لماذا لا يستثمر الأردن في الطاقة الشمسية الحرارية المركزة؟

الإثنين 16 كانون الثاني 2017
محطة إيفانباه للطاقة الشمسية الحرارية المركزة، في صحراء موجافي في كاليفورنيا.

بقلم رند عواد*

منذ توقيع اتفاقية الغاز «الإسرائيلي»، كثُر الحديث عن بدائل الطاقة المتاحة أمام الأردن وجدوى كلٍ منها اقتصاديًا، مقارنة مع الغاز. ومع استمرار الحكومة كذلك بتوجهاتها الثابتة نحو الاستثمار في الطاقة النووية وكل ما يحيطها من تساؤلات ورفض كبيرين، تعتبر الطاقة الشمسية الحرارية المركزة أحد البدائل الاستراتيجية التي قد تشكل مصدرًا هامًا بديلا عن هاتين «المشكلتين»: غاز العدو والطاقة النووية المثيرة للجدل، وذلك فقط في حال تمت مقاربتها مع بدائلها بشكل حكيم.

إن شح موارد الطاقة وعجز الدولة عن إنتاجها محليا، لا يخفى اليوم على أي مواطن، إذ تستورد الأردن 97% من حاجتها من موارد الطاقة. وقد أعلنت الحكومة في السنوات القليلة الماضية عن خطتها لتوليد كهرباء من مصادر الطاقة المتجددة محليًا. وقد نفذت بالفعل جزءًا من مخططها، وهي مستمرة بتنفيذ باقي المشاريع المنوي تنفيذها بكل سرعة وجدية.

ولكن المشكلة أن خطط الحكومة فيما يتعلق بالاستثمار في الطاقة المتجددة على نطاق المحطات انحسرت بنظامين فقط من أنظمة الطاقة المتجددة وهما: أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وأنظمة طاقة الرياح. وعندما تصرّح الحكومة بأن توقعات أعلى نسبة مساهمة قد تتحقق من الطاقة المتجددة في خليط الطاقة المحلي الكليّ لن تتجاوز 10-15% على المدى الطويل، وأنها تقوم بكل جد على تحقيقها، فهي صادقة تمامًا، ولكن كلامها يقتصر على هذين النظامين حصرًا.

هناك محددات تقنية ومادية تقبع وراء تدني سقف استثمار الدولة في هذين النظامين، وبالتالي رفع نسبة مساهمتها في خليط الطاقة المحلي عن 10-15%. يعود ذلك لتحديات فنية لا يمكن للحكومة التغاضي عنها، كمسألة تخزين الطاقة. ولكن حصر الحكومة لاستثماراتها بالطاقة المتجددة في هذين النظامين فقط (الطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح) هو الموضوع الذي توجه حوله أسئلة للحكومة.

حتى نتفادى بناء توقعات غير واقعية من الطاقة المتجددة لدى المواطن العادي، ونفتح حوارًا بناءً مع الحكومة، يجب أن نشير إلى تنوع أنظمة الطاقة المتجددة الموجودة والمستغلّة عالميًا. لذا، نرى دولًا تطمح لنسب مساهمة تصل إلى 80% مثلًا، الأمر الذي لا يمكن للأردن السعي نحوه باستغلال هذين النظامين فقط. كما أن هناك من الأنظمة المتجددة الأخرى ما يمكن أن يصلح استغلاله محليًا، ومنها ما لا يمكن توظيفه في الأردن، لذا يجب التروّي لدى وضع فرضيات وطموح واهم لدى الشعب لا يمكن تحقيقه في المستقبل القريب.

أحد الأنظمة التي يمكن استغلالها محليًا، والتي من شأنها أن ترفع سقف الطموح بشكل حقيقي، هي أنظمة الطاقة الشمسيّة الحرارية المركزة، والتي يجدر بالحكومة، كلاعب رئيسي في قطاع الطاقة، أن تكون قد درست إمكانيات استغلالها محليًا، وجدواه من عدمه، بل وتحديث نتائجها البحثية وجدوى استغلالها اقتصاديًا بشكل مستمر، بناء على المتغيرات التي تتطور مع الوقت من ناحية التقدم التكنولوجي والتمويل الاستثماري وجدواه، والناتجة عن اتساع نطاق الإنتاج والاستثمار المتسارع عالميًا. كما أن خطط الحكومة طويلة المدى لن تبدأ الاستفادة منها قبل سنوات من الآن، كما هو الأمر في اتفاقية الغاز مع العدو، التي لن تؤتي أُكلها قبل عام 2019، أو المشروع النووي الذي لن يدخل حيز التفعيل إلّا بعد سنوات من ذلك. كل ذلك أشد مدعاة للتفكير بخيار الطاقة الشمسية الحرارية المركزة.

تُنْتَج الطاقة الشمسية الحرارية المركزة في حقول من المرايا المسطحة أو نصف الدائرية أو الصحنية العاكسة لأشعة الشمس المباشرة على بؤرة واحدة (إما أعلى برج، أو أنبوب، أو بؤرة مركزية..)، لإنتاج بخار يستخدم لتحريك توربينات وتوليد كهرباء. الجزء الأخير من العملية مماثل لما يحدث عند استخدام الغاز لإنتاج الكهرباء، إذ يتم حرق الغاز لإنتاج بخار يستخدم لتشغيل محطات توليد الكهرباء التقليدية.

ميزة هذه الأنظمة هي قدرتها على تخزين الحرارة لفترات متفاوتة تتراوح بالمجمل ما بين 3 و15 ساعة، حسب نوع التكنولوجيا ومصنّعها، وهو ما يحل مشكلتين أساسيتين في أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية: تذبذب البث والدفق الكهربائي، وإمكانية التحكم بتوقيت ضخ الكهرباء بناء على الطلب وفي ساعات خارج ساعات الذروة الشمسية، وبالتالي القدرة على تزويدنا بكهرباء قابلة للتوزيع بحيث تغطي الحمل الأساسي (Dispatchable Energy).

مشكلة هذه التكنولوجيا أنها حديثة نسبيًا، لذا فهي مكلفة وما زالت قيد التطوير، إذ أن هناك عددًا محدودًا من المحطات التي تعمل بها على مستوى العالم. والكلفة الرأسمالية لهذه المحطات مرتفعة نسبيًا، فكلفة الكيلو واط في الساعة من الكهرباء تزيد عن كلفته عبر الطاقة الكهروضوئية بحوالي ضغفين إلى ثلاثة أضعاف.

تكنولوجيا الطاقة الكهروضوئية هي تكنولوجيا ممتازة مكّنت من التقدم في الاستثمار فيها بشكل كبير. ولكن المقاربة الحاصلة بين تكلفة الكهرباء المنتجة من أنظمة الطاقة الكهروضوئية وأنظمة الطاقة الشمسية الحرارية المركزة هي مقارنة غير متكافئة، فالثانية لها ميزات لها ثمنها، كما ذكر؛ ميّزات تحلّ تحديات الكهرباء المنتجة من أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية.

وفي الوقت ذاته، عند مقارنة هذه التكلفة بتكلفة الكهرباء المنتجة من نظيرها من الأنظمة، كأنظمة الطاقة النووية، فإن بعض الدراسات تشير إلى أن كلفة الكهرباء المنتجة عبر أنظمة الطاقة الشمسية المركزة أرخص من الكهرباء المنتجة في المحطة النووية، بل وتتفوق عليها بإمكانية السيطرة على تزويد الكهرباء بوقفه أو تشغيله عند الطلب.

أنظمة الطاقة الشمسية الحرارية المركزة تصلح للاستغلال على نطاق ضخم، أي نطاق محطات، لأسباب تتعلق بطبيعة هذه التقنية التي لا تنتج الكهرباء مباشرة بل البخار الذي يستخدم في تشغيل توربينات توليد الكهرباء، بالإضافة إلى شكل وحجم التكنولوجيا الضخم والمطلوب لتثبت فاعليتها. وذلك بخلاف الأنظمة الكهروضوئية التي يمكن استغلالها على صعيد فردي أو صعيد محطات. كما أن هذه الأنظمة تمتاز بحاجتها إلى عمليات صيانة وتنظيف وكلف تشغيلية على الدوام، بخلاف الأنظمة الكهروضوئية. وتتطلب هذه الأنظمة، وبشكل كبير، الإشعاع الشمسي المباشر، وكذلك بخلاف الطاقة الكهروضوئية التي تمتاز بأنها تستغل ضوء الشمس المباشر والمتشتت.

لوقت غير بعيد، كانت معظم البنوك الاستثمارية ترفض تمويل مشاريع الطاقة الشمسية الحرارية المركزة، وتعتبرها تكنولوجيا حديثة نسبيًا ونطاق الاستثمار والإنتاج فيها يتطور تدريجيًا وبتسارع أقل من نظيراتها من الأنظمة المتجددة. هذا أحد الأسباب التي تجعلها من الاستثمارات الضخمة التي تحتاج إلى ضمانات عالية وإلى تواجد الحكومات كشريك استراتيجي في أغلب الأحوال، وقد اعتمدت تمويلات هذه الأنظمة في دول مختلفة على ضمانات الحكومات والمؤسسات الاستثمارية.

هنا يكمن سبب التعقيد الذي قد يتذرع به مصنع القرار في الأردن، فالرغبة في الاستثمار عند أي مستثمر تبنى على الجدوى الاقتصادية؛ الربح مقابل التكلفة، أما عند الدول، فالموضوع يجب ألا يقتصر على ذلك فقط.

لكن كل هذه التحديات في التوجه لاستثمار واستغلال وتوظيف هذه الأنظمة هي في واقع الأمر ميزات لاستثمار الدولة فيها. فمن ناحية أوّلية، فإن موقع الأردن جغرافيًا يقع على الحزام الشمسي المناسب لاستغلال أكبر للإشعاع الشمسي المباشر. أمّا من ناحية عوائق التمويل، فإن الدارس لبدايات اقتصاديات أنظمة الطاقة المتجددة، كأي تكنولوجيا حديثة في العالم، يدرك أنها اقتصاديات معتمدة على النطاق، أي أن انخفاض أسعار هذه الأنظمة وكلفها وارتفاع جدواها الاقتصادية يعتمد على نمو وتوسع نطاق الاستثمار فيها. وهو ما حصل بالفعل في أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية على سبيل المثال، حيث انخفضت أسعار الأنظمة إلى النصف عالميًا خلال ثلاث سنوات تقريبًا، مما زاد من جدواها وزاد من ربحيتها مع الوقت، وهو ما يتوقع أن يحدث مع أنظمة الطاقة الشمسية المركزة.

لا يعني ذلك أن انخفاض أسعار هذه الأنظمة سيشكّل عائقا أمام الاستثمار فيها. فكما حصل مع أنظمة الطاقة الكهروضوئية، من استثمر قبل ثلاث سنوات لم يخسر الآن، بل إن ما حصل هو انخفاض نسبة ربحيته وعوائده الاستثمارية وطول فترة استرداد الاستثمار، مقارنة بمن بدأ استثماره بهذه الأنظمة الآن ومن سيستثمر بها مستقبلًا. الخسارة الفعلية اليوم، إن حصلت، عند أي مستثمر في الأنظمة الكهروضوئية محليًا، ليست بسبب انخفاض سعر أنظمة الطاقة الكهروضوئية أو تغيير الظروف المناخية وساعات السطوع الشمسي كما يفترض الكثيرون، فكل هذه العوامل، تؤثر على الربحية كما ذكر آنفًا وليست سبًبا للخسارة، وإن لم يرتفع معدل الاستهلاك فعليًا. الخسارة إن حدثت في الأنظمة الكهروضوئية، تعود إلى أسباب جوهرية أخرى تتعلق بضعف أداء النظام الناتج، إما لضعف التصميم أو بسبب أخطاء الحسابات الهندسية والممارسات المهنية الخاطئة. وكل هذا ناتج من فوضى السوق وغياب الرقابة الحكومية وعدم متابعة جودة الأداء وعدم ضبط الترخيص بما يحمي المواطن والدولة والمستثمر في آن، ويضمن منافسة حرّة صحية وصحيحة بين مزودي الأنظمة محليًا.

كدولة لا كمستثمر، فإن التحديات المذكورة آنفًا تعتبر فرصًا استثمارية كبيرة للأردن لو اتخذ قرار التوجه لهذه لأنظمة الطاقة الشمسية الحرارية المركزة بدل الاستثمار في الطاقة النووية بكل تبعاتها أو الاستمرار في صفقة الغاز «الإسرائيلي». فالدولة عندما تبادر لدراسة خياراتها في الطاقة، فإن رؤية الحكومة الواعية يجب أن تشمل أبعادًا اجتماعيةً واقتصاديةً أوسع وأشمل وأطول مدىً. وتكنولوجيا الطاقة الشمسية المركزة تقدم فرصًا استثماريةً كبيرةً في الصناعات المساندة لها، كصناعة المرايا وهياكل التركيب وأنظمة التحكم، وكذلك نظم إدارة المعلومات وتطبيقات التكنولوجيا المعلوماتية، إضافةً إلى الفرص التي ستفتح في مجال التعليم والتدريب المهني والاحترافي وأعمال الصيانة والتنظيف.

إن وجود الإرادة السياسية هو ما يساعد الحكومة على العمل ضمن رؤية طويلة الأمد، وهو ما يعين على التخطيط ورسم سيناريوهات المستقبل العشرينيّة والثلاثينيّة والخمسينيّة والتي وجب أن تبدأ البارحة قبل اليوم، لتقارن البدائل المقترحة، وتساهم في صناعة القرار الاستراتيجي.

هذه النظرة الشمولية للاستثمار في هذا النوع من أنظمة الطاقة المتجددة الآمنة هو ما يدعى خيارًا استراتيجيًا لتحقيق أمن الطاقة الفعلي، عدا عن أنه من الممكن أن يحقق العديد من المكاسب الاقتصادية ذات البعد الاجتماعي المركزي، كجلب فرص عمل مستدامة تحقق نسبة تشغيلٍ وطنيةٍ تساهم بحق بمحاربة الفقر والبطالة، وتدفع عجلة الاقتصاد من خلال تمويل الصناعات ودعم ريادة الأعمال في هذا السوق الواعد. كل ذلك بعيدًا عن الاستثمارات في طاقة غير آمنة كالطاقة النووية، وطاقة غير مستقرّة سياسيًا كإمدادات الغاز من العدو.

* ناشطة سياسية، وخبيرة في مجال الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية