رأي

اثنان وعشرون عامًا على وادي عربة: حين يُفرَض التطبيع عنوة

الأربعاء 26 تشرين الأول 2016
وقفة احتجاجية ضد اتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني، أمام مقر شركة الكهرباء الوطنية الأردنية التي وقعت الاتفاقية رسميًا. تصوير عز الدين الناطور.

عندما اتّجه الملك الراحل الحسين لتوقيع معاهدة وادي عربة مع العدو الصهيوني، كان يعلم أن غالبية الشعب الأردني تقف ضدّها، وأنه لا بد من الالتفاف على الإرادة الشعبية -الفاعلة آنذاك بعد حالة الانفراج النسبي في الحريات في أعقاب هبة نيسان 1989- لتمريرها.

مجلس النواب الحادي عشر الذي انتخبه الأردنيون عام 1989 بقانون الصوت المتعدد كان من الصعب أن يصوّت مع هذه المعاهدة، ولهذا حلّه الملك قبل انتهاء مدته الدستورية، وأصدرت الحكومة قانون انتخاب مؤقت على أساس الصوت المجزوء، ليكون أحد أهم أدوات تقسيم المجتمع وتفتيته للوصول إلى مجلس نواب لا يمثل إرادة الناس الحقيقية، ويكون مناسبًا ليس فقط لإقرار تلك المعاهدة المشؤومة، بل أيضًا لاستخدامه كأداة لسن القوانين التي تكفل استمرار انفراد الملك بالحكم وتقييد أي قوى شعبية أو نقابية أو حزبية تعارض العلاقة مع«إسرائيل».

منذ ذلك اليوم، أصبح الموقف من تلك المعاهدة هو المعيار لتحديد أعضاء النخبة الجديدة الحاكمة في البلاد من رؤساء ووزراء وأعيان ونواب، ورأينا أعضاء الجانب الأردني من المفاوضات ومهندسي المعاهدة يصلون أعلى المناصب في الدولة. لكن هذه العلاقة مع «إسرائيل» ظلّت بين النخب، وفشلت محاولات النظام والحكومة لفرض التطبيع شعبيًا.

وفي الوقت الذي تتنامى فيه حركات المقاطعة العالمية لـ«إسرائيل» وتزداد فاعليتها، تلتزم النخبة الحاكمة في الأردن بتبعيتها للمشروع الصهيوني والرضوخ للضغوط الإسرائيلية والأمريكية الرامية إلى دمج «إسرائيل» في الإقليم ومنحها عمقًا استراتيجيًا لزيادة استقرارها السياسي والاقتصادي. وما صفقة استيراد الغاز التي وقعتها شركة الكهرباء الوطنية سوى واحدة من مشاريع استراتيجية جديدة مع العدو الصهيوني ستفرض التطبيع على كل مواطن أردني رغمًا عن أنفه. هذه الصفقة وصفتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأنها «حبل نجاة للسلام»، في تقرير يكشف حجم الضغط الأمريكي لفرضها على الأردن وحاجة «إسرائيل» الماسّة إليها.

مع الزخم الذي تكتسبه الحملة الشعبية الرافضة لاستيراد الغاز المسروق من العدو الصهيوني، تزايدت التصريحات الرسمية ومقالات التدخل السريع التي تحاول تبرير الصفقة اقتصاديًا وتقديمها على أنها في مصلحة الأردن. طبعًا الصفقة مرفوضة بكل الأحوال، لأسباب مبدأية وسياسية، إلا أن كافة المؤشرات تدل أن المسوغات الاقتصادية المقدمة لتبريرها مغلوطة وأنها تخدم «إسرائيل» اقتصاديًا واستراتيجيًا، لا الأردن. ويكفي أن نعلم أن شركة الكهرباء الإسرائيلية تستورد الغاز المسال من شركة بريتيش بتروليوم البريطانية لأنه أقل تكلفة من خيارها المحلي، لندرك مدى التبعية التي تحكم قرارات حكومتنا.

للأسف ليس هذا بجديد، فمعاهدة وادي عربة، التي تم توقيعها في مثل هذا اليوم قبل 22 عامًا، تضمنت تنازلات مذلة في كافة المجالات. ومع أن هذه المعاهدة غير مقبولة من حيث المبدأ لأن احتلال الأراضي العربية ما يزال قائماً منذ عام 1948، إلا أن هذا لا يمنع أن نتناول بنودها لبيان مدى إجحافها بالحقوق الأردنية.

حق العودة للاجئين والنازحين

اعتبرت المعاهدة أن مشكلة اللاجئين والنازحين هي مشكلة إنسانية فقط1، بالتالي فإن حلها اقتصادي يتطلب تحسين الظروف الإنسانية والمعيشية لهؤلاء من جهة، والمساعدة على توطينهم من خلال تطبيق برامج الأمم المتحدة المتفق عليها وغيرها من البرامج الاقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين2. أي أن المعاهدة أسقطت حق العودة تمامًا ووافق الأردن على مبدأ التوطين صراحة.

الأرض

خلافًا للرواية الرسمية، فإن معاهدة وادي عربة لم تؤدِّ إلى استعادة كامل الأراضي الأردنية المحتلة؛ منطقة أم الرشراش والتي أصبحت تُسمى إيلات لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهي لمن لا يعلم جزء لا يتجزأ من الأراضي الأردنية بموجب حدود الانتداب البريطاني التي استندت إليها المعاهدة في ترسيم الحدود الدولية3. أما الأراضي المحتلة في الباقورة، فقد استعادت الحكومة الأردنية منها ما مساحته 830 دونمًا من أصل 6000، والبقية لا تزال مُحتلة. وحتى تلك الدونمات القليلة قد عادت بسيادة منقوصة وامتهان للكرامة4، فقد تعهد الأردن بموجب تلك المعاهدة بأن يمنح المزارعين الإسرائيليين وبدون استيفاء أي رسوم حق الاستمرار باستغلال تلك الأراضي والحرية المطلقة لهم ولمستخدميهم وضيوفهم في الدخول والخروج دون قيد، كما تعهد بعدم تطبيق القوانين الأردنية على المزارعين الإسرائيليين أو ضيوفهم أو مستخدميهم. وتعهد الأردن أيضًا بالسماح بدخول ضباط الشرطة الإسرائيلية بلباسهم الرسمي وبأسلحتهم إلى تلك الأراضي المُحررة5.

المياه

أسهمت معاهدة وادي عربة بشكل كبير في عملية الإفقار المائي في البلاد؛ إذ تم التفريط بحق الأردن في مياه نهر الأردن من خلال منح العدو حق احتجاز تلك المياه في بحيرة طبريا، وفقدنا كذلك حقنا في مياه نهر اليرموك كنتيجة واقعية للشروط المجحفة في المعاهدة التي لم تحدد للأردن أي كمية أو نسبة محددة من نهر اليرموك ونصّت على أن حصة الأردن تأتي بعد استيفاء الكيان الصهيوني لحصصه المقررة6.

كما منحت شروط المعاهدة لدولة الاحتلال الحق في الاستمرار في استخدام جميع الآبار الجوفية التي سبق وحفرتها والتي تقع على الجانب الأردني من الحدود، وسمحت لها بربطها بأنظمة المياه والكهرباء الإسرائيلية، واستبدال أي بئر لا يعود مجديًا من تلك الآبار. للعدو أيضاً الحق، حسب المعاهدة، في زيادة الضخ من هذه الآبار بمقدار 10 مليون متر مكعب سنوياً عن الكمية التي كان يضخها قبل عام 1994. وقد التزم الأردن بأن لا يتخذ أية إجراءات قد تؤدي إلى تقليل إنتاج هذه الآبار أو تؤثر على نوعيه مياهها مما يعني ضمنًا أننا التزمنا بعدم استخدام المياه الجوفية داخل الأراضي الأردنية حتى لا نؤثر على كمية ونوعية المياه التي تستغلها «إسرائيل» داخل المناطق الأردنية المحررة7.

المجالات الاقتصادية والثقافية

لقد التزمنا بموجب المعاهدة ليس فقط بإنهاء المقاطعة الاقتصادية المباشرة، بل أيضًا بالتعاون لإنهاء أية مقاطعة يقوم بها طرف ثالث لـ«إسرائيل»، أي أن المطلوب أن يتحول الأردن إلى جسر عبور لـ«إسرائيل» واقتصادها إلى أسواق العالم العربي8.

أما العلاقات الثقافية فقد تُرجمت على أرض الواقع من خلال التركيز على شطب فكرة العداء مع «إسرائيل» من ذاكرة الأجيال القادمة؛ فاختفت المناهج التي كانت تذكرنا على الدوام بالأراضي العربية المحتلة في كل مكان وأصبحت بطولات فراس العجلوني وكايد المفلح والآلاف غيرهم أسرارًا عسكرية يجب إخفاؤها كأجهزة التنصت في عجلون.

ولإخراج الأردن من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي وتفتيت الجسم العربي، كان لا بد من أن يكون لدولة الاحتلال الوضع التفضيلي في علاقات الأردن العربية والدولية. وعليه ففي حال وجود أي تعارض بين التزامات الطرفين بموجب المعاهدة والتزاماتهما الأخرى، فإن الالتزامات بموجب هذه المعاهدة هي التي تُنفّذ9.

عديدة هي مخاطر معاهدة وادي عربة على الأردن، ولا تكفي ورقة أو مقال أو دراسة لحصرها جميعًا. ولكن التاريخ علّمنا أنه لا مجال لصُلح مع الاحتلال، وما مقتل القاضي الأردني رائد زعيتر والشاب الأردني سعيد العمرو بدم بارد على أيدي جنود الاحتلال سوى تذكير بحقيقة أن «إسرائيل» ما زالت عدوّنا وأن ألف معاهدة لن تنهي حالة الصراع العربي الصهيوني.


نشر هذا المقال على مدوّنة هلمّ جرًا بتاريخ 26 تشرين أول 2016، وهو نسخة محدثة من مقال نشره في 24 تشرين أول 2014.

الفقرة الأولى من المادة 8 من المعاهدة.
الفقرة ج من المادة 8 من المعاهدة.
المادة 3 من المعاهدة نصت على أنه «تحدد الحدود الدولية بين الأردن وإسرائيل على أساس تعريف الحدود زمن الانتداب».
العلاقات الأردنية الإسرائيلية (الجذور والافاق) خالد عبد الرزاق الحباشنة.
الملحق 1/ب من المعاهدة والمتعلق بمنطقة الباقورة والملحق 1/ج المتعلق بمنطقة الغمر.
المادة 1 من الملحق رقم 2 من المعاهدة والتي حددت حصة دولة الاحتلال من مياه نهر اليرموك واعتبرت أن حصة الأردن تأتي بعد استيفاء الطرف الاخر لحصص المقررة.
المادة 4 من الملحق رقم 2 الخاص بالمياه الجوفية في معاهدة وادي عربة.
الفقرة أمن البند 2 من المادة السابعة من المعاهدة.
الفقرة السادسة من المادة 25 من المعاهدة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية