصهيوني». ويتحدث الأسير المحرر جبر وشاح عن صمود يونس، حيث يقول «ما يميزه أنه واحد ممن لم يسكن السجن قلوبهم وهم في قلب السجن (..) كنت دائمًا أتساءل مع نفسي من أين لكريم هذه القوة الهائلة من الصمود والقدرة على المواجهة؟». ويقول توفيق أبو نعيم أحد أسرى حماس المحررين بأنه «لن أستطيع أن أوفي هذا الرجل حقه من الحديث، وخاصة أنه غمط حقه من الإعلام الفلسطيني، هذا الرجل المناضل العظيم الذي أعتبره أحد رموز هذا الشعب».

ويعتبر كريم يونس -الذي لبس بدلة الإعدام لأكثر من شهرين- بحسب رفاقه، رمزًا من رموز الحركة الفلسطينية الأسيرة، كما أنه رفض أي عملية تمييز وفصل بين أسرى القدس والداخل من جهة، وأسرى الضفة والقطاع من جهة أخرى.

توفي والد كريم يونس في ذكرى اعتقاله الواحد والثلاثين، ولم تسمح قوات الاحتلال لكريم المشاركة في جنازة أبيه، فرثاه قائلًا:

سامحني يا أبت وقد خارت قواك وما كنت قربك.
سامحني لأني وعدتك، لأني خذلتك لأني أنا من كسرت ظهرك.
سامحني لأني تركت الموت يسبقني إليك.
سامحني لأني جعلت من رحلتي دهرًا، حتى رحلت.
سامحني لأني تأخرت.
سامحني لأني جمعت أغراضي البسيطة وحضرت نفسي وفي عمقي سلاسل سجاني وما أتيت.
سامحني لأني عشت أستنشق غبار الأمل وما بكيت.

بعد 34 عامًا من الاعتقال، يخوض الأسير كريم يونس اليوم معركة الإضراب عن الطعام، وكان قد شارك سابقًا في أكثر من 25 إضرابًا عن الطعام. وأكد يونس قبل البدء بالإضراب الحالي لهيئة شؤون الأسرى والمحررين «بأننا قاتلنا وضحينا من أجل حق تقرير المصير ومن أجل بلدنا وكرامتنا وسنبقى نقاتل من جوف زنازيننا وما بقي لنا من العمر». أثناء جلسة محاكمته الأخيرة التي عقدت في 30 نيسان، وهو مضرب عن الطعام، صرّح يونس: «لن نتراجع عن مطالب الإضراب حتى لو أصبحنا جثثًا».

جورج عبدالله، لبنان
مدة الاعتقال: 33 عامًا، 1984- حتى الآن
العمر: 66 عامًا

ولد جورج عبدالله عام 1951 في بلدة القبيّات شمال لبنان، انتظم في شبابه في صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي والتحق لاحقًا بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وجرح أثناء الاجتياح الإسرائيلي لقسم من الجنوب اللبناني عام 1978. أسس بعد ذلك مجموعة قتالية أطلق عليها «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» كانت تهدف الى ضرب المصالح الأمريكية والإسرائيلية في الخارج.

عن تلك الفترة، يقول عبدالله: «مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي، تصاعدت حدة الهجمة الإمبريالية الصهيونية بشكل جنوني وبلغت ذروتها في عدوان 1982(..). في تلك الحقبة، رأى عدد من المناضلين والمناضلات ضرورة توسيع إطار المواجهة عبر ملاحقة ممثلي قوى العدو في عواصم ومدن الدول المتواطئة معه، أصابوا وأخطئوا بهذا القدر أو ذاك، نجحوا وفشلوا في هذا الأمر أو ذاك، اعتقل بعضهم وحكم عليهم بأحكام تعسفية قاسية جدًا سمحت بها موازين القوى الفعلية في ذلك الوقت، أمام القضاء دافعوا عن شرعية مواجهة العدوان ومقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة، ورفضوا أي شكل من أشكال تجريم العمل المقاوم».

اعتقل جورج عبدالله في مدينة ليون الفرنسية عام 1984 بتهمة حيازة أوراق ثبوتية مزورة، وحكم عليه بالسجن أربع سنوات. بعد عامين، أعادت المحكمة الفرنسية محاكمته بتهمة حيازة أسلحة ومتفجرات بطريقة غير مشروعة، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة أربع سنوات. وفي عام 1987، أعادت السلطات الفرنسية محاكمته مرة أخرى بتهمة التواطؤ في أعمال «إرهابية»، والمشاركة في اغتيال السكرتير الثاني للسفارة الإسرائيلية في فرنسا والملحق العسكري الأميركي في باريس، ومحاولة قتل القنصل العام الأمريكي في ستراسبورغ، وأصدرت بحقه حكمًا بالسجن المؤبد.

يقول جاك فيرجيس محامي جورج عبدالله، والمحامي السابق لكل من جميلة بوحيرد وإلييتش راميريز سانشيز المعروف بكارلوس، إن «السجن المؤبد كما في حالة جورج هو خمس عشرة سنة، يحق له بعد خمس عشرة سنة المطالبة بالإفراج المشروط، والذي تم رفضه، لأن وزارة الخارجية الأمريكية أرسلت مذكرة خطية أكدت فيها إن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ترفض بحزم أي إمكانية للإفراج المشروط عن جورج إبراهيم عبدالله». ويضيف فيرجيس أن «السلطات الفرنسية الخاضعة لتأثير إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية قررت حرمانه من الحرية، والسبب كما يقول مدير ومتفقد الإقليم [الفرنسي]: أن الحملات المعادية للإمبريالية والمناهضة لإسرائيل عند السيد جورج عبدالله لم تتغير».

استوفى جورج عبد الله منذ العام 1999 كل الشروط المطلوبة للإفراج عنه، بعد انتهاء مدة محكوميته. ويقول أنيس النقاش المعتقل السابق في سجون فرنسا ورفيق جورج عبدالله في السجن لمدة عام إن «تمديد اعتقال جورج عبد الله يصدر عن القضاء الفرنسي الإداري، الذي يقول لأن جورج لم يغير قناعاته ضد الامبريالية والصهيونية، يجب أن يبقى في السجن، وهذا في السياسة والقانون والأخلاق هي فضيحة لفرنسا، أن يحكم بالسجن على إنسان لعدم تغيير قناعته (…) الألعن من ذلك أن هذا الحكم الفضيحة يتكرر كل سنة، كل سنة يأتوا بجورج يقيموا له محكمة داخلية ويسألونه «هل غيرت رأيك يا جورج؟» يقول: «ليس هناك داعي لتغيير آرائي» ويقولون: «عليك أن تبقى في السجن سنة أخرى»، ويكتبون ذلك».

جورج عبدالله شخصية يستحق التوقف عندها جيدًا، إذ يقول أنيس النقاش أن «جورج عبد الله إنسان يأتي ويكون في غير الموضع الذي يريد له الغرب أن يكون. أخته اسمها جان دارك. علمناك بالمدارس الفرنسية والمسيحية، وأنت ماروني واسمك جورج، وماسك القضية الفلسطينية من شمال لبنان، وبدك تقاتل ضد الصهيونية. عم بتخربط المعادلة يا جورج».

وفي الانتفاضات العربية، اصطف جورج عبد الله مع مطالب الناس، حيث أرسل رسالة قال فيها «تحية إكبار وتقدير لفعالية الحراك الجماهيري الراهن، المعبر الفعلي عن إرادة التغيير الثوري في كل أرجاء الوطن العربي، الرافض لوضع باتت كل مقاومته تدعو للانتفاض، ملايين المفقرين والمهمشين لم يعد بوسعها التعايش مع قمع و استبداد أنظمة مدفوعة أكثر فأكثر بحكم تركيبها لإفقار وتهميش المزيد من الشرائح الاجتماعية». وتضامن جورج عبدالله من سجنه في فرنسا مع إضراب 17 نيسان حيث أضرب عن الطعام لمدة ثلاثة أيام تضامنًا مع الأسرى الفلسطينيين.

أوسكار لوبيز ريفيرا، بورتوريكو
مدة الاعتقال: 35 عامًا، 1981- وفي الإقامة الجبرية حتى الآن
(يُتوقّع الإفراج عنه في 17 أيّار بأمر من الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما)
العمر: 74 عامًا

وُلِد أوسكار لوبيز ريفيرا في مدينة سان سيباستيان في بورتوريكو عام 1943، وانتقل إلى الولايات المتّحدة مع عائلته عندما كان عمره تسع سنوات. عندما بلغ سن الرشد القانوني، ترك دراسته لمدّة سنة من أجل العمل لدعم عائلته. في عام 1965 التحق ريفيرا بالجيش الأمريكي خلال حرب فيتنام (كان بوسع الجيش حينها تجنيد المواطنين إجباريًا)، وأدّى ذلك إلى رحلة تشكيك وتساؤل عن مشروعيّة الحرب، والدور الذي قد يكون أُجبِر على لعبه في الاستعمار، والدور الحقيقي الذي تلعبه الولايات على الساحة العالميّة. جعلته الحرب يفكّر ببلده الأم، بورتوريكو، ليصبح عند عودته من الحرب عام 1967 ناشطًا اجتماعيًا بعد محاولة قصيرة للدراسة بالجامعة.

كرّس ريفييرا وقته للعثور على مساكن للمجتمع البورتوريكي في الولايات المتّحدة وإدراج اللاتينيين في المؤسّسات التعليميّة. وانضمّ إلى العديد من المنظمّات وأصبح من الشخصيات الرئيسيّة والشهيرة بها، وشارك بتأسيس سلسلة مدارس ثانوية ليضمن تأمين تعليم مناسب في المجتمعات اللاتينيّة، والبورتوريكيّة بالأخص.

طوّر ريفييرا فكره المتعلّق بالصراع البورتوريكي لسنوات خلال عمله كناشط. كلّ الأدلّة تشير إلى أنّه حاول تحقيق التغيير الإيجابي عبر القنوات الرسميّة في مدينة شيكاغو. وبعد سنوات من المحاولات السلميّة، انضم لوبيز ريفيرا إلى الحراك الماركسي-اللينيني المسمّى «القوات المسلحة للتحرير الوطني» البورتوريكي الذي طالب باستقلال ببورتوريكو عن الولايات المتّحدة، لتصبح دولة شيوعيّة. كان هذا الحراك من بين أوّل أهداف أول وحدة أمريكيّة لمكافحة «الإرهاب»، إذ لامته الحكومة على أكثر من مئة تفجير حصل في أماكن محدّدة في الولايات المتّحدة. في عام 1976، وُجِدَت صلة قانونيّة بين لوبيز ريفيرا مع ثلاثة رفاق له وشقّة في شيكاغو عثر داخلها الشرطة على متفجّرات، وأصبح لوبيز ريفيرا ورفاقه بعد تلك الحادثة هاربين من القانون، إلى أن اعتُقِلَ بعد بضع سنوات مع رفاقٍ له.

أعلن ريفيرا عند اعتقاله أنّه مقاتل ضد الولايات المتّحدة في حربٍ تناوئ الاستعمار، وطلب لقب سجين حرب، وأنّ يُحاكم بحسب القانون الدولي وفي محكمة دوليّة، لكنّ الحكومة الأمريكيّة تجاهلت هذه الطلبات وبادرت بمحاكمته بنفسها. تضمّنت التُهم تجنيد أشخاص للانضمام إلى الحراك وتدريبهم على التفجير والهجمات والتخريب وأشكال أُخرى من حروب العصابات. اعترف لوبيز ريفيرا بهذه التُهم وغيرها لكنّه اعتبر نفسه مُعتَقلًا سياسيًا. عند نهاية المحاكمة، قال ريفيرا إنّ «بورتوريكو ستكون دولة حرّة واشتراكيّة».

حُكِمَ على ريفيرا بالحبس لمدّة 70 سنة، 55 منهم في المحاكمة الأوليّة و15 سنة إضافيّة عام 1988 بسبب محاولة هروب منظّم من السجن كما تدّعي الحكومة.

منذ أن حكم على لوبيز ريفيرا بالسجن، ظهرت العديد من الحركات التضامنية معه والتي تنادي بالإفراج عنه، وأُصدِرت العديد من الوثائق والعديد من الأغاني عنه وعن قضيّته. اصطفّت وراء هذه الحركات العديد من منظّمات حقوق الإنسان والأمم المتّحدة، وفي عام 1999 عرض الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون على لوبيز ريفيرا ومجموعة من أعضاء القوات المسلّحة «عفوًا مشروطًا» بالتعهّد بالتخلّي عن استخدام العنف والتهديد بأيّ شكل من أشكاله كتابيًّا. بالنسبة لريفيرا، كان ذلك التعهّد سيكون بمثابة التخلّي عن صراعه من أجل بلده، بالإضافة إلى أنّ الإفراج المشروط لم يشمل اثنين من رفاقه الستة عشر، فرفض ريفيرا أن يخرج من المعتقل بدونهم. في آخر أيّام رئاسته مطلع العام الحالي، خفّف الرئيس السابق باراك أوباما عقوبة ريفيرا، ليوضع تحت الإقامة الجبرية، وأمر بأن يُفرج عنه في أيّار.

«إنّه من السهل ألّا نناضل، أن نستسلم ونخطو خطوات الأحياء الموتى. لكن إن أردنا أن نعيش، علينا أن نصارع». أوسكار لوبيز ريفيرا، 1996*.

نائل البرغوثي، فلسطين
مدة الاعتقال: 36 عامًا، 2011-1978، و2014- حتى الآن
العمر: 60 عامًا

ولد الأسير نائل البرغوثي عام 1957 في قرية كوبر في رام الله، درس في مدارس القرية واعتقل في عام 1978 وهو طالب في الثانوية العامة. ووجهت محكمة الاحتلال له ولأخيه الأكبر عمر وابن عمه فخري تهم قتل ضابط إسرائيلي، وتفجير مقهى في القدس، وحرق مصنع زيوت داخل الخط الأخضر. وفي حيثيات المحاكمة، تقول حنان شقيقة نائل أنه عندما رفض نائل وشقيقه وابن عمه الاستجابة لأوامر القاضي بطلب الاستعطاف والرحمة، صاح القاضي وقتها: «نائل، عمر، فخري، مؤبد مؤبد مؤبد».

دخل نائل السجن وهو ينتمي الى حركة فتح، وبعد اتفاق أوسلو غيّر انتمائه التنظيمي والتحق بصفوف حركة حماس، وأصبح من أقدم الأسرى الفلسطينيين. توفي والداه وهو في السجن، ويقول عمر البرغوثي شقيق الأسير نائل، والذي كان معتقل أيضًا عند وفاة والدهما: «لما توفى أبوي أنا كنت بسجن نفحة وهو [نائل] كان في سجن بئر السبع، طلع هو عارف وبدوش يقولي، وأنا عارف وبديش أقوله». ويتحدث نائل عن آخر مرة التقى به بأمه كانت قبل وفاتها بفترة قصيرة -بعد أن مُنعت من الزيارة لمدة خمس سنوات- حينها نُقلت أمه بسيارة إسعاف إلى سجن عسقلان لتودع نائل للمرة الأخيرة قبل رحيلها.

بعد 34 عامًا على اعتقاله، أطلق الاحتلال سراح نائل في عملية تبادل الأسرى مع حركة حماس في عام 2011، المعروفة بـ«صفقة شاليط» أو «وفاء الأحرار». وتقول زوجة نائل الأسيرة المحررة إيمان نافع التي أمضت عشرة سنوات في السجون إن «إسرائيل كانت [حتى ذلك الحين] ترفض رفضًا باتًا الإفراج عن نائل، وعندما أطلق سراحه بصفقة وفاء الأحرار عام 2011، وضع عليه الاحتلال مجموعة من الشروط، منها فرض الإقامة الجبرية عليه في مكان سكنه».

تحولت غرفة البرغوثي في منزله إلى شيء أشبه بنموذج مصغر لواقع السجن، حيث تحتوي على الكثير من أغراضه الشخصية واللوحات والأعمال الفنية. يقول في مقابلة تلفزيونية أجريت معه عند خروجه من السجن من داخل غرفته: «كل هذه الأمور حصلنا عليها بالإضرابات، وثمنها أغلى من كل التحف الموجودة بالأرض، لأنه ثمنها دم وجوع وهمّ ونكد وغاز دفع ثمنه الأسير الفلسطيني وأهله».

عام 2014، اعتقلت قوات الاحتلال نائل البرغوثي مجددًا بعد حادثة خطف المستوطنين الثلاثة في مدينة الخليل، وحكمت عليه محكمة الاحتلال حينها بالسجن 30 شهرًا، ثم عادت وحكمت عليه في شباط 2017 بالمؤبد وثمانية عشر عامًا، الحكم الذي استقبله نائل داخل المحكمة بابتسامة ساخرة كما تقول زوجته إيمان. التحق نائل البرغوثي بإضراب الأسرى الحالي في الثالث من أيار، وما زال مضربًا عن الطعام حتى اليوم.

ليونارد بيلتيير، من السكان الأصليين لأمريكا
مدة الاعتقال: 40 عامًا، 1977- حتى الآن
العمر: 72 سنة

ولد ليونارد بيلتيير في ولاية داكوتا الشماليّة في الولايات المتحدة عام 1944، واختلطت أصوله ما بين الفرنسيّ والأمريكيّ الأصليّ. تطلّق والداه عندما كان يبلغ من العمر أربع سنوات، فانتقل للعيش مع أجداده من جهة أبيه، ثم ترك المدرسة بعد الصف التاسع وعاد ليسكن مع والده. في عام 1965، انتقل للعيش في مدينة سياتل وعمل لسنوات إلى أن أصبح مالكًا لمحل تصليح السيارات. خلال تلك السنوات، انضمّ بيلتيير لعدّة ناشطين بقضايا مختلفة تتعلّق بحقوق الأمريكان الأصليين إلى أن أصبح عضوًا في «الحركة الهنديّة الأمريكيّة» (AIM) ومن ثمّ أصبح أحد قادتها. تطالب AIM بحقوق الأمريكان الأصليين وكان بيلتيير جزءً من سعيها لتحقيق ذلك.

في بداية سبعينيات القرن الماضي، نشبت خلافات بين فصائل مختلفة من قيادة الأمريكان الأصليين، أدّت إلى صراع سياسيّ بين فصيل ريتشارد ويلسون وفصيل بيلتيير، واتُهم الأول بكونه مدعومًا من جهات رسمية أمريكية. نشبت اشتباكات بين الفصيلتين جرّاء ذلك وذهب بيلتيير إلى الأراضي المعنيّة لمحاولة إنهاء النزاع. كان بيلتيير خلال تلك الفترة مطلوبًا للعدالة بتهمة الهروب من القضاء لمحاولة قتل ضابط، لكن تمت تبرئته من تلك التهمة لاحقًا. في حزيران 1975 على الأراضي ذاتها، حصل اشتباك بين ضابطين من مكتب التحقيقات الفِدرالي (FBI) وركّاب سيّارة تطابق وصف السيّارة التي كانا يبحثان عنها، والتي يملكها رجل كانا يبحثان عنه. أطلقت الجهتان النار على بعضهما البعض، وأدّت الحادثة إلى وفاة الضابطيْن.

مع أنّ بيلتيير قدّم حججًا لغيابه عن مكان الحادثة أثناء الاشتباك، فقد اعتبر المتّهم الرئيسي في الجريمتين، وفرّ من الشرطة إلى أن اعتُقِلَ في شباط 1976 في كندا. في كانون الأول من العام ذاته، سُلِّم إلى الحكومة الأمريكيّة بسبب وثائق قدمها مكتب التحقيقات الفدرالي للحكومة الكنديّة، التي اكتشفت فيما بعد أنّها كانت مزيّفة، لتبدأ محاكمته التي انتهت بحُكمين بالسجن المؤبّد.

منذ المحاكمة، ظهرت العديد من الطعون في عدالتها، إذّ أنّ بعض شهود العيان تراجعوا عن شهاداتهم بعدها، وظهر أنّ بعض الأدلّة كانت ملّفقة أو لم تكن جازمة، بالإضافة إلى أنّ المحلّفين لم يُعلَموا بقضايا سابقة أُثبِتَ خلالها أنّ مكتب التحقيق الفدرالي تلاعب بأدلّة والشهادات. وما زال بيلتيير حتى اليوم ينفي قتله للضابطين، ويقول إن «جريمتي الوحيدة هي نضالي من أجل شعبي».

ما يزال بيلتيير في السجن إلى اليوم، بعد محاولات عديدة لاستئناف الحكم بشأنه، وطلب العفو من الرؤساء بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما، والدعم من جهات قانونيّة، ومن البابا فرانسيس. في عام 1993، أصبح بيلتيير مؤّهلًا لإطلاق السراح المشروط، لكن الجلسة القادمة لمناقشة ذلك ستقام في عام 2024، حين سيكون عمره 79 عامًا.

هيرمان بيل، الولايات المتحدة
مدة الاعتقال: 44 عامًا، 1973- حتى الآن
العمر: 69 عامًا

وُلِد هيرمان بيل في ولاية مسيسيبي في الولايات المتّحدة عام 1948، وعمل والداه في تلك الفترة مزارعين، ضمن نظام شبه عبودية لحق الحرب الأهليّة الأمريكيّة، يملك فيه الأمريكيون البيض أرضًا ويعمل فيها مزارعون سود. لفترة تمتد لحوالي 90 سنة بعد انتهاء الحرب، والإنهاء الرسمي للعبودية في أمريكا، استمرّت الحكومة بالتغاضي عن بعض التغييرات القانونيّة اللازمة، وأدّى ذلك إلى حرمان السود من معظم حقوقهم ما لم يحصلوا على إذن من شخص أبيض لفعل أيّ شيء.

تربّى هيرمان بيل على هذه الخلفيّة في ولايته ميسيسيبي، ثم في نيويورك حيث انتقل للسكن مع والده. وبعد سلسلة أحداث من العنف ضد السود وقمعهم المُمَأسس والمُمنهج، بدت الخطوة المنطقيّة لهيرمان وأقرانه من الشباب الواعيين سياسيًّا أن ينضمّوا لحزب الفهود السود. كان هيرمان قد تبنّى النهج المنتشر في المجتمع الأسود الأمريكي عند محاولته للنهضة، وهي التنوّر العلمي الذي نادى به أمثال مالكوم إكس، فحاز منحة رياضيّة للدراسة في جامعة في ولاية كاليفورنيا.

«كنت جزءًا من الصراع الأسود لتحديد مصيرنا»، يقول بيل. وبعد اضطراره للاختباء لمدّة عاميْن نتيجة انخراطه في هذا الصراع وهجوم الحكومة الأمريكيّة على منظّمات المجتمع الأسود بغاية تدميرها، اعتُقِلَ يوم 2 أيلول 1973 ونُقل بطريقة غير شرعيّة لنيويورك للمحاكمة بتهمة جريمتيّ قتل بحق شرطييّْن. أوّل محاكمة لم تنتهِ بحكم لعدم قدرة المحلّفين على الإجماع وبسبب عدم وجود شهود عيان للتعرّف عليه. يقول هيرمان إنّ الحكم الذي صدر بعد ثاني محاكمة بسجنه (25 سنة إلى حكم مؤبد) كان نتيجة تعذيب من قِبَل موظّفين قانونيين وشهود مُكرَهين وشهادات كاذبة وأدلّة ظرفيّة وملفّقة وإهمال قانوني. حاول هيرمان ومن حُوكم معه لسنوات استئناف القرار دون جدوى.

استمر هيرمان بالكتابة من السجن بشراهة، وحاز على شهادتيّْ بكالوريوس وشهادة ماجستير منذ دخوله. درس النظريّات الموسيقيّة واحترف الناي، وشجّع العديد من زملائه على استغلال الفرص الأكاديميّة والمهنيّة المتاحة لهم في السجن، ونظّم مشاريع اجتماعيّة ومعونيّة، بالإضافة إلى عمليّة تبادل رسائل بين المساجين وأطفال مشرّدين في نيويورك.

عام 2016، شارك هيرمان في مبادرة تضامنيّة بين المعتقلين السياسيين في الولايات المتّحدة والأسرى في فلسطين، وساهم برسالة عنوانها «أنتم لا تناضلون لوحدكم»، كتب فيها أن مقاومة الفلسطينيين «المبتكرة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي تعيد للأذهان ذكرى مقاومة الشعب الفيتنامي البطوليّة ضد احتلال الولايات المتّحدة لأراضيهم إبان حرب التحرّر الوطني». كما يقارن أيضًا بين النضال الفلسطيني ونضال الأفارقة الأمريكان ضدّ العنصريّة وكلّ أشكال القمع والعنف. وينهي بالتالي:

«إنّ مصيبة كلينا والخسائر التي منينا بها لها نفس المصدر. كما أنّ مجتمعاتنا تقع تحت الضغط الشديد، ويتم القبض على رجالنا ونسائنا، ويتعرّضون للتعذيب والاعتقال أو القتل. وتعاني عائلتنا كثيرًا وليس أمام أطفالنا مستقبلًا واضحًا. أنتم لا تحاربون وحدكم، نضالنا واحد، ونحن نبني حتّى نكسب».


* Rivera, Oscar López, and Desmond Tutu. Between Torture and Resistance. Ed. Luis Nieves-Falcón. Oakland, CA: PM, 2013. Print.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية