أي مستقبل للإسلام السياسي؟

الجزء الأول

أي مستقبل للإسلام السياسي؟

الخميس 12 تموز 2018

(هذا المقال، بجزأيه، هو الأخير ضمن ملف تنشره حبر بمناسبة مرور تسعين عامًا على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين.  يمكنكم قراءة المقالات السابقة من هنا، المقال الأول، المقال الثاني، المقال الثالث، المقال الرابع، المقال الخامس، المقال السادس)

منذ انبثاق وظهور مصطلح «الإسلام السياسي»* منذ قرابة الأربعة عقود، ثم بروز مصطلح «ما بعد الإسلام السياسي» قبل أكثر من عقدين ونصف من الزمن، لم ينفكّ المصطلحان يثيران جدلًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية الغربية فضلًا عن العربية، على صعيد التعريف والتطبيق والصلاحية. هذا الجدل سببه الغموض، وضعف القدرة التفسيرية، وعقم آثاره التنبؤية المستقبلية، فضلًا عن ضعف ومحدودية تداعياته الفكرية وتأثيراته المتواضعة على موطن الظاهرة في العالمين العربي والإسلامي. المجهودات البحثية المضنية التي بذلت في سبيل تطوير مقاربة نظرية لمرحلة الإسلاموية وما بعد الأسلمة، وشيوع مفهوم الإسلاموية وما بعدها كأداة تحليلية ناجعة ومفيدة من حيث المصطلحات الاجتماعية والسياسية، باتت متجاوزة بعد ثورات الربيع العربي 2011، فقد تحدّت الثورات العربية الأسس النظرية التي كانت بمثابة الأساس الصلب لخطاب الأسلمة وما بعد الأسلمة، والذي حاجج بصورة يقينية حتمية عن فرضية تراجع الإسلاموية كبديل سياسي صالح، بفعل مسارات العولمة وتفتيت المقدس، وتحول حقل التجربة الفردية للإسلام على أساس منظومة عولمية جديدة تقوم على الدفاع عن الحقوق المدنية، والفصل بين المجالات السياسية والدينية.

برهنت نتائج الانتخابات في العالم العربي التي جرت عقب ثورات الربيع العربي عن قوة وتنوع حركات «الإسلام السياسي»، وصعوبة إخضاعها للمقاربات التصنيفية لمقولات الـ«ما بعد» ورهاناتها التحليلية. فقد برز مصطلح «ما بعد الإسلاموية» عقب عقم وترهل مقولات مصطلح «الإسلاموية»، وضحالة قدرتها التحليلية التفسيرية والتنبؤية، في سياق أوروبي ــ أمريكي اضمحل يقينه بالسرديات الكبرى لأطروحات «الحداثة» ومقولاتها، بحلول عصر «ما بعد الحداثة» في زمن بروز ديناميكية «العولمة» النيوليبرالية، التي تنطوي على هيمنة استراتيجية أمريكية تقوم على مبدأ سيطرة الاقتصاد في حقل التنمية، ومبدأ سيطرة التقنية في حقل العلم، ومبدأ سيطرة الشبكة في حقل الاتصال1. وتشير عبارة «ما بعد» إلى حالة تحول في إطار من الاستمرارية، وتنتشر دينامياتها وكأننا ندرك في عالم بالغ القدم أننا متأخرون أو لاحقون عليه حسب بريس كوتورييه، «إذ لم يعد في وسعنا زعم الجِدة، فنحن نأتي في مرحلة ما بَعد، ونكمل ما سبقنا، ولكن ما يلي ننزع عنه طابعه ولونه، ونطعن فيه، فـ«ما بعد» يخالف ما يقال أكثر مما يبني بناء عليه».

لا جدال أن أفق بروز الـ«ما بعديات» يندرج في إطار الحالة الغربية (الأمريكية ــ الأوروبية) بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك المنطومة الاشتراكية والإعلان عن نهاية الحرب الباردة، والابتهاج بأيدولوجيا نهاية التاريخ التي تبشر بحتمية قدوم وسيادة الديمقراطية الليبرالية2، الأمر الذي خلق أزمة مفاهيمية معرفية واستراتيجية سياسية داخل الفضاء الغربي الأمريكي ــ الأوروبي، حيث ظهر مصطلح «ما بعد الديمقراطية» بسبب الترهل والتراجع الذي أصاب مفهوم «الديمقراطية» في الغرب، فما بعد الديموقراطية هو نظام تتفلت فيه القرارات من أيدي الجسم الانتخابي وتؤول إلى مؤسسات غير منتخبة خارج المحاسبة، و«ما بعد العلمانية» يرى أن العالم لا يتجه إلى الخروج من الدين، كما حسِب الأوروبيون، و«ما بعد الحداثة» تعلن إخفاق مشروع الحداثة والأنوار.

 تحدّت الثورات العربية الأسس النظرية التي كانت بمثابة الأساس الصلب لخطاب الأسلمة وما بعد الأسلمة، والذي حاجج بصورة يقينية حتمية عن فرضية تراجع الإسلاموية كبديل سياسي صالح

يُستخدم مصطلحا «الإسلاموية» و«ما بعد الإسلاموية» بشكل عام لتحديد مسار تاريخي يؤشر على بدء ونهاية حالة ومشروع الإسلاموية، وتعِد ما بعد الإسلاموية بإطلالة حقبة جديدة؛ حيث تتحول الإسلامية إلى الاستيطان والتموضع في إطار الدولة القومية عبر إزالة الإسلاموية عن الذات، فنهاية «الإسلاموية» تفضي بالضرورة إلى الدخول في أفق «ما بعد الإسلاموية». وقد ولد المصطلح في السياق الغربي، خارج إطار «المجال التداولي» و«الحقل الدلالي» العربي الإسلامي، الأمر الذي يجعله مفروضًا وليس مفترضًا على فعاليات وتوجهات وقوى وحركات ترفض استراتيجيات التسمية المرتبطة بالهيمنة والسيطرة، ذلك أن مقاربات تحليل الإسلاموية وما بعد الإسلاموية تتجاوز الأطر المعرفية الإبستمولوجية وتتلبس بالصياغات الأيديولوجية والاستراتيجية. وتبرز أهمية مفهوم «المجال التداولي» كونه يقوم على فلسفة تبدد أصول النزعة المركزية الغربية وكل نزعة كونية، ويعتبر المجال التداولي في نظر طه عبد الرحمن نطاقًا مكانيًا وزمانيًا لحصول التواصل والتفاعلأ، ويصعب فهم وإدراك خصوصية مجالنا التداولي دون التخلص من تنميطات الفكر الغربي، ورد الفكر الغربي إلى ثوابته التداولية.

ظهر مصطلح «الإسلام السياسي» بداية بوصفه صيغة ملطّفة لمصطلح «الإسلاموية» في المجال التداولي الغربي بعد الثورة الإيرانية عام 1979، وبات واسع الانتشار على نطاق واسع في العالمين العربي والإسلامي، وتحول المصطلح إلى ثيمة حاضرة بقوة في الحقل الدلالي للخطاب السياسي المعاصر. وقد نُحِت المصطلح، حسب أوليفييه روا، لوصف ظاهرة يُزعم أنها جديدة تدل على وجود حركات سياسية يرأسها علماء مسلمون متعلمون يدعون إلى «إعادة أسلمة» البلدان ذات الأغلبية المسلمة والمجتمعات الإسلامية في أماكن أخرى، التي توقفت، في نظرهم، عن أن تكون إسلامية بما فيه الكفاية. وروجت هذه الحركات للشريعة الإسلامية من خلال الأشكال الحديثة للتعبئة الشعبية، واعتمدت هيكلًا تنظيميًا مختلطًا، في نقطة تقاطع بين الأخوية الصوفية التقليدية، التي يمر فيها الأعضاء بخطوات مختلفة من الارتقاء، وبين الحزب السياسي الحديث. وقد عمل الإسلاميون على مسارين: تعزيز حركة اجتماعية يمكن أن تتشارك مع المنظمات المجتمعية والجمعيات الخيرية؛ وإنشاء حركة سياسية تتنافس في الانتخابات وتقوم بدفع أعضائها إلى داخل بيروقراطية الدولة. وتعتبر جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928، الممثل الأبرز والأول لظاهرة الإسلام السياسي السني، وقد تمكنت لاحقًا من تأسيس فروع لها في جميع أنحاء العالمين العربي والإسلامي. وقد أغرت ظاهرة الثورة الإيرانية التي ينتمي علماؤها إلى الفضاء الإسلامي الشيعي الإسلام السياسي السني بإمكانية استنساخ التجربة بالسيطرة على الدولة وأسلمتها، الأمر الذي أدى إلى اجتهادات قادت إلى انشقاقات الإسلام السياسي حول طرائق الهيمنة والسيطرة، فبرزت توجهات راديكالية ثورية تؤمن بالقوة المسلحة في التغيير، وظهرت توجهات محافظة سلمية تتموضع في إطار الدولة الوطنية وتعمل من خلال أنظمتها ومؤسساتها وتستثمر فضاءات الديمقراطية ومناخات الحرية.

نظرًا لاختلاف المجال التداولي وارتباط مصطلح الإسلام السياسي بالفضاء الأوروبي ــ الأمريكي وانطوائه على أبعاد أيديولوجية سياسية ونزعة مركزية غربية، انتقد رضوان السيد هذا المصطلح واستبدله بالإحيائية، «بينما رأى فهمي جدعان فيه بدعة أيديولوجية حديثة وانحرافًا عن الإسلام، ولا نغفل، في هذا المقام، جهد محمد سعيد العشماوي في قصف هذا المصطلح، في حين نجد مقابل ذلك عددًا من العلماء المعروفين مثل الشيخ يوسف القرضاوي يفنّد تهمة الإسلام السياسي وخطأ تقسيم الإسلام إلى أنواع متباينة؛ كإسلام أخلاقي وإسلام اجتماعي، وأن السياسة جزء من الشريعة لا تنفصل عنه».

تكشف التواريخ الحديثة عن فشل ذريع للقدرة التفسيرية والتنبؤية للعلوم الاجتماعية عمومًا وحقل الإسلاميات خصوصًا، فكبار الخبراء من الباحثين المشتغلين في حقل الإسلاموية وما بعدها، برهنوا عن إخفاق تام في مجال المستقبليات، فقد بشر أوليفيه روا، وهو من أشهر الباحثين في مجال الحركات الاجتماعية عموًما والجماعات الإسلامية خصوصًا، مطلع تسعينيات القرن الماضي بفشل الإسلام السياسي، في كتابه «إخفاق الإسلام السياسي»، محاولًا استكشاف أوجه القصور التي شابته، الأمر الذي أفضى في النهاية حسب روا إلى إفراغه من مضمونه، وأفضى لتحوله إلى سلفية جديدة، لا يشغله شاغل سوى تطبيق القانون الإسلامي، دون أن يخترع أشكالًا سياسية جديدة. وشدّد روا على أن الإسلاموية فقدت محركها الأصلي ومحرّضها الأول، وما عادت تقدم نموذجًا لمجتمع آخر، أو لغدٍ مشرق4، الأمر الذي أفضى إلى ولادة مصطلح ما بعد الإسلام السياسي. وقد دحضت ثورات الربيع العربي أطروحات الفشل والأفول، كما أخفقت نبوءات آصف بيّات وهو أحد كبار المختصين في الحركات الاجتماعية في الشرق الأوسط وحركات الإسلام السياسي، فقد «بدا مؤمنًا بانحسار الأدبيات الإسلامية منذ وقت سابق على التطورات السياسية الأخيرة في المنطقة، حيث كان قد نشر في عام 1996 أحد أوراقه التي اكتسبت شهرة والتي جاءت تحت عنوان: «قدوم المجتمع ما بعد الإسلاموي»، وكان بيات ينطلق في ورقته تلك من الحالة الإيرانية، التي رأى أنها في طريقها لتجاوز الشعارات الثورية الإسلامية بعد أن استنفدت أغراضها وبدأت في بناء الدولة الحديثة، مستشهدًا بولادة تيار إصلاحي جديد «ما بعد إسلاموي». وتحدث بيّات عن الرغبة الشبابية الجارفة في تجاوز الدوغمائية التي ارتبطت بالعشرية الأولى من الثورة، وما اشتملت عليه من حالة استنفار فرضتها ظروف الحرب مع العراق»، فنبوءة بيات «حول الواقع الإيراني نفسه لم تكن موفقة، حيث أن النظام الإيراني تمسك أكثر بشرعيته الدينية التي أعطاها الأولوية على حساب لعبة الديمقراطية والانتخاب، كما أثبتت الأيام أن ما بدا وكأنه تيار إصلاحي داخلي قوي داخل إيران لم يكن سوى وهم مهمّته إضفاء بعض التوابل على مسار سياسي معطوب، رغم ذلك فإن الحديث عن نهاية الإسلام السياسي أو مرحلة ما بعد الإسلاموية ظل رائجًا».

حدث الإسلاموية وما بعدها وحديث النهايات

كان أوليفيه روا قد استخدم مصطلح ما بعد الإسلاموية، إلى جانب أوليفييه كاريه عام 1991، على الرغم من اختلافهما حول الأهداف وفي وجهات النظر، فكاريه كان يعتقد أنه من القرن العاشر وحتى القرن التاسع عشر، قام كل من الإسلام الشيعي والسني بـ«فصل العالم السياسي ــ العسكري عن العالم الديني، سواء من الناحية النظرية أو العملية»؛ ويعرِّف كاريه تلك الفترة بأنها «ما بعد الأسلمة»، حيث جرى تجاوز هذا النوع من الإسلام في القرن العشرين بواسطة الحنبلية الجديدة، فنحن نشهد الآن، بحسب كاريه، عودةً لعصر ما بعد الأسلمة، الذي يفهم على أنه عودة إلى العصر الكلاسيكي للإسلام. وبحسب كاريه فإن مرحلة ما بعد الإسلاموية هي الخيار الوحيد الموجود لدى الفكر الاجتماعي والسياسي الإسلامي للهروب من الفخ الذي وجد نفسه فيه خلال العشرينات».

بالتزامن مع أطروحة كاريه قدم أوليفييه روا أطروحته الخاصة حول «فشل الإسلام السياسي»، باعتباره حقيقة تاريخية ناتجة عن الخطأ المنهجي للإسلام نفسه، فقد فشلت الحركات الإسلامية، عندما تواجهت مع الواقع (سواء كان ذلك في ممارسة السلطة السياسية في إيران، أم المعاناة من القمع على يد النظام المصري أو بإدامة حالة الأقلية المسلمة في أوروبا)، في تحقيق هدفها في نهاية المطاف المتعلق بإنشاء دولة إسلامية بسبب التناقضات الداخلية. وبدءًا من نهاية الثمانينات شهد العالم بدايات عصر جديد لما بعد الأسلمة للعالم المسلم المتسم باللجوء إلى الإسلام القومي أو القومية الاسلامية، أي اعتماد الدولة لإعادة أسلمة المجتمع وخسارة الإسلاميين لاحتكار الخطاب الديني. إن رؤية روا للعالم الإسلامي شمولية، لكون الإسلام قالبًا مفاهيميًا يضع حدودًا في كل شيء ذي صلة بالحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والهوية.

برهنت نتائج الانتخابات في العالم العربي التي جرت عقب ثورات الربيع العربي عن قوة وتنوع حركات “الإسلام السياسي”، وصعوبة إخضاعها للمقاربات التصنيفية لمقولات الـ”ما بعد” ورهاناتها التحليلية

لاحقًا، تكاثرت الدراسات التي سارت على خطى فرضية روا وكاريه، ومنها دراسة جيل كيبيل «الجهاد: انتشار وانحسار الإسلاموية»، ويخلص إلى أنه في ربيع عام 1997 كان هناك دليل على أن الإسلاميين يتطلعون إلى أن يخلّفوا وراءهم المأزق السياسي الذي وجدوا أنفسهم فيه بعد فشل الأيديولوجية الإسلامية وتحالف الطبقة البرجوازية المتوسطة والشباب المحرومين، وبحسب كيبيل، كان هناك خطاب جديد قائم على الديمقراطية وحقوق الإنسان، بدأ يتشكل من أندونيسيا وصولًا إلى الجزائر5.

يعتبر آصف بيات من أوائل الباحثين في اعتماده «ما بعد الإسلاموية» أداةً تحليلية، ففي كتابه «جعل الإسلام ديمقراطيًا: الحركات الاجتماعية والتحول ما بعد الأسلمة»، والصادر في عام 2007، يوسّع بيات تعريف ما بعد الإسلاموية باعتبارها «مشروعًا»، وليست «حالة» تقوم على محاولة واعية لوضع تصور واستراتيجية لمنطق وطرائق لتجاوز الإسلاموية في المجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية، فمرحلة ما بعد الإسلاموية بحسب بيات ليست معادية للإسلام ولا هي علمانية، بل تمثل محاولة لدمج التدين والحقوق، الإيمان والحريات، الإسلام والحرية، فهي محاولة لتحويل وقلب المبادئ الأساسية للإسلام رأسا على عقب بواسطة التأكيد على الحقوق بدلا من الواجبات، وعلى التعددية بدلًا من الصوت الأحادي السلطوي، وعلى التاريخانية بدلًا من الكتاب المقدس الثابت، وعلى المستقبل بدلا من الماضي.

ركزت دراسة بيات «صناعة ما بعد الإسلاموية في إيران» على تفسير التحولات التي ألمّت بالمجتمع الإيراني في مرحلة ما بعد الخمينية، وأنتجت ما بعد إسلاموية مغايرة لأيديولوجيا الدولة المؤسسة على ثيوقراطية الولي الفقيه، قوامها «سلسلة من الحركات الاجتماعية والفكرية يقودها الشباب والطلبة الذين اخترقوا هيمنة الأجهزة الثورية على اتحاداتهم، والنساء اللائي طالبن بإعادة تقييم القوانين التي تحد من حقوقهن الشخصية وحركتهن في المجال العام، والمفكرون الدينيون الذين قاموا بجهد لإعادة تأويل النصوص الدينية على ضوء الواقع المعاصر للمجتمع والعصر ودعوا إلى تجاوز التفسير الواحد للمقدس». عبَّرت هذه الحركات عن نفسها سياسيًّا مع انتخاب الإصلاحي محمد خاتمي رئيسًا 1997 عقب الانفتاح الذي صنعته مرحلة البراجماتي هاشمي رفسنجاني. استعان خاتمي بكثير من المفكرين الذين مثَّلوا انقطاعًا عن المحافظية الخمينية التقليدية. غير أن هذا الانتصار السياسي جابهته تحديات من داخل النظام وأجهزته الأيديولوجية المتغلغلة في المجتمع فصبَّت في الاتجاه المضاد لإصلاح الفكر والمجتمع، وبعد سيادة هذا الاتجاه المضاد (المحافظ) في فترة رئاسة أحمدي نجاد، عبَّرت الحركة الخضراء 2009، عن استمرار التحولات الاجتماعية المعبِّرة عن انحسار شرعية النظام وأيديولوجيته عقب الصراع في الانتخابات الرئاسية بين نجاد ومير حسين موسوي ومهدي كروبي6.

يتجاوز أصف بيات استخدامات روا وكيبل لمصطلح «ما بعد الإسلام السياسي»، فبحسب بيات استعمل المصطلح من قبل عدد من المراقبين البارزين في أوروبا ليشير في المقام الأول إلى حدوث تحول في المواقف والاستراتيجيات من المتشددين الاسلاميين في العالم الإسلامي، وبينما قد نرحب بانتشار المصطلح، إلا أن الطريقة الخاصة التي استخدم فيها يبدو أنها قد سببت تشويشا أكثر من التوضيح المنشود. فبالنسبة للبعض، مثل المفكر الفرنسي جيل كيبيل، فإن حالة «ما بعد الإسلام السياسي» تصف تحول الحركيين الإسلاميين عن التعاليم السلفية والجهادية ، وبالنسبة لآخرين، مثل أوليفييه روا فإن حالة «ما بعد الإسلام السياسي» ينظر إليها كـ«خصخصة» للأسلمة، بعكس أسلمة الدولة، أي تحول الحالة الدينية من سيطرة الدولة إلى سيطرة عامة الناس، حيث يكون التركيز على (كيف) و(أين) تنفذ الأسلمة بها، بدلًا من محتواها. وعندما تستخدم للتصنيف، فإن حالة «ما بعد الإسلام السياسي» قُدمت ويُنظر إليها في المقام الأول – بما في ذلك في عملي السابق عن إيران – كصنف تجريبي بدلا من صنف تحليلي، لتمثل «عصر معين» أو «نهاية حقبة تاريخية». ففي حين يُعرّف «الإسلام السياسي» بدمج الدين والمسؤولية، فإن حالة «ما بعد الإسلام السياسي» تؤكد على التدين والحقوق. حالة «ما بعد الإسلام السياسي» قد تجد ما تعبر عنه في الممارسات الاجتماعية المختلفة، والأفكار السياسية، والفكر الديني كما في الأساس الفلسفي لمناطق «ما بعد الإسلام السياسي» الحضرية، وحركات الشباب والطلاب، والنشاطات النسوية، أو وجهات النظر اللاهوتية7.

الإسلاموية كأثر استشراقي ورهان ثقافوي

رغم وجود اختلاف ظاهر بين أنصار مقاربة الإسلاموية ومرحلة ما بعد الإسلاموية، والمقاربة الاستشراقية التقليدية للإسلام، إلا أن ما بعد الإسلاموية لا تخلو من الأثر الاستشراقي في سياق ظاهرة الاستشراق الجديد، وهي مقاربة مشبعة بالجوهرانية والسكونية الأثيرة للمؤسسة الاستشراقية القديمة، فالأكاديميّون ذوو وجهات النظر الليبرالية القديمة، والذين ينكرون تمامًا وجود حركات مرحلة ما بعد الأسلمة، ينحازون إلى الجوهرانية بدلا من السياقية. يصرّ الخطاب الاستشراقي الثقافوي الجديد على أن تمثّلات الإسلام المختلفة تكتيكيّة وليست استراتيجية، ولا فرق نوعي بين نهضة الغنوشي وخلافة البغدادي، فالجميع بهدف إلى ترسيخ أجندته الإسلامية عبر تكتيكات والتفافات خطابية لا تنطوي على تبنٍ مخلص للتعددية الديمقراطية.

يكشف التوسع باستخدام مصطلح «الإسلام السياسي» عن خلط وتشوش مع مصطلحي «الإسلام الجهادي» و«الإسلام الدعوي»، ففي كتاب «إعادة التفكير في الإسلام السياسي» وهو مجموعة من الدراسات والأبحاث والمقالات جمعها شادي حميد وويليام ماكانتس حول الإسلام السياسي من خلال تعريف ما يسميه الكاتبان «إسلاميو التيار السائد»، يستخدم حميد وماكانتس هذا المصطلح للإشارة إلى الأحزاب الإسلامية «التي تعمل ضمن حدود السياسات المؤسسية، وتكون مستعدة للعمل داخل هياكل الدولة القائمة، حتى تلك البنى العلمانية ظاهريًا»، وتشمل المجموعات التي ينطبق عليها هذا الوصف جماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن، وحزب الإصلاح في اليمن، وحزب العدالة المزدهر في إندونيسيا، وغيرها الكثير.

تعِد ما بعد الإسلاموية بإطلالة حقبة جديدة؛ حيث تتحول الإسلامية إلى الاستيطان والتموضع في إطار الدولة القومية عبر إزالة الإسلاموية عن الذات

رغم التنوع الكبير في فهم الإسلام السياسي، يندرج محللو الإسلام السياسي في فئتين رئيسيتين؛ الأولى: يمكن أن يُطلق عليها اسم «وجهة النظر السياقية»، والتي تعتقد بأن سياسات وممارسات الأحزاب السياسية لا تقودها الأيديولوجية بقدر ما تقودها الأحداث، وترى إلى هذه الجماعات باعتبار أنها تعمل برد الفعل وتميل إلى التكيف، ويلاحظ العالم السياسي ستيفن بروك أن أصحاب النظرة السياقية يعتقدون بأن الجماعات الإسلامية تسعى إلى التكيف مع الظروف والأعراف الخاصة بالبلد المعني، والهدف الرئيسي لهذه الجماعات هو البقاء على قيد الحياة كمنظمات متماسكة وكفاعلين سياسيين. وفي كثير من الأحيان، لا يعدو استخدامها للخطاب الديني كونه «كلام إسلامي»، أما المدرسة الثانية للفكر فهي تلك التي يمكن أن تدعى «وجهة النظر الجوهرية«؛ وهي ترى أن الإسلاميين هم في الأساس أيدلوجيّون، وأن أي تنازلات يقدمونها للمبادئ أو المؤسسات العلمانية إنما هي تحرّكات تكتيكية بحتة؛ حيث لا تمنعهم مشاركتهم في السياسات الانتخابية من الدعوة إلى الجهاد العنيف أيضًا، ووفقًا لهذه النظرة، فإن المفهوم الإسلامي الحقيقي للديمقراطية هو «رجل واحد، صوت واحد، مرة واحدة». وبعبارات أخرى، يرى الإسلاميون، بحسب أصحاب هذا الفكر، صندوق الاقتراع مجرّد طريق إلى السلطة؛ وبمجرد أن يصبحوا هناك، فإنهم يستبدلون الديمقراطية بالثيوقراطية، والنتيجة الطبيعية لهذه الأطروحة هي الفكرة القائلة إن اللاهوت الإسلامي لا يعترف بأي فصل بين الدين والسياسة، وبذلك لا يستطيع الإسلامي الموثوق والحقيقي أن يتخلى عن أجندته الأيدلوجية لصالح مقاربة أكثر براغماتية أو ديمقراطية8.

لعل اسهامات إدوارد سعيد حول الاستشراق تنطوي على أفضل مقاربة لعلاقة الغرب بالشرق، فهو يرى أنّ الاستشراق ينقسم إلى ما هو تخييلي وجامعي واستعماري، وهذه كلها معان يحيل عليها هذا العلم، غير أنّ ثمة تبادلًا أو تضافرًا بينها كلها لتحقيق أهداف معينة مسطرة مسبقًا من قبل دوائر الاستعمار الغربي، فـ«الاستشراق كأسلوب غربي للسيطرة على الشرق، واستبنائه، وامتلاك السيادة عليه»9. ولم يتم ذلك إلا عبر آلية القوة الخشنة كالحروب والقتال تارة، وعبر آلية القوة الناعمة عبر جهاز الاستشراق.

في سياق الاستشراق ودراسة الحركات الإسلامية، لا تزال الأدوات والأهداف ذاتها. وستصبح مهمة مبشّري الليبراليّة الأميريكيّين والأوروبيّين، أي أولئك الذين يرون أن من سيقود المجتمع الدولي في المستقبل لن يكون سوى رجل على دين العلمانيّة، التبشير بنظامهم القيمي ونموذجهم الاجتماعي والسياسي لكل المسلمين بُغيةَ إنقاذِهم وتخليصهم من النظام الاستبدادي الذي يحكمُهم. وترنو هذه العمليّة التبشيريّة إلى تحويل المسلمين والإسلام إلى الليبراليّة الغربيّة ونظامها القيمي بِعَدِّهِ النظام الوحيد العادل والعاقل الذي ينبغي على كوكب الأرضِ بأكملهِ تبنيَهُ. وكما بيّن طلال أسد، فإن مهمة الليبراليّة تتمثل في «إعادة تشكيل» التقليد الإسلامي «على شاكلة المسيحيّة البروتستانتيّة الليبراليّة»10. وهي تُصوّر مقاومة المسلمين لهذه المهمة على أنها رفضٌ للحداثة ولقيم الليبراليّة مثل الحرّيّة، والتحرّر، والمساواة، والحقوق المدنيّة، والمواطنة الديمقراطيّة، وحقوق النساء، والحقوق الجنسيّة، وحرّيّة العقيدة، والعلمانيّة، والعقلانيّة، إلخ11.

الخطاب الاستشراقي الثقافوي الجديد يصر على أن لا فرق نوعي بين نهضة الغنوشي وخلافة البغدادي، فالجميع بهدف إلى ترسيخ أجندته الإسلامية عبر تكتيكات والتفافات خطابية لا تنطوي على تبنٍ مخلص للتعددية الديمقراطية

بصدد نقض مقولات الاستشراق الجديد، جادل فرانسوا بورغا منذ فترة بعيدة حول خطأ فرضية فشل الإسلام السياسي، وأكد على استمرار ثبات ثلاثة عوامل ذات صلة، وهي: أولًا: أسباب اجتماعية سياسية أدت إلى صعود الإسلاموية في المقام الأول، وثانيًا: قدرة الخطاب الإسلامي حول الحداثة على تعبئة جمهوره بمصطلحات داخلية ذاتية، وثالثا: التلاعب الذي تمارسه أنظمة مختلفة بخصوص التهديد الإسلامي. وفي ذات السياق عمل آلان روسيون على تفكيك الأشكال الجديدة للاستشراق في إطار ما بعد الإسلاموية، إذ يشكك روسيون في الباحثين السياسيين الفرنسيين المتخصصين في دراسة الإسلام، ويحذر من «الثقافات الفطرية» التي نجدها في تحليل ما يسمى بالأجندة السياسية لمرحلة ما بعد الأسلمة، ويعتقد روسيون أن أولئك الذين يجادلون لصالح فشل الإسلاموية أمثال جيل كيبيل وأوليفييه روا يعملون في ظل نفس المنطق المشوه الذي كان قد أدى بهم في السابق إلى تعليق أهمية مفرطة على تحليل الواقع السياسي العربي ــ الإسلامي بالمصطلحات الإسلامية، فكيبيل وروا يعتقدون أن الإسلام يحدد أي شيء وكل شيء يدور في المجتمعات المسلمة12.

وبحسب جوزيف مسعد تمثّل المعركةُ الناشبةُ اليوم بين مختلف القوى التي تتحدث باسم الإسلام أو باسم العِداء له جزءًا من العمليّة الإنتاجيّة التي لا تُكسِب الإسلام معاني ودلالات جديدةٍ فحسب، بل تمثّل أيضًا جزءًا من عملية ثانية ذات صلة بالأولى، ترنو للتحكم بإزاحة المصطلحٍ باتجاه معان ودلالات معينة، والنأي به عن معان ودلالات أخرى. وهكذا يوضع الإسلامُ في حالة تعارضٍ مع نقائض معيّنة، وبهذا فإن صلب نظرية ما بعد الإسلاموية يرتكز على العلاقة بين الديمقراطية والإسلام، ففي صلب فهم الجينيالوجيا الفكرية العميقة للمزاعم الليبرالية نشأت مقولة أن الإسلام في صلبه الثقافي ليس ديمقراطيا أو أنه معادٍ للديمقراطية، وأن الإنجاز الثقافي الأهم للمسيحية (في شكلها البروتستانتي) والغرب هو التزامهما بالحكم الديمقراطي، وقد تناول مسعد في كتابه «الإسلام في الليبرالية» السياق الليبرالي الذي ظهرت فيه هذه المزاعم وفي التأثير الثقافوي الذي ألقته على السياسة وفي الجهود المتواصلة للولايات المتحدة، ومن قبلها بريطانيا (وفرنسا)، لتقديم ثيولوجيا إسلامية إن لم يكن إسلامًا جديدًا بالكامل متماشيًا مع النظام الاستعماري والإمبريالي الذي أرادوا فرضه على الدول ذات الأغلبية المسلمة تحت شعار «نشر الديمقراطية والحرية»13.

تمثل أطروحة نادر هاشمي نموذجًا للمطالبة بتحويل الإسلام إلى بروتستانتية كقنطرة للدخول في الديمقراطية الليبرالية، ففي سياق بحثه عن نظرية ديمقراطية للمجتمعات المسلمة، يشير أن ظروف صعود الأصولية الإسلامية في الشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين، هي مشابهة في سياقها السياسي وخلفياتها الاجتماعية/الاقتصادية للحركات الأصولية البيوريتانية، التي شهدتها أوروبا في القرن السادس عشر والسابع عشر، إذ يرى هاشمي أن المقارنة بين بعض الأحداث التي شهدها العالم الأوروبي، وما يشهده العالم الإسلامي اليوم، يمكن أن تساهم في تسليط الضوء على حالة «لوثرية» تقف على تخوم العالم الإسلامي، خاصة أن هذا العالم «يقف اليوم على مطالع القرن الخامس عشر للهجرة، وهو ما يقابل في تاريخ المسيحية قرنًا قبيل تعليق مارتن لوثر القضايا الخمس والتسعين على باب كنيسة قلعة فيتنبرغ»14.

إن الخطاب عن الديمقراطية، هو غالبًا خطاب ديني مسيحي قدّم الديمقراطية على أنها أعلى مراحل المسيحية (البروتستانتية). إن هذا الخطاب باختصار لا يقل عما وصفه فوكو بأنه توأمة مجموعة من الممارسات (الذي هو في حالتنا سيكون الحكم المحلي والإمبريالي) ونظام حقيقة (الذي هو في هذه الحالة الاستشراق) استُمِدا من لدن جهاز من المعرفة-السلطة (باختصار الليبراليّة) «الذي يشيرُ بوضوح إلى ما ليس موجودًا في الواقع ويودِعُه بشكلٍ شرعي في خانة التقسيم ما بين الحقيقة والصواب من جهة والخطأ من جهة أخرى»، أي حقيقة «أوروبا الديمقراطيّة» و«اللاديمقراطيّة الإسلاميّة»15.


* تنويه: هذا المقال تطوير لمقال سابق، نشره الكاتب في جريدة الرأي الأردنية بتاريخ 9 أيّار 2016.

  • الهوامش والمراجع

    1- د. طه عبد الرحمن، روح الحداثة: المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2006، ص79ـ81.

    2- كان فرانسيس فوكوياما أول المبشرين بنهاية التاريخ، حيث أكد على: «أن انهيار الاتحاد السوفييتي، وتفكيك المنظومة الشيوعية، لم يضعا حدًا للصراع التقليدي فحسب، وإنما وضعا نهاية للتاريخ أيضًا، باعتباره إلى الآن تاريخ صراعات مريرة مدمرة، وبتلك النهاية يميل التاريخ إلى الاستقرار عند الرأسمالية العالمية، كنظام للديموقراطية الليبراية الغربية، وكنظام سياسي عالمي أمثل» انظر: فرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ وخاتم البشر، ترجمة حسين أحمد أمين، ، مركز الأهرام للترجمة والنشر، العام 1992، ص 62 .

    3- انظر: طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1994، ص 244

    4- انظر: أوليفيه روا، تجربة الإسلام السياسي، ترجمة نصير مروة، دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى، 1996.

    5- انظر: جيل كيبيل، جهاد: انتشار الإسلام السياسي وانحساره، ترجمة نبيل سعد، سلسلة كتاب العالم الثالث، 2002.

    6- انظر: آصف بيات، صناعة ما بعد الإسلاموية في إيران، ضمن ما بعد الإسلاموية الأوجه المتغيرة للإسلام السياسي، تحرير آصف بيات، ترجمة محمد العربي، دار جداول، بيروت، الطبعة الأولى، 2016، ص 59 ــ 101.

    7- انظر: آصف بيات، بروز ما بعد الإسلام السياسي، ترجمة وتقديم: د. حمد العيسـى،موقع «الإسلام في المغرب»، 11 ديسمبر 2014.

    8- انظر: أوليفييه روي، الإسلام السياسي بعد الربيع العربي بين الجهاد والديمقراطية، مرجع سابق.

    9- انظر: إدوارد سعيد، الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء، ترجمة كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، الطبعة السابعة،2005، ص 39.

    10- Talal Asad, «Europe Against Islam: Islam in Europe,» Muslim World, 87, no. 2, (April 1997): 189.

    11- انظر: جوزيف مسعد، الإسلام فى الليبرالية، ترجمة جوزيف مسعد وأبو العباس إبراهام.دار جداول، بيروت، الطبعة الأولى، 2018.

    12- انظر: لوز غوميز غارسيا، ما بعد الإسلاموية: الإسلام والقومية منذ وفاة الخميني وصولًا إلى الثورات العربية، مرجع سابق.

    13 المرجع السابق، ص 22 ــ 25.

    14- انظر: نادر هاشمي، الإسلام والعلمانية والديمقراطية الليبرالية، ترجمة أسامة غاوجي، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2017.

    15- انظر: جوزيف مسعد، الإسلام فى الليبرالية، مرجع سابق، ص 43.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية