قدّم الباحث القانوني مؤيد المجالي قبل نحو أسبوع شكوى على وزير الطاقة والثروة المعدنية إبراهيم سيف لدى مجلس المعلومات -الحكومي غير المستقل- لرفض الأخير تزويده بنسخة من اتفاقية الغاز الموقعة بين شركة الكهرباء الوطنية -المملوكة بالكامل من الحكومة الأردنية- وشركة نوبل انيرجي الأمريكية لاستيراد الغاز من حقل ليفاياثان الإسرائيلي. علّل الوزير رفضه طلب المجالي المقدم وفق قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، بإن المعلومات المطلوبة سرية وفق المادة (13) من القانون الذي استخدمه المجالي، وزاد على ذلك قائلًا تحت قبة مجلس النواب إن «هناك بنود تجارية لا يمكن الإفصاح عنها للعامة»، واعدًا المجلس بإطلاعه عليها.
لكن هل المعلومات المطلوبة سرية فعلًا؟ وهل يتفق رد الوزير مع الدستور والمواثيق الدولية؟ وهل يحق للحكومة وأذرعها تصنيف أي من أوراقها سرية، ومنع تدفقها للجمهور؟
لا يخفى على المختصين في حقل الشفافية والإعلام بإن قانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات رقم 47 لسنة 2007 لا يحقق الغاية من تشريعه، فهو سادس أسوأ قانون مختص بالحصول على المعلومات في العالم، بحسب التصنيف العالمي للحق في الحصول على المعلومات، المعتمد من البنك الدولي واليونسكو، والذي يعده مركز القانون والديمقراطية، ومنظمة آكسِس إنفو يورُب. فقد حقق الأردن على مؤشر تقييم قوانين المعلومات 55 نقطة فقط من أصل 150، ليكون في المرتبة 105 من أصل 111 دولة. ورغم هذه الحقيقة المُرة، إلا أن القانون نص على حق كل أردني في الحصول على المعلومات التي يطلبها، «وعلى المسؤول تسهيل الحصول على المعلومات، وكشفها دون إبطاء»، وفقًا للمادة (8) منه.
ومن المفارقة أن وزير الطاقة والثروة المعدنية استند في رفضه على المادة (13) من القانون، التي تمنع المسؤول من الكشف عن معلومات محددة، ليس من بين ببنودها العشرة نص صريح يمنع الكشف عن الاتفاقيات بين الحكومة وأذرعها من جهة والدول والشركات من جهة ثانية، علاوة على أن الدستور في المادة (33) تضمن ضرورة علانية المعاهدات والاتفاقيات التي تحمل خزانة الدولة شيئًا من النفقات أو تمس حقوق الأردنيين العامة والخاصة، نظرًا لعدم نفاذها إلا بعد موافقة مجلس الأمة عليها بسن تشريع يُنشر في الجريدة الرسمية الصادرة عن الحكومة، وعليه تكون الحكومة خالفت الدستور مرتين، الأولى بعدم عرضها على المجلس لمناقشتها والمصادقة عليها، والثانية بانتهاك حق الناس في الحصول على المعلومات، كما سنوضح لاحقًا.
في ثقافة السرية والافتقار للشفافية، ينمو الفساد ويترعرع، خاصة في اتفاقيات كبرى بمليارات الدولارات تمول من دافعي الضرائب.
بموجب التعديلات الدستورية عام 2011، تكفل الدولة في المادة (15/2) من الدستور حرية البحث العلمي والأدبي والفني، التي يندرج تحتها الحق في التماس المعلومات والبيانات وتدفقها من طرف الدولة للناس، وليس للباحثين والإعلاميين فقط. وعليه، يقع على عاتق الدولة بكل مؤسساتها وسلطاتها وأجهزتها إعمال هذه الكفالة وما يرتبط بها، ومعاقبة منتهكي هذا الحق الدستوري.
الحق الدستوري الآخر الذي يتم انتهاكه هنا هو الحق في حرية الرأي والتعبير والنشر، لأن كل حق من تلك الحقوق يكمل الحق الآخر في منظومة الحقوق الإنسانية والدستورية، فتدفق المعلومات والتماسها يساهم في ترسيخ حرية البحث العلمي، والبحث يبقى بلا قيمة دون نشر نتائجه، والتعبير عنها بكافة فنون العمل الإبداعي، وطالما القانون يقرأ وحدة واحدة مكملًا ومفسرًا لبعض البعض، فالدستور أولى بهذه القراءة.
يخالف الوزير القانون الدولي أيضًا، فحق «الحصول على المعلومات حق أصيل من حقوق الإنسان، ويشمل استيفاء المعلومات والأفكار، وتلقيها، ونقلها»، وهذا ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 19، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اللذين صادق عليهما الأردن، وهما يسموان على القانون المحلي، وأولى بالتطبيق، بحسب اجتهاد محكمة التمييز الأردنية.
صحيحٌ أن الحق في الحصول على المعلومات ليس حقًا مطلقًا، وقد سمح القانون الدولي تقييد هذا الحق، بالقيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير نفسها، لكن في النهاية يجب أن تجتاز هذه القيود ثلاثة شروط معًا، وهي أن تكون محددة بنص قانوني، ولها هدف مشروع لحماية حقوق الآخرين وسمعتهم، وحماية الأمن القومي، أو النظام العام، أو الآداب العامة، وضرورية لحماية المصلحة1.
بتطبيق هذه الشروط الثلاثة على اتفاقية الغاز، نجد أنه لا يوجد نص قانوني يمنع تزويد الاتفاقية لطالبها، وليس هناك هدف مشروع يحتم حمايتها، كما لا يوجد مصلحة وضرورة لحجبها، وبالتالي تفشل الحجة القانونية والحقوقية بحجب الاتفاقية.
ومهما كانت حجة الوزير في حجب الاتفاقية عن العامة، فإنه لم يوازن بين حماية حق الناس في الحصول على المعلومات وحماية المصالح التجارية الخاصة، فالحق الأجدر بالرعاية هنا حماية حق الناس في المعرفة، والبحث والإبداع والرأي والتعبير، وعليه ليس من حقه تقييد هذا الحق وقتما وكيفما وأينما شاء، طالما أننا نسعى لأن نكون في دولة قانون يحكمها دستور وقوانين وأنظمة، يجب أن تنسجم مع المعايير الدولية، ومبادئ حقوق الإنسان.
المعيب في هذه الحالة أن الاتفاقية متاحة لطالبها من الأمريكيين والإسرائيليين، ومحجوبة عن الأردنيين، فما هي البنود التي تريد الحكومة الأردنية إخفائها عن الشعب؟ ولماذا؟ هل تريد التستر على أسماء المقاولين من الباطن منعًا لكشف تضارب المصالح مثلًا؟ أم ماذا؟
وفي الوقت الذي «تزعم» فيه الحكومة مكافحة الفساد، وتلتزم بـ«تعزيز الشفافية، وضمان تيسير حصول الناس فعليًا على المعلومات» بموجب مصادقة الأردن في عام 2004 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، تحجب عن الناس اتفاقية الغاز. ويبدو من الصعب على حكومة لا تحترم الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وغيرها من المواثيق الأممية، أن تحترم وتُطبق قانون النزاهة ومكافحة الفساد (المحلي)، الذي يلزم الإدارة العامة على «توفير نافذة خاصة بالمعلومات العامة تكون متاحة لاطلاع المواطنين عليها»2، علاوة على «التزام السلطة التنفيذية عند وضع السياسات، واتخاذ القرارات، ضمان حق المواطن في الاطلاع على المعلومات»3.
في ثقافة السرية والافتقار للشفافية، ينمو الفساد ويترعرع، خاصة في اتفاقيات كبرى بمليارات الدولارات تمول من دافعي الضرائب، حُرّم نواب الشعب من مناقشتها، والباحثين من دراستها، والإعلام من التعليق عليها، وفقد الناس حقهم في الرقابة الشعبية عليها. فهل يشق مجلس المعلومات عصا الطاعة وينتصر لدولة القانون؟
1. المادة 19/3 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
2. المادة 15 من قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم 13 لسنة 2016.
3. المادة 4/د من قانون النزاهة ومكافحة الفساد رقم 13 لسنة 2016.
تنويه: ورد خطأً في النسخة السابقة من المقال أن المادة 15/2 من الدستور تم تعديلها بموجب التعديلات الدستورية لعام 2014 بدلًا من 2011، وتم تصحيح الخطأ.