نشر هذا المقال للمرة الأولى بالإنجليزية في مجلة ذا كونفرزيشين، بتاريخ 10 آذار 2021.
إن الأطفال الذين ولدوا بعد 11 آذار 2020، لا يعرفون العالم إلا وهو تحت تأثير الجائحة. ربما لم يتعرّفوا إلا على أمهم وأبيهم، وربما لم يروا أجدادهم إلا عن بعد. ومن المؤكد أنهم لن يحظوا بفرصة التعرّف على أطفال آخرين كتلك التي حظي بها غيرهم ممن ولدوا في السنوات السابقة. فما الآثار المترتبة على هؤلاء الأطفال؟
رغم إيماننا كباحثين بأن معظم الأطفال سيحظون بفرصة للنمو، إلا أن هناك الكثير من الأمور التي لا تزال مجهولة، الأمر الواضح لدينا هو مدى أهمية الأشهر والسنوات الأولى في صحة ونمو ورفاهية الطفل على المدى البعيد.
إن نمو الطفل يكون في أوج معدلاته خلال سنته الأولى، التي يتضاعف خلالها حجم الدماغ. هذا النمو المبكر يعتمد بشكل أساسي على التجارب، وخاصة التجارب الاجتماعية، التي تحفز وتصقل بنية الدماغ. فتدعم البيئة المتنوعة والمحفزة والمتجاوبة تطور الكفاءة اللغوية والإدراكية والعاطفية والاجتماعية عند الطفل. وهذا الكم من الاعتماد على المدخلات البيئية يجعل دماغ الطفل مرنًا وقابلًا للتكيّف، لكنه يجعله أيضًا أكثر عرضةً للتأثيرات السلبية في الأوقات الصعبة.
كما أننا متأكدون أن الضغط والمشاكل النفسية عند الأم قبل الولادة، تشكل خطرًا حقيقيًا على نمو الطفل لاحقًا، فتؤثّر على تطوره اللغوي والإدراكي، وعلى سلامته العاطفية، وتُعرّضه لخطر الإصابة بالاكتئاب والتوتر.
وللأسف الشديد، فإن الجائحة أعاقت عمل أنظمة دعم الأسرة والطفل. والمحزن في الأمر -كما هو الحال في أغلب الأوقات- أن الفئة الأكثر اعتمادًا على هذه الخدمات وهذا الدعم هم الأطفال الأكثر حاجةً والأقل حظًا. فعلى سبيل المثال، تم نقل العديد من الزوار الصحيين إلى خط الدفاع الأول في مجابهة كوفيد-19، مما قلل من عدد مقدمي المشورة والموارد للعائلات التي لديها أطفال، والذين في الكثير من الأحيان كانوا يعتبرون المصدر الرئيسي في تقديم الدعم والتواصل مع مقدمي الخدمات الصحية.
رغم كون الأطفال من بين أكثر الفئات ضعفًا في المجتمع، وأكثرهم اعتمادًا على الرعاية والتحفيز، فإن احتياجاتهم تكون دائمًا آخر ما يتم ملاحظته.
كما أشار الذين استمروا في عملهم مع العائلات عن تأثرهم بزيادة عبء الحالات من جهة، وتدابير التباعد الاجتماعي من جهة أخرى. وأعرب العديد منهم عن عدم ثقتهم بقدرتهم على متابعة نمو الأطفال وإحالة الأسر التي يعاني بها الوالدان من اضطرابات نفسية إلى مراكز الدعم المختصّة.
وإضافة إلى كل هذا، لقد تم تقييد قدرة الناس على زيارة أصدقائهم وأفراد عائلتهم مع أطفالهم. ففي الحالة الطبيعية، يكون الدعم الاجتماعي الذي يقدمه الأصدقاء والعائلة والمجتمع والخبراء في هذا المجال أمرًا في غاية الأهمية. ولا تقتصر أهميته على تقديم التنوع والتحفيز وفرص التعلم للأطفال، بل تمتد إلى سلامة الوالدين، الذين يعتمد عليهم أبناؤهم بشكل كبير.
إذًا، ما الذي يمكن أن يفعله الآباء والأمهات في هذه الظروف لمساعدة أطفالهم؟ تقول الأدلة إن الأساس في النمو الأمثل هو اللعب والتحفيز والتفاعلات المتبادلة بين الأطفال والقائمين على رعايتهم، مثل أن تتبع خطى طفلك عندما يبدي اهتمامه بشيء، وأن تعلمه أسماء الجمادات، وأن تتحدث وتضحك وتغني وتقرأ معه؛ كلها أمور بسيطة وغير مكلفة، لكنها تساعد الطفل على التعلم والنمو رغم سوء الأوضاع في الخارج.
الأطفال في خطر
هناك العديد من الأسباب المنطقية التي تجعلنا نشعر بالقلق على نمو الرضع والأطفال في ظل الظروف الراهنة، وكالعديد من الأمور الأخرى فإن الخطر لن يكون متساويًا على الجميع.
من شبه المؤكد أن الضغوط الاقتصادية وقلة هياكل الدعم، بالإضافة إلى الانخفاض الحاد في التواصل المهني مع الزوار الصحيين والأخصائيين الاجتماعيين أثناء الوباء، يعرّض أعدادًا كبيرة من الأطفال للأذى بشكل متزايد، بما في ذلك تعريضهم لسوء المعاملة التي قد تصل أحيانًا إلى الموت.
تقول الأدلة إن الأساس في النمو الأمثل هو اللعب والتحفيز والتفاعلات المتبادلة بين الأطفال والقائمين على رعايتهم.
يتجذّر أثر الاعتداء على الطفل في نموه وسيبقى معه، وقد يؤدي إلى حدوث إعاقة جسدية طويلة الأمد، واضطرابات نفسية ومشاكل ذهنية. ولنعطي مثالًا واضحًا على ذلك؛ فإن نصف الأمراض النفسية لدى البالغين تقريبًا، يعود تاريخها إلى التعرض لسوء المعاملة أثناء الطفولة.
في الأوقات الطبيعية، يتعرّض حوالي 12% إلى 23% من الأطفال للاعتداء، ويكون الأطفال الذين يعيشون في البيئات المتضررة اقتصاديًا أكثر عرضة من غيرهم بخمس مرات لهذه الاعتداءات. وعندما بدأت الجائحة في شهر آذار من عام 2020، قامت المملكة المتحدة بوضع 51,510 طفل ضمن خطة حماية الطفل.
وخلال فترة الوباء بين شهري نيسان وتشرين الأول، من عام 2020، أبلغت السلطات المحلية عن أكثر من 300 حادثة أُصيب فيها طفل أو قُتِل، بزيادة بلغت الخُمس عن نفس الفترة من العام الفائت. وهناك نسبة متزايدة (تصل قرابة 40%) تشمل أطفال لم يكملوا حتى عامهم الأول.
وإننا على دراية بالزيادة الكبيرة في معدلات العنف المنزلي خلال الجائحة، وبتأثيره الضخم على الأطفال، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.
إن العنف المنزلي هو بالفعل العامل الأكثر شيوعًا لإحالة الأطفال لمركز حماية الطفل. للأسف، فإننا نسيء الاستثمار في الأطفال الأكثر ضعفًا في أفضل أوقاتهم. بينما علينا أن نخاف عليهم كثيرًا في مثل هذه الأوقات.
ما لا نعرفه عن الأطفال
يحتاج الأطفال إلى من يستجيب لهم ويقدم لهم التحفيز والرعاية، ويحتاجون كذلك إلى التواصل الاجتماعي، وقد أثرت الجائحة على هذه المتطلبات بطرق معقدة، ولكن ينقصنا الأدلة على كيفية تأثيرها.
أجرت جامعة أكسفورد بروكس دراسة ركزت على كيفية تأثير الوباء على الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، وستزودنا هذه الدراسة بالإيضاحات التي نحتاجها حالما تجهز. ولكن من دواعي القلق أنه حتى الآن، وبعد مرور عام على الجائحة، ليس لدينا إلا القليل من المعلومات حول كيفية تأثّر الرضع والأطفال الذين لم يدخلوا المدرسة بعد بالأحداث الجسيمة التي وقعت.
هذا يسلّط الضوء على نقطة رئيسية، وهي رغم كون الأطفال من بين أكثر الفئات ضعفًا في المجتمع، وأكثرهم اعتمادًا على الرعاية والتحفيز، فإن احتياجاتهم تكون دائمًا آخر ما يتم ملاحظته. ولهذا أطلُق عليها في تقرير العمل من أجل الأطفال «النقطة العمياء».
في هذه المرحلة من الجائحة، نحن في أمس الحاجة إلى معلومات تساعدنا على فهم كيف تأثّر الأطفال فيها. من الواضح أن الوقت قد حان لنتحمل المسؤولية تجاه جميع الأطفال الذين ولدوا في هذه الأوقات الغريبة.