سافر عمران* إلى تركيا في 2017 لدراسة الماجستير في العلوم السياسية. وبمجرد وصوله، حسم أن هذه هي البلد التي يريد إكمال حياته فيها. خطته بعد إنهاء الدكتوراه، كانت الحصول على عمل داخل البلد، ثم الزواج وتأسيس عائلة هناك.
يقول إن ما أبهره وقتها ليس فقط طبيعة البلد، وتنظيمها، وارتفاع مستوى الخدمات والبنية التحتية فيها، بل أيضًا حقيقة أنه يمكنه العيش فيها بمستوى من «الرفاهية» بدخل يحتاج إلى أضعافه فيما لو كان في الأردن. على سبيل المثال، في السنة التي وصل فيها، استأجر في مدينة قونيا مع زميله شقة مكونة من غرفتين وصالة في مجمع سكني حديث، يضم عدة مسابح وملاعب رياضة ومساحات خضراء، بمبلغ مقداره 850 ليرة، كان يساوي وقتها 170 دينارًا أردنيًا. وكان يوميًا، يرتاد المطاعم والمقاهي بأسعار تقل من نصف ما كان يدفعه في الأردن.
لكن خطة عمران، الذي التحق قبل عام ببرنامج الدكتوراه، تغيرت تمامًا. فخلال السنوات القليلة الماضية انهارت الليرة التركية، وارتفعت الأسعار بشكل كبير. والأسوأ، كما يقول، إنه مع تردي الأوضاع الاقتصادية بشكل غير مسبوق، تصاعدت المشاعر العدائية للمهاجرين، في بلد يقيم فيه ملايين الأجانب من لاجئين ومهاجرين، صار ينظر إليهم بوصفهم عبئًا على موارد البلد الذي يكافح أبناؤه لتأمين معيشتهم.
يبلغ عدد السكان في تركيا 85 مليونًا تقريبًا، وتستقبل تركيا أكبر عدد من اللاجئين في العالم، ففيها أربعة ملايين لاجئ وطالب لجوء، يبلغ عدد السوريين منهم ثلاثة ملايين و700 ألف تقريبًا، وهناك مليون و300 ألف أجنبي مقيمون بشكل قانوني، بينهم 24 ألف أردني تقريبًا، وفق أرقام 2021. ويضاف إلى كل هؤلاء المهاجرون غير النظاميين، وعددهم غير معروف، لكن تركيا تقول إنها قبضت على مليون و200 ألف منهم منذ العام 2016. وغادرها ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ ومهاجر غير نظامي منذ 2016 عائدين إلى بلادهم أو متوطّنين في أوروبا.
اقرأ/ي أيضا:
عمران الذي يقول إن وجهته المستقبلية بعد الدكتوراه ستكون إما إلى الخليج أو أوروبا، هو واحد من آلاف الأردنيين المقيمين في تركيا، والذين مثّلت لهم البلد، في وقت من الأوقات مكانًا للاستقرار، لكن الحال تغيّرت لكثير منهم، بعد تردّي الأوضاع الاقتصادية. لقد بدأ تضعضع الليرة التركية في عام 2000، نتيجة العديد من العوامل الاقتصادية والسياسية. لكن مسلسل الانهيارات الدراماتيكية لها بدأ في 2018، مع الأزمة السياسية بين تركيا وإدارة ترمب، حتى إن الليرة تلك السنة فقدت 25% من قيمتها في شهر آب وحده. ثم واصلت التردي بعدها. ففي عام 2021، فقدت الليرة 30% من قيمتها في شهر تشرين الثاني، وكانت نسبة التضخم 36% حينها. ثم عادت وفقدت 25% من قيمتها في العام الحالي، مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، ووصلت نسبة التضخم إلى 79.6% حاليًا.
يقول عمران إنه عندما وصل إلى تركيا، كان الدولار الأمريكي يساوي ثلاث ليرات تركية ونصف تقريبًا، أما الآن فالدولار يساوي 18 ليرة تقريبًا. وكان عمران يشتري رغيف الخبز التركي بليرة وربع، وهو يشتريه الآن بأربع ليرات. أما الشقة التي استأجرها بـ850 ليرة، صارت تؤجر بـ2500 ليرة الآن، وكان قيمة فاتورتي الماء والكهرباء تبلغ 150 ليرة، وهي الآن لا تقل عن 450 ليرة. أما فاتورة الغاز المستخدم في التدفئة، فكانت تبلغ في الشتاء 300 ليرة، ولم تعد الآن تقل عن ألف ليرة.
وفق الإحصائيات ارتفع عدد الأردنيين في تركيا من 14 ألفًا و260 خلال العام 2020، إلى 23 ألفًا و656 في 2021. من بينهم 4050 طالب في الجامعات التركية.
في مواجهة تناقص قيمة الليرة، رفعت الحكومة التركية الحد الأدنى للأجور عدة مرات، منها مرتان خلال العام الحالي وحده. في كانون الثاني الماضي، ارتفعت الأجور بنسبة 50%، فوصلت إلى 4250 ليرة، ثم رفعت بداية تموز إلى 5500 ليرة [أي 371 دولار].[1]
لكن رفع الأجور، يقول عمران، لم يعوض تمامًا ارتفاع الأسعار، إضافة إلى أنه يخص العاملين النظاميين. في حين تحول الأمر إلى مأساة بالنسبة للمهاجرين، من بينهم الأردنيون، الذين يعمل عدد كبيرة منهم بشكل غير نظامي، ويتلقون بسبب ذلك أجورًا أقل من الحد الأدنى.
يستدرك عمران بأن المهاجرين الذين تأثروا بالوضع الحالي هم الذين يتلقون دخلهم بالعملة المحلية مثله. لقد درس عمران الماجستير بمنحة من الحكومة التركية، لكنه يدرس الآن الدكتوراه على حسابه. بعد إنهائه الماجستير، أسّس شركة خدمات سياحية، لكنها أغلقت مؤخرًا. وهو الآن يؤمن معيشته بصعوبة معتمدًا على مبلغ ادخره، وعلى بعض الخدمات السياحية التي ما زال يقدمها بشكل حرّ، مثل تأمين حجوزات السفر. كما يكتب، بشكل غير منتظم، مقالات لدوريات مختلفة.
البحث عن مساحة خاصة
على عكس عمران، فإن ريم* (30 عامًا)، والتي تقيم في إسطنبول، يأتي راتبها من الأردن، حيث تعمل «أونلاين». لهذا، فإن ارتفاع الأسعار لا يؤثر عليها. لقد سافرت هناك نهاية العام الماضي، وكان التضخم قد وصل إلى مستوى قياسي. لكن الأسعار كانت أقل بشكل واضح خارج إسطنبول، كما تقول. عندما ذهبت، سكنت لعدة أشهر في ولاية تبعد عن إسطنبول سبع ساعات، حيث تشاركت السكن مع خمس فتيات، وكانت تدفع 400 ليرة شهريًا، شامل الفواتير، وهذا كان يعني وقتها 17 دينارًا. تقول إنها وزميلتين لها كن يذهبن أسبوعيًا إلى السوق الشعبي (البازار) لشراء مؤونة الأسبوع من الخضار والفواكه، بما لا يتجاوز خمسة دنانير لثلاثتهنّ. عندما انتقلت إلى إسطنبول وجدت الأسعار أعلى كثيرًا، فقد استأجرت شقة مفروشة بستة آلاف ليرة (237 دينارًا) تشمل الفواتير، وتتقاسم أجرتها مع فتاة أخرى. مع العلم أن التفاوت الكبير في الأسعار واضح حتى بين مناطق إسطنبول نفسها.
وفق أرقام العام 2021، فإن 955 ألف أجنبي تقريبًا، من ضمن مليون و300 أجنبي مقيمين بشكل قانوني في تركيا، يحملون تصريح الإقامة قصيرة الأجل. والذي يجدد بحد أقصى لسنتين، إلا في حالات استثنائية.
رغم كل ذلك، تقول إن الكلفة أقل من الأردن. وهذا بالنسبة لها ميزة تضاف للسبب الأساسي الذي دفعها للقدوم إلى تركيا، وهو نمط الحياة والثقافة التي توفّر للنساء حياة أقل قيودًا. تقول إنها أرادت الاستقلال عن عائلتها، وهذه خطوة، ما زالت مرفوضة اجتماعيًا في حال تمت في مكان سكن العائلة، لكنها صارت، إلى حد كبير، مقبولة إذا كانت في بلد آخر بهدف العمل أو الدراسة. وإن لم يكن الأمر سهلًا بالنسبة لها، فقد اضطرت إلى خوض مواجهة عنيفة مع عائلتها، بما في ذلك «الأعمام والأخوال وأصدقاء العيلة». تقول إن كل ما أرادته كفتاة وصلت عمر الثلاثين هو أن يكون لديها بعض الخصوصية، الأمر الذي كان مفقودًا في منزلها، حيث الحيوات مفتوحة على بعضها، والجميع يشاركون في اتخاذ القرارات في أدق الشؤون خصوصيةً. أرادت أيضا حرية الحركة. تقول إنها في تركيا تخرج يوميًا للجري في الشارع العام دون أن يثير هذا انتباه أحد من المارة.
ومع ذلك، تقول إن تركيا كان من المفترض أن تكون محطة مؤقتة، فخطّتها الطموحة كانت أصلًا الحصول على منحة لإكمال دراستها في أوروبا. لكن الخروج من عمّان إلى أوروبا مباشرة لم يكن ليمرّ أبدًا على عائلتها. لهذا كان السفر إلى تركيا خطوة تمهيدية، تتقبل خلالها عائلتها الفكرة. «هذا كان أحسن لصورتهم قدام العيلة وأصدقاء العيلة. بالنسبة إلهم يحكوا إني بتركيا، أحسن ما يحكوا بألمانيا». لكنها بعد ثمانية أشهر في تركيا، صارت تفكر جديًا بالبقاء. فهي لن تستطيع الذهاب إلى أوروبا من دون منحة تموّلها، وحصولها عليها ليس مضمونًا، في حين أن بإمكانها عمل ذلك بسهولة في تركيا، لهذا بدأت بالبحث عن فرص لإكمال دراستها داخل البلد.
ومثل ريم، يأتي دخل ميسون وزوجها جلال من الأردن بعد تقاعدهما. حبر كانت التقتهما منتصف العام 2019، أثناء الإعداد لتقرير صحفي يرصد تجارب أردنيين استقروا في تركيا. وعبّر الاثنان وقتها عن انبهارهما بطبيعة البلد، وغناها الثقافي، وتطور خدماتها، وإمكانية الاستمتاع بكل هذا بكلفة أقل بكثير من الأردن.
بعد ثلاث سنوات، تقول ميسون إن البلد بالنسبة لهما ما زالت مبهرة. وما زالت تقدم لهما نمط حياة غني بالخبرات الجديدة والترفيه قليل الكلفة. الحقيقة أن الوضع، من الناحية المادية، أفضل الآن لأن الكلفة عليهما أقل حاليًا بسبب فرق العملة. الشقة التي استأجراها في إسطنبول قبل ثلاث سنوات، وما زالا يقيمان فيها، كانت أجرتها 1200 ليرة، تساوي وقتها 156 دينارًا أردنيًا، وارتفعت مع ارتفاع الأسعار إلى ثلاثة آلاف ليرة، تساوي الآن 119 دينارًا. ويمكن قياس ذلك على كل شيء آخر. عندما قابلت حبر ميسون قبل ثلاث سنوات، كان هذا في حديقة في إسطنبول اجتمعت فيها حوالي عشرين سيدة أردنية مع أطفالهنّ، وكنّ اعتدن التنسيق لمثل هذه النزهات من خلال مجموعة واتساب هنّ عضوات فيها. تقول ميسون إن هذه «الجمعات» لم تعد قائمة. والنساء اللواتي كن في الحديقة، غادر معظمهنّ مع عائلاتهنّ تركيا بعد تردي الأوضاع الاقتصادية فيها.
«كلهم رجعوا إلا أنا»
ذهبت مريم* قبل أربع سنوات ونصف، مع زوجها وأبنائها الأربعة إلى تركيا، وحضر معها في الفترة نفسها من الأردن ست عائلات أخرى، تقول «كلهم رجعوا إلا أنا»، وهو ما تفكر جديًا بفعله. لقد عاد زوجها بالفعل إلى الأردن قبل ستة أشهر، في حين بقيت مع أبنائها حيث تقيم في مدينة ألانيا.
كان ابنها الأكبر في الصف العاشر وابنتها الصغرى في الروضة عندما جاؤوا إلى تركيا لأول مرة. وقتها، كان لدى زوجها في الأردن سوبر ماركت، كما كان يعمل في مجال بيع قطع غيار السيارات. المشروعان تعثرا، فأقنعهما قريب لهما بالسفر إلى تركيا والاستثمار فيها، «حكالنا بحكوا تركيا رخيصة، تركيا نظيفة، تركيا زي الدول الأوروبية».
ذهب زوجها وأمضى عشرة أيام في البلد وأعجبته، باع السوبرماركت ومحل قطع السيارات، وفتح مكتبًا لتأجير السيارات السياحية في المدينة، لكنه لم يستطع الاستمرار بشكل قانوني، لأنه اصطدم ببند في القانون التركي يلزمه بتوظيف خمسة أتراك مقابل كل عامل أجنبي. وهو عدد لم يكن بحاجته، ولا قدرة مالية لديه أصلًا لتحمل نفقاته. فاستمر في العمل من دون ترخيص. لكن جاءت جائحة كورونا بعد ذلك، وضربت العمل في المدينة القائمة بشكل أساسي على السياحة، ثم توالت انهيارات الليرة.
السنة الأخيرة، تقول مريم، كانت الأسوأ على الإطلاق. أجرة الشقة التي بلغت 700 ليرة عند وصولهم، ارتفعت إلى 2000 ليرة. لتر الحليب الذي كانت تشتريه بليرتين ونصف، ارتفع إلى 12 ليرة تقريبًا. قطعة الملابس التي كانت تشتريها بـ20 ليرة، جاوزت الـ100 ليرة. لهذا كان الحل الوحيد هو أن يعود زوجها إلى الأردن، ويحاول إحياء عمله في مجال قطع غيار السيارات. لأنه داخل تركيا لم يعد يستطيع تأمين ما يكفي معيشتهم.
تقول مريم إن قرار عودتها وأبنائها إلى الأردن ليس لأسباب مادية، بل حتى لا تظل الأسرة ممزقة بين الأردن وتركيا. فمن ناحية مادية، حتى مع تعثر عمل زوجها، فإن بقاءه في الأردن، وتمويل معيشة العائلة في تركيا هو أقل كلفة بكثير من عودتهم إلى عمّان. ولا يتعلق الأمر فقط بمصاريف الحياة اليومية، التي رغم ارتفاعها الاستثنائي ما زالت أقل بكثير من الأردن، هناك أيضًا التعليم. فابنها وابنتها دخلا جامعات حكومية تركية، كلفة أقساطها، مع كلفة معيشتهما وسكنهما قرب الجامعات أقل بما لا يقاس بالمقارنة مع الجامعات الأردنية. الابنين الأصغرين يدرسان في مدارس حكومية تركية مجانًا، تقول إن مستوى التعليم فيها ممتاز. في حين أن خيار المدارس الحكومية في الأردن لم يكن أبدًا مطروحًا بالنسبة لها وزوجها عندما كانا في الأردن، ولن يكون مطروحًا أبدًا فيما لو عادت مع الأولاد. ومع ذلك، تقول مريم إن قرار البقاء أو العودة ليس تمامًا بأيديهم كعائلة. لأن هناك حالات رفض كثيرة من السلطات التركية لتجديد الإقامات. ويحدث هذا من دون أسباب واضحة. وحتى لو أرادت البقاء، فإنها ليست متأكدة إن كانت إقامتها وابنيها، وهي إقامة «سياحية» تنتهي في آذار المقبل، أي في منتصف العام الدراسي، ستجدد أم لا.
يذكر أن الإقامة في تركيا تنظم ضمن ستة أنواع مختلفة من تصريحات الإقامة، هي قصيرة الأجل، وطويلة الأجل، وإقامة الدراسة، والإقامة الإنسانية، وإقامة ضحايا الاتّجار بالبشر، والإقامة العائلية للمتزوجين من أتراك. وفق أرقام العام 2021، فإن 955 ألف أجنبي تقريبًا، من ضمن مليون و300 أجنبي مقيمين بشكل قانوني في تركيا، يحملون تصريح الإقامة قصيرة الأجل. والذي يجدد بحد أقصى لسنتين، إلا في حالات استثنائية. هذا التصريح يمنح لأغراض متعددة، منها السياحة، وامتلاك عقار، والعلاج، وتأسيس عمل وغيره. ويعرف هذا التصريح بين العرب في تركيا بـ«الإقامة السياحية»، لأنه السبب الذي يقدمه معظمهم للإقامة، في حين ينخرط كثير منهم في سوق العمل غير النظامي.
تصاعد العداء للأجانب
لدى مريم هاجس آخر تقول إنه يحفزها على العودة، وهو تنامي المشاعر العدائية تجاه الأجانب، مع تردي الأوضاع الاقتصادية، لدرجة أنها توصي أبناءها ألا يتحدثوا في الأماكن العامة إلا بالتركية. تؤكد على ذلك ريم، التي تقول إن عدة مواقف حدثت معها جعلتها تتجنب الحديث بالعربية. «إنك تحكي عربي في المواصلات العامة بصيروا يتطلعوا عليك بطريقة غريبة (..) أنا وصاحبتي متفقين نحكي إنجليزي».
لقد رصدت الكثير من التقارير الصحفية مشاعر العداء للأجانب في تركيا، لكن التركيز دائمًا يكون على أن مشاعر العداء توجّه أساسًا للاجئين، وبالتحديد السوريين منهم، إلا أن عمران يقول إنه في الفترة الأخيرة، ومع تردي الوضع الاقتصادي، صار ملاحظًا أن العداء صار يشمل أي «يبانجي»، وهي الكلمة التركية للدلالة على الأجنبي.
يذكر أنه في أيار الماضي، تعرض ثلاثة شباب أردنيين، كانوا ينتظرون سيارة أجرة في الشارع، للضرب من قبل رجال نزلوا من سيارة مارة، وصرخوا عليهم أن يعودوا «للسعودية». فهل يعني ذلك أن تركيا فقدت جاذبيتها للأردنيين، كوجهة للاستقرار؟
صدرت قرارات تشترط ملاءة مالية أكبر لمن يرغبون في الاستقرار في تركيا. في السابق كانت الإقامة تمنح لمن يشتري عقارًا بغض النظر عن قيمته، والآن يُشترط ألا تقل قيمة العقار عن 75 ألف دولار. كما رُفع ثمن العقار الذي يستحق صاحبه الجنسية التركية.
تقول مريم إن الكثير من العائلات حولها رُفض تجديد إقاماتها. لكن ريم تقول إنها حصلت على إقامة لمدة سنتين بسهولة، كما حصل عليها عدة أشخاص تعرفهم، لهم وضعها ذاته، أي أنهم أفراد يعملون أونلاين، ويتلقون رواتبهم من الخارج. في الحقيقة، تظهر الإحصائيات ارتفاع أعداد الأجانب المقيمين في تركيا بشكل قياسي. فقد ارتفع من 887 ألفًا شخص تقريبًا في عام 2020، إلى مليون و300 ألف في عام 2021. وكان الأردنيون من بين من زاد عددهم. وفق الإحصائيات[2] ارتفع عدد الأردنيين في تركيا من 14 ألفًا و260 خلال العام 2020، إلى 23 ألفًا و656 في 2021. من بينهم 4050 طالب في الجامعات التركية.[3] كما زادت مبيعات المنازل للأردنيين من 1080 منزل في العام 2020، إلى 1257 منزل في العام 2021. ومن المرجح أن ترتفع في العام الحالي أكثر، إذ بلغت حتى نهاية حزيران 678 منزل، في حين كانت 436 منزل حتى نهاية حزيران 2021.
يحدث هذا رغم تصاعد المشاعر العدائية ضد المهاجرين، والتي تؤخذ في اعتبار التيارات السياسية المتصارعة على أصوات الشارع مع قرب الانتخابات الرئاسية المقررة العام القادم. وعلى ضوء هذا فسرت خطة الحزب الحاكم إعادة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إلى مناطق آمنة في سوريا. لكن يبدو أن السياسة التركية لا تهدف إلى تقليل عدد الأجانب، بل إلى إصلاح اختلالاتٍ اقتصادية رافقت وجودهم، عبر تشديدات استثنائية على العمالة المهاجرة غير النظامية، وإيقاف منح إقامات للأجانب في الأحياء التي تتجاوز فيها نسبتهم 20%.
كما صدرت قرارات تشترط ملاءة مالية أكبر لمن يرغبون في الاستقرار في تركيا. في السابق كانت الإقامة تمنح لمن يشتري عقارًا بغض النظر عن قيمته، والآن يُشترط ألا تقل قيمة العقار عن 75 ألف دولار. كما رُفع ثمن العقار الذي يستحق صاحبه الجنسية التركية من 250 ألف دولار إلى 400 ألف دولار.
بالنسبة لمريم، فإنها حتى لو أرادت البقاء، فإن الوضع بالنسبة لها مربك للغاية. «لا استقرار قانوني، ولا استقرار بالعملة. بتحسّيها بلد واقفة على كفّ الرحمن».
-
الهوامش
* الأسماء الواردة في النص هي أسماء مستعارة حفاظًا على خصوصية أصحابها.
[1] السعر حتى 27 تموز 2022.
[2] Turkish Statistical Institute.
[3] صرّح بهذا الرقم لحبر الناطق الإعلامي لوزارة التعليم العالي، مهند الخطيب، عن طريق الواتساب.