أولويات ما بعد الحرب: بلديات غزة وشرطتها تشمّر عن ذراعيها

الأربعاء 22 كانون الثاني 2025
قافلة مساعدات دخلت غزة بعد وقف إطلاق النار. تصوير بشار طالب. أ ف ب.

في اليوم الأوّل من وقف إطلاق النار في قطاع غزّة، الأحد 19 كانون الأول، انتقلت مجموعة غزّيين من محافظة دير البلح وسط القطاع إلى محافظة رفح جنوبًا عبر طريق صلاح الدين. كان الطريق قد اكتسب سمعة مخيفة لدى الناس بسبب انتشار أفراد عصابات ملثمين يسطون على شاحنات المساعدات التي تعبره، بالإضافة إلى سرقة سيارات الأفراد وسلب ممتلكاتهم الشخصيّة. 

استغلت هذه العصابات حماية جيش الاحتلال من أجل تشكيل «تجمعات شبه عسكرية» للسطو على شاحنات المساعدات في مناطق يسيطر عليها جيش الاحتلال ويمشّطها ويقيّد الدخول إليها، بالإضافة إلى استفادتها من الفراغ الذي وجد في القطاع بسبب اغتيال الكثير من أفراد الشرطة وقوات حفظ النظام وقياداتها.

حتّى قبل وقف إطلاق النار بساعات ظلّ جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل بشكل ممنهج استهداف أجهزة إدارة الحياة اليومية في القطاع، مثل جهاز الشرطة بوصفه أداة تنظيم وحماية لحياة الناس، فقتل في الساعات الأخيرة أفرادًا من شرطة خان يونس، واستهدف كذلك البلديات بوصفها مجالس حكم محلي تُقدم خدمات تسهيلات الحياة للناس فقتل أربعة عمّال من بلدية البريج قبل وقف إطلاق النار بقليل.

بدا أن هذا النوع من الاستهداف الممنهج خلال شهور الحرب الطويلة يؤتي نتائجه، إذ فقد الناس معظم الخدمات في القطاع، مثل الخدمات البلدية، حيث دمّرت آبار مياه الشرب، ونسفت الطرق، وتراكمت النفايات، وفُقد النظام وانتشرت حالات الثأر والقتل وسرقة المساعدات من العصابات، وارتفعت أسعار السلع واحتكرها بعض التجار. لكن ومع اليوم الأول لوقف إطلاق النار اختفت هذه العصابات، هكذا عادت المجموعة إلى دير البلح ليلًا سالكةً طريق صلاح الدين الذي انتشر عليه أفراد من الشرطة خاصةً عند مداخل المحافظات يفتشون على الهويّات الشخصيّة ويتأكدون من عدم وجود مسروقات في أمتعة العابرين.

داخل المحافظات عادت على الفور البلديات إلى العمل بما توفر لها من آليات ناجية من الاستهداف لفتح الشوارع الرئيسيّة، قبيل الظهر بقليل أعلنت بلدية رفح أنها فتحت سبعة شوارع رئيسيّة بطول أكثر من 11 ألف متر طولي، ورحلّت آليات بلدية خان يونس 1500 طن من الركام في اليوم الأوّل لوقف إطلاق النار، وبدأت بلدية غزة، وهي أكبر بلدية في القطاع، العمل ضمن خطة استجابة سريعة. تواجد جهاز حفظ النظام وأجهزة تقديم الخدمات على الأرض منذ الساعات الأولى لوقف إطلاق النار، للعمل ولإيصال رسالةٍ سياسيّة أيضًا مفادها أن الاستهداف الكبير لمظاهر التنظيم والخدمات في القطاع لم يقض عليها؛ فقد خرج ما تبقى من آليات بلدية غزة في مسير جاب شوارع المدينة المدمرة، واصطف أفراد الشرطة الناجون من القصف باللباس العسكري أمام الكاميرات، جنبًا إلى جنب مع صورة تسليم كتائب القسّام الرهائن للصليب الأحمر في ساحة السرايا بشكل منظّم جماعي.

أولويات العمل 

شهد اليوم الأول لوقف إطلاق النار في قطاع غزة اجتماعات مكثفة ومطوّلة بين أجهزة إدارة الحياة في قطاع غزة، مثل جهازي البلديات والدفاع المدني، وأجهزة حفظ النظام مثل جهاز الشرطة، من أجل تنفيذ خطة لحفظ الأمن وعودة الخدمات.
تركزت بنود الاجتماعات على مرحلة ما بعد الحرب، وعلى عدة مسارات: بسط النظام والأمن مثل تأمين المساعدات ووقف السرقات وعمليات النهب، ورفع رفات الشهداء من تحت الأنقاض، وإزالة الركام من الشوارع الرئيسيّة، وتوفير الخدمات الأساسيّة مثل إيصال المساعدات الغذائيّة والمياه، والإعداد للمرحلة المقبلة مثل الإسكان وإعادة الإعمار. 

في واحد من هذه الاجتماعات التي جمعت جهاز الدفاع المدني بجهازي البلديات والشرطة نوقشت خطط التنسيق بين الأجهزة الثلاثة كما يؤكد مدير دفاع مدني خانيونس يامن أبو سليمان لـ حبر: «نحن نعتمد على البلديات في فتح الطرق للوصول إلى البيوت المهدمة وفيها جثث الشهداء من أجل رفع رفاتهم، ونعتمد على جهاز الشرطة في تأمين الأماكن التي نريد الوصول إليها والقريبة من المناطق التي ما زال جيش الاحتلال يعمل فيها وننسق مع مهندسي المتفجرات للتعامل مع القنابل والصواريخ التي لم تنفجر». وفي مؤتمر صحفي عقد صبيحة الأحد أعلن جهاز الدفاع المدني عن وجود قرابة 10 آلاف جثة شهيد تحت الأنقاض يعملون على انتشالها.

توالت المؤتمرات الصحفية لمختلف الأجهزة والوزارات في قطاع غزة لتعلن عن أولوياتها، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في بيان بدء نشر الآلاف من عناصر الشرطة الفلسطينية لحفظ الأمن والنظام في محافظات قطاع غزة، في نفس اليوم نشرت وزارة الداخلية بيانًا قالت فيه إنها تعمل على تأمين الممتلكات العامة والخاصة، والتعامل مع مخلفات الاحتلال التي تشكل خطرًا على حياة المواطنين ومساندة الأجهزة الحكومية الأخرى في المناطق التي انسحب جيش الاحتلال منها، خاصة في محافظتي شمال غزة ورفح اللتين شهدتا تدميرًا شاملًا، وقد نوّه البيان إلى أنّ الأيام القادمة ستشهد تكثيفًا لجهود أجهزة وزارة الداخلية في المحافظات.

فيما أعلنت وزارة التنمية الاجتماعية في بيان لها الاثنين، الانتهاء من استعداداتها لاستقبال المساعدات عبر المعابر وتسهيل تدفقها وتوزيعها على الأسر داخل وخارج مراكز الإيواء، وأعلنت كذلك نيتها بدء تسجيل النازحين والأيتام وحصر أعداد ذوي الإعاقة بمجرد استقرار الناس في محافظاتهم. فيما عمّمت وزارة الإسكان رابطًا لتسجيل من تهدّمت بيوتهم من أجل حصر الأضرار، والبدء بخطّة لمناطق الإيواء ومن ثم الإسكان. 

قدّم الناطق باسم بلدية غزة، عاصم النبيه، في حديث مع حبر، شرحًا عن أولويات البلدية في العمل ضمن خطة التعافي ومعالجة آثار العدوان، وقد بدأ هذا المسار منذ اليوم الأول بالفعل، ويقوم على أربع أولويات: فتح الشوارع الرئيسيّة المغلقة بالركام، وزيادة كميات المياه التي تصل إلى 40% من إجمالي مساحة المدينة، وجمع وترحيل النفايات التي وصل حجمها إلى 165 ألف طن تخوفًا من حصول كارثة صحية وبيئية، ومعالجة مشاكل الصرف الصحي.

تواجه البلدية، يقول النبيه، أزمتين رئيستين، تتمثل الأولى في نقص الآليات وصل إلى فقدان 85% منها، ونقص في قطع غيار الآليات المتبقية، وقد طلبت البلدية من مؤسسات ومنظمات دولية المساعدة في هذا الأمر ومن المنتظر دخول تلك القطع إلى غزة قريبًا. أمّا الأزمة الثانية فتتمثّل في نقص الكوادر، وهنا بيّن النبيه أن البلدية تنتظر عودة قرابة 65% من موظفيها النازحين إلى الجنوب يوم السبت أو الأحد بالإضافة إلى عملهم على تكثيف المبادرات التطوعية والشبابية داخل أحياء المدينة للمساعدة على التنظيف ورفع الركام. 

في المرحلة الثانية من خطة البلدية التي تعمل عليها سيكون العمل على فتح الشوارع الفرعية ومن ثم إعادة الإعمار، يقول النبيه إن لدى البلدية خطة طموحة لإعادة الإعمار ومن المتوقع أن تعلن عن ملامح هذه الخطة قريبًا، وهي تحتاج إلى قائمة طويلة من الاحتياجات أولها آليات ثقيلة ومتوسطة.

في الشمال المنكوب، تحدّث مراسل التلفزيون العربي إسلام بدر لـ حبر عن تحرّك آليات البلديات والجمعيات الخيرية وهيئات الإعمار وآليات القطاع الخاص لفتح الشوارع خاصة في مخيم جباليا، لكنّه يستدرك: هم يعملون منذ الساعة الأولى، يعملون ولا يمكن القول إنهم قادرون على تلبية الاحتياجات، الاحتياجات كثيرة والإمكانيات قليلة.

أسعار تنخفض

عندما انتشرت أخبار قرب التوصل إلى وقف إطلاق النار ومن ثم بدء وقف إطلاق النار وانتشار أجهزة الأمن والشرطة في الأسواق، اختفت ظاهرة البلطجية في الأسواق، دخلت المئات من شاحنات المساعدات دون السطو عليها وساهم هذا كلّه في توفّر سلع جديدة لم تكن موجودة في الحرب، وانخفاض أسعار السلع الأساسية إلى مستويات غير مسبوقة في الحرب، لكنها بقيت مرتفعة مقارنةً بما كانت عليه قبل الحرب؛ انخفض سعر الدجاج من 100 إلى قرابة 20 شيكلًا بعد دخول كميات كبيرة منه عبر الشاحنات، انخفض لتر وقود السيارات من 120 إلى 30 شيكلًا، وانخفض سعر الطحين من 100 شيكل للكيلو الواحد إلى 30 شيكلًا للكيس الذي يزن 25 كيلو.

في الشمال انتشرت الأجهزة الأمنية بما فيها الشرطة وقوات حفظ النظام كما لاحظ ذلك فايز الجدبة الذي يسكن جباليا، وانخفضت أسعار السلع الأساسيّة بالفعل، في الشمال يؤكّد بدر أن شاحنات المساعدات، وصلت بالفعل إلى هناك لكن البضائع تقريبًا نفسها التي كانت تدخل فترة الحرب، «لم يدخل مثلًا ملابس وأحذية ولحوم وخضروات».
يقول بدر إن هناك انتشارًا للجان تأمين المساعدات وأفراد الشرطة وشرطة المرور وقوات التدخل وحفظ النظام، ليس مثل الماضي ولكن هناك انتشار ملحوظ وعملهم صار أسهل بسبب توقف استهدافهم بتوقف الحرب: «لم نلحظ تعدي وسرقة على الشاحنات».

أخيرًا، خرجت الكثير من الجهات الحكوميّة في مؤتمرات صحفية لتعرض فيها إحصاءات بأبرز ما تحتاجه، وحجم الخسائر المقدرة، وما اللازم لإعادة عملها، لقد كانوا يعملون طوال أشهر الحرب الطويلة، منها بالإضافة إلى البلديات والشرطة، وزارات الإسكان والتنمية، والصحة، وشركة توزيع الكهرباء التي وضعت خطة أولوية لتزويد المرافق الحيوية بالكهرباء مثل المخابز والمستشفيات والمراكز الصحية.

ثمة ترتيبات تجري للأيّام القليلة المقبلة مثل استقبال النازحين إلى الجنوب، واستقبال أسرى القطاع لدى الاحتلال، لكن طريق التعافي من الحرب، خاصة في الشمال، ستكون طويلة وشاقة، إلا أنهم بدأوا العمل بالفعل منذ الساعات الأولى لوقف الحرب.

Comments are closed.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية