«شفت النار بعيوني»: كيف وقع حريق دار المسنين في الجويدة؟

الأحد 15 كانون الأول 2024
آثار الحريق على مدخل دار المسنين في الجويدة.

«قمت صليت قيام الليل وحمدت ربنا وغفيت. شوي وصحيت مش قادرة أخذ نفسي ومش شايفة من عتمة الدخان اللي في الغرفة»، هكذا تشرح المسنّة مريم ما عاشته برفقة زميلتها في الغرفة، صباح الجمعة، داخل غرفتهن في الطابق الثاني لدار الضيافة التابعة لجمعية الأسرة البيضاء، وهي جمعية مخصصة للمسنّين شهدت فجر الجمعة حريقًا نتج عنه وفاة سبع مسنّات، تتراوح أعمارهنّ بين 57 و85 عامًا، توفين جميعًا اختناقًا، فيما سجلت أكثر من 60 إصابة.

في إحدى غرف قسم الحروق في مستشفى الزرقاء الحكومي، تشعر مريم بالاختناق وتطلب فتح نوافذ الغرفة، لكن النوافذ لا يمكن فتحها، ولذا تضع قناع الأكسجين على وجهها، لتتمكن من مواصلة الشرح. تتنفس بصعوبة، وتسعل حتى يظهر أثر السعال على عينيها. تقول مريم إنها عند شعورها بالحريق حملت هاتفها لتطلب المساعدة من أي أحد، لكن كثافة الدخان المتصاعد لغرفتها حجبت عنها الرؤية. «بلّشت أصرّخ بصوت عالي على الناس اللي برة المركز، ساعدونا، بعدين صوتي راح، وبطّلت قادرة أتنفس». سمع أهالي المنطقة صرخات مريم وغيرها من المقيمين في الدار التي تقع في منطقة الجويدة جنوبيّ عمّان.

يقول أشرف القيسي، أحد أبناء المنطقة، إنه عند الساعة الثالثة فجرًا تقريبًا، «سمعنا أصوات بتنادي. حجة بتصرخ الحقونا يمة الحقونا، تفاجأنا إنه في دخنة كبيرة طالعة من جهة الدار، ركضنا ودخلنا بس الباب الرئيسي للمركز كان مسكر من دخنة الحريق وما قدرنا ندخل منه».

عند ملاحظة الموظف المراقب للكاميرات في الدار إشعال أحد المسنّين للنار سارع لإبلاغ الدفاع المدني، بحسب مساعد الأمين العام للحماية والرعاية في الوزارة، ناصر الشريدة، وحاول إخماد الحريق، غير أنه لم يتمكن من ذلك. 

يشير إبراهيم الخليلي، أحد الشبان الذين دخلوا للمساعدة، إلى أنهم لم يستطيعوا برفقة حارس المركز فتح الباب الرئيسي. وبحسب شهادات من قابلناهم من أبناء المنطقة، فقد استطاعوا كسر الباب الخلفي للمطبخ ودخلوا لإسعاف المسنّين. آنذاك كان المسنّ هاني عاقلة يقف وسط الممر، بعد استيقاظه من نومه على النار المشتعلة. «معي ربو ما قدرت أستحمل، غطيت وجهي بإيدي بس شفت النار بعيوني، وطلعوني الشباب على ظهورهم».

يقول أحمد الخطيمي والذي أصيبت قدمه خلال محاولة كسر أحد الأبواب: «دخلنا وبلشنا نطلع بالكبار، حتى وصل الدفاع المدني». 

تسجيل الوفيات والإصابات كانت أكبر بين المسنّين الذين يعانون من أمراض مزمنة، يقول الشريدة. 

تقع دار الضيافة التابعة لجمعية الأسرّة البيضاء التي تضم 109 مسنّين، على شارع رئيسي وسط مجمعات تجارية وصناعية، وتوجد بالقرب منها عدة مراكز للدفاع المدني، أقربها مركز دفاع مدني الجويدة ويبعد 2 كيلومتر، وقد جاء الحريق على حوالي ثمانين مترًا مربعًا من الدار. 

وصلت تعزيزات الدفاع المدني أثناء مساعدة أبناء الحي للمسنين، إلا أن وجود باب واحد للدار ودخول عدد كبير من المركبات أعاقت إخراج المصابين وفق حديث شهود عيان.

تشير مريم لسقوطها عن كرسيّها المتحرك أثناء عملية نقلها جراء التدافع بين الناس، كما يؤكد الخطيمي حصول ما وصفه بـ«العجقة» أثناء إخلاء المسنّين من المركز، غير أنه يرى أن تلك كانت الطريقة الوحيدة التي سرعت عملية إنقاذهم.

عند الساعة الرابعة والنصف فجرًا، وصلت مستشفى التوتنجي 23 حالة من بينها 5 وفيات جراء الاختناق، وحالتان أدخلتا قسم العناية الحثيثة، و10 حالات أدخلت أقسام الباطنية وحالتهم ما بين حسنة ومتوسطة، بحسب مدير المستشفى الطبيب أسامة القطارنة.

أما مستشفى الزرقاء الحكومي، والذي يبعد حوالي 40 كيلومترًا فتستقر فيه 6 إصابات لسيدات بما فيهن مريم. كما نقلت عشرات الحالات لمستشفى البشير.

بعد الحادثة صرّحت وزيرة التنمية الاجتماعية وفاء بني مصطفى أن التحقيقات الأولية تشير إلى أن الحريق شبّ «بفعل فاعل»، وأن التحقيقات جارية لمعرفة الأسباب وراءه. وقد وجه رئيس النيابات العامة بتشكيل لجنة تحقيق في ملابسات الواقعة. وقد أُوقف المسنّ المتهم بإشعال الحريق 15 يومًا على ذمة التحقيق، وأسندت إليه تهمة جناية الحريق الناتج عنه وفاة إنسان وجنحة التسبب في الإيذاء، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الأردنية.

خلال اليومين الفائتين غادر العديد من المصابين المستشفيات، وأُمِّنوا في دور رعاية بديلة، وبقي في المستشفيات سبعة مصابين فقط. كما فتحت الوزارة تحقيقًا إداريًا لتحديد المقصّرين في الحادث.

أعاد حريق الأمس للذاكرة حادثة أخرى وقعت في المركز نفسه العام الفائت، وإن كانت مختلفة من حيث الحجم بشكل كبير، إذ أصيبت مسنّة بحروق في وجهها بعد إلقاء شاي ساخن عليها، ولكن لم تنقل للمستشفى ولم يتم إعلام السلطات ولا إخطار ذويها. وقتها صرحت مديرة الجمعية التي تتبع لها الدار، أن مرتكبة الاعتداء مسنّة أخرى مقيمة في الدار، وأن هذه المسنّة تعاني من سيرة مرضية، مشيرة لطلبها من وزارة التنمية الاجتماعية نقلها من الدار لظروفها الصحيّة قبل الحادث إلا أن ذلك لم يحصل. وقد حاولنا الحصول على توضيح من مديرة الجمعية حول هذه الحادثة، غير أننا لم نتمكّن من الحصول عليه حتى لحظة نشر هذا التقرير.

فتحت الوزارة تحقيقًا في الحادثة عام 2023 لكنها لم تعلن نتائجه. وبحسب مصدر في الوزارة، كان من المفترض توجيه إشعار بإنذار لها. 

يقول الشريّدة إن من المتوقع توجيه إنذارات لدور المسنين على مخالفات مختلفة الأشكال، «المخالفة ممكن تكون ليش أظافر المسنّين طويلة أو أنه لبس مسنّة مش نظيف أو مش حالقين لمسنّ، وممكن نوجه إشعار بالإنذار بعد تعرض مسنّ لحادث»

ويضيف الشريدة أن فرق الرقابة زارت دار الضيافة مرّتين خلال الشهر الحالي، كما مراكز الإيواء عمومًا، ويتم توجيه لهم إشعار بالإنذار في حال وجود مخالفات، وهو إجراء يحدث. وبحسب بيان للدفاع المدني، فإن نظام إطفاء الحريق في المركز قد تم الكشف عنه مؤخرًا وهو فاعل. 

يتبع مركز دار الضيافة للمسنّين لجمعية الأسرّة البيضاء، التي تأسست عام 1971، بترخيص من قبل وزارة التنمية الاجتماعية، وكانت قبل الحادثة تضمّ 109 نزلاء، تتكفل الوزارة بالدفع عن 100 منهم ضمن تعليمات نظام رعاية المسنّين، ويتكفل ذوو 9 مسنّين بنفقة إقامتهم بالدار، ويعمل بالمركز 67 موظفًا مقسمين على نظام الثلاث ورديات، حسب الشريدة.

يقول الشريدة إن المسنّ يدفع بدل خدمة وبدل إقامة مبلغ 280 دينار شهريًا، إلا أن المبلغ يختلف من دار لأخرى حسب طبيعة الخدمة المقدمة، من حيث المبيت بغرفة منفصلة أو جماعية، إضافة لخدمات الإعاشة، والتكفل برعايته.

وتوجد في الأردن تسع دور لرعاية كبار السن، خمسٌ منها تتبع للقطاع التطوعي، وأربعٌ للقطاع الخاص، فيها 397 منتفعًا، منهم 204 مسنات، و193 مسنا، وفقًا للأرقام الرسمية لعام 2022. وفيما يتعلق بمصير دار الضيافة التابعة لجمعية الأسرّة البيضاء، فقد أعلن رئيس الديوان الملكي، يوسف العيسوي، أنه سيتم البدء بإجراء صيانة شاملة وإعادة تأهيل الدار.

Comments are closed.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية