مستشفى البشير

مستشفى البشير في ظل الجائحة: ضغط إضافي «يفوق القدرات»

طبيب يتابع مريضة في قسم الطوارئ في مستشفى البشير. تصوير محمد مغايضة، لصالح الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

مستشفى البشير في ظل الجائحة: ضغط إضافي «يفوق القدرات»

الثلاثاء 22 أيلول 2020

قبل نحو شهرين، شعرت تمارا (18 عامًا) بألم متزايد في الجهة اليمنى من البطن، الأمر الذي دفع عائلتها للذهاب بها إلى مستشفى البشير في العاصمة عمّان ذلك اليوم، بحكم أن الأسرة منتفعة بالعلاج من بطاقات التأمين الصحي التي منحها صندوق المعونة الوطنية لهم.

«ما حدا استقبل الحالة والوقت ما كان بصالحنا»، تقول سهير، والدة تمارا، إذ لم تتمكن ابنتها من دخول البشير لعدم توفر سرير، في الوقت الذي كانت فيه المؤشرات ترجّح أن تمارا تعاني من التهاب في الزائدة الدودية. «ما بدي أخسر البنت عشان ما في مكان بالمستشفى. الناس بتتقاتل على سرير بالبشير والضغط كبير»، تقول الأم.

وجدت العائلة نفسها مجبرة على التوجه إلى مستشفى خاص، حيث أجريت تحاليل وفحوصات لتمارا، تأكد الأطباء على إثرها من حاجتها لعملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية، ليتم إدخالها لإجراء العملية.

دفعت الأسرة جزءًا من المبلغ المترتب على العملية «رغم أنه دخلنا يا دوب على قدنا ويكفينا لنعيش»، بحسب سهير، فيما ساعد الأطباء في المستشفى الخاص بدفع ما تبقى أو المسامحة بأتعابهم. «ما كان عنا حل ثاني، هاي زايدة وما بنسكت عنها. الوقت ما كان بصالحنا أبدًا وإلا بصير فيها مثل الطفلة سيرين الله يرحمها».*

ليس الضغط الكبير على أسرّة مستشفى البشير أمرًا جديدًا، لكن قرار وزارة الصحة في آذار الماضي، بتحويل مستشفى الأمير حمزة في العاصمة عمّان بالكامل لغايات عزل مصابي فيروس كورونا، كجزء من خطة الوزارة لمنع نقل العدوى لباقي المستشفيات، فرض واقعًا جديدًا على القطاع الصحي، زاد الضغط على مستشفى البشير، ما انعكس بدوره على مراجعي المستشفى وكوادره.

خيارات محدودة 

يقدر مدير المستشفى الدكتور محمود زريقات لـ«حبر» الزيادة في الضغط على مستشفى البشير منذ تخصيص مستشفى حمزة لاستقبال حالات كورونا بنحو 35%، مؤكدًا أن العمل زاد في تلك الفترة دون زيادة في الكوادر والإمكانيات. 

دفع ذلك زريقات إلى تقديم استقالته لوزير الصحة سعد جابر في الخامس من أيلول الحالي، احتجاجًا على عدم رفد المستشفى بالكوادر الطبية نظرًا لوجود نقص حاد فيها. كان ذلك بعد حوالي أسبوع على وفاة الطفلة سيرين عناية (سبع سنوات) بانفجار في الزائدة الدودية بعد أن أخّر نقص الأسرّة عمليتها الجراحية.

لكن زريقات عاد وسحب استقالته بعد زيارة وزير الصحة له والاستجابة لطلبه في تعيين أطباء وممرضين، حيث سيباشر 300 ممرض و100 طبيب عملهم في المستشفى الأسبوع المقبل، بحسبه. «عندي أقسام جديدة وجاهزة للافتتاح بس ما كان عندي الكوادر اللازمة لتشغيلها وبدء استقبال المرضى فيها. وسيباشرون عملهم الأسبوع القادم بعد الموافقة على تعيينهم وإتمام إجراء فحص اللجان الطبية»، يقول زريقات.

ويضم البشير، الذي يعد أكبر مستشفى حكومي في الأردن، نحو 1080 سريرًا، فيما يحوي مستشفى الأمير حمزة 443 سريرًا، ومستشفى د. جميل التوتنجي 143 سريرًا، وهي المستشفيات الحكومية الثلاث التي تقع في العاصمة عمان، بحسب التقرير الإحصائي السنوي لوزارة الصحة لعام 2019.

وبشأن البدائل التي يتم اتخاذها في حال عدم وجود أسرّة للمرضى ولتخفيف ضغط دخول الحالات الطارئة، يقول زريقات لـ«حبر» إن المناوب الإداري في المستشفى يتواصل مع المستشفيات الحكومية القريبة، وفي حال عدم توفر أسرّة يتم توفير بدائل من المستشفيات العسكرية أو الجامعية. لكنه يشير إلى أنه قد لا يتوفر البديل في المستشفيات الأخرى، وخاصة للحالات الطارئة التي يحددها طبيب الاختصاص. وآخر خيار يتم اللجوء له هو تحويل المرضى الذين يملكون بطاقة تأمين صحي للعلاج في المستشفيات الخاصة على حساب التأمين الصحي ودون مقابل.

يرى زريقات أن قرار الوزارة بشأن مستشفى حمزة انعكس سلبًا على أداء وجودة الخدمات المقدمة في البشير، مؤكدًا ازدياد نقص الأسرّة وأسرّة العناية الحثيثة (ICU) وأعداد الكوادر الطبية.

ويرى زريقات أن قرار الوزارة بشأن مستشفى حمزة انعكس سلبًا على أداء وجودة الخدمات المقدمة في البشير، مؤكدًا ازدياد نقص الأسرّة وأسرّة العناية الحثيثة (ICU) وأعداد الكوادر الطبية. ويضيف أن الحل قد يمكن في افتتاح المستشفيات الجديدة ورفدها بالكوادر اللازمة، وكذلك العمل على إنشاء مستشفيات ميدانية لحالات كورونا.

يرد مدير مستشفى الأمير حمزة، المعفى من مهامه مؤخرًا، الدكتور عبدالرزاق الخشمان، بالقول إن العمل في حمزة لم يتوقف خلال الجائحة، وأن المستشفى يستقبل المراجعين بنسبة 100% منذ شهر ونصف، ويجري يوميًا العمليات الجراحية الصغرى والتي لا تحتاج إلى دخول، مثل عمليات القسطرة وكهرباء القلب وزراعات الكلى والقواقع، مع صرف الأدوية واستقبال المراجعين، ولكن دون إدخال.

رد الخشمان لـ«حبر» جاء قبل ساعات قليلة من قرار إنهاء تكليفه بإدارة مستشفى حمزة، 19 أيلول الجاري.

مثل تمارا، اضطرت عائلة محمود أبو عمارة (ثمانية أعوام) أيضًا لإجراء عملية جراحية له في مستشفى خاص، بعد عدم النظر في ملفه إثر تحويله من مستشفى الزرقاء الحكومي إلى البشير بعد مراجعات استمرت لنحو عام، إذ تبين لاحقًا عدم إمكانية إجراء الجراحة في مستشفى الزرقاء، بحسب والدته. «قبل موعد العملية بيوم واحد، 12 تموز الماضي، تفاجأت بعدم وجود طبيب لإجرائها. هما هيك حكولي وحوّلوني على البشير».

كان محمود يعاني من ارتداد في الحالب الأيمن وتضيّق في الحالب الأيسر ما أدى إلى تدهور حالته وضرورة خضوعه لتدخل جراحي، بعد فقدان وظائف الكلى وعملها بنسبة 19% فقط، وفق والدته. «طبعًا رحت على البشير وما قدرت أشوف الدكتور، بس أعطوني موعد لمقابلته بعد شهر من موعد العملية، وهي كانت اليوم أصلًا. ما قدرت أستنى». 

نظرًا لاستعجال الحالة، تقول والدة محمود إنها حظيت بمساعدة بعض الأشخاص الذين جمعوا التبرعات عبر الفيسبوك ليتمكن محمود من إجراء العملية في مستشفى خاص. «لو تأخرنا عليه كان الله أعلم بحاله»، تقول والدته.

مراجعون للمستشفى اشتكوا تأجيل مواعيدهم إلى إشعار آخر بشكل مفاجئ، مشيرين إلى أن هذه المواعيد بالأصل حُددت منذ وقت طويل يصل أحيانًا إلى أكثر من عام. كما اشتكوا من تأجيل إجراء صور الأشعة وغيرها أو الفحوصات اللازمة ومقابلة الطبيب للكشف على حالاتهم.

وبحسب هؤلاء، فقد يؤدي تأجيل هذه المواعيد إلى التسبب في مضاعفات كبيرة، عدا عن العامل النفسي الذي يؤثر في الكثير منهم، فيما تم رفض دخول بعضهم في موعد إجراء العمليات الخاصة بهم، مما قد يضطرهم إلى اللجوء للمستشفيات الخاصة والعلاج على نفقتهم الخاصة.

ويرى مساعد الأمين العام للشؤون الفنية والصحية في وزارة الصحة، الدكتور طه التميمي، أن كل البدائل والخيارات موجودة لتخفيف الضغط على البشير، منها التحويل إلى المستشفيات العسكرية والجامعية كخيار أول في الحالات الطارئة التي بحاجة إلى دخول فقط، لمن لديه رقم وطني وتأمين صحي. وفي حال عدم توفر الاسرّة يتم التحويل إلى مستشفيات القطاع الخاص، أما في حال عدم وجود التأمين يتم تقديم طلب للديوان الملكي للحصول على إعفاء استنادًا إلى تقرير طبي عن الحالة المرضية والجهة المعالجة.

ويتم التنسيق بين الطبيب المعالج والطبيب المستقبل للحالة المرضية قبل أن تنقل بسيارة إسعاف من المستشفى مع وجود طبيب وممرض للإشراف على الحالة الصحية للمريض، وفقًا للتميمي.

ولا يتفق التميمي مع ما ذهب إليه زريقات من إمكانية إنشاء مستشفيات ميدانية، لافتًا إلى أن ذلك الخيار صعب ويحتاج وقتًا كبيرًا وبنية تحتية وإمكانيات وكوادر بشرية إضافية، فيما يبقى التحويل للمستشفيات الأخرى أفضل خيار في هذه المرحلة، كونها موجودة وتقدم الخدمات على حساب النفقات العامة.

كوادر البشير في ظل الضغط وانتشار العدوى

الساعة العاشرة و45 دقيقة ليلًا، كان الطبيب عمر صلاح ما يزال يقضي مناوبته التي تستمر لنحو 36 ساعة في أحد أقسام الجراحة داخل مستشفى البشير. يقول صلاح إن العمل ارتفع في قسمه إلى قرابة الضعف عما كان عليه قبل الجائحة، ويروي حجم الضغوطات والإجهاد الكبير الذي يمر به وزملاؤه قائلًا: «قبل كورونا كنا نعمل بالمناوبة عمليتين ثلاث جراحة للدماغ والأعصاب، واليوم أكثر من خمس عمليات». ويعزو ذلك إلى قلة الكوادر الطبية والتمريضية وتحويل حالات مستشفى حمزة إلى البشير، عدا عن كون هذه الجراحات تأخذ وقتًا طويلًا.

يوضح صلاح أن مستشفى حمزة كان رديفًا لمستشفى البشير في إجراء العمليات المعقدة من هذا النوع، «المستشفى اضطرت تأجل العمليات المبرمجة غير الخطرة بس عملياتنا صعب تتأجل وتكلفتها بالقطاع الخاص كثير مرتفعة»، يقول صلاح.

ويقول زريقات إن 42 طبيبًا من مختلف الاختصاصات يتعاملون مع أكثر من 8500 مريض خلال المناوبة الواحدة في البشير، بحسب تقديره. 

وسط هذا الضغط، يتعامل كوادر مستشفى البشير ومراجعوه مع خطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد، إذ توجد 43 إصابة بين كوادر المستشفى، حتى يوم الأحد، حسبما أشار مدير المستشفى لـ«حبر». 

ويشرح زريقات البروتوكول الصحي الخاص بالكوادر الطبية في حال الإصابة بكورونا، حيث يتم نقل الطبيب المصاب إلى العزل الصحي بعد التثبت من إصابته، فيما يستمر الطبيب المخالط الذي ظهرت نتيجة فحصه سلبية في عمله وتجرى له فحوصات للتأكد من عدم إصابته، إلى جانب تعقيم كافة الأقسام التي سجلت فيها إصابات بالفيروس مع التعميم على جميع الكوادر بالالتزام بالإجراءات الوقائية وتوفير المعدات اللازمة لذلك.

«الوضع بخوّف كونه صرنا بمرحلة الانتشار المجتمعي للفيروس، وعنّا أهلنا بنخاف عليهم ننقل العدوى إلهم، كون المستشفى أكثر مكان فيه اكتظاظ»، يقول صلاح، مشيرًا إلى أن نسبة الالتزام من المواطنين بإجراءات الوقاية قليلة جدًا، بحسبه. يزيد كل هذا من صعوبة المهمة، إلى جانب ساعات العمل الطويلة والرواتب التي لا تكاد تكفي لعيش حياة كريمة، بحسبه.

«إحنا موجودين لخدمة المواطنين وعارفين أوضاعهم الصعبة، بس بالوضع هذا بالموت لتلاقي سرير أو مكان للمرضى بسبب الضغط الكبير على المستشفى من كل الأردن، وفعلًا ممكن تشوف مئات المرضى بالمناوبة»

«إحنا موجودين لخدمة المواطنين وعارفين أوضاعهم الصعبة، بس بالوضع هذا بالموت لتلاقي سرير أو مكان للمرضى بسبب الضغط الكبير على المستشفى من كل الأردن، وفعلًا ممكن تشوف مئات المرضى بالمناوبة»، يقول عباس** وهو طبيب في مستشفى البشير مصاب بفيروس كورونا، ومتواجد حاليًا في منطقة العزل بالبحر الميت. حيث يمكث حاليًا وخمسة من أفراد عائلته، بعد إصابته بالفيروس من مصدر غير معلوم، بحسبه.

يضيف عباس أن المشاكل زادت في مستشفى البشير بعد تخصيص مستشفى الأمير حمزة لحالات العزل وعدم استقبال الإدخالات للطوارئ، كون البشير يعاني أصلًا من نقص في الكوادر والأسرّة والغرف، التي لا تكفي لزيادة عدد العمليات الجراحية عن الوضع الطبيعي وفقًا له. «العمليات يلي تأجلت هي غير الطارئة وممكن تتأجل سنة أو سنتين، بعكس الحالات الطارئة يلي بنعملها كل يوم بالمستشفى وصعب تأجيلها».

ويقول عباس إن الضغط الكبير على المستشفى يستنزف طاقات الأطباء ويعرض سلامتهم للخطر بسبب العمل لأكثر من 30 ساعة متواصلة، مع وجود ضغط عصبي ونفسي عليهم وخاصة أن المستشفى يستقبل حالات طوارئ وحالات قضائية (حوادث سير، مشاجرات، محكومين في السجون، إلخ).

يدعو زريقات المراجعين في المستشفى إلى الالتزام بارتداء الكمامات، لتصل نسبة الالتزام إلى 100% بدلًا من 90% كما هي الآن بحسبه، موضحًا أن الالتزام سيساعد في منع انتشار الفيروس في المستشفى الذي يزوره أكثر من 120 ألف شخص شهريًا.

وأوصت اللجنة الوطنية للأوبئة، يوم الأحد، 20 أيلول الجاري، بتطبيق سياسة العزل المنزلي على فئات محددة للمصابين بفيروس كورونا المستجد، منهم الأطفال، والكوادر الصحية من أطباء وممرضين وصيادلة، الذين يتعاملوا مع المرضى ومراجعي المؤسسات الصحية.

أطباء في أقسام الجراحة العامة والأسرة والباطنية في البشير قالوا لـ«حبر» إن عملهم هو تقديم الخدمات للمراجعين والمرضى، إلا أن الإمكانيات المتاحة في المستشفى وحجم العمل ونقص الكوادر في العيادات والأقسام يفوق قدراتهم. 

وتحدثت «حبر» إلى العديد من المرضى الذين تساءلوا حول موعد استئناف العمليات الجراحية المبرمجة في البشير، فيما يرد زريقات لـ«حبر» تأجيلها إلى ارتفاع عدد العمليات الجراحية الطارئة والحالات المحولة من مستشفيات أخرى، ونقص عدد الكوادر الطبية والتمريضية العاملة في أقسام الجراحة العامة وجراحة العظام تحديدًا، نتيجة لإصابة عدد منهم بفيروس كورونا.

ويكشف مدير المستشفى أن استئناف العمل بالعمليات المبرمجة المؤجلة بالطاقة الاعتيادية سيكون مع بداية شهر تشرين الأول القادم، مؤكدًا أن المستشفى في تطور وتوسع مستمر وأن هناك مستشفيات جاهزة بانتظار الافتتاح قبل نهاية العام الحالي، منها مستشفى البشير الجراحي التخصصي الذي يضم وحدة جراحة الصدر والقلب والأوعية الدموية، إلى جانب مستشفى العناية الحثيثة بسعة 67 سريرًا، وكوادرها بانتظار التعيين.


تم إعداد هذا التقرير بالتعاون مع منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان (JHR).

* تنويه: ورد في نسخة سابقة من هذا التقرير أن العائلة اضطرت لتوقيع كمبيالات لإجراء العملية، إلا أنه تبين عدم صحة ذلك بعد التواصل مع الطبيب المشرف على الحالة. وعليه تم تصحيح هذا الخطأ.

**اسم مستعار بناء على طلب صاحبه.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية