عام 2000، كانت منار الشوابكة طالبة سنة أولى في كلية الطب في الجامعة الأردنية، تحاول التعامل مع «صدمة» الانتقال لمجتمع مختلف إلى حد كبير، وهي القادمة من قرية مؤتة جنوب الكرك. في العام ذاته، كانت فرح الشواورة، الطالبة في الصف السابع في مدرسة النموذجية في الكرك، تستعد للمشاركة في معسكرات وأنشطة لا منهجية لتعزيز قدراتها القيادية.
بعد 19 عامًا على ذلك، فازت الشوابكة والشواورة بعضوية مجلس نقابة الأطباء لدورته الثالثة والثلاثين، في الانتخابات التي جرت في 19 نيسان الماضي. كانت هذه ثاني مرة تدخل فيها النساء مجلس النقابة، بعد أن كانت مها الفاخوري أول طبيبة في المجلس في انتخابات عام 2013، بعد 59 عامًا على تشكيل النقابة عام 1954. وبعد أن عاد المجلس ليخلو من النساء لثلاث سنوات، فازت الطبيبتان لتشكلا 15% من أعضاء المجلس، لتمثيل هيئة عامة تشكل النساء فيها 18%.
خلو مجلس نقابة الأطباء لسنوات من النساء ليس استثناءً بين مجالس النقابات المهنية. إذ تظهر بيانات دائرة الإحصاءات العامة لعام 2015 فجوة بين نسب الانتساب والتمثيل في النقابات، حيث تشكّل النساء 34% من عضوية الهيئات العامة النقابية، دون أن تتعدى نسبة تمثيلهنّ في المجالس 8%. ومن بين 13 نقابة مهنية، هناك ست نقابات لا توجد نساء في مجالسها الحالية (هي نقابات المهندسين والمحامين والمقاولين والمعلمين والجيولوجيين والفنانين). ومن أصل 138 عضوًا في مجالس النقابات المهنية، هناك 13 امرأة فقط، بنسبة 9%.
في هذا السياق، يروي هذا التقرير قصة هؤلاء النساء الثلاث وطريقهن للوصول لمجلس نقابة الأطباء.
أول نقابية بعد ستين سنة
لم تكن طبيبة التخدير مها الفاخوري أول امرأة تترشح لمجلس نقابة الأطباء، إذ سبقتها لذلك طبيبات أخريات لم يتمكن من الفوز، بحسبها.
أنهت الفاخوري دراسة الطب العام عام 1986 من إحدى جامعات الاتحاد السوفيتي، وأصبحت عضوًا في نقابة الأطباء. بعدها بعشرة سنوات، أصبحت طبيبة مقيمة تسعى للاختصاص في التخدير والإنعاش، وتعمل منذ ذلك الوقت في مستشفى البشير.
تصف الفاخوري سنوات الثمانينيات بالصعبة سياسيًا، نظرًا للأحكام العرفية التي سرت بين الأعوام 1957 و1989، والتي ألغيت معها أنشطة الأحزاب والعديد من الجمعيات، وهو ما أثر بحسبها على وجود النساء في مجالس النقابات، نظرًا لغياب العمل السياسي المنظم، إضافة إلى عدم وجود عدد كبير من الطبيبات حينها.
في نيسان 2011، دعت نقابة الأطباء إلى إضراب مفتوح عن العمل، بعد تزايد الخلافات بين النقابة ووزارة الصحة حول إقرار نظام خاص للأطباء ينظم أمور العلاوات والحوافز والرواتب، واستمرّ الإضراب 62 يومًا.
تقول الفاخوري إنها كانت ضمن اللجنة القيادية للإضراب الذي هدف لتحسين أوضاع الأطباء. إلّا أن تأثيره امتد لخلق جو من التأييد للقائمة الخضراء كذلك؛ وهي القائمة الانتخابية النقابية التي تنتمي إليها الفاخوري. «صار في إلنا امتداد في الشارع، والأطباء عرفوني وعرفوا شغلي»، تقول الفاخوري. وعلى إثر ذلك، شاركت بعدها بعامين في انتخابات المجلس، لتكون المرشحة الوحيدة، وتفوز بالعضوية.
تقول الفاخوري إن الوصول للنقابة يشترط وجود عمل تراكمي سابق، تُعرف المرشحة من خلاله ويتم تقييمها على أساسه، إضافة إلى امتلاكها خبرة سياسية تمكنها من التعامل مع كونها شخصية عامة، إلى جانب دعم عائلي يسهّل عليها الانخراط في العمل العام.
لم يكن الالتزام باجتماعات الهيئة العامة أمرًا صعبًا بحسب الفاخوري، لكن «المزعج هي المشاكل اللي بتصير بالليل، لما يصحوكِ مرات وتضطري تروحي، لما يصير في اعتداء على أطباء وبتضلي على التلفون أو تروحي على محكمة». لكنها تقول إن هذا العمل لم يتعارض مع عائلتها، فالفاخوري متزوجة ولديها ابنة، وتقول إن وجود زوجها في الخليج وسكنها في العمارة التي تسكن بها عائلتها، أعطياها القدرة على العمل النقابي بشكل أوسع.
بعد انتهاء مدة المجلس الحادي والثلاثين، انتخب الأطباء مجلسهم جديدًا لم تكن فيه أي امرأة. إلا أن المجلس الحالي عاد ليضم الطبيبتين منار الشوابكة وفرح الشواورة للمرة الأولى، إضافة للفاخوري كاحتياط أول في حال غياب أي من أعضاء المجلس.
«مبادرات شخصية وصغيرة بس مؤثرة«
«بتروحي وبتيجي وعينك بالأرض، عيب ترفعي عينك»، هكذا تصف الشوابكة رحلتها اليومية لمدرستها في قرية مؤتة في جنوب الكرك، قبل 12 عامًا على فوزها في انتخابات مجلس النقابة.
أنهت الشوابكة دراستها الثانوية عام 2000 وقُبلت لدراسة الطب في الجامعة الأردنية، لتسكن في عمان خلال السنوات الستة اللاحقة.
في السنوات الثلاث الأولى من دراستها، كانت الشوابكة تعيش ما تصفته بالصدمة الثقافية، مع اختلاف عادات وسلوكيات الناس في العاصمة. فتدنت علاماتها آنذاك، قبل أن تبدأ بتدارك ذلك في السنوات الثلاث الأخرى، وأصبح كل وقتها يذهب لتحسين ورفع علاماتها، ما شغلها عن التفكير بأي شيء آخر.
تخرجت منار عام 2006، وتزوجت في العام التالي من طبيب يعمل في الخدمات الطبية الملكية، وأنجبت ابنها هاشم في السنة التي تليها. وبعدها بأربع سنوات، كانت قد أنهت فترة الإقامة وأصبحت طبيبة أطفال متخصصة، وتعمل في مستشفى الحسين للسرطان.
نصحتها إحدى زميلاتها بالانضمام للجنة الطبيبات في نقابة الأطباء عام 2012، وكان ذلك نشاطها الأول فيها. «قبلها ما كنت أعرف شو بصير في النقابة (..) كان الاتصال مع الهيئة العامة ضعيف، ما كان يحكوا تعالوا ساعدونا في صنع القرارات».
كانت الشوابكة تتوقع أن تناقش في لجنة الطبيبات قضايا تهم النساء في النقابة. «إحنا الطبيبات مهضوم حقنا من ناحية الحضانة، إجازة الأمومة. كانوا يوصّلوا رسائلنا لكنها كانت غير مؤثرة»، تقول، واصفة أنشطة اللجنة حينها، حيث كانت فاعلة أكثر في التشبيك الاجتماعي بين أعضائها. «كنا نجتمع مرتين بالشهر، وفي محاضرات علمية، وفي فحص دوري، ونطلع نتعشا ونتجمّع كعائلات. كانت إشي اجتماعي».
بعد عامين، انسحبت الشوابكة من اللجنة. وفي الأثناء، كانت تؤسس لعيادتها في مادبا، التي ساعدتها لاحقًا في التأسيس لتفاعل وتواصل أكبر مع عائلات المدينة. إذ اشتركت في تلك السنة في اللجنة العلمية في فرع النقابة في مادبا وأصبحت مسؤولة عن تلك اللجنة. «كان في أشياء حلوة ومفيدة نعلمها»، تقول. فمثلًا، اتفقت مع جهات داعمة على إعطاء دورة إسعافات أولية لمن يرغب من أهالي مادبا. ثم استمرت منار في تنسيق محاضرات علمية في فرع النقابة قبل أن تتوقف بعد فترة. «ما حسيت إنه [هذا الشكل من العمل] أقنعني. النقابة ما بدها بس محاضرات. في هدف أسمى»، تقول الشوابكة، لتتوقف عن العمل من خلال لجان النقابة عام 2016.
هذا الهدف الأسمى كان الدفاع عن منتسب النقابة بحسبها. «أي نعم النقابة إلها رأي سياسي ووطنيـ لكنها بالأساس وجدت لتأمين حياة كريمة لمنتسبيها»، تقول الشوابكة، مضيفة أنها لا ترى أن النقابات السابقة أحدثت فروقًا ملموسة نحو تحسين حياة الأطباء وأوضاعهم.
لذا، اتجهت منار للعمل العام لوحدها بمبادرات خاصة، مثل مبادرة «معول»، التي جمعت من خلالها تبرعات لمساعدة سيدات في المدينة لبدء مشاريع صغيرة، على أن تعيد المستفيدات المبلغ بعد مدة زمنية لسيدة أخرى. لكن المبادرة لم تستمر طويًلًا.
«العمل العام بده جهد كثير كبير، وبده تعاون وناس تثق فيكِ»، تقول الشوابكة، وهي ترى بأن العمل في عيادتها واستقبالها عددًا كبيرًا من الأهالي يوميًا مكنها من امتلاك نظرة أوسع عن معاناة الناس، والتعرف على مشاكل متنوعة تواجه هم، ونيل ثقتهم. مما دفعها للاستمرار بمبادرتها على نطاق عيادتها. إذ كانت وسيطًا بين المرضى الأطفال من العائلات محدودة الدخل، والمتبرعين بأدوية وأجهزة يحتاجونها. كما كانت على تواصل الأمهات في مجموعات على الواتس أب لتقديم نصائح ومعلومات طبية، تشاركها كذلك على صفحتها على الفيسبوك. «مبادرات شخصية وصغيرة، بس مؤثرة».
تقول الشوابكة إن وجود زوج داعم وعائلة تسكن قريبًا منها ساعدها في مواصلة نشاطاتها. إذ كانت وزوجها يتفقان على تبادل المناوبات في العمل والبقاء في المنزل مع الأطفال، مع مساعدة من عائلتها، لذا اعتادت على العمل لساعات طويلة.
شيئًا فشيئًا، ازداد عدد متابعي الشوابكة على صفحتها الفيسبوك، وأصبحت تُعرف أيضًا في مجتمع الأطباء، بحسب الرسائل والتعليقات التي كانت تصلها ردًا على منشوراتها. وفي 2018، اتصل الطبيب طارق التميمي، عضو مجلس نقابة الأطباء سابقًا وحاليًا، بالشوابكة وطلب منها أن تصبح أن تصبح عضوًا في مبادرة «حكيم»، وهو البرنامج الوطني لإرشاد الأطباء الجدد، ويشرف عليه مجلس نقابة الأطباء. طلب التميمي من الشوابكة أن تعطي محاضرة شهرية للأطباء حديثي التخرج عن بعض المواقف الحياتية التي قد تواجه الأطباء وآلية التعامل والتفاعل معها. كانت الشوابكة تلتقي 60 طبيبًا وطبيبة، لمدة ست ساعات، مرة كل شهر، لتقديم دورات تركّز على الجانب الإنساني من المهنة. كان هؤلاء هم الأطباء الذين وجدتهم يوم الانتخابات النقابية.
حصلت الشوابكة على 2010 أصوات في الانتخابات، وهو ثالث أعلى عدد أصوات. لكن إلى جانب الأطباء الذين تعرفت عليهم من المحاضرات التطوعية، تقول إن نشاطها على صفحتها على الفيسبوك وقائمة «طموح» التي ترشحت من خلالها ساعدتاها في الوصول. «أنا كنت متأكده إني ناجحة. كنت كثير مبسوطة إني ممكن أكون أثرت بحياة بني آدم».
انضمام الشوابكة لقائمة «طموح» المحسوبة على التيار الإسلامي في النقابة، جاء بعد أن عرض عليها التميمي المشاركة في الانتخابات ضمن قائمتهم. «لا أنتمي لأي حزب»، تقول الشوابكة. «لو طلبتني [القائمة] الخضرا كنت رح أروح، بس طموح اللي عرضوا علي، وسألت حالي إذا أنزل معهم ولا أنزل لحالي»، لكنها اتخذت القرار بألا تترشح كمستقلة نظرًا لحداثة تجربتها في العمل النقابي. «حتى أنزل مستقلة لازم يكونوا الناس شافوا إنجازاتي وبعرفوني، وساعتها أنا بكون حرة بحالي وبنزل لحالي، بس في هاي القوائم ما كان سهل أنزل لحالي». كما أنها كانت تعرف شخوصًا داخل «طموح» تثق بهم وبعملهم، ووجدت بعض التقارب معهم، وشاركت معهم في صياغة البرنامج الانتخابي.
فازت «طموح» بثمانية مقاعد، وحسم مقعد مكتب القدس بالتزكية، وفازت قائمة «نمو» الجديدة بثلاثة مقاعد، كان منها المقعد الذي حصلت عليه بـ1563 صوتًا فرح الشواورة، ابنة الـ31 عامًا، بما يجعلها الأصغر سنًا في تاريخ مجالس النقابات المهنية، بحسب نقابيين.
النقابية الأصغر سنًا
ولدت فرح الشواورة في مدينة الكرك، لأب انتسب لحزب البعث لسنوات قبل أن يتركه. وكان مديرًا للمؤسسة العامة للغذاء والدواء، ولمديرية صحة الكرك، ومستشارًا في وزارة الصحة، قبل أن يتوفى منذ خمس سنوات. أما والدتها فتنشط في مجالات العمل الانساني، إلى جانب خالات وأقارب يشاركون في أنشطة حزبية مختلفة، يساعدهم على ذلك وجود مساحة للعمل السياسي والحزبي في الكرك، بحسب الشواورة.
سافرت الشواورة إلى سوريا ضمن معسكر للطلاب وهي طالبة الصف السابع في المدرسة النموذجية في الكرك. وكان ذلك جزءًا من أنشطة لامنهجية متلاحقة، ساعدت ودعمت على قدرتها في الحوار والنقاش لاحقًا، كمشاركاتها في مسابقات الخطابة والشعر والمطالعة والرياضة، إضافة لدورها في الإذاعة المدرسية. بعد ذلك، أرسلها والداها لمدرسة اليوبيل في عمّان لتقضي سنة ونصف في سكن داخلي، ثم تعود لمدرسة اللاتين في الكرك، حيث تخرجت منها، لتبدأ دراسة الطب في جامعة مؤتة.
في الجامعة، دعت الشواورة لمبادرة «شباب من أجل الصومال» عام 2011، وهي السنة التي أعلنت فيها الأمم المتحدة عن إصابة مناطق في الصومال بمجاعات أودت لاحقًا بحياة عشرات الآلاف.
عام 2012، تخرجت الشواورة وانتسبت للنقابة وبدأت العمل في مركز صحي في منطقة رأس العين، حيث زارت العديد من المدارس ضمن جولات صحية والتقت بالعديد من الطلبة المحتاجين، فبدأت مبادرة «شنطة وجاكيت»، التي عملت على تمويل احتياجات مدرسية لطلاب محتاجين. وعلى مدار عامي 2014 و2015 تمكنت المبادرة من تغطية عدد كبير من المدارس الأقل حظًا في عمّان.
عملت الشواورة في وزارة الصحة وفي قسم التأمين الصحي في الديوان الملكي، قبل أن تبدأ برنامج الإقامة في طب الأسرة في مستشفى الأمير حمزة عام 2018.
خلال تلك التنقلات، واجهت الشواورة مشكلة في تعليمات وزارة الصحة الناظمة لقضايا الاستنكاف، حيث كانت تقضي بأن الطالب المستنكف عن التقدم لامتحان وزارة الصحة اللازم للبدء في برنامج الإقامة يحرم من فعل ذلك لمدة عامين. فسعت برفقة زملائها من الأطباء المتضررين لتغيير تلك التعليمات عبر حملات ونقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي، التقوا خلالها بوزير الصحة، وتمكنوا لاحقًا من تعديل هذا البند. لكن ذلك تحقق بعد أن كانت الشواورة نفسها قد حٌرمت لمدة عامين من التقدم للامتحان. «أنا انحرمت، بس المهم إنه عملنا إشي واللي بعدنا بطّل ينطبق عليهم».
في آب 2018، تقدمت الشواورة لامتحان الاقامة، قبل أن تتفاجأ بعقوبات أعلنتها وزارة الصحة لغير الملتزمين من أطباء الإقامة بالعقود الموقعة مع الوزارة، كانت تقضي بدفع مبالغ مالية كبيرة وحرمان الطبيب من مزاولته لحين انتهاء خدمته مع وزارة الصحة، وهي عقوبات «كانت صادمة ومجحفة» بحسب الشواورة. بعد ذلك الإعلان، نفذ الأطباء مسيرة في شباط 2019 وصلت للديوان الملكي، وضمت نحو ألف طبيب.
بعدها بيومين، استضافت فضائية المملكة الشواورة في حوار حول قضية العقود، مع رئيس قسم الاختصاص في وزارة الصحة عبد الهادي بريزات، وهي التي تعرفه أستاذًا لها في الجامعة، ولطالما وُصف في مجتمع الأطباء بالمحاور الذكي والمتمكن، وهو ما أشعرها بمسؤولية أكبر في تمثيل قضية العقود.
ترى الشواورة أن تلك المقابلة صنعت فرقًا في نظرة الأطباء لها، الذين صوت العديد منهم لاحقًا في الانتخابات وهمّ يقولون إنهم لم يكونوا على معرفة بها. «إحنا ولاد وبنات هذا المجتمع، حتى لو بدك تنتقد وبداخلك ثورة على كثير أشياء، بدك تكون أحيانًا معتدل وما تستثير رد فعل سلبي أو عنيف (..) لكن برضو بحكي وجهة نظري وبظهر خلافي»، تقول الشواورة.
بعد ذلك بشهرين، فازت الشواورة بمقعد في مجلس النقابة بعد ترشحها ضمن قائمة «نمو»، وحصدها أصوات كثيرين في التيار الجديد الناشئ في النقابة.
فكرة «نمو» بدأت بعد نجاح قائمة «نمو» في انتخابات نقابة المهندسين قبل عام، وهي القائمة التي قدمّت نفسها كتيار جديد يسعى للتعدد بحيث «يكون الجميع حاضرًا بشكل فردي وليس بمنطق حزبي أو تيار معين»، كما وصفه النائب خالد رمضان، المقرب من القائمة.
تقول الشواورة إن الحاجة تولدت لدى مجموعة من الأطباء لتيار مشابه. «إحنا مجموعة من الأطباء مش راضيين عن القطبين [الإسلامي وتحالف اليسار والقوميين] في النقابة، والوضع الصحي في البلد والأداء النقابي، وفي كثير أشياء إحنا شايفين إنه كان ممكن ينعمل فيها». وفي هذا السياق، تأسس تيار «نمو» في نقابة الأطباء، دون أن يكون هناك أكثر من اتصال معنوي وتقاطع في الرؤى مع «نمو» المهندسين، بحسبها.
صوت أعضاء التيار على المشاركة في الانتخابات، ثمّ صوتوا على أسماء المرشحين وكانت الشواورة من ضمنهم، وتشكلت القائمة من ثمانية مرشحين، رغم أن عدد مقاعد المجلس كان 12. «ما نزلنا قائمة كاملة لإنه (..) رفعنا شعار التشاركية»، تقول الشواورة. «مش إنه بس إحنا اللي عنا حلول وبنعرف نشتغل. إحنا بدنا نشتغل مع غيرنا». لتفوز القائمة بثلاث مقاعد، وهي نتيجة اعتبرتها «نتيجة كثير منيحة».
تشعر الشواورة بأن هناك عددًا كبيرًا من الأطباء الذين يثقون ويؤمنون بها بعد قضايا العقود والاستنكاف. «كان وارد إني أرسب وما كانت رح تكون نهاية الدنيا»، تقول وهي تترشح للانتخابات لأول مرة. «اتصل معي النقيب السابق أحمد العرموطي، قاللي ممتاز وأنا بشجعك ومن هالحكي بس فرح إذا ما زبطت، أنا اترشحت مرتين وما نجحت في أول مسيرتي». ولاحقًا، أصبح الطبيب العرموطي نقيبًا لدورتين، وهو ما شجعها لخوض الانتخابات.
لكن التحدي الآخر أمامها هو ضغط العمل والدراسة، إذ تعمل كطبيبة مقيمة في ثماني مناوبات شهرية، تصل كل مناوبة لـ36 ساعة، بالإضافة للدراسة والاستعداد للامتحانات السنوية. وهذه هي المرة الأولى التي يترشح فيها ثلاثة أطباء مقيمين للانتخابات.
ما بعد الفوز
عام 2013، بعد أن فازت مها الفاخوري بعضوية المجلس، تقول إن المجلس عرض عليها بداية لجنة الطبيبات. لكن ذلك استوقفها، وأزعجها ما اعتبرته صورة نمطية بأن تعمل النساء في قضايا النساء فحسب.
لكنها لاحقًا شعرت أن الطبيبات يشعرن بالراحة أكثر في الحديث والتعبير عن قضاياهن أمام نساء أخريات. «بالنسبة إلي مش صحي، بس لسه في حاجز». إلا أن العمل في لجنة الطبيبات صدّر وجوهًا جديدة من الراغبات بالترشح للمجلس والمشاركة بفعالية أكبر في الانتخابات، بحسبها.
تعبر الشواورة عن موقف شبيه كذلك. «صحيح [المرأة] عندها هموم خاصة، لكنها بتتشارك الهم العام». وتوضح أن وجود نساء في المجلس يساهم في التركيز على قضايا طبيبات لم تكن سابقًا تحظى بالاهتمام. وتتفق الشوابكة في ذلك لكنها لا تنفي أن وجود النساء سيساهم في تحسين مشاكل خاصة بهن. وتضرب مثالًا على ذلك في قضية إجازة الأمومة وحضانات الأطفال، وهي القضايا التي من الواجب أن يطرحها النقابيون رجالًا ونساءٍ، لكن وجود النقابيات يساهم في إثارة النقاش والدفع لتعديل تلك التشريعات، بحسبها.
وتقول الشوابكة إن العديد من الناس اعتبروا وجودها في قائمتها كان «حشوة»، كي تضمن القائمة وجود نساء بها. «أنا اختاروني لإني مستقلة ورح أساعدهم». لكنها في الوقت ذاته ترى أنه ليس من السلبي أن تفكر القوائم بالسعي لاختيار النساء من أجل التنوع، لأن ذلك سيخلق نقابيات قادرات على العمل العام شيئًا شيئًا، بحسبها.
بعد أن فازت في الانتخابات، تفاجأت الشوابكة من الدور الذي أصبح ملقىً على عاتقها. «بدك جهد كثير كبير، بستنوا مننا كثير الهيئة العامة»، لا سيما وأن النقابة دعت لاجتماع عاجل في الأسبوع التالي على تشكلها للتباحث في قضية توقيف طبيب متهم بخطأ طبي. وتقول إنها عادت بعد ذلك الاجتماع لعدد كبير من التشريعات والقوانين، لقراءتها وتحليلها، كما عادت لسوابق قضائية واجهت الأطباء، كي تتمكن من الجانب التشريعي، وهي التي لم تكن تملك الكثير من المعلومات والمعرفة حول القوانين الناظمة لعملها. «مش عيب إني أرجع أقرأ وأتعلم».
تقول الفاخوري إن خوض العمل العام يجعل النساء تخوض أعباءً مضاعفة، نظرًا لأن النقد الذي تواجهه كثيرًا ما يُعزى لكونها امرأة، أو يتناول جوانب شخصية لتجييرها ضدها. وهو ما يجعل العديد من النساء يتراجعن عن المشاركة في العمل العام، برأيها.
تقول الشواورة إنها قادرة على التعامل مع الاختلاف والنقد «طالما ما في إساءة، بس أكيد ما رح أكمل محادثة تبدأ بإساءة». أما الشوابكة، فتقول إنها تحاول تدريب نفسها على تقبل الانتقاد والهجوم من الآخرين. «أنا كنت أهاجم النقابة، وانا ما تعودت حد يهاجمني، فهاي كانت شوي صعبة إني أتقبل الهجوم بطريقة عقلانية». لذا، أصبحت الآن تحسب كل سلوكياتها، بعد أن كانت تعيش بعفوية. «زمان ما كان في حد مترصدلي بس هسا ترصد. هذا العمل العام».