«السوق واقف»، فهل يكون تطبيق بنكيّ للاستدانة هو الحل؟

الأربعاء 19 نيسان 2023
تطبيق بلينك
تصميم محمد شحادة.

هذا التقرير جزء من ملف ««تلبيس طواقي»: عن العيش بديون لا تنتهي». يمكنكم قراءة الملف كاملًا من هنا.

في أيّار من العام الماضي، كان أنس* (53 عامًا) في محلّه لتنجيد السيّارات في عمّان، عندما تلقّى مكالمة من قريبٍ له، يعمل في نفس المجال ولا يملك بطاقة هوية أردنية، يخبره فيها أنه يمرّ بضائقة مالية، وأنه يحتاجه للحصول على «قرضٍ» باسمه عبر تطبيقٍ بنكي يُدعى «بلينك» (Blink)، طالبًا منه أن يلتقيا لتقديم الطلب وأن يحضر معه بطاقة الهوية فقط.

«السوق واقف، وهو عنده إيجار والتزامات»، يقول أنس الذي ذهب إلى قريبه دون أن يعرف تفاصيل دقيقة عن التطبيق إلا أنه يمنح بطاقة ائتمانية بسقفٍ يصل أحيانًا إلى ألف دينار بدون شروط، «بس سألتهم هذا حرام ولا ولأ؟». وفي دقائق، حمّل أنس التطبيق، زوّده ببياناته وصورة عن بطاقة هويته، بالإضافة إلى صور سيلفي من عدة زوايا، كما وافق على الشروط والأحكام الخاصة بالبطاقة، ثم أدخل رمزًا سريًا وصل إلى هاتفه، ليحصل على موافقة بمنحه بطاقة ائتمانية بسقفٍ يبلغ 500 دينار ستصله بعد ثلاثة أشهر.

كان قريب أنس بحاجة إلى مبلغ يزيد عن 500 دينار، فاستعان أنس بشخصين آخرين لطلب بطاقات أخرى، أحدهما صهره محمد* الذي كان حينها عاطلًا عن العمل، وذهب للمساعدة لاعتقاده بأنه سيحصل على بطاقة مشتريات لمرةٍ واحدة و«المبلغ اللي بطلع نص بالنص». تقدم محمد بطلب البطاقة، وما إن عرف أن ما سيحصل عليه هو بطاقة ائتمانية حتى أخبر البقية بأنه لن يتمكن من منحهم إياها.

دبّر قريب أنس شؤونه خلال فترة الانتظار، وبعد ثلاثة أشهر استلم كل منهم بطاقتين من البنك، واحدة للدفع المباشر (Debit Card)؛ أي تلك المربوطة بالحساب ويمكن استخدامها للمشتريات في حال توفر مالٍ مودعٍ فيه، والثانية هي الائتمانية.

عادةً ما يتطلب الحصول على بطاقة ائتمانية (Credit Card) إجراءات أكثر تعقيدًا مما سبق، خصوصًا أنها تتيح لمالكها ضمن سقفٍ محدد إمكانية الاقتراض من البنك عبر سحب الأموال نقدًا من سقفها المالي، أو دفع قيمة المشتريات من خلالها، ثم سداد هذه المبالغ والفوائد المترتبة عليها لاحقًا. لذا غالبًا ما تطلب البنوك ضماناتٍ للسداد وتدرس الملاءة المالية للعميل، كالتحقق من الراتب وقيمته، والتأكد من أن أعباء الدين وقروضه لا تتجاوز حدًا معينًا، والتأكد من التزام العميل في سداد القروض السابقة. لكن، كثُرت في الآونة الأخيرة التطبيقات والشركات التي تمنح تسهيلاتٍ ائتمانية بسقوف منخفضة، أو قروضًا صغيرة، تتراوح بين 200 وألف دينار، بسرعة شديدة وبشروط ميسرة للغاية.

و«بلينك» هو أحد هذه الشركات، لكنه ذائع الصيت بين الناس مقارنة بغيره لأنه لا يطلب ضماناتٍ عند فتح الحساب أو التقدم بطلب البطاقة الائتمانية، مثل كشوفات الراتب أو الضمان الاجتماعي أو الكفلاء. وبلينك بنكٌ رقميّ أطلقه كابيتال بنك في شباط 2022، وهو يعمل بفريقٍ وأنظمة منفصلةٍ وإن كان يتبع لكابيتال بنك قانونيًا وإداريًا، ويقدم خدماته المصرفية بالكامل عبر التطبيق نفسه، أو الاتصال الهاتفي أحيانًا. هكذا يمكن فتح الحساب البنكي دون مراجعة أي فرع بنكي، والحصول على بطاقة دفع مباشرٍ، والتقدم للحصول على بطاقة ائتمانية والحصول على الموافقة خلال دقائق، واستلامها خلال فترة تتراوح بين أيامٍ قليلة أو شهور أحيانًا.

كثُرت في الآونة الأخيرة التطبيقات والشركات التي تمنح تسهيلاتٍ ائتمانية بسقوف منخفضة، أو قروضًا صغيرة، تتراوح بين 200 وألف دينار، بسرعة شديدة وبشروط ميسرة للغاية.

بالعودة إلى أنس، ما إن استلم بطاقته الائتمانية حتى ناولها لقريبه، فسحب هذا منها 100 دينار نقدًا، لتصل إلى أنس رسالة مفادها اقتطاع أربعة دنانير هي بدل عمولة السحب النقدي بنسبة 4%، فاقترح أنس تحويل باقي المبلغ إلى حساب آخر ثم مبادلة القيمة نقدًا حتى لا تُخصم أية عمولات. بعد فترة استردّ أنس الـ500 دينار من قريبه، لكنه لم يودع المبلغ في حسابه، بل استفاد منه في نفقاته، وصار يسدده للبنك بقسط شهري مقداره 25 دينارًا شهريًا. ولأنه لم يسدد المبلغ كاملًا صار يترتب عليه فائدة شهرية مقدارها 1.75% عن المبلغ غير المسدد، ويضاف إليها غرامةٌ مقدارها 10 دنانير في حال التأخر عن سداد القسط في موعده.

يلتزم أنس بتوفير القسط الشهري في حسابه عند موعد السداد تجنبًا لدفع الغرامة، وهو من جهةٍ، يرتاح لفكرة التقسيط المريح، وأن البطاقة تتيح له -رغم تكاليف الفائدة- سحب قيمة القسط بعد سداده في موعده الشهري. لكنه -من جهة أخرى- يعتبر أن نسبة الفائدة كبيرة، خصوصًا أنه دفع خلال ثمانية أشهر ما مجموعه حوالي 60 دينارًا بدل الفائدة وحدها. ورغم تراكم الفوائد، يودّ أنس لو يرفع البنك له سقف البطاقة حتى يستفيد من الكاش.

حاليًا، لا يستطيع أنس تسديد كامل المبلغ المستحق عليه دفعة واحدة، فالأولويّة لالتزاماته الشهرية من مصروف العائلة التي تضم أربعة أبناء أحدهم في عامه الجامعي الأول، بالإضافة إلى إيجار المنزل والمحل ورواتب العمال، ولأن ظروف عمله متقلّبة فهو يضطر لإيجاد سبل متعددة لتسديد فواتيره والتزاماته، «الوضع صعب كثير هاي الفترة، ابن البلد صار يدوّر على أي طريقة ياخذ فيها كاش» يقول أنس، مضيفًا أنه يفكر في إلغاء البطاقة مستقبلًا في حال «تحرك الشغل وصار الوضع كويّس».

أما صهره محمد، الذي كان عاطلًا عن العمل يوم طلب البطاقة من بلينك، فقد احتفظ بها حتى بعد حصوله على عمل، بل واعتمد بلينك للحصول على بعض الخدمات المصرفية بعدما ألغى تعامله مع البنوك الأخرى وصار يودع راتبه فيه. وغالبًا ما يستخدم بطاقة الدفع المباشر في حال حاجته للسحب النقدي أو الشراء. أما البطاقة الائتمانية فيتعامل معها بحذر شديد، إذ يسحب منها مبالغ محدودة في الحالات الاضطرارية، ثم يسدد كامل المبلغ المسحوب عند استلام راتبه وقبل حلول موعد السداد، فلا يترتب عليه بذلك أية فوائد أو غرامات، معتبرًا أن هذه هي الطريقة الأنسب للتعامل مع البطاقة، ورغم استفادته من البطاقة وفق هذه الطريقة إلا أنه لا ينصح الجميع بالحصول عليها حذرًا من التورط بمشاكل مالية أكبر بعد تراكم الفوائد والغرامات، «إذا ما كنت بتعرف تسيطر على حالك، لأ»، يقول محمد.

القلق من التخلف عن السداد

في 2017 التحق فواز* (25 عامًا) بجامعة خاصة درس فيها نظم المعلومات الحاسوبية بتكلفة 70 دينارًا للساعة الواحدة، وكان يُفترض أن يتكفل والده بالنفقات الجامعية، وكان الأب حينها يعمل سائقًا للحافلات الكبيرة براتب شهري يتراوح بين 900 وألف دينار، فيما كان فوّاز يعمل أحيانًا في المصانع دون أن يكون مُلزمًا بالمساهمة في مصاريف المنزل أو الجامعة.

وبعد شهرين من التحاقه بالجامعة، تعرض والده لحادث سير صار بسببه مقعدًا، فصار فواز المعيل الوحيد لأسرة تضم أربع شقيقات صغيرات، ما اضطره إلى إلغاء دراسته في الجامعة الخاصة والعمل في مصانع تعبئة وتغليف، ثم في عدد من المطاعم. إلى جانب ذلك أعاد التقدم لامتحان التوجيهي لعلّه يلتحق بجامعة حكومية بعد انقطاعه عن الدراسة لما يزيد عن ثلاث سنوات، وهو ما كان، إذ رفع معدله بما يكفي ليؤهله إلى دراسة أحد تخصصات الهندسة في جامعة حكومية بتكلفة 30 دينارًا للساعة، وكان بالتوازي مع الدراسة يعمل بدوام كامل وبراتبٍ معدله 300 دينار شهريًا.

قبل حوالي عامٍ، وجد فوّاز أنه يمكن الحصول خصوماتٍ من تطبيق طلبات في حال الشراء عبر بطاقات بلينك، بحث عن بلينك وحمّل التطبيق ثم طلب بطاقة الدفع المباشر والبطاقة الائتمانية بسقف يبلغ مائتي دينار وبنسبة سداد شهري تبلغ 5% من المبلغ المسحوب، وكان ينوي استخدام الأولى للشراء من «طلبات»، والاحتفاظ بالثانية دون استخدامها «لإني ما بحب أي إشي بيجي عليه فوائد»، يقول فواز.

لكن، في أيلول من العام الماضي، ساءت الحالة الصحية لوالده، فأقام لأسبوعين في المستشفى حتى استقرّت حالته، وصار فواز مطالبا بتوفير 750 دينارًا للمستشفى، فاستخدم مبلغًا كان قد جمعه من أجل قسط الجامعة، وكان يأمل أن يؤمّن القسط الجامعي لو سجّل الحد الأدنى من الساعات (12 ساعة) بتكلفة 415 دينارًا، لكنه لم يستطع إلا استدانة نصف المبلغ من أصدقائه، فما كان منه إلا أن سحب مائتي دينارٍ من خلال بلينك آملًا أن يتمكن من تسديد كامل المبلغ قبل موعد استحقاق الدفعة الأولى.

لكن موعد الدفعة حلّ دون أن يتمكن من جمع المبلغ المسحوب، فدفع 18 دينارًا دفعة أولى تشمل الدفعة الشهرية بقيمة 10 دنانير، أضيف إليها ثمانية دنانير تُدفع لمرة واحد بدل عمولة السحب النقدي (4% من المبلغ المسحوب).

هو الآن ملتزم بتسديد الدفعة الشهرية، لكنها تزعجه رغم قيمتها المنخفضة لأنها أدخلته في دوامة القروض كما يقول، وجاءت على غير ما كان يتوقع؛ «توقعت أقدر أدفع [الـ200 كاملة]، وهو بالآخر إشي حرام»، كما أنها تشكل ضغطًا إضافيًا عليه إلى جانب الالتزامات الشهرية الأخرى كإيجار المنزل ومصاريف العائلة، خصوصًا أن سداد كامل القرض بهذه الدفعة سيستغرق ما يقرب من عامين، ويقلقه أن يتأخر في سداد أحد الأقساط فتترتب عليه الغرامات ويزيد إجمالي المبلغ المستحق. وهو ما زال غير قادرٍ اليوم على توفير كامل المبلغ وتسديده دفعة واحدة، لكنه يحاول -كلما أتيحت له الفرصة- إضافة مبلغ إضافي بسيط للدفعة الشهرية حتى يسرّع السداد.

ختامًا، توقف بلينك قبل أشهر عن إصدار بطاقات ائتمانية جديدة، وقد عزا البنك ذلك -بحسب الموقع الإلكتروني– إلى «عدة أسباب» لم يذكرها، مع التأكيد على أنهم سيستأنفون إصدارها قريبًا بإجراءات جديدة يتأكدون من خلالها بمعرفة العملاء بتفاصيل البطاقات الائتمانية وكيفية تسديدها والالتزامات المترتبة عليها للحد من أي استغلال أو سوء استخدام، مضيفين إن «أهم هدف بالنسبة إلنا تمكينكم وتسهيل حياتكم بس بطريقة مسؤولة وبتحمي العملاء وبتمنع تورطهم بأي مشاكل».

Leave a Reply

Your email address will not be published.