من أهلنا وأصدقائنا، إلى أخصائيي التغذية وآلاف الأخبار ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، تكاد النصائح الغذائية لا تتوقف، والمشكلة أن مضمونها يختلف من مصدر لآخر، ومن زمن لآخر. ومع السعي لمواكبة أحدث المعلومات عن غذائنا قد تكون بعض هذه النصائح متضاربة أو مغلوطة أو -على الأقل- محيرة ومربكة، وهي كثيرًا ما تكون متعلقة بإنقاص الوزن وكأن هذه هي الفائدة الوحيدة المتحققة من تناول الطعام بطريقة صحية، فمرةً يُنصح بتجنّب الكربوهيدرات، ثم يُنصح بتجنب الدهون، فيما هناك من ينصح بتناول المزيد من بعض العناصر؛ المزيد من البروتين أو المغنيسيوم أو غيرها. للشخص أن يَسأل هنا: متى أصبحنا نأكل العناصر الغذائية بدلًا من الطعام؟
فضلًا عن تناقض الكثير من هذه النصائح، فإنه يصعب تطبيق العديد منها، لهذا دائمًا ما ترافقها النصيحة الأكثر تكرارًا، وابتذالًا ربما: «كل ما يلزمك هو التحلي بقوة الإرادة». لكن، حتى لو تحلينا «بقوة الإرادة» هذه، ما الذي يجعلنا نتناول الطعام الذي نريد تجنبه باستمرار؟ وإذا كانت المسألة مرتبطة بالإرادة الشخصية، فلماذا تتزايد الأمراض المتعلقة بالتغذية على المستوى الجماعي؟ ولماذا يصعب على كثير منا التوقف عن أكل الأطعمة المصنعة تحديدًا؟
يُعتبر علم التغذية الحديث مجالًا جديدًا نسبيًا، حيث تم تطويره في وقت كانت فيه حالات نقص التغذية والأمراض المعدية هي الأكثر انتشارًا. وقد شهد النصف الأول من القرن الماضي اكتشاف العديد من الفيتامينات والمعادن وعلاقتها بالأمراض الشائعة آنذاك، مثل علاقة فيتامين سي بمرض الإسقربوط، وفيتامين أ بمرض العشى الليلي، وغيرهما. لذا ركزت الإرشادات الغذائية حينها على الحصول على كميات كافية من تلك العناصر الغذائية. لكن منذ ذلك الحين، أدى التصنيع الغذائي والتنمية الاقتصادية المرافقة للعولمة إلى تغيرات شاسعة في أنماط حياتنا وعاداتنا الغذائية، وبالأخص انتشار الأغذية فائقة المعالجة، وهي أطعمة منتجة صناعيًا تحتوي على مكون واحد على الأقل لا نجده عادةً في مطابخنا.
أدى التصنيع الغذائي والتنمية الاقتصادية المرافقة للعولمة إلى تغيرات شاسعة في أنماط حياتنا وعاداتنا الغذائية، وبالأخص انتشار الأغذية فائقة المعالجة، وهي أطعمة منتجة صناعيًا تحتوي على مكون واحد على الأقل لا نجده عادةً في مطابخنا.
مؤخرًا، صرنا نعرف أن قيمة الأطعمة الكاملة بشكلها الطبيعي أعلى بكثير من قيمة أجزائها المنعزلة، وأنه لا يمكن تقييم نوعية الطعام وفوائده الصحية بناءً على محتواه من العناصر الغذائية، مع ذلك ما تزال العديد من الشركات تستخدم التوصيات القديمة كاستراتيجيات لتسويق منتجاتها. من ذلك مثلًا ما تقوم به الشركات المصنعة للعصائر المجففة، المسماة أحيانًا «مسحوق الشراب سريع الذوبان»، لا تحتوي هذه المنتجات على العصير أو الفاكهة إطلاقًا، إنما تتكون من السكر والنكهات والألوان والمضافات الغذائية فقط، ومن المرجح اليوم أننا لا نعرف أشخاصًا مصابين بمرض الإسقربوط -أي نقص فيتامين سي– لكن هذه الشركات ما تزال تسوق منتجاتها باعتبارها «مصدر فيتامين سي»، مرفقة ذلك بصور الفاكهة الطازجة على الغلاف، ما قد يعطي انطباعًا بأن المنتج صحي، وكأنه طعام حقيقي، لا مجرد تركيبة من المكونات المصنعة التي تشبه الطعام.
لطالما كانت السمنة وزيادة الوزن مشاكل صحية في البلدان الصناعية الغربية ذات الدخل المرتفع، إلا أنها صُدّرت للبلدان ذات الدخل المتوسط لتحتل مراتب من أعلى معدلات انتشار زيادة الوزن والسمنة والأمراض المتعلقة بالتغذية، فيما تتصدرها منطقة الشرق الأوسط التي يمكن تتبع انتشار بعض الأطعمة فائقة المعالجة في أسواقها منذ أواسط القرن الماضي، فعلى سبيل المثال بدأت المشروبات الغازية بالانتشار في المنطقة في نصف القرن الماضي تقريبًا، حيث دخلت كوكاكولا السوق المصري عام 1948، فيما أطلقت بيبسي منتجاتها في لبنان عام 1952. وفي العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الفائت وسّعت عدة شركات متعددة الجنسيات، مثل نستله ودانون ويونيليفر ومارس وبيبسيكو وكوكاكولا، نطاق وشبكات توزيع منتجاتها في الشرق الأوسط ليزداد توفر الأطعمة فائقة المعالجة، كما حدث توسع في سلاسل الوجبات السريعة العالمية، بدءًا بأول فرع لدجاج كنتاكي في الكويت مطلع السبعينيات (1973)، ثم بيتزا هت في الإمارات أواخر السبعينيات (1979)، ثم برجر كنج في السعودية أوائل التسعينيات (1992)، كما افتتحت فيها ماكدونالدز فرعها الأول هناك عام 1994. واليوم، بعد 50 عامًا تقريبًا، صار في المنطقة عدد كبير من مطاعم الوجبات السريعة، كما أصبحت رفوف الأسواق ملأى بالأطعمة فائقة المعالجة التي تتدفق من كل الاتجاهات عبر الشركات المحلية والإقليمية والدولية.
قد يبدو بديهيًا أن أطعمة مثل الشوكولاتة والشيبس والسكاكر والوجبات السريعة تسبب زيادة الوزن وبعض الأمراض المزمنة لاحتوائها على كميات كبيرة من السكر أو الدهون أو الملح، لكن هذه الأطعمة لا تشكل إلا نصف القصة فحسب، إذ توجد فئات أخرى من الأغذية التجارية تبدو صحية لكنها أيضًا أطعمة فائقة المعالجة، من ذلك مثلًا الألبان المنكهة والأجبان المصنعة والعصائر وكثير من أغذية الأطفال والمرتديلا ومكعبات المرقة. فما الذي يجعل هذه الأطعمة «فائقة المعالجة»؟
حتى وإن كانت معظم الأغذية قبل تناولها تعتبر «مصنّعة» إلى حد ما، إلا أن «الأطعمة فائقة المعالجة» ليست مجرد أطعمة معدلة، إنما هي تركيبات مصنّعة بدرجة عالية من مصادر صناعية للطاقة والعناصر والمضافات الغذائية، وتشمل عادة السكر أو الدهون أو الملح، فيما تحتوي كميات قليلة من الأطعمة الكاملة أو لا تحتوي عليها إطلاقًا، وتكون جاهزة للاستهلاك فورًا أو بعد تسخينها، والغرض من هذا التصنيع الفائق هو إنتاجٌ مربح جدًا لأطعمة شهية وسهلة الاستعمال ذات صلاحية استخدام طويلة.
وبالنظر الى قوائم المكونات في أغلب الأطعمة المغلفة المنتجة صناعيًا، قد نجد الكثير من المكونات غير المألوفة للمستهلك، خصوصًا عند ذكرها باستخدام رمزها الكيميائي وفقا للنظم الأوروبية أو العالمية (مثل E451i)، علمًا أن بعضها يوجد في طيف واسع من المنتجات المختلفة في طبيعتها (مثل «الليسيثين» و«النشا المعدل» و«صمغ الزانثان»)، فبالإضافة إلى المواد الحافظة والمنكّهات والألوان، تحتوي الأطعمة فائقة المعالجة على مجموعات من المضافات الغذائية التي قد يصعب على المستهلك فهم خصائصها وأسباب إضافتها.
للتوصل الى القوام والخلطات المرغوبة، تتم «هندسة» الأطعمة من خلال تفكيك المكونات الى أجزائها الأساسية ثم تعديلها وإعادة تجميعها. وتُجرد أغلب هذه المكونات من نكهاتها الأصلية والكثير من عناصرها الغذائية
في كتابه «أشخاص فائقو المعالجة» (Ultra-Processed People) الصادر عام 2023، سعى الطبيب والأستاذ الجامعي كريس فان تولكين إلى فهم الأسباب التي تجعل من الصعب علينا التوقف عن تناول الأطعمة فائقة المعالجة وكيف تسبب زيادة الوزن، حتى عندما تكون خالية من السكر والدهون. تبيّن له من خلال إجراء مقابلات مع علماء أغذية عملوا على تطوير بعض المنتجات في كبريات الشركات العالمية لعشرات السنين أن هذه المنتجات تُطور باستمرار وبشكل قصدي حتى تُستهلك بإفراطٍ، ويحدث ذلك عبر دراسة سلوك المستهلك والتوصل إلى قوامٍ يسمح بتناول المنتجات بشكل أسرع وبكميات أكبر، ومن خلال خلطات مدروسة لنسب الملح والسكر والدهون والبروتين ما يزيد من رغبة أجسامنا وأنظمتها في تناول هذه الأطعمة. تقول أستاذةٌ جامعية وباحثة في إدمان الطعام والسمنة ممن قابلهم تولكين إن بعض هذه الأطعمة قد تعمل على تنشيط نظام المكافأة في الدماغ بطريقة مماثلة لما يحدث عند تعاطي المخدرات أو الكحول أو النيكوتين أو المورفين.
بالمحصلة، هذه شركات لا هيئات للصحة العامة، وهي تهدف إلى زيادة المبيعات وتقليل تكاليف الإنتاج وإطالة صلاحية منتجاتها. هكذا يتضح دور المضافات الغذائية غير المعروفة، فهي تعمل كمستحلبات ومكثفات ومحسنات لقوامِ الأطعمة، وتُستخدم بدل المكونات الطبيعية لتقليل التكلفة حيث إنها رخيصة السعر ولا تتلف بسهولة. وإلا فلماذا نجد السكر في المايونيز؟ ولماذا نجد النشا وبروتين الصويا في مرتديلا اللحم البقري؟
للتوصل الى القوام والخلطات المرغوبة، تتم «هندسة» الأطعمة من خلال تفكيك المكونات الى أجزائها الأساسية ثم تعديلها وإعادة تجميعها. وتُجرد أغلب هذه المكونات من نكهاتها الأصلية والكثير من عناصرها الغذائية، لذا تضاف النكهات والألوان ثم تُملّح وتُحلّى بشكل مفرط. يمكن النظر إلى الجبنة المصنعة القابلة للدهن (ومنها جبنة المثلثات) كمثال، في الأصل كانت تشيع الجبنة البيضاء في منطقتنا، وهي مصنوعة من حليب الغنم الطازج الممزوج بمادة «المنفحة» التي تساعد في تخثير الحليب ليصبح جُبنًا، ثم يُستخدم الملح لغرض الحفاظ على الجبنة. أما جبن «المثلثات» وبالنظر إلى واحدة من أبرز العلامات التجارية في الأسواق، فإنها تتكون من حليب بقري خالي الدسم معاد تكوينه، ودسم الحليب البقري، والجبن (حليب بقري، ملح، بكتيريا حمض اللبن، منفحة ميكروبية)، وبروتينات الحليب البقري، مع قائمة[1] من بعض الفيتامينات والمضافات الغذائية التي تحسن قوام المنتج أو تحفظه، بالإضافة إلى بعض الفيتنامينات.
بكلمات أخرى، وبالمقارنة مع الجبنة البيضاء التي تتكون من الحليب الكامل والطازج ومكونيْن أساسيين لصنع الجبنة وحفظها، فإن الجبنة المصنعة القابلة للدهن تمثل تمامًا الأطعمة فائقة المعالجة حيث تحتوي على كمية قليلة جدًا من الحليب الكامل، وتتكون بدلًا عن ذلك من أجزاء الحليب التي أعيد تركيبها بنسب تناسب الشركة المصنعة، مع مضافات غير ضرورية لتحسين القوام، بالإضافة إلى بعض المواد الحافظة.
«تحسين» الأطعمة وتسويقها
على مدى ملايين السنين، تطورت حواسنا في التذوق والشم لتمييز الأطعمة الغنية بالطاقة والعناصر الغذائية التي نحتاجها، وتكيفت أجسادنا للبيئة المتغيرة بطريقة بارعة فصرنا نتناول مجموعة واسعة من الأطعمة المغذية. لكن السنوات الـ150 الماضية شهدت تغيرات غير مسبوقة، خصوصًا عندما بدأنا بتناول أطعمة مليئة بالمركبات الغريبة على أجسامنا والتي تغلبت على الآليات التي طورناها لتنظيم الطاقة والعناصر الغذائية. لذلك، عندما نتناول أطعمة تفتقر للعناصر الغذائية ويضاف إليها نكهات -سواء كانت نكهات «طبيعية» أم صناعية- دون الحصول فعليًا على العناصر الغذائية، يظل لدى الشخص رغبة مستمرة في تناول المزيد بحثًا عن هذه المغذيات.
ومع زيادة الوعي بتأثيرات الأطعمة الغنية بالسكر والدهون والسعرات الحرارية على الصحة، انتشرت المنتجات «الخالية من السكر» أو «قليلة الدسم» أو «الدايت» التي تُقدم وكأنها خيارات صحية، إذ سارعت الشركات في توفير منتجات «محسنة». لكن، كيف يمكن تخفيض محتوى الدهون في اللبن -مثلًا- مع الحفاظ على القوام الكريمي والمذاق اللذيذ؟ إنها التكنولوجيا ذاتها التي سمحت بتطوير الأطعمة فائقة المعالجة والتلاعب في قوام ومذاق هذه الأطعمة، فمن خلال إضافة السكر ومضافات غذائية مثل المثبتات أو النشويات المعدلة أو المستحلبات إلى اللبن خالي الدسم، يُصنع القوام الغني والطعم الشهي.
أما المشروبات الغازية أو الأطعمة على شاكلة المربى، أو الحلويات الخالية من السكر والتي تتمتع في الوقت نفسه بمذاق حلو للغاية، فمن السهل جدًا على الشركات استخدام ما يسمى بـ«المُحليات الصناعية» لإنتاجها، كما نجد أن أغلب أصناف الأطعمة فائقة المعالجة، بما فيها «المحسنة»، تحتوي على المزيد من المضافات الغذائية أو الملح أو السكر أو الدهون، ولهذا تستفيد الشركات منا عندما نركز النظر على العناصر الغذائية أو السعرات الحرارية بدلًا من تقييم جودة الغذاء وفوائده بالمجمل.
علاوة على ذلك، ورغم أننا لا نعرف الكثير عن تأثيرات المُحليات الصناعية على صحتنا، إلا أن بعض الدراسات[2] أظهرت ارتباطها[3] بزيادة الوزن[4] والسكري[5] وهذه مسألة مقلقة لأن استخدام هذه المحليات يتزايد بشكل واسع في أنواع عديدة من الأطعمة فائقة المعالجة. والسؤال هنا، كيف تتسبب هذه الأطعمة منزوعة السكر والسعرات الحرارية في زيادة السكري وزيادة الوزن؟ ليست الإجابة واضحة بعد، لكن بعض الدراسات الجديدة تحاول تفسير الطرق المحتملة، وهي تشير إلى تأثيرات المحليات الصناعية على توازن بكتيريا الأمعاء التي تلعب دورًا في عملية الهضم وتنظيم السكر في الجسم.[6] كما أن أجسامنا تفرز الأنسولين عند تذوق طعم السكر استعدادًا للتعامل معه، وعند تناول هذه الأطعمة يظل الأنسولين دون وظيفة في الدم، ما قد يؤدي الى مقاومة الأنسولين مع مرور الوقت، أي الخطوة الأولى نحو مرض السكري. فضلًا عن أن المُحليات الصناعية تزيد من رغبتنا في تناول الأطعمة الحلوة واعتيادنا عليها.
الأطعمة فائقة المعالجة مصممة بطريقة تدفعنا إلى تناولها بكميات أكثر مما نحتاج، فيما هي تفتقر إلى العديد من العناصر الغذائية، مما يسبب في كثير من الأحيان نقص التغذية أو السمنة.
ويترافق تصنيع الأطعمة فائقة المعالجة وإنتاجها مع أساليب تسويق مبتكرة، وإحدى أهم استراتيجيات التسويق التي تتبعها الشركات هي بناء ولاء المستهلكين وثقتهم في هذه الأطعمة عبر إنشاء علامات تجارية قوية مع شعارات مميزة، وتعزيز ذلك بعروض أسعار قد تُشعر المستهلك بالكسب أو التوفير عند الشراء وتشجعه على شراء كميات أكثر، مثل عروض الخصومات «اشتري اثنين واحصل على الثالث مجانًا»، أو عروض الجوائز المعتمدة على تجميع أجزاء في علب المنتجات، مثل تجميع بطاقات موجودة في أكياس الشيبس أو رسومات تحت أغطية زجاجات المشروبات الغازية، وما شابه. يضاف إلى ذلك، التغليف المميز والتصاميم الجميلة ذات الألوان والصور الجذابة للإيحاء بأن المنتج طازج وصحي، مع عبارات تشير إلى «الفوائد الصحية» للمنتج ومحتواه من العناصر الغذائية.
كما يُلاحظ أحيانًا أن الشركات متعددة الجنسيات تتحدث إلى المستهلك بـ«اللغة المحلية» وتتبنى «الثقافة المحلية» في إعلاناتها. كما تعدّل المنتجات لتتناسب مع التفضيلات والأذواق المحلية من خلال أبحاث معمقة لفهم سلوكيات المستهلكين في كل «سوق» تتواجد فيه، وتتعاون مع مشاهير وشركات محلية من أجل «المصداقية» والتواصل مع الجمهور.
أخيرًا، إلي جانب التسويق المكثف، تسعى الشركات للتشكيك بالدراسات العلمية التي تثبت الأضرار الصحية للأطعمة فائقة المعالجة. وهو ما فعلته -مثلًا- شركات التبغ في القرن الماضي عندما شاركت في حملات واسعة لإثارة الشك في الإجماع العلمي حول أضرار التدخين، وموّلت دراسات تشكك في العلاقة بين التدخين والمشاكل الصحية. كما تبين أن بعض مؤلفي الدراسات التي تنفي تأثير المُحليات الصناعية على الصحة هم على علاقة بشركات الأغذية الكبرى مثل دانون وأبوت وكيلوجز، أو مرتبطين بأكاديميات ترعاها وتمولها شركات سكر أو أغذية فائقة المعالجة.[7] وأكثر ما يقلق في مثل هذه الحملات أنها تستهدف الأكاديميين والأخصائيين بما فيهم أخصائيو التغذية، من ذلك مثلًا أن أكاديمية التغذية وعلم التغذية الأمريكية، التي تدرب أخصائيي التغذية وتساعد في تشكيل السياسات الغذائية وتصدّرها إلى العالم، تلقت[8] بين عامي 2011-2017 أكثر من أربعة ملايين دولار من شركات كبرى في تصنيع الأغذية، وللأكاديمية نفسها أسهم في بعض الشركات المصنعة للأطعمة فائقة المعالجة.
الخلاصة أن الأطعمة فائقة المعالجة مصممة بطريقة تدفعنا إلى تناولها بكميات أكثر مما نحتاج، فيما هي تفتقر إلى العديد من العناصر الغذائية، مما يسبب في كثير من الأحيان نقص التغذية أو السمنة. وفضلًا عن تأثيرها على الوزن، تشير أغلب الأدلة المتوفرة حتى الآن إلى ارتباط هذه الأطعمة ببعض الأمراض المزمنة المتعلقة بالتغذية مثل أمراض القلب والسكتات الدماغية والسكري وبعض أنواع السرطان، حتى عندما لا يصاحبها زيادة في الوزن، كما قد يكون مستهلكوها أكثر عرضة للإصابة بالخرف وأمراض الأمعاء الالتهابية.
الآن حلّ سوء التغذية محل التبغ[9] فصار السبب الرئيسي للوفاة المبكرة في العالم، وما لم يتم التعامل مع المشكلة باعتبارها مرتبطة بالممارسات التجارية المدفوعة بحوافز الربح، لا مسألة مرتبطة بقوة الإرادة الشخصية، فربما لن نتمكن من حلها أبدًا.
هذا التقرير جزء من زمالة حبر للصحافة الصحية، الممتدة من أيلول 2023 حتى أيلول 2024، وفيها تنخرط سبع زميلات من خلفيات معرفية متنوعة في إنتاج تقارير صحفية بقوالب مختلفة حول قضايا صحية تتقاطع مع الأسئلة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
-
الهوامش
[1] هي: إي 452، إي 341، منظم حموضة: إي 330، مادة حافظة: إي 202، ملح مؤيد، بيروفوسفات الحديديك، جلوكونات الزنك، فيتامين د.
[2] Imamura F, O’Connor L, Ye Z, et al. Consumption of sugar sweetened beverages, artificially sweetened beverages, and fruit juice and incidence of type 2 diabetes: systematic review, meta-analysis, and estimation of population attributable fraction. British Medical Journal 2015; 351: h3576.
[3] Fowler SP, Williams K, Resendez RG, et al. Fueling the obesity epidemic? Artificially sweetened beverage use and long-term weight gain. Obesity 2008; 16: 1894–900.
[4] Nettleton JA, Lutsey PL, Wang Y, et al. Diet soda intake and risk of incident metabolic syndrome and type 2 diabetes in the Multi-Ethnic Study of Atherosclerosis (MESA). Diabetes Care 2009; 32: 688–94.
[5] Fowler SPG. Low-calorie sweetener use and energy balance: results from experimental studies in animals, and large-scale prospective studies in humans. Physiology & Behavior 2016; 164: 517–23.
[6] Suez J, Korem, T, Zeevi D, et al. Artificial sweeteners induce glucose intolerance by altering the gut microbiota. Nature 2014; 514, 181–186.
[7] Tulleken, Chris van (2023). Ultra-processed people: the science behind food that isn’t food.
[8] المصدر السابق.
[9] GBD 2017 Diet Collaborators. Health effects of dietary risks in 195 countries 1990-2017. Lancet 2019, 393: 1958–72.