«ثالوث» غير معلن: ما الذي يؤخر المساواة بين مسيحيي ومسيحيات الأردن في الميراث؟

«ثالوث» غير معلن: ما الذي يؤخر المساواة بين مسيحيي ومسيحيات الأردن في الميراث؟

الأحد 13 تشرين الأول 2019

«البطن اللي بخلّف الولد نفسه اللي بده يجيب البنت»، بهذه الجملة ردّت نهاد مطالقة على من استنكر عليها مطالبتها بميراثها عقب وفاة والدها عام 1990. أطلّت ذات المشكلة مجددًا في ذاكرة نهاد عام 1984، غداة عودتها من الكويت مع زوجها وبناتها الثلاث. 

فحين أرادت هذه السيدة المسيحية شراء شقّة في عمان آنذاك، اصطدمت بواقع أن عدم وجود ذكر بين أبنائها يعني نقل جزء من ميراثها بعد وفاتها إلى الأقرباء، وحرمان بناتها من حقّهم الكامل. 

خلال السنوات الماضية، فشلت محاولتان على الأقل لإلغاء هذا التمييز ضد النساء في «قانون الميراث للمسيحيين»، أسوة بتشريعات أقرت في لبنان سوريا، بسبب معارضة نوّاب ورجال دين أردنيين يرفضون التخلّي عن مكتسبات ذكورية تاريخية لمصلحة المرأة في العائلة. وهكذا يستمر حرمان المسيحيات في الأردن من المساواة في الميراث عبر ثالوث غير معلن: رفض كنسي جزئي، وعرف ذكوري محافظ، وحياد حكومي سلبي، حسبما توصلت إليه معدّة التحقيق بعد سنة من التقصّي. 

هذا التمييز يتناقض مع رغبة 90% من المسيحيين والمسيحيات في الأردن، وفق نتائج استبيان رقمي غير علمي شمل 6426 مستجيبًا ومستجيبة في تموز 2019. 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

تستند كنائس الأردن للشريعة الإسلامية وقواعدها الفقهية في تقسيم الميراث، على أساس «منح الذكر مثل حظ الأنثيين»، وإشراك أقرباء أحد الزوجين في تقاسم ميراثه/ا إن لم ينجبا ذكرًا. ولم تتغير معادلة الأحوال الشخصية منذ نشأة الأردن الحديث عام 1921، رغم تعديل قانون الطوائف المسيحية مرتين خلال المئة سنة الماضية. 

التعديل الأول عام 1938 ثبّت الانحياز للذكور في الميراث لدى صدوره تحت اسم قانون الطوائف غير المسلمة رقم (2) 1938. وفي التعديل الثاني عام 2014، استبدل المشرع «قانون الطوائف غير المسلمة» بـ«قانون مجالس الطوائف المسيحية»، مع تعديلات غير جوهرية فيما يتصل بالميراث. 

في ذلك العام، فشلت محاولة «إصلاحيين» لإحداث مساواة لمصلحة المرأة المسيحية. التعديل الأبرز في قانون 2014 يسمح لرؤساء الطوائف بإصدار قانون خاص بأتباع كنائسهم، بما في ذلك المساواة في الميراث، حسبما يوضح المحامي المتخصّص في شؤون الأحوال الشخصية لدى المسيحيين يعقوب الفار؛ أحد الخبراء المكلّفين بتعديل القانون.

لكن الحكومة ربطت التعديل بإجماع الكنائس على مسودة قانون مشترك قبل عرضه على مجلس النواب، بموجب المادة 109/2 من الدستور. «الحوار اليوم يجب أن يتم بين الطوائف والمجتمع المدني وبين الشخصيات النيابية، وإذا صار التوافق كحكومة ليس لدينا أي مشكلة»، يقول مسؤول حكومي رفيع، رفض الإفصاح عن هويته. 

شرط التوافق يشكّل عقبة أمام المساواة الجندرية بسبب تباين مواقف الكنائس حول مشروع قانون سلّمه محامون مسيحيون في الأردن للكنيسة الأرثوذكسية في أيار 2019 لمناقشته مع سائر الكنائس المعترف بها رسميًا. هذه الكنيسة -التي يتبعها أكثر من نصف مسيحيي الأردن- كانت واحدة من ثلاث كنائس فقط أجابت عن أسئلة معدّة التحقيق، من بين 11 كنيسة معترفًا بها رسميًا، رغم تكرار طلبات الحصول على المعلومات على مدى ثمانية أشهر.

وحتى بعد توافق الكنائس وحشد أصوات النواب المسيحيين التسعة خلف مشروع القانون، يظل القرار النهائي خارج صلاحيات السلطة التنفيذية دستوريًا، كونه مشروطًا بمصادقة مجلس الأمّة بجناحيه: النواب (130 عضوًا بينهم تسعة مسيحيون) والأعيان (65 عضوًا بينهم خمسة مسيحيون).  

ويقدّر عدد المسيحيين في الأردن بـ239,000 فردًا، بحسب آخر إحصائية أصدرها المعهد الملكي للدراسات الدينية عام 2015؛ أي 2.5% تقريبًا من عدد السكان المقدر بـ9,559,000 نسمة في نهاية 2015، بحسب دائرة الإحصاءات العامة.

اليوم، بعد خمس سنوات على قانون مجالس الطوائف المسيحية، ثمّة محاولة جديدة للمساواة في الميراث، خاصة بعد تعريب قيادة مطرانية الروم الأورثوذكس في الأردن في حزيران 2018. تخضع مطرانية هذه الكنيسة لبطريركية القدس منذ نشأة المطرانية في عمان عام 1944. 

«القوانين البيزنطية لا تتماشى مع واقع المسيحيين في الأردن اليوم»، يقول خريستوفوروس عطالله، أول مطران عربي للروم الأرثوذكس. وفي مقابلة مع معدّة التحقيق، أكد المطران سعيه -بالتعاون مع خبراء قانون- لتغيير القوانين البيزنطية التي تتبعها الكنيسة قبل نهاية 2019، وتحديدًا «الظالم» منها للمرأة المسيحية. 

يؤكد عطالله أن كنيسته استلمت مقترح قانون جديد في أيار من مجموعة محامين كانوا تلقّوا كتابًا رسميًا من بطريرك القدس ثيوفيلوس الثالث يطلب فيه سن قانون أحوال شخصية جديد، لتنظيم الزواج، والعائلة، والحضانة، وحقوق النفقة والميراث.

لكن مطران الكنيسة الأرثوذكسية يلمح إلى وجود خلافات بين الكنائس حيال تعديل القانون. «بالنسبة لقانون الميراث مرّات في إجماع ومرّات في تهرّب»، من الكنائس المختلفة في الأردن. ثم يردف عطالله: «سأضع [مشروع قانون الميراث] على الطاولة، وأطلب من كل كنيسة موقفها الرسمي».

أرسلت معدّة التحقيق طلبات حصول على معلومات إلى الطوائف المسجّلة رسميًا لاستطلاع آرائها حيال إصدار قانون موحد. وبعد انتظار ستة أشهر، لم تتجاوب إلا ثلاث كنائس: الإنجيلية اللوثرية، والروم الأرثوذكس، والروم الملكيين الكاثوليك. وجميعها أعلنت موافقتها على المساواة الجندرية، فيما رفضت ثماني كنائس الرد على خطاباتنا، منها الكاثوليك اللاتين التي تمثّل ثانية كبرى شرائح المسيحيين في الأردن.

المحامي يعقوب الفار بات اليوم أكثر تفاؤلا على خلفية «تطورات جوهرية». إذ يقول: «[الكنيسة الأرثوذكسية] طلبوا منّا تعديل القانون بما يتوافق مع العصر، لأن القانون البيزنطي لا يتناسب مع عصرنا الحالي، فهو ينص على تطليق المرأة لمجرد سباحتها أو ركوبها الخيل». ويؤكد الفار أن التعديلات المقترحة نصّت بالمساواة في الميراث وحصر التركة ببنات المتوفى/اة، حتّى في غياب ذكر في العائلة. ويحجم الفار ومطران الأرثوذكس عن إبراز مسودة القانون قبل موافقة جميع الكنائس عليه. 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

إجهاض محاولة 2014 

محاولة إنصاف المرأة عام 2014 اصطدمت بمعارضة شرسة غير معلنة من نائب بين ثمانية نواب مسيحيين حضروا جلسة نقاشية مغلقة استبقت طرح مشروع القانون للتصويت. وأدّى ذلك إلى إجهاض التعديلات قبل التصويت رسميًا عليها أمام مجلس النوّاب، بحسب تأكيد نائب سابق شارك في تلك الجلسة غير الرسمية، وفضل عدم ذكر اسمه. على تلك الخلفية، أُجّلت المناقشة رغم تأكيد النائب السابق بأن زملاء مسلمين استعدّوا بموازاة تلك الجلسة المغلقة لتأييد تعديل القانون، بشرط توافق المسيحيين فيما بينهم على المساواة في الميراث.

على غرار سائر النواب المشاركين آنذاك، يرفض هذا المصدر تسجيل تصريحه سمعيًا أو بصريًا، خشية إثارة استياء زملائه. كما يحجم جميع الرافضين لمبدأ تعديل القانون عن التصريح أمام الكاميرا. 

في استبيان شمل نوابًا مسيحيين سابقين وحاليين في آب 2019، وجدت معدّة التحقيق أن معظم المستجيبين – ثمانية من تسعة نواب مسيحيين سابقين – أيّدوا آنذاك ويؤيدون المساواة في الميراث. وهي ذات النسبة لدى النواب الحاليين. فيما يرفض النائب الحالي هيثم زيادين التحدث مع معدّة التحقيق رغم تكرار محاولات الوصول إليه. 

ماذا يريد مسيحيو الأردن؟ 

يتعاظم قلق نهاد مطالقة وزوجها جليل في سعيهما لحماية ميراث بناتهما الثلاث. إذ سجّل الزوجان عقد الشقة التي يسكنانها بأسمائهنّ، ونقلا إليهنّ الجزء الأكبر من أموالهما حتى لا يشارك أقرباؤهما في تقاسم الميراث.

تقول نهاد: «في اللحظة التي يعلنون فيها وفاتي سيأتي من هبّ ودب من أقاربنا لتقاسم أموالنا، وهي حصيلة شقاء سنوات مع بناتنا». اضطر الزوجان للتنازل عن معظم ثروتهما بسبب حظر «الوصيّة» في الأردن، حسبما تضيف. 

ويظهر استبيان -غير علمي- أجرته شبكة أريج بأن تسعة من كل عشرة مستجيبين (5752 من 6426 مستجيبا/ة) يؤيدون المساواة في الميراث. الملفت أن 96% من المستجيبات يطالبن بالمساواة (3656)، فيما تنخفض النسبة لدى الذكور إلى 80.3% (2096 مستجيبًا). كما أن الفئة العمرية 35 سنة فما فوق -التي شكّلت 70% من عدد المستجيبين- كانت الأكثر اندفاعًا نحو المساواة. فمن بين 2940 مستجيبة فوق 35 عامًا، أيّدت 96% منهن مبدأ المساواة، فيما تنخفض النسبة إلى 90% بالنسبة للذكور من ذات الفئة العمرية (1913 مستجيبًا).  

من بين المستجيبين للاستبيان الإلكتروني مطلع تموز 2019، قدّم 800 شخص -واحد من كل تسعة مستجيبين- ملاحظات إضافية تطالب الحكومة والكنائس بالإسراع في تعديل قانون الميراث للمسيحيين وصولًا إلى المساواة. 59% من المستجيبين والمستجيبات قالوا إنهم مرّوا بتجربة تقسيم الميراث. إحدى المستجيبات تستذكر بندم: «لو كنت بعقلي وتفكيري الحالي ما كنت تنازلت عن حصتي. وبفضّل المساواة في الإرث».

حرمان بالتخجيل

«بصراحة مش مناسب نورّث الغريب [زوج الابنة]»، يجادل أب سبعيني لابن وابنة في قرية أردنية. «يعني منوزّع للابن ضعف نصيب البنت بحيث لا يموت الذيب ولا تفنى الغنمات»، يستطرد الرجل المسيحي الذي لم يشأ الإفصاح عن هويته أو تسجيل صوته، خشية عتب ابنته وسائر النساء في العائلة. 

باسم كرادشة له طرح مغاير. «يجب أن نقر بأننا مجتمع ذكوري وبخاصة أن الذكر يحمل اسم العائلة، لذا يحق له ما لا يحق للمرأة»، يشكو كرادشة، الذي يدير مكتبًا استشاريًا في قضايا الميراث للمسيحيين. الرجل الذي عمل سابقًا لمدّة 26 عامًا في المحكمة الكنسية الأرثوذكسية، بخاصة في قضايا الميراث، يستذكر عديد قضايا كانت السلطة الأبوية تنتقل من الأب المتوفّى للابن. وبذلك «تطيع المرأة شقيقها في كل شيء حتى لو وصل الأمر لتنازلها عن حقوقها المشروعة في الميراث، وتظل صامتة خوفًا من الوصمة وعادات المجتمع التي تأصلت فيها الذكورية».

يؤكد الأب سالم مدانات أن المحكمة الكنسية الأرثوذكسية شهدت «تنازل فتيات برغبتهن عن حصصهن بالميراث». على أنه يردف أن معظمهن «شعرن بالندم لاحقًا لهذا التنازل»، لافتًا إلى أن المحكمة الكنسية «تطبق نظام التخارج* بعد مرور ثلاثة أشهر من وفاة الموروث؛ وهي مدّة كافية حتى تعود العقول إلى صوابها بعد فترة الحزن». وأثناء وجود معدّة التحقيق في مقر المحكمة الكنسية، دخلت فتاة مع أخيها للتنازل عن حقها في الميراث. «أنا تنازلت لأخوي لأنه تاج رأسي ومش ممكن يؤذيني»، تمتمت الفتاة لمعدّة التحقيق.

في المقابل، لم تخش نوال (اسم مستعار) مواجهة أشقائها بعد وفاة والدها عام 2010. في البدء، اتخذ الأخوة قرار توزيع التركة وفق الشريعة الإسلامية في القانون الأردني؛ للرجل مثل حظ الأنثيين. لكنّها لم ترض بذلك، وطالبت مع شقيقاتها بحق متساو مع الأخوة، الذين رفضوا ذلك. لم تيأس الشقيقات، وطلبن مشورة الكنيسة، لكن ردّها كان مخيبا للآمال: «الأولوية للتوافق بين الأخوة». 

بدأت مفاوضات مع الأشقاء عام 2010 لكن دون نتيجة. وأمام الاستعصاء، اقترح أحد أشقائها منح الإناث الثلاث نسبة تزيد عمّا تقرّه الشريعة الإسلامية كترضية، ولكنّها غير متساوية مع نصيب الذكور. رفضت الشقيقات ذلك العرض، فتفاقم الخلاف بين الإخوة والأخوات إلى قطيعة. تشكو نوال الآن من أن أحوال شقيقاتها المالية الصعبة دفعتهن إلى قبول اقتراح «الترضية المالية» في النهاية، وأيضًا حتى لا تخسرن أشقاءهن الذكور.

حرمان المرأة كان مكونًا رئيسًا في تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان السنوي الحادي عشر. تقول بثينة فريحات، التي أعدّت ذلك التقرير عام 2014: «تجهل المرأة حقّها في الميراث أو تتعرض للإقناع بأنها معفية من تحمل المسؤوليات المادية» في معظم الحالات. وترجع فريحات تنازل المرأة أيضًا إلى «المخاوف من دخولها في حال صراع مع العائلة نتيجة لجوئها للقضاء لانتزاع حقها في الميراث. وطبعًا هذه القضايا الأسرية ذات طابع حساس جدًا». 

في الاستبيان، تشكو إحدى المستجيبات: «يا ريت يطلعلي نص ما طلع لأخوي. خواتي وأنا ما ورثنا شي، لأنه أبوي كتب كل الأراضي والعقارات بأسماء أخواني الاثنين وهو عايش حتى الآن».

ورغم ازدياد انخراط المرأة الأردنية في سوق العمل المأجور، ومشاركتها للرجل في تحمّل مسؤوليات الأسرة، يرجع 46.5% من معارضي تغيير القانون رأيهم إلى أن مسؤولية الأخ الأكبر تفوق مسؤولية الأخت في العائلة.

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

«جميع الأردنيين وليس المسيحيين فقط»

المحامي المسيحي المتخصص في الأحوال الشخصية يعقوب الفار يرجع غياب التوافق حول مشروع القانون المقترح إلى العقلية الذكورية المهيمنة على فئات من رجال الدين المسيحي وتأثير التقاليد المحافظة في المجتمع. ويقول الفار، مؤلف كتاب «شرح قانون الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية» الصادر عام 2015: «الصحيح أنه لا يوجد موقف موحد بأي مسألة من المسائل التي تهم الأسرة المسيحية في الأردن، وليس فقط لما يخص موضوع الميراث». 

عام 2017، أطلقت 21 شخصية (محامون وكهنة ونواب) مبادرة من أجل المساواة في ثلاثة محاور: المساواة في الميراث وقبول الوصية وتطبيقها، والاعتراف بالإرادة في الحضانة، أي أن الطفل يُخير في سن الخامسة عشرة بين العيش مع والده أو والدته في حال الانفصال، وإقرار التبني مع توريث الأبناء بالتبني، بحسب الأب سالم مدانات، من الكنيسة الارثوذكسية، وهو أحد أعضاء المبادرة. «أمور التعديل تسير على ما يرام إلى الآن، بعد مشقّة سنة من المفاوضات والتوضيحات اللازمة من أجل التعديل»، يشرح الأب مدانات، لافتًا إلى أن هذه المبادرة لم تحصل بعد على موافقة رسمية من جميع رؤساء الكنائس.

على الطرف الآخر يدافع برلمانيون وقيادات مجتمعية ومحافظون مسيحيون عن استمرار احتكام الكنيسة للشريعة الإسلامية.

النائب السابق ضرار الداوود اعترض على تغيير قانون الميراث للمسيحيين، حين نوقشت مسودته عام 2014، حسبما يؤكد ثلاثة نواب مسيحيون سابقون شاركوا في ذات الجلسة. في مقابلة مع معدة التحقيق، يبرّر الداوود رفضه بالقول: «إذا كان هناك توجه لتغيير القانون، فيجب أن يشمل جميع الأردنيين وليس المسيحيين فقط. بخلاف ذلك سينشأ شرخ في التركيبة الديمغرافية للمملكة، «حيث سيغدو المسيحيون كأنهم غرباء عن المجتمع الذي نشأوا فيه».

النائب المسيحي الحالي فوزي طعيمة يؤكد أن مجلس النواب ينتظر استلام رؤية واضحة من المرجعيات الدينية التي تبحث حاليًا في مشروع قانون جديد. «لن يبحث شيء في المجلس الحالي. هناك لجان وندوات وحوارات ومناقشات في المجتمع المدني لكن لم يخلصوا إلى شيء ليقدّموه للجهات الرسمية».  

ويختلف تشريع الميراث للمسيحيين في الأردن عنه في عدد دول الجوار. ففي لبنان، ينص قانون 1959 على توزيع الميراث بين جميع أبناء المتوفى الشرعيين وفروعهم دون تفرقة بين الذكور والإناث أو بين الأبناء المولودين من زيجات مختلفة والمنتمين إلى أصل واحد. وينص ذلك القانون على تقسيم التركة بينهم بالتساوي بعد أن يحسم منها نفقات تجهيز الميت ودفنه. وفي سوريا، أقنعت الطوائف المسيحية الحكومة عام 2011، بسن قانون خاص بالطوائف المسيحية الشرقية، بحيث ينص على المساواة الجندرية في قضايا الميراث، وتطبيق مبدأ الوصية مع تعديل بسيط يتصل بتحويل «تركة من لا وارث له» من المسيحيين إلى الخزينة العامة.

إفقار مستمر  

عبلة (اسم مستعار) وشقيقاتها الثلاث خسرن ورثة أبيهن لثلاثة أشقاء قبل تسعة وستين عامًا. الآن على مشارف الخامسة والثمانين من العمر، تقول عبلة أنها وشقيقاتها حرمن من ميراث والدهن، الذي ترك مئات الدونمات وممتلكات بقيمة ملايين الدنانير. هذه المسنّة ترفض الظهور أمام الكاميرا بسبب خشيتها من ردّة فعل العائلة في مجتمع منغلق. حالها حال عشرات المتضرّرات اللواتي حاولت معدّة التحقيق إقناعهن بتوثيق قضاياهن بصريا دون أي نتيجة.  

تستذكر عبلة كيف تحايل أحد إخوتها على شقيقاته مستغلًا حزنهن على وفاة أحد الأشقاء. «وقّعنا على أوراق خلال الجنازة، وحين سألنا عنها لاحقًا أبلغنا شقيقانا أنهما اضطرّا لأخذ جزء من ميراث (البنات) من أجل إقامة الجنازة». على أنّ الشقيقات اكتشفن بعد الحداد أن الأوراق سلبتهنّ حقوقهن في ميراث شقيقهن المتوفّي وميراث والدهما أيضًا الذي توفي قبل أخيها. «شعرت حينذاك بأني إنسانة ناقصة، يعني مستولى عليها»، تستذكر عبلة بحسرة. 

 


* التخارج: تنازل إخوة عن حصصهم في الميراث فيما بينهم، تمهيدًا لتثبيت الملكية الجديدة في الدوائر الرسمية.

تم إعداد هذا التحقيق ونشره بالشراكة مع شبكة «إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية» (أريج).

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية