تاريخ العفو العام في الأردن: من الإمارة إلى عبد الله الثاني

وصفي التل يخطب في المساجين الذين أفرج عنهم من سجن عمان المركزي في عفو عام 1965. الصورة عن موقع «زمانكم»، بإذن من الأستاذ أحمد أبو خليل.

تاريخ العفو العام في الأردن: من الإمارة إلى عبد الله الثاني

الأربعاء 10 تشرين الأول 2018

منذ الأيام الأخيرة لحزيران الماضي، اعتصم العشرات من أهالي بعض المساجين، ما لا يقل عن سبع مرات، للمطالبة بإصدار قانون للعفو العام، ونفّذوا أغلب اعتصاماتهم أمام مجلس النواب.

برز موضوع المطالبة بقانون عفوٍ عام، في آذار الماضي، عندما تناوله عدد من النواب أثناء جلسة نيابية حضرها رئيس الوزراء حينها هاني الملقي، وكانت مخصصة لسماع ردود الحكومة على أسئلةٍ نيابية. بعد حوالي ثلاثة أشهر من تلك الجلسة، قدّم 70 نائبًا مذكرة نيابية إلى رئيس الوزراء عمر الرزاز، طالبوا فيها الحكومة «بضرورة تبني إعداد مشروع قانون العفو العام»، مقترحين مجموعة من الضوابط والاستثناءات.

بعد ذلك، وأثناء مناقشات النواب للبيان الوزاري لحكومة الرزاز، تناول 10 نواب موضوع العفو العام في كلماتهم، وتعهد الرزاز في كلمة الرد على النواب «بإعداد دراسة شاملة لمطلب إصدار عفو عام». ثم أعلنت الناطقة الرسمية باسم الحكومة، جمانة غنيمات، في 27 أيلول الماضي، أن الرزاز شكّل «لجنة وزارية لدراسة الأبعاد القانونية والفنية والمالية» لمشروع القانون.

إلّا أن هذه اللجنة أوصت في 3 تشرين الأول الحالي بإصدار عفو خاص يشمل الغرامات على المخالفات، وليس المخالفات نفسها، إلّا أن مجلس الوزراء قرّر تشكيل لجنة أخرى «فنية متخصصة لدراسة [موضوع العفو العام] بجميع أبعاده، والعودة بتوصيات محددة إلى المجلس». ويبدو أن توصية اللجنة الوزارية بالعفو الخاص جاءت أقل من توقعات الأهالي، وهو ما دفعهم في اليوم التالي للاعتصام قرب رئاسة الوزراء احتجاجًا على هذه التوصية، وقال رئيس ديوان الرأي والتشريع، نوفان العجارمة، أمس إنه «حتى اللحظة، لا يوجد مشروع قانون عفو عام» وإن الأمر ما زال قيد الدراسة لمعرفة إيجابياته وسلبياته.

نظرة تاريخية: من الإمارة إلى عبد الله الثاني

الملاحظ من تتبع السياق الزمني والتاريخي لقرارات وقوانين العفو العام، منذ تأسيس الإمارة حتى اليوم، هو أن العفو العام في البلاد كان يصدر إمّا في مناسبات تتعلق بالعائلة المالكة، كالزواج والولادة والعلاج، أو بالتبشير بعهد جديد كتنصيب الملوك الجدد، أو على خلفية أحداث سياسية.

صدرت قوانين وقرارات العفو العام في الأردن 17 مرة منذ تأسيس الإمارة، كان آخرها عام 2011 وترافق مع الحراك الشعبي آنذاك. وكان هذا العفو الثاني الصادر في عهد الملك عبد الله الثاني، إذ سبقه عفو عام سنة 1999 عندما تولى الملك سلطاته الدستورية، وبعد أربعين يومًا على وفاة الملك حسين1.

ومن بين كل القوانين التي صدرت في تاريخ الأردن، تضمن هذان القانونان أطول قائمتين من الاستثناءات، حيث استثنى قانون 2011 إحدى وعشرين جريمة على رأسها التجسس، والمخدرات، والجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي والداخلي، وبعض الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة، إضافة إلى جرائم الاحتيال والشيكات وبعض جرائم القتل والسرقة والاعتداء على العرض، وغير ذلك. بينما استثنى قانون 1999 ست عشرة جريمة.

 

في عهد عبد الله الأول، أميرًا وملكًا، صدر العفو العام أربع مرات. فبعد ثلاث سنوات على تأسيس الإمارة وعقب أحداث ما سمي بـ«ثورة البلقاء»، صدر أول عفو عام في سنة 1924 وشمل العفو المشاركين والمؤيدين للثورة2. أما العفو الثاني، فقد صدر عام 1928 بعد صدور القانون الأساسي (الدستور) لإمارة شرقي الأردن التي بقيت لمدة سبع سنوات دون دستور ينظم العلاقة بين سلطات الانتداب البريطاني والنظام السياسي من جهة وعلاقة الشعب بالنظام من جهة أخرى. وبعد خمسة أيام من استقلال الأردن عن بريطانيا عام 1946، صدر عفو عام جديد كان يهدف للتبشير بمرحلة جديدة من عمر البلاد التي تغير اسمها آنذاك من إمارة شرقي الأردن إلى المملكة الأردنية الهاشمية. وكان آخر عفو عام صدر في فترة حكم الملك عبد الله الأول في 17 حزيران 1950.

استثنى عفو 1928 اثنين وثلاثين شخصًا ذكرهم القانون بالاسم، وكان أغلبهم قد ارتكب جرائم «قتل فظيع» أو سرقة مكررة، كما استثنى القانون المبالغ المستحقة للخزينة. أما عفو سنة 1946 فاستثنى جرائم السلب في الطريق العام، والمحكوم عليهم بجرائم إرهابية. بينما استثنى قانون العفو سنة 1950 الأشخاص المحكوم عليهم بجرائم الاغتصاب والتعدي على العرض.

وفي فترة حكم الملك طلال صدر قانون عفو عام واحد في 13 تشرين الثاني 1951، أي بعد أربعة أشهر من تنصيبه ملكًا على البلاد معلنًا بذلك عن بداية عهد جديد، لم يستمر سوى 13 شهرًا فقط. وممن استثناهم هذا القانون من العفو الأشخاص المحكوم عليهم قطعيًّا بجرائم القتل بالتعذيب، وجرائم هتك العرض.

في عهد الملك حسين، صدرت 10 قوانين عفو عام، أربعة من هذه القوانين صدرت كقوانين مؤقتة قبل أن يصادق عليها مجلس الأمة وتنشر في الجريدة الرسمية. فبعد تتويج الملك حسين بأربعة أشهر تقريبًا، صدر أول قانون عفو عام خلال حكمه، مبشرًا بعهد جديد استمر 47 عامًا.

وبعد أيام من تشكيل أول حكومة للاتحاد العربي الهاشمي في 19 أيار 1958 بين المملكة العراقية والمملكة الأردنية، التي جاءت كرد على اتحاد مصر وسوريا في الجمهورية العربية المتحدة، صدر ثاني قانون عفو عام في فترة حكم الملك حسين.

في الستينيات، صدر العفو العام أربع مرات، كان أولها في 6 شباط 1960. وبعد أيام من إعلان الملك حسين خطوبته على الأميرة منى صدر عفو عام جديد3 في 8 أيار 1961. وفي كانون الثاني 1962 وُلد الملك عبد الله الثاني ليصدر بعد أسبوعين من ذلك عفو عام جديد شمل مجموعة من قياديّي حركة «الضباط الأحرار». وفي نيسان 1965 صدر أوسع عفو عام شهده الأردن في تاريخه بعد أيام من تولي الأمير حسن ولاية العهد. ورعى الملك حسين على إثر هذا العفو مؤتمرًا للمصالحة حضره 1000 شخص في قصر رغدان، أسقط من خلاله عدد من الأفراد حقوقهم الشخصية والعشائرية عن مرتكبي بعض الجرائم. وشمل هذا العفو العديد من قياديّي الحزب الشيوعي وحركة الضباط الأحرار إضافة للسياسيين المقيمين خارج البلاد4.

كانت قوانين العفو العام التي صدرت في عهد الملك حسين بين الأعوام 1953 و1962 قد استثنت المحكومين أو المتهمين بـ«جرائم الشيوعية والمبادئ الهدامة» بمقتضى قانون مقاومة الشيوعية (الذي صدر لأول مرة عام 1948، وخضع لعدة تعديلات قبل أن يلغى عام 1992).

كما كانت القوانين التي صدرت في الخمسينيات تستثني «الفارين من وجه العدالة»، إضافة إلى مرتكبي جرائم القتل قصدًا، وهتك العرض، وجميع الجرائم الواقعة على أمن الدولة، وجرائم أخرى. ومع مطلع الستينيات، تصدرت جرائم التجسس قائمة الاستثناءات، وظلت كذلك في كل القوانين الصادرة لاحقًا.

أما عفو 1965، عام «تبييض السجون»، فلم يستثنِ سوى «جرائم التجسس والجرائم المنصوص عليها في القانون الموحد لمقاطعة إسرائيل»، وظل هذا الاستثناء موجودًا في قوانين العفو الصادرة بين 1965 و1992، إلا أن جرائم قانون «المقاطعة» خرجت من الاستثناءات بعد توقيع معاهدة وادي عربة عام 1994 بين الأردن و«إسرائيل»، إذ ألغي القانون بعد عام من توقيع المعاهدة.

وبعد أحداث أيلول في السبعينيات، صدرت ثلاثة قوانين عفو عام مؤقتة. أولها في 13 أيار 1971 بعد أسابيع من حملة جمع السلاح من العاصمة5، واثنان عام 1973، أحدهما في أيلول، تم الإعلان عنه بعد أسبوع من لقاء ثلاثي في القاهرة جمع الملك حسين مع الرئيسين أنور السادات وحافظ الأسد، لمحاولة إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الأردن وبعض الدول العربية. وأفرج بموجب هذه القوانين عن المئات من المقاتلين الفلسطينيين الذين اعتقلوا على إثر أحداث أيلول عام 1970 وما تبعها من أحداث أخرى.

وفي 15 تشرين الثاني 1992 صدر آخر عفو عام في عهد الملك حسين، بعد عودته من العلاج، وبمناسبة عيد ميلاده السابع والخمسين، وخرج على إثره النائبان ليث شبيلات ويعقوب قرّش، بعد أن كان قد صدر بحقهما حكم بالسجن لمدة عشرين عامًا قبل أيام من صدور هذا العفو6.

 

قد تكون المطالبات الحالية بإصدار عفو عام من مجلس النواب مدفوعةً بضغط من القواعد الشعبية على النواب أو بأهداف انتخابية مستقبلية. وقد عبّر أهالي بعض المساجين عن هذه المطالبات من خلال الاعتصامات والوقفات أمام مجلس النواب وبالقرب من رئاسة الوزراء، إضافة إلى العديد من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي في كثير من المناسبات.

وفي حال تم إصدار قانون جديد للعفو العام، فإنه سيكون مختلفًا عن معظم القوانين السابقة من حيث السياق السياسي الذي ارتبطت فيه تلك القوانين. إذ أن المطالبات الحالية بعفو جديد غير مرتبطة بأحداث سياسية معينة، ولا هي احتفال بمناسبات للعائلة المالكة، يكتسب من خلالها النظام السياسي شرعية ما. فكثيرًا ما صُدّر العفو العام باعتباره مكرمة أبوية «إنسانية» يعفو من خلالها الأب عن أبنائه الخطّائين. فهل يكون العفو المقبل، إن صدر، مدفوعًا برغبة الحكومة بالتخفيف من حدة الاحتقان الشعبي المتراكم عبر الحكومات؟


  • مصادر

    1- جريدة الدستور، عدد الأحد 21 آذار 1999.

    2- الشرق العربي (الجريدة الرسمية لحكومة شرق الأردن)، العدد 39، 11 شباط 1924.

    3- جريدة الدفاع، العدد 7693، الإثنين 8 أيار 1961

    4- جريدة الدفاع، العدد 8879، الأحد 9 نيسان 1965.

    5- جريدة الدستور، العدد 1336، السبت 3 نيسان 1971.

    6- جريدة الدستور، الأربعاء، 11 تشرين الثاني 1992.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية