طريقٌ شائك نحو الأمومة: ديون وقروض وجمعيات

الأربعاء 20 تشرين الثاني 2024
تصميم توفيق الضاوي.

«حرفيًا كانت كل الدنيا بين إيدي، ما بدي إشي تاني في العالم كله» هكذا تصف سمر* (27 عامًا) فرحتها عندما علمت بحملها بدايات عام 2021. مع هذه الفرحة عملت مع زوجها على إفراغ إحدى الغرف في المنزل تحضيرًا لقدوم المولود الجديد، وجلبَ زوجها دمية كبيرة لدبٍ ناطق، يستطيع تغطية وجهه بيديه، وينطق في النهاية «بيكا بو» بعد إنزال يديه.

كانت هذه التجربة الأولى لسمر باختبار الإحساس بالحمل، والمحاولة الرابعة للإنجاب منذ زواجها قبل ست سنوات.

أخبر الطبيب سمر عند حملها أن عليها مراجعته كل أسبوعين لمتابعة نمو الجنين ونبضات قلبه وحركته، خاصة أن زوجها يعاني من تشوّهات في الحيوانات المنوية، فيما كانت تعاني من متلازمة تكيّس المبايض. انتظمت زيارات سمر للطبيب خلال أوّل شهرين من الحمل، لكنها لم تتمكن من مراجعته بعدها لأن كشفيته التي كانت عشرين دينارًا، إضافة لأجرة المواصلات من مكان سكنها في سحاب إلى العيادة في منطقة الدوار الخامس، وتكلفة الأدوية المثبتة للجنين وأدوية تكيس المبايض، شكلت جميعها زيادة مرهقة في التكاليف المالية لم تقوَ وزوجها على الالتزام بها.

بدأت سمر وزوجها محاولات الإنجاب لدى الأطباء بعد زواجها بسنة. في البداية زارت طبيبًا عامًا، وصف لها ولزوجها فيتامينات. لكن بعد فشل هذه المحاولة، توجهت لطبيب أخصائي شخّصها بمتلازمة تكيس المبايض، وأخبرها أنها لا تستطيع الإنجاب أبدًا إلا عبر أطفال الأنابيب. تقول سمر «من غير ما يعمل أي فحص لزوجي. صار يقول عقم، ما في خلفة، خلينا نفكر بالأنابيب على طول». رأت في هذا الطبيب رغبة بالتكسب ماليًا، خاصة أن متلازمة تكيس المبايض لا تسبب العقم ولكنها تؤخر الإنجاب. مع هذا التشخيص دخلت سمر في حالة من الصدمة، لكنها حاولت وزوجها اللجوء من أجل تحصيل المبلغ عبر شركات التسهيلات الإقراضية، رغم علمها أن مبلغ الألفي دينار الذي سيقترضانه سيسددانه بفعل الفوائد حوالي 4500 دينار.

لجأت إلى طبيب أخصائي آخر بعدها، أجرى فحوصات لزوجها الذي شُخّص بتشوهات في الحيوانات المنوية، وأجرت عنده عملية «التلقيح داخل الرحم» في نهايات عام 2020، من خلال حقن السائل المنوي في قنوات فالوب بعد تنشيط الإباضة، ولكنها فشلت. بعدها كانت المحاولة الرابعة لدى الطبيب نفسه، والذي وصف لها هذه المرة أدوية تنشيط الإباضة فقط، وخلال شهر واحد حملت.

في الشهر الرابع من الحمل شعرت سمر أن ثمة أمرًا غير طبيعي ينتاب جسدها، ووجدت بعض الدم على ملابسها. لم تستطع وقتها مراجعة طبيبها الخاص ولا الذهاب إلى المشفى الخاص الذي يتعاقد معه الطبيب، ولأن كشفية الطبيب تتضاعف مساءً، ذهبت إلى مستشفى حكومي قريب. أبلغها الطبيب المناوب بعد فحصها وإجراء صورة فوق صوتية للرحم، أن الجنين ميت ونبضات قلبه متوقفة. وعليها الانتظار 24 ساعة حتى يخرج الجنين لوحده وإلا سيضطر لإعطائها أدوية محفزة للولادة الطبيعية حتى يخرج الجنين تجنبًا لحدوث تسمم داخل جسمها. لم تتمالك سمر نفسها من هول الخبر، خاصة أنها فحصت نبضات قلب الجنين قبلها بأسبوع في المستشفى نفسه وشعرت بحركته داخلها. تقول سمر «هاي كانت القاضية بالنسبة إلي، روّحت بحالة انهيار، سكّرت الدنيا كلها بوجهي». وبالفعل في اليوم التالي جاءها المخاض صباحًا ونزفت بشدة، وعلى بوابة المستشفى خرج جنينها المجهض وأمسكته بين يديها ميتًا. «وقتها، حسيت إنّي روح فاضية، جسد بيتمنى إنه يطلع منه الروح ويلحق اللي بين إيديه، أنا كنت عارفة من بعدها إنه صعبة رح تكون عليّ الحياة» تقول سمر.

خلال محاولاتهما المتكررة للإنجاب، كانت سمر، التي تعمل مدرسة خصوصية في منزلها فيما تدرس حاليًا للحصول على دبلوم معلم صف، وزوجها الذي يعمل في مقبرة وفي الوقت نفسه على سيارة، ويعيل والديه المريضين ويدفع نفقات تعليم شقيقه الأصغر، يتدبران التكاليف من خلال الجمعيات مع الأقارب والمعارف: «أنا ما بفوت بجمعيات كبيرة على حسب التزاماتنا.. يعني كحد أقصى 50 دينار شهريًا مقسمين على 13 شهر أو 15 شهر» تقول سمر.

عام 2022، حصلت سمر على تأمين الأسر الفقيرة من وزارة التنمية الاجتماعية، ومع ذلك فإن العديد من الفحوصات الطبية والأدوية المنشطة لم تتواجد ولم تغطَّ في القطاع الحكومي. تنوي سمر المحاولة مرّة أخرى العام القادم بعد الانتهاء من التزامات مالية عليها، لتبدأ بعدها توفير النقود لمحاولة جديدة.

تراجع الخصوبة: مشكلة عالمية

تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية، إلى أن واحدًا من كل ستة أشخاص في العالم تقريبًا قد اختبر العقم في حياته. ومع هذا لا تزال خدمات رعاية مشاكل الخصوبة والعقم في العالم أجمع شحيحة بسبب غياب البنية التحتية والتكاليف التي تجعل الوصول إلى الخدمات المساعدة على الإنجاب تحديًا كبيرًا للأسر والأزواج، عدا عن أن الاهتمام بعلاج إشكالات الخصوبة والعقم على مستوى الدراسات والخطط والسياسات الوطنية للدول ضعيف، ولا يعتبر الأردن استثناءً في هذا المجال.

تتمحور الحجج الرئيسة حول نقص الاهتمام على مستوى دولي بذريعة الاكتظاظ السكاني والحاجة إلى التحكم بعدد السكان، بالإضافة إلى قلة الموارد والمخصصات التي تجعل من الاستثمار في علاج مشاكل الخصوبة مرتفعة التكلفة مقارنة بالأولويات الصحية الملحة الأخرى، مع أن التحليلات التنبؤية حول التحول الديموغرافي في العالم تشير إلى حدوث انخفاض في معدلات الإنجاب.

تعرّف منظمة الصحة العالمية إشكالات الخصوبة أو العقم (Infertility)[1] بأنه مرض يصيب الجهاز التناسلي الأنثوي أو الذكري، ينتج عنه عدم القدرة على الحمل بعد مرور 12 شهرًا أو أكثر من الجماع الجنسي المنتظم وغير المحمي.

تحدث إشكالات الخصوبة والعقم نتيجة العديد من العوامل في الجهاز التناسلي الأنثوي، وأبرزها مشاكل في الرحم أو المبايض أو قنوات فالوب أو بسبب اضطرابات في جهاز الغدد الصماء، وفي بعض الأحيان تكون إشكالات الخصوبة دون سبب معروف عند النساء. أما فيما يخص إشكالات الخصوبة والعقم لدى الرجال فيقول أخصائي جراحة الكلى والمسالك البولية عبد اللطيف الحموي، أن مشاكل الخصوبة لدى الرجال قد تكون بسبب عوامل هرمونية أو وراثية أو جينية، أو نتيجة مشاكل خَلقية ولد معها الرجل، أو بسبب عوامل خارجية كالتعرض للأشعة، أو بسبب تغير في نمط الحياة كاستهلاك الدخان وقلة الحركة والبدانة. مضافًا إلى ذلك التغير المصاحب في إنتاج الحيوانات المنوية بسبب التقدم في العمر.

تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية، إلى أن واحدًا من كل ستة أشخاص في العالم تقريبًا قد اختبر العقم في حياته. ومع هذا لا تزال خدمات رعاية مشاكل الخصوبة والعقم في العالم أجمع شحيحة.

تختلف آليات وطرق علاج مشاكل الخصوبة لدى النساء والرجال باختلاف المشكلة التي يعاني منها كل طرف وبالتالي تختلف تكلفة العلاج تبعًا لكل حالة. وتقسم آليات العلاج لدى النساء إلى تدخلات دوائية كالحصول على أدوية تنشيط الإباضة، أو تدخلات جراحية كإزالة الألياف الرحمية أو إزالة الانسداد في أنابيب فالوب، أو عن طريق التقنيات المساعدة على الإنجاب كالتلقيح داخل الرحم أو أطفال الأنابيب وما يندرج تحتها من تقنيات دقيقة كالحقن المجهري وسحب البويضات وتجميدها، والأجنة المجمدة.

ونظرًا لاختلاف التقنيات المساعِدة على الإنجاب، تتراوح تكلفة هذه التقنيات ما بين 500 وثلاثة آلاف دينار أردني للمرة الواحدة، بحسب من جرّبن مثل هذه التقنيات، وقد تصل الكلفة في بعض الأحيان إلى أربعة آلاف دينار، موزعة بين أجرة الطبيب وسعر الأدوية وكلفة المستشفى وتكلفة التخدير، وتكاليف التقنية،[2] وكلفة تجميد البويضات أو الأجنة. وما يضاعف من مشكلة التكاليف هي أن معظم من يحاولن التعامل مع مشاكل الإخصاب والعقم، يضطررن لإجراء هذه العمليات أكثر من مرة.

أما علاج مشاكل الخصوبة لدى الرجال فيتنوع ما بين التدخلات الدوائية، كالعلاجات الهرمونية إذا ما كانت الإشكالية بالغدد الصماء، أو المقويات والمنشطات كالفيتامينات والمدعمات، أو التدخلات الجراحية كعلاج دوالي الخصيتين، أو من خلال التغيير في نمط الحياة كلعب الرياضة وإنقاص الوزن والتخلي عن التدخين كما يقول الحموي.

أعلن عام 2022 بدء دراسة خطة لإنشاء مركز متخصص لزراعة أطفال الأنابيب في مستشفى البشير، ولكن حتى الآن لم ير هذا المركز النور.[3] ولا تندرج التقنيات المساعدة على الإنجاب ضمن الإعفاءات الطبية لمن أراد الحصول عليها أو الاستفادة منها في المستشفيات الجامعية. وبحسب شهادات منتفعين، تُقدّم مستشفيات الخدمات الطبية الملكية ثلاث محاولات للإنجاب فقط للأسر التي تأخر الإنجاب لديها في حال كان عمر السيدة أقل من 35 عامًا. وبغض النظر عن عدد المحاولات السابقة في مستشفيات الخدمات الطبية الملكية، تدفع الأسر نصف السعر للتقنيات المساعدة على الإنجاب، والنصف الآخر يتكفله المستشفى في حال تجاوز عمر السيدة 35 عامًا.[4] بالإضافة إلى أن التقنيات المساعدة على الإنجاب غير مشمولة في التأمينات الخاصة. ولذلك تلجأ غالبية الأسر في الأردن إلى القطاع الخاص من أجل إجراء هذه التقنيات وعلى نفقتهم الخاصة.

جمعيات وديون

«يواجه ملايين الأشخاص تكاليف رعاية صحية كارثية لدى التماس علاج للعقم، وهو ما يجعل هذه المسألة مسألة إنصاف رئيسية وفي كثير من الأحيان مصيدة لإفقار المتضررين» هذا ما قالته الطبيبة باسكال ألوتي، مديرة إدارة الصحة الجنسية والإنجابية في منظمة الصحة العالمية.

نظرًا لارتفاع تكاليف هذه الإجراءات في الأردن، تضطر العائلات الراغبة بالإنجاب للانتظار لفترات طويلة بين المحاولات المختلفة حتى تتمكن من توفير المبالغ اللازمة لإعادة إجرائها.

قبل عامين، خضعت نهلة* (38 عامًا) لعملية أطفال الأنابيب، وهي ثالث محاولاتها للإنجاب عبر هذه الآلية على مدى 14 عامًا من الزواج. وتُجرى العملية عبر أدوية تنشيط الإباضة، وانتظار البويضات حتى تصل إلى الحجم المناسب، بعدها يسحب عدد من البويضات وتخصّب بالسائل المَنوي للزوج خارج الرحم في أنابيب اختبار. ومن ثم تُرجَع الأجنة إلى رحم المرأة. وفي العديد من الحالات، يقرر الزوجان تجميد عدد من الأجنة المخصبة إلى حين إجراء عملية أخرى لإرجاع الأجنة، في حال لم ينجح الحمل.

لم تنجح عملية إرجاع الأجنة عند نهلة، لأنها عانت من فرط الإباضة، ولذا انتظرت سنة حتى يستقر وضعها الصحي وتكون قادرة على تحمّل تكاليف إرجاع الأجنة، وقد جربت مرّة جديدة عام 2023 أن ترجع اثنين من أصل أربعة من الأجنة المجمدة، لكن العملية لم تنجح كذلك. وهي اليوم تنتظر لحين تمكنها من تجميع تكلفة العملية حتى تجرّب من جديد: «لو بدي أحوش الألفين دينار، بكون عمري 40 سنة وأكثر كمان، ولو بدي أفوت جمعية، بتكون بنت حلال لو بدها تسلمني ياها أول وحدة» تقول نهلة.

حاولت نهلة شهر آب الماضي إجراء تنظير رحمي ومهبلي في مستشفى الملك عبد الله الجامعي في إربد. الهدف من هذا الإجراء معرفة الأسباب التي تمنع الحمل، ما سيمكنها لاحقًا من إرجاع الأجنّة. ولكي تنفذ هذا الإجراء حصلت على إعفاء من الديوان الملكي، لكنها صدمت عندما علمت أن تكلفة هذا الكشف 1800 دينار وأنه غير مشمول بالإعفاء. هنا تصرّفت بمبلغ الخمسمائة دينار التي كانت قد جمعتها لمساعدة أحد إخوتها.

كانت عملية إرجاع الأجنة الأخيرة هي المحاولة الثامنة لنهلة للإنجاب من ضمن عملية أطفال الأنابيب. فقد أجرت أول عملية أطفال أنابيب بعد أن جمعت مبلغ ألفي دينار من خلال الجمعيات التي تديرها النساء بين بعضهن، والأخرى حصلت عليها مجانًا بعد أن تكفّل بإجرائها أحد الأطباء من خلال التواصل مع أحد البرامج الإذاعية. فيما جرّبت من أجل تدبير المبلغ مرّة إحدى شركات التسهيلات المالية لكن لم تتمكن من ذلك لأنه لا يتوفر في عائلتها شخص مشترك بالضمان الاجتماعي وليس حاصلًا على قرض ما، فيما زوجها غير مشترك بالضمان بحكم عمله على عربة خضار.

عملًا بنصيحة جاراتها، لجأت نهلة عام 2019 للطب العربي، عبر تدليك الظهر والرحم بطريقة معينة، وشرب أعشاب لمدة أربعين يومًا. في نهاية هذه التجربة حملت. لكنه كان حملًا خارج الرحم، أو ما يعرف بالحمل المهاجر، في قناة فالوب اليسرى، ما أدى لاستئصال الحمل وقناة فالوب التي حصل فيها الحمل.

اليوم، ما زالت نهلة تنتظر إجراء عملية إرجاع الأجنة المتبقية، بعد تجميع المبلغ المالي لذلك. تقول: «لو [حوشت] كل المصاري اللي حطيتهم، كان شريت فيهم دار، أو عمرتلي غرفتين».

علاقات متشابكة

أظهرت دراسة من العام 2018 أن 66% من الأزواج (ذكورًا وإناثًا) ممّن يعانون من مشاكل في الخصوبة والعقم، عانوا من اكتئاب متوسط إلى شديد، وضيق شديد، مع مستويات عالية من التفاؤل حول كون مشاكل الخصوبة والعقم مؤقتة.

حنين* (41 عامًا) المتزوجة منذ 22 عامًا، واختبرت عشر محاولات للإنجاب تضمنت خمس محاولات لزراعة أطفال الأنابيب، أجرت ثلاثة منها في مستشفيات الخدمات الطبية الملكية واثنتين في القطاع الخاص، ومحاولة واحدة من التلقيح داخل الرحم، بالإضافة إلى محاولات الإنجاب عن طريق الأدوية المنشطة، وما نتج عنها من مضاعفات جسدية عند كل محاولة، عدا عن مرورها بأربعة إجهاضات، ترى أن أملها بالإنجاب لم يخفت لأن زوجها كان يساندها في كل خطوة من الخطوات، وكان يأمل أن يصبح أبًا كما هي تأمل بالأمومة، وكان يتألم كما هي تتألم عند كل محاولة لم تنجح.

تختلف سلوكات الأزواج وردود أفعالهم فيما يخص تأخر الإنجاب ومشاكل الخصوبة سواء أكانت المشكلة تتعلق بهم أو بزوجاتهم، فقد حاولت حنين مرات عدة لسنوات طويلة، وهي ترى زوجها المتلهف لوجود الأطفال في حياتهم، إقناعه بالزواج من أخرى، وكانت تقابل بالرد «اسكتي يا حبيبتي. مش حاب يجيني ولاد من حدا غيرك». عدا عن توليه عبء الإجابة على أسئلة العائلة حول متى ستنجب زوجته طفلًا للعائلة.

لم تكن حنين وزوجها يعلمان أن لديهما إشكالات عضوية حين تزوجا. وبعد أربع سنوات على زواجهما، علما خلال القيام بالفحوصات اللازمة لإجراء عملية التلقيح داخل الرحم أن زوجها يعاني من تشوهات في الحيوانات المنوية. وتأخر تشخيصها هي بمتلازمة تكيس المبايض إلى ثماني سنوات من زواجها وبعد إجرائها لأول عملية أطفال أنابيب. فلم تكن تعلم أنها تعاني من هذه المتلازمة عند زواجها، ولا أن أدوية تنشيط الإباضة قد ساهمت بإظهار المتلازمة.

استعملت حنين العلاجات المنظمة للسكري لعلاج إشكالية تكيس المبايض، وبعد قطع هذا الدواء لاحظت ارتفاع وزنها كثيرًا وارتفاع مستوى السكر في الدم، لتكتشف مؤخرًا أيضًا أن تكيس المبايض الذي عانت منه سببه مقاومة الأنسولين في الجسم.

تؤثر متلازمة تكيس المبايض على 8% إلى 13% من النساء في عمر الإنجاب، وتكون أكثر من 70% من الحالات غير مشخصة بالعادة، وتسبب اختلالات هرمونية، وعدم انتظام في الدورة الشهرية وزيادة مستويات الأندروجين، وتكيسات في المبايض. تقول طبيبة نسائية وتوليد تحدثنا إليها إن لهذه المتلازمة أنواع مختلفة، ولا تعني بالضرورة العقم أو مشاكل الخصوبة، وهي قد تؤخر الإنجاب عند بعض النساء وليس جميعهنّ، فيما يكون العلاج في أغلب الحالات عبر التدخلات الدوائية كمنظم السكري.

تختلف طريقة التعامل مع عدم القدرة على الإنجاب مرة تلو أخرى على الأسر المختلفة. تقول نهلة إنه وبعد المحاولة الأخيرة تأثر زوجها كثيرًا، فيما بكت بشدة، وأثر الموضوع على علاقتهما الزوجية، وصارا يتجنّبان الحديث في الموضوع، بل ويتجنبان بعضهما. وأكثر ما يزعجها هو ما تسمعه من المجتمع المحيط بها، ونظرات الشفقة من المحيط كما تصفها، وشعورها بالنقص من الأمهات الأخريات حتى ولو لم يكن ذلك مقصودًا.

أمّا سمر فتقول عن شعورها بأنه لا فائدة منها عندما أخبرها الطبيب بعجزها عن الإنجاب. فيما كانت تصرفات زوجها، ولو كانت غير مقصودة، تزعجها. رغم تصديه لكل الكلام الذي يقال له من أهله حول الحمل والإنجاب.

آمال متحققة

تزوجت سهام* (36 عامًا) وعمرها 24 عامًا. وبعد عام من عدم الإنجاب، عرفت وزوجها أنه يعاني من قلة في عدد الحيوانات المنوية، وهي مشكلة حاولت الطبيبة علاجها عبر الفيتامينات المقوية لكليهما. تحسن الوضع بعدها قليلًا، لكن من دون أن يحصل الحمل. بعدها بسنتين أجريا أول عملية أطفال أنابيب في مستشفى المدينة الطبية، لكن المشكلة أن تهيجًا شديدًا في الإباضة قد أصابها بعد إرجاع الأجنة، أدخلت على إثره المستشفى لمدة أسبوعين بسبب تجمع السوائل في الجسم، في البطن والرئة والأقدام. ولم تنجح العملية بسبب هذه المضاعفات.

وبعد عام آخر جرّبت مرّة أخرى لكنها أدخلت إلى قسم العناية الحثيثة لثلاثة أيام بسبب التهيج الحاد في الإباضة. في هذه المرة تجمعت السوائل في الرئة وكادت أن تؤدي لوفاتها.

بعد عام آخر جربت من جديد، ولكن هذه المرّة عند طبيب خاص، ولكنه رفض تحمّل مسؤولية إعطاءها إبر تنشيط المبايض ومضاعفاتها في حال حصل لديها تهيج في الإباضة حتى لا يغامر بحياتها. وقتها فقدت الأمل، وتناست مع زوجها فكرة الحمل تمامًا. بعد سنة من تلك المحاولة، وبعد ثماني سنوات على زواجها، حملت سهام بشكل طبيعي وأنجبت طفلها الأول.

أجرت بعد إنجاب طفلها الأول بخمس سنوات عملية زراعة أطفال أنابيب للمرة الثالثة لدى إحدى الطبيبات الأخصائيات في عمان. ولكنها تقدمت في السن، وقل نشاط المبيض وقتها ولم يحدث تهيج في الإباضة كما حصل في المرتين السابقتين. تم إخصاب ثلاثة أجنة، وأُرجِع جنينان إليها وجمّد جنين واحد. ولم تنجح العملية.

قرر زوجها وقتها صرف النظر عن موضوع الإنجاب نهائيًا وإتلاف الجنين المجمد المتبقي، إلا أن سهام رفضت وأجرت قبل سنتين عملية إرجاع لهذا الجنين الوحيد، ونجحت هذه المرة، وأنجبت ابنها الثاني.

  • الهوامش

    * الأسماء الواردة في التقرير مستعارة حفاظًا على خصوصيتها.

    [1] اعتمدت منظمة الصحة العالمية في تعريف العقم على المعجم الدولي للعقم ورعاية الخصوبة لعام 2017 الذي قام بكتابته 25 أخصائي من مختلف دول العالم فيما يتعلق بالمصطلحات التي تخص مشاكل الإنجاب والخصوبة والأمراض التي تصيب الجهاز التناسلي الأنثوي والذكري وغيرها من المصطلحات العلمية والطبية. ذُكِرَ في مقدمة المعجم أن المصطلحات الطبية الواردة حول العقم ومشاكل الخصوبة والإنجاب قد تختلف ضمن السياقات الاجتماعية والثقافية لكل مجتمع. ولا يوجد رديف طبي باللغة العربية لمصطلح Infertility، ويتم استخدام هذا المصطلح بمعنى العقم، ولكن بحسب المعجم هناك تفريق بين Infertility كما تعرفه منظمة الصحة العالمية في النص أعلاه، والعقم الكامل Sterility وهي الحالة الدائمة من الـ Infertility، وضعف الخصوبة وهي Subfertility. ولذلك آثرت استخدام مشاكل في الخصوبة والإنجاب أو العقم لأن المشكلة قد تحل بعلاج المسبب المرضي، سواء بالأدوية أو التقنيات المساعدة على الإنجاب أو غيرها من التقنيات.

    [2] بحسب لائحة أجور نقابة الأطباء الأردنية لعام 2021، فإن تكلفة إجراء التلقيح داخل الرحم (Intrauterine Insemination) خمسون دينارًا، وتكلفة سحب البويضات (Ovum Pickup) تبلغ 180 دينارًا، وتكلفة نقل الأجنة (Embryo Transfer) تبلغ 100 دينار، وتكلفة نقل الأجنة المجمدة (Frozen Embryo Transfer) تبلغ 100 دينار. وبحسب تعرفة لائحة الأجور لعام 2024، فإن تكلفة إجراء سحب البويضات 99 دينارًا، ونقل الأجنة 85 دينارًا، ونقل الأجنة المجمدة 85 دينارًا. أما إجراء التلقيح داخل الرحم فلا يوجد له تسعيرة.

    [3] حاولت حبر الحصول على رد من وزارة الصحة حول مصير الخطة، ولكن حتى كتابة هذا التقرير لم تتلق أي رد.

    [4] أرسلت حبر كتابًا إلى مديرية التوجيه المعنوي في مستشفى المدينة الطبية فيما يخص عدد المحاولات التي تقدمها مستشفيات الخدمات الطبية الملكية، ولكن حتى وقت كتابة هذا التقرير لم تتلق حبر أي رد.

Comments are closed.