السخرية السياسية كسلاح لمقاومة النظام

الإثنين 01 شباط 2016
egypts-president-abdel-fattah-al-sisi

(نشر هذا المقال في موقع «الاشتراكي» في ٢٨ كانون الثاني).

في كتابه «فارس فارس»، يعلّق الشهيد والأديب المناضل الفلسطيني غسان كنفاني على السخرية السياسية ويقول: «السخرية، ليست تنكيتًا ساذجًا على مظاهر الأشياء، ولكنها تشبه نوعًا خاصًا من التحليل العميق»، فهي تحمل مضمونًا يتعلّق بالنظام القائم وسياسته.

ولعل أكثر الأمثلة على ذلك ما قدمه الممثل والمخرج العالمي شارلي شابلن في أحد أهم أفلامه «الأزمنة الحديثة». أراد شابلن أن يسخر من طريقة الإنتاج الرأسمالي الذى يتوخى السرعة والكم الكبير للإنتاج متجاهلًا العنصر الإنساني في العمل، معطيًا إياه دورًا ثانويًا أو إضافيًا في الأسلوب الذي عُرِفَ وقتها باسم «طريقة تايلر»، ومازال مستمرًا بالطبع.

في أحد مشاهد الفيلم يحصل شابلن على استراحة ليأكل بواسطة الآلة التي تتولى تقديم الوجبة له حتى فمه، ثم لا يلبث أن يُفاجأ بأنها صارت تصفعه عوضًا عن أن تطعمه. بعد ذلك يُكمِل مهمته في المعمل وهي الوقوف أمام البساط الدائر وفي يده مفتاح كبير خاص يشد به بحركة من يديه الاثنتين البراغي الكبيرة في القطع الحديدية الضخمة التي يتوالى ورودها من أمامه، ولما كان قد اعتاد على هذه الحركة طوال ساعات العمل اليومية فقد دخلت في سلوكه العام، فإذا جلس قام بالحركة ذاتها، وإذا اتجه إلى سريره لينام فعل الحركة إياها لا إراديًا أيضًا.

كما هو واضح فقد أراد شابلن السخرية من هذا الأسلوب اللاإنساني في الإنتاج الرأسمالي هذا. هذا النوع من السخرية والضحك الذي يدفع الإنسان بعد أن يفرغ من ضحكه إلى الدخول في تفكير عميق.

السخرية السياسية في الثورة

لم تغِب روح السخرية والضحك في خمس سنوات منذ اندلاع الثورة المصرية، فقد كانت حاضرة دائمًا في الهتافات واللافتات والصور والجرافيتي على الجدران، فكان لها دورٌ في صوغ خطاب التمرد والاحتجاج على النظام. أهم ما يميّز «السخرية السياسية» أنها أكثر حريّة. فيصف فرويد السخرية بشكل عام بأنها «تتفادى القيود، وتتخطّى العقبات، وتفتح في وجهنا أبوابًا للبهجة كانت موصدة دوننا. فهي تتيح لنا استغلال ظاهرة مضحكة في خصمنا لا نقوى على كشفها جادّين متعمّدين لما يعترض سبيلنا من عقبات».

دائمًا ما كانت السلطة، ممثلة في مبارك والمجلس العسكري ثم مرسي ومن بعده عدلي منصور ثم السيسي واتباع هؤلاء جميعًا، مادة للسخرية والضحك.

دائمًا ما كانت السلطة، ممثلة في مبارك والمجلس العسكري ثم مرسي ومن بعده عدلي منصور ثم السيسي واتباع هؤلاء جميعًا، مادة للسخرية والضحك، ولعلنا نتذكر القليل منها (الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان، الوحيد الذي التزم بحظر التجول هو حسني مبارك، يا واد يا مؤمن، جبنة نستو يا معفنين، إنتو نور عنينا، لا والله ما حكم عسكر، الشعب لم يجد من يحنو عليه، مسافة السكة، وأخيرًا: ميصحش كده).

ولعلنا رأينا جميعًا ما تمثله هذه السخرية، فحققت وما تزال هدفًا كبيرًا في كسر هيبة النظام الظالم والمستبد، وهو ما انعكس على ممارسات السلطة نفسها، فقد حُكم على مستخدم فيسبوك مصري بالسجن ثلاث سنوات من قبل محكمة عسكرية لرسم أذنيّ ميكي ماوس للسفاح السيسي ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبالتاكيد تخضع هذه السخرية لمعايير أخلاقية وهي أخلاق الثورة، أخلاق يعبر عنها الهتاف أو الشعار الشهير «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، أخلاق تنحاز للعدل والمساواة والتحرر من الاستغلال والظلم وكل ما هو سائد وما يُفرَض علينا من قبل النظام وخادميه أمثال رجال الدين ومثقفي السلطة وفنانينها، أخلاق ترفض الاضطهاد والتمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الدين.

وبالرغم من تحول هذه السخرية إلى كوميديا سوداء بعد الانقلاب وبفعل الثورة المضادة التي ارتكبت المجازر واعتقلت وخطفت وعذَّبت الآلاف، ومع الذكرى الخامسة للثورة، التي تأتي في ظل هذه الأوضاع التي تشكل تناقضًا صارخًا مع ما كنا نأمله ونناضل من أجله، إلا هذه الروح الساخرة تظل محافظة على تواجدها الدائم حتى في أحلك الأوقات، لتخلق وتوفّر حيزًا للمقاومة.

مساكين بنضحك م البلوة
زي الديوك والروح حلوة
سارقاها م السكين حموة
ولسه جوه القلب أمل!

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية