لماذا تستثنى العاملات في مصانع الألبسة من الحد الأدنى للأجور؟

الثلاثاء 04 آذار 2025
من الأرشيف، عاملات في مصنع ألبسة في مدينة الحسن الصناعية في إربد. تصوير علاء الشماع.

ثماني ساعات في اليوم، ستة أيام في الأسبوع، اثنا عشر شهرًا في السنة، ولسنوات، كنّ هناك يجلسن على كراسٍ محْنيّات الظهور باتجاه الطاولات وبأيديهن مقصّات صغيرة يشذبن بها أطراف قطع الملابس من الخيوط الزائدة، ثم يحملن القطع لفحصها من أخطاء التصنيع المحتملة تحت مصابيح كبيرة في صالة واسعة بأحد مصانع الألبسة في مدينة الحسن الصناعية في إربد، أكبر مدينة صناعية مؤهلة في الأردن، والتي يشتغل فيها أكثر من 33 ألف عامل وعاملة في صناعة الألبسة.

يبدأ عملهن في السابعة صباحًا، وخلال اليوم يواسين بعضهن عمّا فعلته سنوات العمل بأعمارهن، وعن آلام الظهر التي لا تنفع معها الأدوية المرخية للعضلات، وعن الأطفال الذين كبروا دون رضاعة طبيعية، وعن سنوات العمل الطويلة التي قاربت على الانتهاء بالتقاعد المبكر، ويتبادلن الاقتراحات حول مؤسسات التمويل الصغرى للاستدانة منها، وأساليب إنفاق الرواتب المنخفضة حتى تكفي فقط إلى منتصف الشهر.

في نهاية اليوم ستُحمل قطع الملابس لينتهي بها المطاف في واجهات أكثر متاجر العلامات التجارية أبهةً في الولايات المتحدة، هن لا يعرفن عالم هذه العلامات التجارية، وما يثير الأسى في نفوسهن أن رواتبهن كانت وما زالت أقل من رواتب عاملات المصانع الأخرى. تسأل هند* أصغر عاملةٍ في المجموعة، وأقلّهن في سنوات العمل، والتي تركت حلمها في إكمال التعليم قبل ست سنوات لتعمل وتنفق على أمها وإخوتها الثلاثة الصغار، وقد وصلت إلى عمر الخامسة والعشرين: «شو بفرق أنا عن العاملة بمصنع منظفات جنبي؟».

توجد هذه المصانع في المدن الصناعية المؤهلة، وتصنّع الملابس بناءً على طلب مشترين في الأسواق الأمريكيّة، وتحصل بموجب اتفاقية التجارة الحرة الأردنية الأمريكية على رسوم تفضيلية وكميات غير محددة للدخول لتلك الأسواق،[1] وهي تعمل في بيئة عالمية شديدة التنافسية مع مصانع ملابس أخرى في دول تقل فيها تكاليف الإنتاج، لهذا تحاول تخفيض تكاليف الإنتاج بما فيها أجور العاملين التي تقلّ عن الحد الأدنى للأجور في القطاعات الأخرى في الأردن، وعندما ترفع الحكومة هذا الحدّ بسبب غلاء المعيشة مثلًا يستثنى من قرارها العاملون في قطاع صناعة الملابس، حدث هذا مرتين؛ بداية العام 2021 عندما رفعت الحكومة الحد الأدنى للأجور من 220 إلى 260 دينارًا، ونهاية العام الماضي عندما رفعته من 260 إلى 290 دينارًا. يسمح القانون بهذا الاستثناء، ويوكل موضوع أجور العاملين في هذا القطاع إلى اتفاقيات جماعية بين النقابة العامة للعاملين في قطاع الغزل والنسيج والألبسة التي تمثل العمال، وبين المصّنعين من مصدري هذه الألبسة.[2]

لم يصل راتب هند هذه الأيام إلى الحد الأدنى للأجور الذي كان سائدًا قبل أربع سنوات، فهي تتقاضى حاليًا 245 دينارًا، يُقتطع منها قرابة 20 دينار للضمان الاجتماعي ليتبقى لها 220 دينار تقريبًا، وهو راتب وصلت له بعد ست سنوات من العمل بزيادة خمسة دنانير عن كل سنة.[3]

بعد أسابيع قليلة على استثنائهم، دخلت النقابة في مفاوضة مع المصدرين، ولم يكونوا يريدون زيادة قرش واحدٍ على الأجور، بل كانوا يريدون التفاوض على إلغاء مبلغ الزيادة السنوية من خمسة دنانير التي أقرت في مفاوضة سابقة قبل سنوات، ملمحين إلى أن أي زيادة على الأجور يمكن أن تؤدي إلى إغلاق بعض المصانع بحجة المنافسة مع مصانع أخرى في دول مثل بنغلاديش وفيتنام وإثيوبيا ومصر، كما يؤكد نائب رئيس النقابة خالد العمراني. وقد انتهى التفاوض بتثبيت الزيادة السنوية، وزيادة الحد الأدنى لأجور العاملين في هذا القطاع عشرة دنانير. «شو بدهن يعملن؟ آخذ اخواني على الدكانة أرجع بدونهن»، تعلّق هند على الزيادة.

لكن ما يجبرها على مواصلة العمل في المصنع هو عدم وجود خيار آخر، ويصعب أن تتحمل انقطاع راتبها خلال خلال فترة البحث عن عمل آخر فالالتزامات الشهرية غير قابلة للتأجيل: 100 دينار لإيجار البيت، و130 دينارًا لسداد قرضين، ومصروف الأخوة الثلاثة يوميًا إلى المدرسة، وأكل البيت الذي لا أب معيل فيه. ليس هناك خطأ في حسبتها، المصاريف أكثر من الراتب، والاستدانة لا تنجح دائمًا فقد حدث أن عجزت مؤخرًا عن سداد فاتورة الكهرباء فعاشت العائلة شهرين بالعتمة.

لا تفكّر بترك المصنع إلى مصنع آخر، فوجودها ضمن مجموعة عاملات يكبرنها لا يعوّض، والتعامل الأموميّ من قبل مشرفة العمل قد لا تجده في مصنع آخر، وهي تجد في قصص المواساة معهن العزاء عن ضياع حلمها بإكمال تعليمها: «كان نفسي أكمّل، بس كيف ووين؟ البنت اللي تشتغل قدامي كلية والثانية مخلصة محاسبة، و220 دينار شو يعملن؟».

لقد انخرطت هند في عمل يبدأ عند استيقاظها الساعة الخامسة فجرًا وينتهي عند الخامسة مساءً تقضيه جالسة على كرسي في المصنع لثماني ساعات، وأربع ساعات أخرى في الحافلات من وإلى سكنها غربيّ محافظة إربد. لا ترى في يومها الشمس، وتصف سنوات العمل الست على هذا النحو: «بالـ2019 دخلت المصنع وما طلعت من هذاك اليوم».

تريد سحر* زميلة هند في المجموعة الحديث عن سنوات عملها العشرين في أكثر من مصنع ألبسة في مدينة الحسن الصناعية، فتستعين بهند لقراءة الأرقام الصغيرة على الورقة التي تشير إلى سنة بدء عملها، تقرأ هند التاريخ: 2005، وتعتذر سحر: «الشغل أثّر على نظري، الأرقام الصغيرة ما أنتبه عليها». لقد بدأت رحلة سحر بالعمل في الفترة التي شهدت أسوأ ظروف عمل مرّت على العمال في المدن الصناعية المؤهلة.

كانت مدينة الحسن أول مدينة صناعية مؤهلة في الأردن تظهر بعد توقيع اتفاقية المناطق الصناعية المؤھلة (QIZ) سنة 1996، وكان لها هدف سياسيّ يسعى لإدماج «إسرائيل» في المنطقة، وقد أعفيت البضائع المصنعة فيها من الرسوم الجمركية ودون تحديد الكميّة المصدرة إلى الولايات المتحدة بعد تحقيقها بعض المتطلبات مثل أن تشترك في صناعتها مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية أو الأردن من جانب و«إسرائيل» من جانب آخر.

حلّت اتفاقية التجارة الحرة الأردنية الأمريكية التي وقعت سنة 2000 محل اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة، ولم تشترط الاتفاقية الجديدة أن تكون «إسرائيل» ضمن المنتجين المشاركين للحصول على الإعفاءات الجمركية، وبدلًا من الإعفاء الكامل في الاتفاقية السابقة حصلت منتجات المدن الصناعية بموجب الاتفاقية الجديدة على إعفاءات تدريجية على مدى 10 سنوات.[4]

هكذا بدأ السباق المحموم لرفع كميات الإنتاج لصالح مشترين في الولايات المتحدة، وبدأت صادرات هذا القطاع بالارتفاع مع السنوات، وارتفع معها البحث عن تخفيض كُلف الإنتاج بما فيها أجور العاملين، خاصةً من العمالة الأجنبيّة. حينها اشتغل عمّال من بنغلادش في أحد المصانع ليومين متواصلين من صباح يوم الاثنين إلى صباح الأربعاء مقابل سِنتيْن للساعة الواحدة، ولم تدفع أجور عمال آخرين لمدة ستة أشهر في مصنع آخر، وتعرضت عاملات أجنبيات للتحرش،[5] وقد نشرت لجنة العمل في الكونغرس الأمريكي تقريرًا في أكثر من 160 صفحة يوثّق مجمل هذه الانتهاكات خلال الفترة بين 2005 و2006 من قبل مصانع تصنّع خصيصًا لصالح مشترين في الولايات المتحدّة، وكتبت الصحافة الأجنبيّة عدّة تقارير عن هذه الانتهاكات.

كان بعض المصنعين لأكثر العلامات التجارية فخامة في الولايات المتحدة لا يتوانون عن كسر كل عاملٍ وعاملةٍ، خاصةً القادمين من دول جنوبي آسيا الفقيرة، في سبيل العمل والمزيد من العمل، مدفوعين بحمّى التنافسية التجاريّة مع مصانع أخرى شبيهة في دول فقيرة في آسيا.

في شباط 2008، أطلقت منظمة العمل الدولية ومؤسسة التمويل الدولية[6] برنامج «عمل أفضل/ الأردن» على خلفية ما ظهر من انتهاكات للعمال الأجانب داخل هذه المصانع، وسيعمل البرنامج مع المصانع على تحسين ظروف العاملين ويقدم تقارير دوريّة حول ظروف العمل فيها.

كانت سحر في السادسة والعشرين من عمرها حين بدأت العمل في أحد هذه المصانع مع بنات قريتها، وكنّ يخرجن في الصباح في حمولة أربع حافلات. كان العمل في مصانع الألبسة في المدن الصناعيّة المؤهلة يعتمد على العاملات منذ نشأته، الأجنبيات منهن أو الأردنيات، بالنسبة للأردنيات كان العامل الاجتماعي أحد دوافع عملهن هناك إذ لاقى هذا النوع من العمل قبولًا اجتماعيًا لدى العائلات في المنطقة لأن العاملة تكون فيه وسط عاملات من النساء، بالإضافة إلى ذلك فضّل أصحاب العمل توظيف العاملات لأنهن بخلاف العمّال أكثر ميلًا إلى السكوت على ظروف العمل القاسية: «كلنا عاملات بنات، والبنات أحسن، الشباب خلقهم صعب لما يعصب، البنات تتحمل تصيّح عليها والشب لأ»، تقول سحر.

وقد استمرت بالعمل ستّ سنوات في المصنع نفسه على راتب أقل من الحد الأدنى للأجور، ثم استقالت بعد زواجها: «قلت يجوز وضعي يكون أحسن بعد الجيزة. [بس] لما شفت وضع جوزي و[وإنه] عليه التزامات والناس تطالب بالديون اضطريت أرجع اشتغل مرة ثانية. اشتغلت وأنا عروس».

كان «انخفاض التزام العامل الأردني بالعمل» و«عدم تمتعه بالمهارة مقابل العامل الأجنبي» حججًا يكررها بعض أصحاب المصانع لاعتمادهم على العمالة الأجنبية من آسيا، وفي حين كانت العمالة الأردنية في السنوات الأولى من عمر هذه المدن الصناعية الأكثر،[7] فقد ازدادت أعداد العمالة الأجنبيّة لتصير هي الأكثر في السنوات اللاحقة.

لم تتلقّ سحر أو أي عاملة في المجموعة أيّ تدريب طوال سنوات العمل، كنّ يدخلن عاملات ويبقين في العمل دون تطور أو انتقال إلى مستوى أعلى في الوظيفة، وكان هذا العمل هو الوحيد المتاح لامرأة لم تكمل الإعدادية وتسعى لتخفيف ديون زوجها، فما كان إلا أن تحمّلت ضغوط العمل حتى في فترة حملها وفي الأشهر الأولى من ولادة ابنها البكر الذي تركته عند الجيران، لكنه لم يقبل الرضاعة الصناعية فاستقالت ثم عادت إلى العمل بعد أن كبر.

بالمجمل تضاعف عدد العاملين في المدن الصناعية، وظل القطاع معتمدًا على العاملات الأردنيات والآسيويات من بنغلادش والهند وسريلانكا ونيبال وميانمار. وتضاعفت مع عدد العمال صادرات الألبسة من هذه المدن -التي وصل عددها إلى ثمانية- من 1.1 مليار دولار في العام 2012 إلى 2.2 مليار دولار في 2022،[8] مع أمل حكومي لزيادة صادراته إلى 7.3 مليار دولار بحلول عام 2033 ليكون واحدًا من الصناعات ذات القيمة المرتفعة كما جاء في رؤية التحديث الاقتصادي، كما تسعى الحكومة لأن يوظّف هذا القطاع 225 ألف عامل.

لكنه سيكون قطاعًا «معلقًا بخيط رفيع»[9] بحسب تعبير الباحثيْن كاترينا جرونيسل وطاهر لبدي، لأنّ التنافسيّة ليست وحدها ما يؤثّر فيه. إذ تتوسط هذه الصناعة عالميْن؛ جنوبيٍّ في آسيا مثل الصين والهند وباكستان وتايوان التي تُستورد منها المواد الأولية لإنتاج الملابس من الأقمشة والإكسسوارات، وشماليٍّ في الولايات المتحدة حيث تباع الألبسة للعلامات التجارية الكبيرة هناك، وهكذا فإن كل حدث سياسي واقتصادي كبير ينعكس على هذا القطاع، مثل جائحة كورونا، والحرب الأوكرانية، ثم جاءت سنة 2023 لتكون أصعب سنة[10] وذلك بسبب التضخم في السوق الأمريكية بدايات ذلك العام، ثم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في نهاياته وبدء هجمات جماعة «أنصار الله» على السفن المرتبطة بكيان الاحتلال والتي أدت إلى تعطّل سلاسل الإمداد في البحر الأحمر وارتفاع تكاليف الشحن وتأخر توصيل الطلبات.

وهكذا شهدت صادرات هذا القطاع تقلبًا في السنوات الأخيرة، فبعد هبوط الصادرات 15% سنة 2020، ارتفعت صادراته 8% في العام التالي، ثم 22% عام 2022، ثم تراجعت عام 2023 بنسبة 12% مقارنة بالسنة السابقة.[11]

لقد شهد هذا القطاع في السنوات القليلة الماضية ارتفاعات وانخفاضات في الصادرات بحسب الظرف السياسي والاقتصادي في العالم، وكان الثابت المستقر الوحيد فيه هو راتب سحر وبقية العاملات إذ لم يتجاوز راتبها بعد كل هذه السنين من العمل حاجز 260 دينارًا، والسبب كما يُقال لهن هناك هو التنافسية المرتفعة في هذا القطاع.

تقدّر بعض المصانع كلفة أجور العمّال بـ40% من كلف الإنتاج، وهو رقم يشكّك فيه الأمين العام الأسبق لوزارة العمل ومدير بيت العمّال الأردني حمادة أبو نجمة، ويقدّر أنها تتراوح بين 17-20%. وبدلًا من اللجوء إلى تخفيض كلف الأجور يقترح أبو نجمة تخفيض كلف الطاقة باعتبارها أكبر كلفة على المصانع: «للأسف الحكومة دائمًا تلجأ إلى التهرب من تحمل المسؤولية وتذهب إلى أجور العامل لخفض التكلفة».

ما تزال سحر تعمل على المقص منذ 20 سنة، ولا تنام إلا بحبتي مرخي عضلات آخر الليل، وتستعين بصديقتها لتقرأ لها الأرقام الصغيرة على الورقة التي تشير إلى سنة تعيينها، 20 سنة أمضتها بعيدةً عن الأطفال الذين كبروا وصاروا الآن شبابًا: «وهاي عمري بالأربعينات وأنا بشتغل بالمصانع، خلصت العمر وأولادي بالحضانات وعند الناس ولا شبعت منهم».

عادة ما تربط الجهات الحكوميّة الحديث عن تلقي العاملين لرواتب دون الحد الأدنى للأجور بالحديث عن أن ما يحكم العلاقة بين أطراف الإنتاج في هذا القطاع هو عقد العمل الجماعي بين النقابة وأصحاب العمل، وأنه يوفر للعمّال امتيازات لا تتوفر للعاملين في القطاعات الأخرى مثل توفير مواصلات مجانية، ووجبات طعام، وزيادة سنوية، وهو الرد الذي بعث به كذلك الناطق باسم وزارة العمل محمد الزيود لحبر.

وهذا صحيح، إذ تنص الاتفاقيّة الجماعية على وجوب توفير صاحب العمل مواصلات مجانية وآمنة ومريحة لجميع العمّال،[12] أو الدفع لهم بدل تكلفة المواصلات في حال عدم قدرته، إلّا أن هند تدفع بدل مواصلات للوصول إلى النقطة التي يتجمّع عندها العمال، دون أن تأخذ بدل هذه المواصلات.

فبعض هذه المصانع توفر المواصلات من نقاط محددة، وبعضها لا يدفع بدل مواصلات للمناطق التي لا تصل حافلاتهم إليها، وعادةً ما تسأل بعض المصانع المتقدمين بطلبات العمل عن أماكن سكناهم، ويستثني بعضها توظيف المتقدمين ممن لا يسكنون في أماكن قريبة من نقاط التجمع التي تتوفر فيها الحافلات المجانية، وهو أمر يؤكّده أحد مفتشي العمل الذي عمل سابقًا مع جهات تراقب امتثال المصانع لبنود الاتفاقية: «بالتأكيد موجود التحيّز، أول ما ييجي يتوظف بيسأل وين ساكن؟». أما وجبة الطعام التي نصّت عليها الاتفاقية، فلا تعرف أي جهةٍ حكومية أو نقابية أيّ المصانع تقدّم وجبة الطعام للعمال والعاملات الأردنيات وأيّها لا يفعل.[13]

لقد تطورت دائرة الرقابة على المصانع في السنوات الأخيرة، وتشترك فيها وزارة العمل وبرنامج «عمل أفضل/ الأردن» ومنظمة العمل الدولية ومنظمات أهلية أخرى. وتقوم فرق وزارة العمل بجولات تفتيشية دورية ومفاجئة، كما تتيح منصة إلكترونية بست لغات لاستقبال الشكاوى العمالية، وتراقب التزام المصانع بدفع الأجور وساعات العمل وتعويض العمل الإضافي وتوفير شروط وظروف العمل اللائق، وقد استقبلت الوزارة مؤخرًا 136 شكوى عمالية كان بينها 26 شكوى تتعلق بعدم دفع الأجور، و22 شكوى متعلقة بالإيقاف عن العمل.

ورغم كل التقارير التي تكتب عما يجري داخل بعض المصانع والجولات التفتيشية المفاجئة التي تقوم بها وزارة العمل، لكن يبدو أن جزءًا من ظروف العمل في بعض المصانع يظل مخفيّا، فبحسب أحد المشاركين سابقًا في التفتيش هناك مسارٌ طوّرته بعض المصانع للتهرّب من الرقابة، وتقّر منظمة «عمل أفضل» بصعوبة رصد المنظمات الأهلية لأوضاع العمّال بسبب تطور منظومة التهرب أولًا، ومن ثم خوف العمال من إجراءات عقابية.

كل العاملات في هذا التقرير رفضن الكشف عن أسمائهن الحقيقية لأنهن يعرفن أن أي حديث قد يؤدي إلى إجراء عقابي، وقد لاحظ المفتش السابق خلال جولاته التفتيشية وجود نسقٍ عامٍ من إجابات العمال: «العمّال ما راح تسمع منهم غير كل إشي مليح، كل شي ممتاز، أي سؤال وحتى بدون ما تسأل بيحكيلك كل شيء مليح ممتاز، بيعطينا [المصنع] كل إشي، لإنه اللي فاتوا على التقييم معروفين، فإذا أجا التقييم مش مليح للمصنع، هذول غضب الله ينزل عليهم، رح ينطردوا».

تخاف رسميّة* وهي أكبر عاملات المجموعة والتي اقتربت من التقاعد، على العاملات خلال المقابلة وتنصح بعدم انتقاد إدارة المصنع، لكن هند تصرّ على مداخلة أخيرة حول وجبة الطعام والمواصلات، تحلف أنها لم تتناول وجبة الإفطار ذلك اليوم وأن كل ما تملكه 35 قرشًا لأجرة الحافلة إلى بيتها، ولا تعرف كيف ستؤمن أجرة اليوم التالي إلى العمل حيث ستجتمع مع المجموعة مرة أخرى عند الساعة السابعة ليبدأن العمل جالسات على كراسٍ محنيّات الظهور باتجاه الطاولات وبإيديهنّ مقصّات صغيرة فيما تنساب بين أيديهن بخفة خيوط قطع الملابس الزائدة على مدى ثماني ساعات في اليوم، وستة أيام في الأسبوع، واثني عشر شهرًا في السنة، ولسنوات.

  • الهوامش

    [1] برنامج عمل أفضل الأردن، التقرير السنوي 2024، مراجعة قطاع صناعة الألبسة والامتثال، ص 12

    [2] ويمثلهم النقابة العامة للعاملين في غزل المنسوجات ونسجها وإتمام تجهيزها والنقابة العامة لأصحاب مصانع المحيكات ويمثل المصنعين الجمعية الأردنية لمصدري الألبسة والمنسوجات JGate

    [3] بحسب الاتفاقية القطاعية بين النقابة العامة للعاملين في الغزل والنسيج والمحيكات وأصحاب العمل يدفع المصنع للعاملين في هذا القطاع زيادة سنوية عن كل سنة خدمة.

    [4] أريج دياب، سهير هنداوي، دراسة حول اتفاقتيْ: التجارة الحرة الأردنية الأمريكية(FTA) والمناطق الصناعيّة المؤهلة (QIZ)، غرفة تجارة عمّان، كانون الأول 2006، ص 25

    [5] U.S.-Jordan Free Trade Agreement Descends into Human Trafficking & Involuntary Servitude/By Charles Kernaghan, National Labor Committee/May 2006 page 6/14.

    [6] ويجمع مجموعات متنوعة – أصحاب العمل وأصحاب المصانع والنقابات العمالية والعلامات التجارية العالمية والحكومات.

    [7] Ministry of Trade and Industry. Industry, Trade and Investment Bulletin Feb. 2005/ The Socio-Economic Implications of the Qualified Industrial Zones in Jordan/ Ibrahim Saif/page 34

    [8] برنامج «عمل أفضل/الأردن»، التقرير السنوي 2024: مراجعة قطاع صناعة الألبسة والامتثال، ص 12.

    [9] كاترينا جرونيسل ، طاهر لبدي ،«معلق بخيط رفيع – حصار البحر الأحمر وصناعة الملابس الهشة في الأردن»، تقرير الشرق الأوسط 313 (شتاء 2024).

    [10] برنامج «عمل أفضل/الأردن»، التقرير السنوي 2024: مراجعة قطاع صناعة الألبسة والامتثال، ص 13

    [11] برنامج «عمل أفضل/الأردن»، التقرير السنوي 2024: مراجعة قطاع صناعة الألبسة والامتثال، ص 13

    [12] إذا كانت أماكن التجمع تبعد أكثر من كيلومتر واحد عن محيط المنطقة الصناعية، وذلك لنقلهم من أماكن التجمع القريبة لسكانهم إلى مواقع العمل والعودة إليها(ذهابًا وإيابًا)، بحسب المادة 13 من نص عقد العمل الجماعي الموقع بين النقابة العامّة للعاملين في صناعة الغزل والنسيج والألبسة والجمعية الأردنيّة لمصدري الألبسة والمنسوجات والنقابة العامة لأصحاب مصانع المحيكات.

    [13] على أصحاب العمل الذين يقدمون وجبات طعام للأردنيين قبل توقيع هذه الاتفاقية الالتزام بتقديم هذه الوجبات وعدم إيقافها لأي سبب كان أما بالنسبة لأصحاب العمل الذين لا يقدمون وجبات للعمال الأردنيين قبل توقيع هذه الاتفاقية فلهم الخيار في تقديم وجبة غداء يومية للعمال الأردنيين يحدد وقتها ونوعها من قبل صاحب العمل، المادة 11/د من عقد العمل الجماعي الموقع بين النقابة العامّة للعاملين في صناعة الغزل والنسيج والألبسة والجمعية الأردنيّة لمصدري الألبسة والمنسوجات والنقابة العامة لأصحاب مصانع المحيكات.

Comments are closed.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية