جامعة، الأردن، معان، سكنات طالبات

«ما بدنا نسعفك على الفاضي»: عن الواقع الصحيّ في سكنات الطالبات

مصدر الصورة: موقع جامعة الحسين بن طلال

«ما بدنا نسعفك على الفاضي»: عن الواقع الصحيّ في سكنات الطالبات

الثلاثاء 08 شباط 2022

على طاولة مستطيلة في ممر كلية الآداب في جامعة الحسين بن طلال وُضعت دفاتر التخرج لخرّيجات دفعة 2022. زُيّن الحائط بالبلالين الملونة وقبعات التخرج الكرتونية وصور الخريجات ومنهنّ طالبة في قسم اللغة الإنجليزية اسمها سلسبيل أبو شوك.

وقبل أن تحمل الدفاتر رسائل المهنئين، أزيلت الطاولة وألغيت كل أشكال الاحتفال بالتخرج بعد أن فارقت سلسبيل الحياةَ في سكن البيداء للطالبات مساء الأحد 2 كانون الثاني الماضي عن 21 عامًا، بعدما شعرت بألم في الصدر وضيق في التنفس.

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي شهاداتٍ قيل إنها لزميلات سلسبيل، وتحدّثن فيها عن تأخر السكن في التواصل مع سيارة الإسعاف، وهو ما نفته إدارة الجامعة معلنةً تشكيل لجنة تحقيق في ملابسات الحادثة. ثم أَعلنَت لاحقًا نتائج التحقيق، وجاء فيه أن إسعاف سلسبيل جرى خلال ستة دقائق من التبليغ عن الحالة دون انتظار سيارة الإسعاف. وبحسب تقرير الطب الشرعي فإن سبب الوفاة هو هبوط حاد بعمل القلب الناتج عن نقص التروية، وأن سلسبيل كانت تعاني من تشوه خَلقي في الشريان التاجي.

أعادت المنشورات والتغريدات المتفاعلة مع وفاة سلسبيل الحديثَ عن سكنات الطالبات في الجامعات الحكومية ومستوى الرعاية الصحية فيها، إذ لطالما كانت خدمات السكنات محط تساؤل، فيما شكّلت شكاوى الطالبات محركًا لمطالب القوى الطلابية في الجامعات، وسبق أن نُشرَت صورٌ ولقطات فيديو مسربة تظهر سوء الخدمات داخل بعض السكنات.

يتناول هذا التقرير، من خلال تجارب بعض الطالبات، خدماتِ الرعاية الصحية والنظافة والتدفئة في سكنات الطالبات في أربع جامعات حكومية هي: جامعة الحسين بن طلال والطفيلة التقنية وآل البيت والأردنية. كما ينظر التقرير في دور المشرفات في التعامل مع الحالات الصحية.

ضعف خدمات الرعاية الصحية

يتبع لجامعة الحسين بن طلال أربع سكنات للطالبات، اثنان منهما قريبان من حرم الجامعة تتولى شركة خاصة (تساهم فيها الجامعة نفسها) بموجب اتفاقية تعاون تقديمَ خدمات الصيانة والحراسة والنظافة، فيما تشرف الجامعة على الطالبات وموجودات السكن وتنسّب المشرفات عليه. أما السكنان الآخران فيقعان وسط مدينة معان وتتولى الجامعة كامل إدارتهما، وهما سكنا البيداء وبوابة الفتح (المعروف باسم سكن التمريض)، ويسكن فيهما حاليًا حوالي 1,400 طالبة، بحسب عميد شؤون الطلبة في الجامعة بشير كريشان.

وفقًا لشهادات متقاطعة لبعض الطالبات في سكني البيداء والتمريض فإن نقل أي طالبة مريضة يستغرق مدة طويلة، ذلك أن النقل يتمّ عبر سيارة حركةٍ تأتي من الجامعة إلى موقع السكنات وسط معان، ثم يجري تحويل المريضة إلى المستشفى، وقد تزداد المدة اللازمة للنقل تبعًا لاستجابة مشرفة السكن للحالة الصحية، خصوصًا لو جرى الإبلاغ عنها بعد موعد إغلاق السكن عند السادسة مساءً. بعد وفاة سلسبيل وفّرت الجامعة مناوبيْن للحركة؛ أحدهما في الجامعة والآخر في السكنات، لتفادي أي تأخير، بحسب كريشان.

لا توفّر الجامعة في السكنات ممرضات أو طبيبات. وتعتقد أسماء*، وهي طالبة من سكن البيداء، أن وجود ممرضة أو طبيبة مناوبة في السكن سيحسّن الاستجابة للحالات الطبية المستعجلة وتشخيصها، كما سيسهّل نقل الطالبات المريضات إلى المستشفى في حال الحاجة إلى ذلك. مشيرة إلى ضرورة وجود صيدلية صغيرة أو صندوق إسعافات أولية في السكن، وترى أنه من المهم تحسين جودة الخدمات المقدمة في المركز الصحي والصيدلية والعيادات الطبية في الجامعة بحيث تعمل على مدار اليوم وتوفّر مختلف أنواع الأدوية.

المطالب نفسها جاءت على لسان طالباتٍ في جامعة آل البيت في المفرق، ومنهن دعاء* التي تقول إن المركز الصحي والصيدلية في جامعتها يغلقان عند الواحدة ظهرًا، فيما كثيرًا ما تظهر أعراض المرض على بعض الطالبات في أوقات متأخرة من الليل. وإن كان التأمين الصحي للطالبات يشمل علاجهن في مستشفى المفرق الحكومي القريب من الجامعة، إلا أن دعاء ترى إن جودة الخدمات في المستشفى متدنية.

من جهته، ينفي صايل السرحان، عميد شؤون الطلبة في الجامعة، إغلاق المركز عند الواحدة ظهرًا، إنما يُغلق عند الرابعة مساءً، مشيرًا إلى أن الجامعة تتعامل مع الحالات الطبية من خلال المركز الصحي أو عبر نقل الطالبة إلى المستشفى بسيارة إسعاف مجهزة وفيها مناوب من كلية التمريض.

أما في جامعة الطفيلة التقنية، فتقول إخلاص البداية، مشرفة السكنات في الجامعة، إنه يتوفر طبيب في عيادة طبية مخصصة للطلبة تظل أبوابها مفتوحة حتى الخامسة مساءً، ويُستدعى الطبيب بعد ساعات الدوام في حال الحاجة إلى تشخيص حالة أي طالبة متوعكة أو توفير الرعاية الصحية اللازمة لها أو نقلها إلى أحد المستشفيات.

لكن فرح*، وهي طالبة تقيم في سكن الباعونية التابع الجامعة، تقول إن وجود العيادة لا يضمن خدمة طبية جيدة، نظرًا لمحدودية الوقت المتاح لمراجعتها، معتبرةً مراجعة العيادة «تمشاية للحال»، إذ تستقبل العيادة بحسبها الحالات الطبية الشائعة، ويقتصر تشخيص الطبيب فيها على التشخيص السريري. مضيفة أن الصيدلية مجهزة بعدد محدود من الأدوية هي تلك اللازمة لمعالجة ارتفاع الحرارة ووجع الرأس والسعال وآلام الدورة الشهرية. وتعتقد فرح أن دور المشرفة في التواصل مع الطبيب عند الحاجة إليه بعد إغلاق السكن يؤخر الاستجابة للحالات الطارئة.

من طرفها، تقول البداينة إن الطبيب وسيارة الحركة المخصصة لنقل الطالبات متاحة طوال اليوم، وأن هذا هو الحال منذ بداية عملها مشرفة للسكن قبل 16 عامًا، ما يجعل الاستجابة فوريةً لأي حالة طبية تتطلب النقل إلى المستشفى، «مجرد ما البنت تقول أخ»، حتى لو كان الطبيب مجازًا.

من جانب آخر، يُذكر أن أعداد الطالبات المقيمات في السكنات الجامعية بعد جائحة كورونا قد تقلصت، إلا أن استئناف التعليم الوجاهي في الجامعات فرض الحاجة إلى مجهود إضافي في التعامل مع الوضع الصحي، وإلى اهتمام أكثر في أعمال النظافة في السكنات، وقد تلقت الطالبات جميعهن جرعتي اللقاح، وتتوفر علب المعقمات في غرف السكنات، لكن فرح تشير إلى اكتظاظ بعض الغرف بالطالبات، خصوصًا تلك الغرف المشتركة حيث تجتمع الطالبات فيها بعد انتهاء اليوم الدراسي دون ارتداء الكمامات أو الالتزام بالتباعد.

جانب من بعض مرافق سكن الباعونية للطالبات في جامعة الطفيلة التقنية.

تقييم المشرفات للحالات الصحية 

تنص بعض تعليمات ولوائح السكن الداخلي للطلبة في الجامعات الحكومية على أنه «يجب على المشرفة اتخاذ الإجراءات المناسبة في الحالات المرضية والطارئة وإبلاغ المعنيين بذلك»، دون توضيح تفاصيل هذه الاجراءات.

تقول أسماء -من جامعة الحسين- أن إحدى زميلاتها في السكن قبل فصلين «تعبت كثير لدرجة إنه زبّدت»، لكنهن لم يتمكنّ من طلب الإسعاف مباشرةً لأن هذا الإجراء من صلاحيات المشرفة التي رفضت القيام بذلك. هدأت حالة الطالبة المريضة بعد تناولها حبة اسبرين أعطتها لها زميلة تدرس التمريض، وفي صباح اليوم التالي راجعت طبيبًا خارج الجامعة فوجدها مصابة بذبحةٍ صدرية.

تقول أسماء إن المشرفة تقترح أحيانًا على الطالبات فتح الشباك وتهوية الغرفة عند شعورهن بضيق التنفس، أو ارتداء المزيد من الملابس عند الارتعاش من البرد. مضيفةً أن رفض المشرفة نقل الطالبات أحيانًا إلى المستشفى يأتي من اتهام الطالبات بالدلع أو التّمارض من أجل الخروج من السكن.

لكن عميد شؤون الطلبة، بشير كريشان، ينفي ما قالته أسماء حول استهانة لمشرفات بالوضع الصحي للطالبات، معتبرًا أن شكاوى بعض الطالبات مبالغ فيها وتعود لـ«دوافع شخصية»، وأن مجازفة المشرفة بروح الطالبة أمر مستحيل لأنها هي من تتحمل المسؤولية وتتعرض للمحاسبة.

في جامعة آل البيت، شعرت دعاء يومًا بالتعب الشديد قرابة الرابعة فجرًا، وأخبرت زميلتُها مشرفةَ السكن التي اقترحت بدورها الانتظار لمراجعة طبيب العيادة حتى السادسة عند فتح السكن، تقول دعاء: «حكولي ما بدنا نسعفك على الفاضي، بس افرضي أنا متت من هون للستة». في الصباح راجعت دعاء عيادة الجامعة ولم تتقدم بشكوى للعمادة تجنبًا لأي خلافات شخصية قد تقع مع المشرفة، وخشية من أن ينعكس ذلك على أسلوب التعامل معها، أو التضييق عليها في مواعيد الخروج من السكن والعودة إليه.

أما في سكن الباعونية في جامعة الطفيلة، فقد قالت بعض الطالبات إن بعض المشرفات، ممن لا تتوفر لديهن معرفة أو خلفية طبية، يقمن أحيانًا  بتقييم الحالة الصحية ويقرّرن بناء عليه حاجة الطالبة للنقل إلى المستشفى من عدمه. وترى فرح إنه من المستحسن أن تكون المشرفة مؤهلة للتعامل مع الطالبات وتطبيق إجراءات السلامة العامة، لكن لا يجب أن يكون تقييم الحالة الصحية للطالبة من مهامها.

ظروف التدفئة والنظافة تفاقم الوضع الصحي

أواخر كانون الأول الماضي قدمت طالباتٌ من سكني الزهراء والأندلس في الجامعة الأردنية عريضة لتشغيل التدفئة على مدار اليوم بدلًا من 4 ساعات متفرقة. تقول رند*، من سكن الأندلس، أن الجامعة استجابت لطلبهم في اليوم التالي. ليست هذه المطالبة الأولى بهذا الخصوص، لكن المختلف هذه المرة أن التدفئة ما زالت حتى الآن تعمل طوال الوقت، فيما كانت ساعات التشغيل في المرات السابقة تعود خلال أيام للانخفاض، وتعزو رند الاستمرارية هذه المرة إلى أن وفاة سلسبيل وإثارة النقاش حول واقع السكنات في الجامعات زاد مسؤولية الجامعة وعزّز الضغط الذي يمكن أن تقوم به القوى الطلابية.

من جهة أخرى، تشكو رند من عدم التزام الجامعة بتنظيف السكنات يوميًا، وتقول إن وضع المطبخ والحمامات والممرات يصبح مزريًا بعد الساعة الثالثة مساءً وفي نهايات الأسابيع. مضيفةً أن مرافق السكنات في بعض الأجنحة بحاجة إلى صيانة من أجل منع تسرب المياه وفيضان المغاسل وتشكل العفن والرطوبة.

ظروفٌ مشابهة تقريبًا تعيشها الطالبات في سكن الباعونية في الطفيلة، حيث تعمل التدفئة في السكن لمدة ساعتين مرتين يوميًا. تذكر فرح أنها قبل فصلين دراسيين حضرت اجتماعًا مع عميد شؤون الطلبة السابق لمناقشة هذه المسألة، «حكالنا العميد أنا ما بشغل الصوبة 24 ساعة بالبيت، كيف أشغلها في السكنات كل هذا الوقت؟»، تقول فرح. بالمقابل، تقول المشرفة البداينة إن التدفئة المركزية في السكنات تعمل بمتوسط 10 ساعات في اليوم، وأن بعض الطالبات يطلبن منها تخفيض الحرارة قائلات: «يا مس قللي الحرارة، حامية كثير».

طالبات أخريات في السكن نفسه أشرن إلى تراجع الاهتمام بنظافة السكن، وقلن إن أكياس النفايات تتراكم لأيام في الممرات لأن السلال غير كافية ولا تنظف بشكل دوري، ما يتسبب بتجمع الحشرات ونبش الأكياس من القطط. وقد لاحظ بعضهن أن بعض عاملات النظافة ينظفن أرضية الغرف والممرات بالممسحة نفسها التي استخدمت لتنظيف الحمامات. 

تراكم أكياس النفايات في بعض مرافق سكن الباعونية للطالبات.

أما في سكن البيداء بجامعة الحسين، فتقول أسماء أنها ظلت لسبعة أيام بدون مياه ساخنة، رغم مطالبتها المتكررة من المشرفة، والتي لا تستطيع تجاوزها في تقديم الشكوى أو نقل الملاحظات على السكن. مضيفة أن المياه تتسرب من المواسير في الأيام الباردة، ما يتسبب أحيانًا بوقوع أجزاء من السقف الجبسي (False Ceiling)، فتملأ المياه أرضية السكن قبل أن يتم صيانتها. يُذكر أنه سبق أن انهارت عام 2018 الأسوار العلوية لأحد سكنات الجامعة دون أن يتسبب بوقوع إصابات.

ختامًا، تتولى عمادات شؤون الطلبة في الجامعات الرقابة على السكنات الداخلية، وبحسب طالباتٍ فإن العمداء يزورون السكنات بين الحين والآخر، لكنهن يعتبرنها زيارات شكلية حيث تنتهي في مكاتب إدارة السكن، دون تفقّد غرف الطالبات.

وقال مدير اعتماد الجامعات في هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها، عمر سعافنة، لـ«حبر» إنه لا علاقة للهيئة بالتفتيش على السكنات الداخلية في الجامعات، مؤكدًا عدم وجود معايير اعتمادٍ لتقييم السكنات، إنما تشمل معايير الاعتماد العام القاعات التدريسية والملاعب والمساحات الخضراء، وأن السكنات ليست مشمولة بذلك لأن الجامعات غير مجبرة على توفير هذه الخدمة للطالبات.


* أسماء مستعارة بناء على طلب الأشخاص وحفاظًا على خصوصيتهم.

تم إنتاج هذا التقرير ضمن زمالة «عيون» للصحافة المحلية.

Leave a Reply

Your email address will not be published.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية