هذه القصة هي جزء من تقرير موسع حول هجرة الأردنيين إلى تركيا بعنوان «موسم الهجرة إلى إسطنبول».
لم يتضرّر العمال فقط من الحملة، بل أيضًا أصحاب المنشآت التي توظفهم. لقد كان ضررًا تجاوز في بعض الحالات دفْع مبالغ الغرامة المترتبة على توظيف عمال بشكل غير قانوني، إلى إغلاق منشآت كانت تأسست أصلًا بناء على التراخي في تطبيق قانون العمل، وهذا ما حدث مع أحمد. الذي جاء إلى إسطنبول العام 2017، وافتتح مطعمًا في منطقة الفاتح، واحدة من أكثر مناطق إسطنبول اكتظاظًا بالعرب.
عندما التقينا أحمد*، كان مطعمه، المعروض للبيع، قد توقف فعليًا عن العمل، بعد فترة وجيزة من تغريمه 49 ألف ليرة (حوالي 5574 دينار أردني)، غرامة تلقاها في اليوم الأول للحملة الأمنية. كان المكان خاليًا من الزبائن، والكراسي مقلوبة على الطاولات. ولم يبق من طاقم العمّال لديه سوى واحد، كان يساعد في المهام الأخيرة قبل تصفية المحل.
أشار أحمد من نافذة الطابق الثاني لمطعمه إلى الشارع في الأسفل، حيث صفّ من المطاعم التي تحمل في معظمها يافطات بأسماء عربية، تجعل من المكان يبدو كما لو أنه شارع في مدينة عربية، وبدأ يعدد المطاعم التي قال إنها مغلقة أو معروضة للبيع، وجميعها مطاعم عربية.
جاء أحمد، الذي كان يعمل مهندسًا في الكويت، للإقامة في تركيا في أيلول 2017. مع ابنه وابنته التوأم (10 سنوات)، ووالديه اللذين يساعدانه في العناية بطفليه بعد وفاة زوجته. كان قبلها بسنتين قد اشترى شقتين في تركيا بهدف الاستثمار. يقول إنه أراد استثمار ماله في الأردن، وكان قد بدأ بالفعل بدراسة فتح مطعم في شارع الرينبو في عمّان، لكنه طرد الفكرة سريعًا، بعد أن اكتشف، كما يقول، كمّ تعقيد الإجراءات اللازمة لبدء أي مشروع استثماري في الأردن، ومنها على سبيل المثال تعدد المرجعيات، أي كمّ التراخيص المطلوب من المستثمر استخراجها بنفسه من كل دائرة معنية بشكل منفصل، وهو أمر ليس موجودًا في تركيا، حيث هناك تراخيص متعددة تغطي مختلف جوانب المنشأة، لكن الجهة التي تتكفل بإنجازها هي البلدية، كما حدث عندما أسس مطعمه.
عندما ترك أحمد وظيفته في الكويت بعد تعثر الشركة التي كان يعمل فيها، كانت لديه ثلاث خيارات للهجرة: كندا وماليزيا وتركيا. رجّحت كفة تركيا سريعًا، لأنها أقرب جغرافيًا إلى الأردن. «فكرت لو صار أي شئ طارئ في الأردن، تركيا ما بتحتاج أكثر من ساعتين بالطيارة»، وأيضًا لأن الحصول على جنسيتها سهل نسبيًا، إذ يحق للمقيم الحاصل على إذن عمل التقدم لنيل الجنسية بعد إقامة خمس سنوات. والأهم بالنسبة إليه هو أنّها الأقرب ثقافيًا، وهذا كان مهمًا له بوصفه أبًا يربي طفليه شبه وحيد.
أقام أحمد مع طفليه ووالديه في الشقتين اللتين اشتراهما في حي إسبارطة كولة، والتي يقول إن هبوط الليرة التركية مقابل الدولار خفّض ثمنهما بمقدار الثلث تقريبًا. لقد كان ثمن الشقتين عام 2015، 300 ألف دولار أمريكي، في وقتٍ كان الدولار فيه يساوي 2.8 ليرة تركية. والآن مع هبوط الليرة إلى 5.7 مقابل الدولار، فهذا يعني أن خسارته، كما يقول، في هذه الشقق تقارب 100 ألف دولار.
لهذا، يقول إنه لو عاد به الزمن فلن يستثمر في عقارات سكنية، وإنما في التجارية، فالأخيرة تحتفط بقيمتها أكثر مما تفعل السكنية، كما أن عائداتها أعلى بكثير. ويدلّل على هذا بالقول، إنه يدفع، مثلًا، أجرةً شهريةً في المبنى الذي يستأجره للمطعم 15 ألف ليرة تركية شهريًا (حوالي 1706 دينار أردني)، وهو مبلغ كان سيوفره لو أنه اشترى العقار، أو كان سيحصّل عائدات عالية لو أجره.
كان مطعم أحمد متخصصًا بالأكلات العربية. ولم يلتزم بما نصّ عليه قانون العمل وهو توظيف خمسة أتراك مقابل كل أجنبي. «هذا مطعم عربي. مين التركي اللي بدو يطبخلي بامية ومنسف؟». ولم يلتزم أيضًا بالتأمينات القانونية، ولا بالحد الأدنى للأجور ولم يكن صعبًا العثور على من يقبل بهذه الرواتب. يشير أحمد إلى الأعداد الكبيرة من الشباب الذين مروا على المطعم، أولئك الذين يقول إنهم جاؤوا إلى تركيا «من دون خطة»، وذلك بتأثير من وسائل التواصل الاجتماعي التي قال إنها تصوّر تركيا بوصفها جنة. «أنا اشتغل عندي شباب أردنيين وفلسطينيين كانوا واصلين مرحلة الشحدة. أقسم بالله، اشتغل عندي مهندسين على المجلي. هو جاي مفكر إنه بقشّ مصاري هون».
لقد كان مجموع متوسط الرواتب التي كان يدفعها شهريًا لهؤلاء العمال 15 ألف ليرة شهريًا. وتطبيقه للقانون، من حيث الالتزام بالحد الأدنى من الأجور، ودفع التأمينات، كان سيزيد، بحسبه، ذلك المبلغ 20 ألف ليرة إضافية شهريًا (حوالي 2275 دينار أردني). وهذا يعني أن المشروع سيصبح غير مجد اقتصاديًا. بهذا المعنى، فقد تأسس هذا المشروع، وكثير غيره من استثمارات، كما يقول، اعتمادًا على أن هناك تراخيًا في تطبيق قانون العمل. «كنا حاطين ببطنّا بطيخة صيفي، معلّمنا أردوغان موجود، والعدالة والتنمية ماسكين البلدية. إجا صاحبنا الجديد إمام أوغلو، ثاني يوم أنا انرقعت الـ(49) ألف ليرة [غرامة]».
*تم الاكتفاء بالاسم الأول حفاظًا على خصوصية صاحبه.