راتب وحنين: إسطنبول مدينة صديقة للأطفال

الثلاثاء 10 آذار 2020
تصميم بيان دحدح.

هذه القصة هي جزء من تقرير موسع حول هجرة الأردنيين إلى تركيا بعنوان «موسم الهجرة إلى إسطنبول».

يعيش راتب* وزوجته حنين* في إسطنبول منذ ست سنوات تقريبًا. ولديهما حاليا طفل عمره سنة. يعمل راتب، الذي تخرج العام 2010 في تخصص الاقتصاد الإسلامي، في مشروعه الخاص، المتعدد الأنشطة، فهو إضافة إلى تسويق العقارات، أسس شركة لإدارة محافظ استثمارية في التعدين والتكنولوجيا، وشركة للاستشارات المالية الشرعية، وشركة لتأجير السيارات. ويقول إن مشاريع بهذا التشابك والحجم، لم يكن ليستطيع أن ينجزها في الأردن، في ظل بيئة استثمارية احتكارية، قوانينها بالغة التعقيد. «أنا وين ممكن أشتغل فيهم في الأردن، أصارع هالحيتان». 

في الأردن، عمل راتب بعد تخرّجه في شركة رقابة مالية براتب 250 دينارًا. كان يعرف أنه لم يكن في هذه الشركة أي إمكانية للتطور، لكنه يقول إنه بقي معهم على أمل أن يكتسب خبرة تؤهله للعمل في قطاع البنوك. وعندما لم يحدث هذا انتقل إلى وظائف أخرى، لم يكن راتبها أفضل بكثير، بينها وظيفة في سوبرماركت. بداية العام 2014 انتقل إلى إسطنبول حيث عمل في مؤسسة للأبحاث مركزها الأردن، مقابل راتب 1200 دولار. وكان يعمل بشكل جانبي في بعض الخدمات السياحية، مثل حجوزات الفنادق وتذاكر السفر، وهو النشاط الذي ساعده على معرفة السوق وإدراك أن هناك الكثير مما يمكن عمله في قطاع العقارات. فترك المركز بعد ستة أشهر، وعمل في شركة للتسويق العقاري، تركهم العام الماضي، وبدأ العمل لحسابه، حيث أمضى سنة ونصف يعمل، كما يقول «من المقاهي» قبل أن يؤسس رسميًا عمله الخاص، قبل قرابة السنة.

يخطط راتب للاستقرار في تركيا، والحصول على الجنسية التركية. فعدا عن بيئة العمل المثمرة، يرى أن التنوع الثقافي الذي تتسم به المدينة، يشمل بيئة مناسبة لتأسيس عائلة، لأنها تفتح أمام الأطفال فرصًا كبيرة للتطور والانفتاح على العالم. أمر توافقه عليه حنين، التي تقول إن هذا التنوع هو أحد عوامل كثيرة تربطها بمدينة تحفظ لكل شخص مساحته الشخصية. «هون ما في تدخّل. بتلاقي وحدة لابسة شورت، وبجنبها وحدة لابسة جلباب، وقاعدين بجنب بعض. عادي، بتلاقيهم شلة صاحبات وطالعين مع بعض».

تقول حنين إن السنوات القليلة التي أمضتها في المدينة ساهمت كثيرًا في تطوّرها هي شخصيًا. لأن الجو المنفتح تجاه النساء، بحسبها، يوفر لهنّ فرصًا كبيرة للخروج إلى الحياة العامة والتفاعل وبناء العلاقات. تقول إنها في إسطنبول تشعر أنها مرتاحة خارج المنزل، لأنها حرّة من مراقبة الآخرين، أو ما تسميه «الجحِر»، وهذا الشعور بالحرية هو ما يحفزها للخروج إلى الحياة، ويمنحها فرصة للنمو المستمر، وهذا تقول إن عمّان في تجربتها الشخصية لم تعطها إياه، حيث في عمان: «بتحسّي حالك بتضلك مراقبة، محاصرة (…) لازم تضلك محصورة في الزاوية». 

التحقت حنين بداية وصولها إلى إسطنبول بالجامعة لإكمال الماجستير في هندسة العمارة. تخصصها، الذي تخرجت فيه العام 2013، ولم تعمل فيه نهائيًا في الأردن. فما يحدث هو أن الكثير من المكاتب الهندسية تشترط على الخريجين الجدد العمل في الشهور الثلاثة الأولى من دون راتب، وفي حالة التعيين، يبدأ الراتب بـ(300) دينار، في دوامٍ يستمر إلى السادسة مساء. «لما كنت أقدم الـCV، وأطلب 400، يقولولي إنت شايفة حالك».

تعمل حنين حاليًا بدوام جزئي معلمة لغة إنجليزية في روضة، وتساعد في إنجاز بعض المهام في مكتب زوجها. لأن فرص العمل التي أتيحت لها في إسطنبول كانت لوظائف بساعات عمل طويلة، ورواتب قليلة، ما لا يتناسب مع كونها أمّا لطفل رضيع. لكن التحاقها، مع ذلك، ببرنامج الدراسات العليا، كان بالنسبة لها فرصة لاكتشاف المدينة؛ الجغرافيا والبشر. وتقول إن أكثر ما أحبته في المدينة هو إحساسها بالأمان في الأماكن العامة، مهما تأخر الوقت. كانت محاضراتها ليلية، تنتهي الساعة 10، ويكون عليها بعدها أن تقطع رحلة تستمر ساعة في الباص، ثم ربع ساعة في السفينة. وخلال سنتين، تقول إنها لم تتعرض لمضايقة واحدة في الشوارع. وكان يصدف أن تتصل بها والدتها وهي ما تزال في الجامعة. «بتسألني وينك؟ وبتنجن كيف الساعة 11 وإنت بعدك بالجامعة؟ بتقولي ولسّة بدك تقطعي البحر؟. بتنجن وهي بعمان وراتب نايم بالدار».

وترى حنين أنه من الواضح قدر اهتمام المدينة بالأطفال، وأن هذا الاهتمام كان حاضرًا في أذهان من خططوا المدينة، إذ كل الأماكن تقريبًا مهيأة لاستقبالهم. مساحات اللعب والكراسي العالية في المطاعم، وطاولات التغيير للرضع. وهناك أيضًا السهولة الفائقة التي تقول إنها تتنقل بها مع طفلها داخل عربته. ففي حين أن «المولات» هي تقريبًا الأماكن الوحيدة التي يستطيع فيها الآباء جرّ عربات أطفالهم في الأردن، تقول إنها في إسطنبول تذهب بطفلها إلى كل مكان، فالشوارع وباصات النقل العام، بما فيها الباصات الصغيرة، مهيأة لذلك. وهذا يشمل آليًا سهولة تنقل كبار السن وذوي الإعاقة، الذين تقول إنهم كانوا من أوائل من لاحظت كثافة وجودهم في الأماكن العامة. «مرة قعدت أسأل إنه لا يكون هون في مقعدين أكثر؟ بس لا، الفكرة إنهم عنّا مخبيين بالبيوت».

ضمن خططهم للاستقرار، يقول راتب إنه لا يشعر بالقلق لا من تقلبات الليرة التركية، ولا من التقلبات السياسية. إذ يقول إن المفتاح دائمًا يكمن في دراسة الواقع المحيط جيدًا والتخطيط. وهو يلخص خبرته وفق الآتي، تركيا ليست بلد الوظائف للأجانب، إلّا إذا كانت هذه الوظائف في شركات كبيرة، بالتحديد في مجال التسويق الإلكتروني والتكنولوجيا والإعلام. ما عدا ذلك، فإن المستقبل هو للعمل الحر الذي يلتقط حاجات السوق الضخم الذي توفره مدينة بتعداد سكاني هائل مثل إسطنبول. «هذا هو الفرق بين اللي بشتغل بزنس صح، واللي بدبّ حاله».


*تم الاكتفاء بالاسميْن الأولين حفاظًا على خصوصيّة صاحبيهما.

Leave a Reply

Your email address will not be published.