تضحك عليا* (39 عامًا) وهي تتذكر الدوافع التي جعلتها تقوم بعملية تجميد البويضات قبل حوالي عامين، وتقول إنها لم تفكر يومًا في الأمر حتى أخبرتها والدتها عنه. لم يسبق لعليا أن تزوجت، ولم يكن الإنجاب من أولوياتها، لكن أمها تعتقد أن تجميد البويضات سيُبقي خيار الإنجاب متاحًا لابنتها في حال توقف جسمها عن إنتاج البويضات قبل أن تتزوج.
تعيش عليا حاليًا خارج الأردن، وتعتقد أن قصتها مع تجميد البويضات لن تكون الأكثر إلهامًا، لأنها ليست شغوفة بفكرة الإنجاب حتى الآن، هي التي كان عمرها 36 عامًا عندما حاولت والدتها أول مرة إقناعها، ولكنها رفضت الفكرة آنذاك لأنها غير معنية بالأمر، كما أن العملية تحتاج إلى مجهود ووقت. وبعد عام واحد تقريبًا وقعت جائحة كورونا، وكانت عليا تقضي تلك الفترة في منزل أهلها في عمّان، ورأت أن لديها الوقت الكافي لخوض التجربة، وبدأت حينها تفكر أنه يمكن اعتبار تجميد البويضات كتأمينٍ لها على الخصوبة.
ليست عليا الأردنية الوحيدة التي أجرت عملية تجميد البويضات، ويقول أطباء إن الأردنيات بدأن يلجأن إلى هذه العملية منذ حوالي 15 عامًا، لأسباب طبية في الأساس، كما التفتن إليها مؤخرًا لأسباب تتعلق بعدم الرغبة بالزواج في سن مبكرة أو بتأجيل الإنجاب.
يقول سليمان غنيم، طبيب الجراحة النسائية والتوليد، إن تجميد البويضات هو طريقة للحفاظ على احتمالية إنجاب النساء في المستقبل، من خلال الحفاظ على الخصوبة. مشيرًا إلى أن هذا الإجراء انطلق بدايةً من دوافع طبية بسبب معاناة بعض النساء من أمراض جينية تؤثر على الخصوبة، أو من أمراض تستدعي علاجًا كيماويًا أو إشعاعيًا أو جراحيًا قد يؤثر على الخصوبة لاحقًا.
وبحسب غنيم، فإن كثيرًا من الأردنيات اللواتي أُصبن بمرض السرطان وخضعن لعلاجات كيماوية أو إشعاعية فقدن القدرة على الإنجاب بسبب عدم اتخاذ إجراء سابق يمكنه الحفاظ على فرصهن إلى حدّ ما، حيث إن هذه العلاجات تؤثر على وظائف المبيض وتؤدي أحيانًا إلى توقفه عن إنتاج البويضات، أو تؤثر على كفاءة البويضات المُنتجة.
لكن بعض النساء صرن يجرين العملية لدوافع متعلقة بأسباب اجتماعية، «ممكن السيدة مش ملاقية شريك مناسب، أو بدها تركز على وظيفتها أو مو مستعدة إنها تكون أم»، يقول غنيم، مضيفًا أن النساء في مثل هذه الحالات يلجأن للتجميد لأن الزمن يلعب دورًا حاسمًا في الخصوبة لديهن، مشيرًا إلى أن كفاءة إنتاج البويضات تقل -عمومًا- بعد منتصف الثلاثينيات من العمر، ما يقلل احتمالية الحمل.
تشبه عملية تجميد البويضات إلى حد كبير تجميد الأجنّة، لكن في الأولى تكون البويضة غير مخصّبة، أي غير محقونة بحيوان منوي، حيث تُسحب البويضات من المبيض بعد تحفيزه لمدة معينة من أجل إخراج أكبر عدد ممكن من البويضات الصالحة للاستخدام، وقد تُعاد الجلسة للحصول على العدد المناسب. بعد ذلك تُجمّد البويضات إلى حين تكون الأم جاهزة للحمل، حيث يتم تخصيب البويضة بالسائل المنوي من الأب، ثم تجري زراعتها في الرحم. وبحسب غنيم فإنه يمكن حفظ البويضات في حالة سليمة لمدة قد تصل إلى 25 عامًا.
ماديًا، تبلغ تكلفة العملية حوالي ألفي دينار، تزيد أو تنقص حسب الحالة وحاجتها لتكرار الإجراء. تعتقد عليا أن التكلفة مقبولة، «صح غالي بس محرز، خاصة للأشخاص اللي عندهم رغبة جدية بالإنجاب». لكن هذه التكاليف قد تكون عائقًا أمام كثير من الأردنيات لإجراء مثل هذه العملية، خصوصًا أن الأسعار تتزايد مع الوقت بسبب تزايد أسعار الأدوية اللازمة للإجراء، بحسب غنيم.
قبل أن تُجرِي عليا العملية طلبت من صديقة لها كانت قد أجرت العملية وتعاملت مع عدة أطباء أن تنصحها بطبيب جيد، فقد كانت عليا حريصة على التعامل مع طبيب متفهّم لدوافعها لإجراء العملية باعتبار أنها عزباء لم يسبق لها الزواج، «ما كان بدي الدكتور يسألني أسئلة شخصية كتير، وما كان بدي أضطر أتعامل مع شخص ينكد علي عشان وضعي».
يقول غنيم إن أحد أكثر التساؤلات التي توجه إليه من النساء العزباوات تتعلق بـ«العذريّة»، موضحًا أنه توجد طريقتان فعالتان لإجراء العملية؛ تُسحب البويضات في الأولى عن طريق البطن لغير المتزوجات، والثانية عن طريق المهبل. وفي حال لم تنجح العملية عبر البطن لغير المتزوجات، فقد يضطر الأطباء إلى السحب عن طريق المهبل، لذا تتخوف بعضهن من العملية ويتراجعن عن إجرائها.
كانت عملية سحب البويضات سهلةً على عليا، وحصلت منها على عشر بويضات، «أعطوني بنج والموضوع أخد معي ربع ساعة». إلّا أنها شعرت لأسبوعين بعد العملية بتدنٍّ في مستوى نشاطها، وعادت بعدهما لنشاطها المعتاد.
يسبق إجراء السحب فترة تحفيزية للمبيض، تُستخدم فيها إبرٌ هرمونية بشكل كثيف لمدة تصل أسبوعين أو أكثر بحسب الحالة، وعادة ما تتعلم النساء كيفية استخدام هذه الإبر في المنزل. وقد استخدمت عليا الإبر الهرمونية لعشرة أيام قبل أن تُسحب البويضات، «بصراحة كان كتير أصعب مما تخيلت، مع إنه الدكتور اللي رحت عنده فسرلي إيش الموضوع وتأثيراته»، تقول عليا. ورغم سهولة سحب البويضات إلا أن الهرمونات سببت لها بعض الأعراض، «الواحد بس ياخد الهرمونات بتصير طاقته كتير قليلة، آخر يومين ثلاثة بالإبر حتى مش مفروض تعملي رياضة، حتى إنه الدكتور حذرني لما أطلع وأنزل من الدرج».
أمّا أكثر ما ضايق عليا فهو «إنه بسبب خربطة الهرمونات صار عندي دوالي بإجري»، لكنها تقبّلت ذلك لأن الدوالي أمر وراثي في عائلتها، وكان يمكن أن يصيبها أثناء الحمل، وإن كان الحمل يستحق عناء الإصابة بالدوالي كما تقول. «لما رحت على دكتور الأوعية خبرني إنه هاد هو السبب».
أوصى الطبيب عليا بتكرار سحب البويضات من أجل فعالية أكبر، لكنها لم تشعر برغبة بالاستمرار بعد التجربة الأولى، «بعد العملية اكتشفت إنه الموضوع ما بيعنيلي وما عندي حافز، يمكن لو ما صار معي دوالي كان رجعت».
تجنب تأثيرات علاج السرطان
حظيت عليا بعامٍ تقريبًا من أجل اتخاذ قرارها بتجميد البويضات، وهذه مدة لم تكن متاحة لرؤى* (17 عامًا) المصابة بسرطان المبيض.
أواخر العام الماضي كانت رؤى تستعد لدراسة التوجيهي، وهي متأخرة عن زميلاتها في الدراسة لأنها كانت تخضع للعلاج الكيماوي منذ منتصف 2020. تقول والدتها إنها قرأت عن تجميد البويضات سابقًا، لكنها لم تعلم أنه متاحٌ في الأردن.
عندما تقرر لرؤى العلاج الكيماوي، أشار طبيب أورام اعتادت على مراجعته إلى احتمال أن يؤثر العلاج على عمل المبيض على المدى القريب، وأخبرهم عن إمكانية تجميد البويضات داخل الأردن. تشجعت والدة رؤى لهذا الإجراء خصوصًا أنها قرأت عنه مسبقًا، وأنها لم تكن تعلم أن العلاج الكيماوي سيؤثر على وظائف المبيض. وهو إجراء تحمست له رؤى نفسها لأنها تثق بطبيبها وتود أن تكون أمًّا يومًا ما.
لم تطل مدة تفكير رؤى ووالدتها بالتجميد، «بالكثير 20 يوم وبلشنا، لأنه كنا مستعجلين على الكيماوي، ما كان معنا وقت كتير» تقول والدة رؤى، حيث سبق وأخبرتهم طبيبة الأورام بانتقال الورم السرطاني من المبيض الأيمن إلى الأيسر ما يعني أنهم لا يملكون الكثير من الوقت لبدء العلاج الكيماوي. «قالتلنا الدكتورة إنه إذا كان بدنا نختار بين الشغلتين، رح نختار الكيماوي، لأنه حياتها أولى من الإنجاب». لكن الطبيب المسؤول عن سحب البويضات اعتذر من مراجعين آخرين لتحصل رؤى على أقرب موعد للتجميد. وبعد ثلاثين يومًا، تخللها أخذ الإبر ومراجعات للطبيب، أجريت العملية وسحبت من رؤى 15 بويضة، كانت 11 منها جيدة للتجميد.
أسطوانات تخزين البويضات.
قبل الإقدام على العملية استشارت والدة رؤى أقارب لها وأطباء من خارج الأردن، فقد ترافق حماسها للعملية مع تخوفاتٍ من جدوى التجميد: «هي بنت صغيرة، ما كان بدي إنه نفوت معها بتفاصيل الإنجاب، وهي مش ببالها الموضوع، ويكون عالفاضي. بس بنفس الوقت بدنا نحافظ على فرصة الإنجاب عندها».
وكان الطبيب قد أخبر والدة رؤى أن البويضات عندما يحين وقت استخدامها مستقبلًا فإنها قد تنجح أو تفشل في التخصيب، أما هي فتقول إن رؤى «عملت اللي عليها بالنهاية، وإذا ما نجحت البويضات بكون نصيبها بالآخر».
هل تجميد البويضات ناجح دائمًا؟
ينتشر تجميد البويضات حول العالم حاليًا أكثر من أي وقت مضى، خصوصًا للأسباب الاجتماعية السالف ذكرها. وقد بدأ التوسع به بعد العام 2012، عندما أعلنت الجمعية الأمريكية للطب التناسلي أن إجراء العملية لم يَعُد يصنف على أنه «تجريبي». لكن مارسي دارنوفسكي، الناشطة الأمريكية في قضايا التكنولوجيا الحيوية، نظرت إلى تجميد البويضات الاجتماعي من وجهة مغايرة، إذ اعتبرت أن الوقت كان لا يزال مبكرًا لهذا الإعلان، لأننا لا نملك المعلومات الكافية فيما يتعلق بالنتائج الصحية للأم ولأطفال التجميد، على المدى القريب أو البعيد.
إضافة إلى ذلك، تعتبر دارنوفسكي أن تجميد البويضات لا يمكن أن يعدّ سياسة تأمين على الخصوبة، حيث إن احتمالية الاستفادة من التجميد ضئيلة، قائلة إنه «في الغالب ستتعرّضين لكثير من المشقّة، وتنفقين الكثير من الأموال، ثم تصابين بالأسى لعدم حصولك على طفل من البويضات المجمدة». ما يبدو دعوة منها لعدم رفع سقف التوقعات بنتائج التجميد القائمة على الاحتمالات.
في أوائل كانون الأول الماضي، كانت هالة* (40 عامًا) متحمّسة للحديث عن تجربتها في تجميد البويضات. هي متزوجة منذ 2007، ولم تحظَ إلا بابنةٍ واحدة عمرها الآن تسع سنوات، فكلٌّ من هالة وزوجها -الذي تربطه بها صلة قرابة- يحملان مرضًا جينيًا قد يتسبب بأضرار في الجهاز العصبي للأبناء في حال انتقاله إليهم، وهو ما لم يحدث مع ابنتها الأولى، لكنه أدى إلى وفاة ثلاثة آخرين من أطفالها بعد ساعاتٍ من ولادتهم.
في البداية لم يعرف الأطباء الكثير عن هذا المرض، فطلبوا منها الاستمرار في تجريب الحمل لعلّ أحد الأطفال ينجو منه. وفي كل محاولة كان تُجرى لها عملية قيصرية، حتى أخبرها طبيبها عام 2020 أن هذه المحاولات مضرة بجسدها مقترحًا عليها تحليل مرضها خارج الأردن. وهو ما حدث، وحدّدت التحاليل الجينَ المصاب، وبحسب النتائج فقد كانت هناك إمكانية لنجاح الحمل عن طريق الإخصاب في المختبر (أطفال أنابيب). ولمّا كان زوجها مسافرًا، وهي آنذاك تقترب من الأربعين من العمر، قررت في نيسان 2021 تجميد البويضات لتكسب الوقت حتى عودة زوجها.
بعد أشهر، قررت استخراج البويضات المجمدة ليتم تلقيحها ثم إرسالها إلى تركيا لدراسة العينات وتحديد ما إذا كان المرض الجيني سينتقل للأبناء. لكنها في منتصف كانون الأول الماضي تلقّت مكالمة من طبيبها يخبرها فيها أن البويضات لم تعد صالحة للاستخدام بعد إذابتها من التجميد، أي أن العملية فشلت.
لا تعرف هالة أسباب فشل التجميد، إلا أن النتيجة كانت صادمة لها وأصابتها بالإحباط: «ما حاولت أعرف السبب بصراحة وما رجعتلهم. انسمّ بدني وزعلت كتير. يعني كل شي سويته والمبلغ اللي دفعته راحوا عالفاضي»، مضيفة أن العملية كلفتها حوالي 1600 دينار، عدا عن الإبر الهرمونية، والتي تكلف عادة ما بين 500 إلى 900 دينار بحسب الحالة، مع تكلفة سنوية قدرها 100 إلى 150 دينار لمختبر التجميد.
صورة تظهر بويضة تالفة.
كان الأطباء قد أخبروا هالة باحتمالية فشل البويضات المجمدة، إلا أنها أصرّت على المضي فيها كما تقول، لكنها تشعر الآن بالندم لأنها لم تتجه إلى تجميد الأجنة بدلًا من تجميد البويضات. خلال هذه التجربة، كانت ابنة هالة أكثر وعيًا على محاولات والدتها من أجل الحمل والإنجاب، «هالمرة بنتي كانت واعية وترقبت وتفاءلت ونقّت اسم. كانت بتتمنى يصير عندها أخ أو أخت»، وهو ما جعل الابنة حزينة لأيام بعدما عرفت عن فشل هذه المحاولة.
يقول طبيب النسائية غنيم إن احتمالية نجاح تجميد الأجنة أعلى منه في تجميد البويضات، مفسرًا ذلك بأن البويضة هي أكبر خلايا جسم الإنسان، وتحتوي أكبر كمية من المياه مقارنة مع الخلايا الأخرى، لذا فإن حفظ البويضة عبر التجميد أمر صعب، إذ إن الخلية قد تكسر من الداخل عند إذابتها، ورغم استخدام تقنيات حديثة تعمل على تجميد البويضات وإذابتها دون تضررها من الداخل، إلا أن التجميد ما يزال يحمل خطورةً على البويضة. أمّا في حالة تجميد الأجنة، فإن الجنين يتكون من عدة خلايا أصغر حجمًا، فتكون نسبة ضرر التجميد عليه أقل.
ويعتمد نجاح استخدام البويضات، بحسب غنيم، على عدة عوامل، منها كفاءة المختبر والحيوانات المنوية التي تلقح البويضات بها، إضافة إلى السنّ، حيث تكون فرص تشكيل الجنين من بويضات لنساء تقل أعمارهن عن منتصف الثلاثينيات أعلى منها مقارنة بمن تجاوزن الأربعين.
يرى غنيم أنه من الجيد أن تعرف النساء خياراتهن من أجل زيادة فرصهن في الإنجاب، سواء عبر تجميد البويضات أو غيرها من الطرق، خصوصًا عند الحالات التي تستدعي علاجات كيماوية وإشعاعية، مشيرًا إلى ضرورة استشارة أطباء الخصوبة لمعرفة الإجراء الأنسب للمريضة، وحتى يتسنى لها معرفة التأثيرات المحتملة لمثل هذه الإجراءات على حياتها الصحية والاجتماعية.
* جميع الأسماء الواردة في هذا التقرير هي أسماء مستعارة.
تم إنتاج هذا التقرير ضمن مشروع «عيون» للصحافة المحلية.