«12 فيتامين، كالسيوم، زنك، حديد»، «الطبق الذي تثق به الأمهات»، «طعمٌ يعشقه الأطفال»، بمثل هذه العبارات تسوّق بعض شركات أغذية الأطفال منتجاتها باعتبارها مغذيةً وتساعد الأطفال في السنوات الأولى من حياتهم على النمو والتطور.
تذهب بعض الشركات أبعد من ذلك، فتقدّم نصائح غذائية أو صحية، إذ توصي نستله، الشركة متعددة الجنسيات والمسيطرة على ما يقرب من 20% من سوق أغذية الأطفال عالميًا،[1] بتجنّب الأغذية التي تحتوي على سكر مضاف. لكن تقريرًا صادرًا في نيسان الماضي عن منظمة سويسرية تُدعى «عين الجمهور» (Public Eye) كشف أن نستله تضيف السكريات إلى أغلب أغذية الأطفال الشهيرة، مثل حبوب السيريلاك وحليب نيدو، المباعة في أسواق آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، على عكس ما تفعله في أسواقها الرئيسية في أوروبا، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، حيث تكون جميع التركيبات الغذائية المخصصة للأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين عامٍ واحد إلى ثلاثة أعوام خالية من السكريات المضافة.
واستنادًا إلى تحاليل مخبرية متخصصة، خلص التقرير كذلك إلى أن منتج حبوب سيريلاك المصنوع من القمح المباع في بريطانيا وألمانيا يخلو من السكريات المضافة، فيما يزيد محتوى السكريات المضافة في المنتج نفسه عن خمسة غرامات لكل حصة غذائية في إثيوبيا وستة غرامات في تايلاند. علمًا بأن سيريلاك وحليب نيدو المجفف من العلامات التجارية الأكثر رواجًا ومبيعًا لنستله في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وقد بلغت مبيعات هذه المنتجات عالميًا عام 2022 أكثر من 2.5 مليار دولار.
ردًا على نتائج التقرير، صرّحت نستله بأنها خفّضت في السنوات الأخيرة إجمالي كمية السكريات المضافة إلى منتجات دقيق الحبوب المخصصة للأطفال في جميع أنحاء العالم، وأنها تزيل تدريجيًا السكريات المضافة (السكروز وشراب الجلوكوز) من منتجات الحليب للأطفال الصغار (12- 36 شهرًا)، مشيرة إلى أنها تطبق مبادئ التغذية والصحة نفسها في مختلف دول العالم، وبما يتماشى مع الأنظمة المحلية والمعايير الدولية.
الانتقال الغذائي وصحة الأطفال
تعتبر الطفولة المبكرة والتي تشمل فترة التغذية التكميلية (ستة شهور – 23 شهرًا) حيث يستكشف الأطفال الأطعمة الصلبة للمرة الأولى، مرحلة حاسمة في حياتهم وتلعب دورًا مهمًا في تفضيلاتهم من الطعام وتشكيل علاقتهم بالغذاء.[2] خلال العقود الماضية، كانت الرضاعة الطبيعية في الأشهر الستة الأولى -على الأقل- من حياة الطفل، وتجنب البدائل الصناعية لحليب الأم، محط اهتمام المعنيين بتغذية الأطفال وصحتهم،[3] وهو بالفعل موضوع يستحق الكثير من الاهتمام نظرًا لتاريخ شركات تصنيع حليب الأطفال متعددة الجنسيات في ترويج الحليب الصناعي بديلًا لحليب الأم في البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل، من خلال استراتيجيات تشمل ارتداء مندوبي المبيعات زي الممرضات وتوزيع عينات مجانية على نطاق واسع.[4]
ارتبطت هذه الممارسات التجارية بوفيات الأطفال وبعض الأمراض التي تصيبهم،[5] وذلك بالتزامن مع انخفاض حاد في الرضاعة الطبيعية، والتي وصلت إلى أدنى مستوياتها تاريخيًا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي،[6] ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى اعتماد المدونة الدولية لقواعد تسويق بدائل حليب الأم عام 1981 من أجل تقييد التسويق المكثف وغير المناسب لبدائل حليب الأم. لم تكن المدونة إلزامية، لكنها حفّزت إصدار قوانين جديدة في بعض البلدان للحدّ من تسويق بدائل حليب الأم للرضع تحت سن ستة أشهر. مع ذلك، وسعت بعض شركات الأغذية العالمية أسواقها، خصوصًا عبر التصدير إلى الخارج، حتى تضاعفت مبيعاتها عالميًا ثلاث مرات بين الأعوام 1978 و1983.[7]
وبعد انتشار القوانين الجديدة الخاصة بحليب الرضع، أخذت الشركات اتجاهًا آخر، فكثّفت عام 1984 تسويقها لمجموعة أوسع من منتجات أغذية الأطفال الصغار ممن تبلغ أعمارهم ستة شهور إلى 36 شهرًا، فتزايدت بشكل ملحوظ تركيبات الحليب الصناعي لمن تزيد أعمارهم عن ستة أشهر، وصار لمنتجات هذه الفئة العمرية في العديد من الأسواق حصة مساوية تقريبًا -أو أكبر أحيانًا- لحصة منتجات الحليب الصناعي للرضّع.[8] ثم شهد العالم تحولًا أوسع في استهلاك تركيبات الحليب الصناعي وأغذية الأطفال المصنعة، فتضاعف تقريبًا حجم السوق العالمي لأغذية الأطفال من 9.6 إلى 17.9 مليار دولار بين عامي 2010 و2022، ومن المتوقع أن يصل حجم السوق العالمي لأغذية الرضع والأطفال الصغار إلى 120 مليار دولار بحلول العام 2030.[9]
علاوة على ذلك، شهدت أغذية الأطفال المصنعة تغيراتٍ في المكونات والعناصر الغذائية المستخدمة فيها على المستوى العالمي، حيث تزايد استخدام مجموعة أوسع من المضافات الغذائية والسكريات المضافة. صحيح أن التغيّر في نمط الحياة وطبيعة عمل النساء وزيادة أعداد السكان كانت من بين العوامل الدافعة لزيادة المبيعات، لكن اللافت أن هذه الزيادات ترافقت مع زيادات في مبيعات السكر، حيث ارتفعت عبر قطاع أغذية الأطفال من 697 مليار غرام إلى 1009 مليار غرام خلال عقد واحد فقط من 2010 إلى 2021.
تاريخيًا، كانت الأطعمة الطبيعية أو المصنعة بشكل بسيط هي محور العادات الغذائية للرضع والأطفال الصغار. لكن الحال انقلب اليوم، إذ قد يتجاوز استهلاك أغذية الأطفال المعدّة تجاريًا في كثير من الأحيان استهلاك الأطعمة المعدة منزليًا. وتأتي هذه الزيادة في وقت صرنا نعرف فيه أن مخاطر صحية، مثل السمنة وبعض الأمراض المزمنة، ترتبط بما يسمى «الأطعمة فائقة المعالجة». فحتى وإن كانت معظم الأغذية قبل تناولها تعتبر «مصنّعة» إلى حد ما، إلا أن الأطعمة فائقة المعالجة ليست مجرد أطعمة معدلة، إنما هي تركيبات مصنّعة بدرجة عالية من مصادر صناعية للطاقة والعناصر والمضافات الغذائية، فيما تحتوي كميات قليلة من الأطعمة الكاملة أو لا تحتوي عليها إطلاقًا، وتشمل عادة السكر أو الدهون أو الملح، وتكون جاهزة للاستهلاك فورًا أو بعد تسخينها، والغرض من هذا التصنيع الفائق هو إنتاج أطعمة سهلة الاستعمال ذات طعم شهي ولها صلاحية استخدام طويلة، وتكون بالطبع مربحة للغاية.[10]
في تقرير «عين الجمهور» (Public Eye) يعتبر نايجل رولينز، وهو عالم في قسم صحة الأم والطفل والمراهقين في منظمة الصحة العالمية، أن ما تقوم به نستله هو اتباع معايير مزدوجة لا يمكن تبريرها، وأنها تخلق مشكلة على مستوى الصحة العامة وعلى الصعيد الأخلاقي. معتقدًا أن شركات الأغذية تحاول ربما تعويد ذوق الأطفال على مستوى معين من السكر في سن مبكر، ما يزيد إقبالهم على هذه المنتجات وقد يؤدي إلى الإدمان وبدء دورة سلبية تزيد في مراحل لاحقة من خطر الإصابة بأمراض مزمنة متعلقة بالتغذية مثل السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم. وقد أظهرت الدراسات وجود علاقة طردية واضحة بين استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة والسمنة لدى الأطفال.[11] كما تعكس معدلات زيادة الوزن والسمنة المتزايدة بين الأطفال والمراهقين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نمطًا مثيرًا للقلق،[12] حيث ارتفع عدد الأطفال الذين يعانون من الوزن الزائد من 3.4 مليونًا عام 2000 إلى 5.4 مليونًا عام 2019، ما جعل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحتل المرتبة الثانية في العالم من ناحية نسبة الأطفال ذوي الوزن الزائد.
السكريات في منتجات الحبوب بالشرق الأوسط
لم يتناول تقرير «عين الجمهور» (Public Eye) تفاصيل حول محتوى السكر في حبوب السيريلاك وحليب نيدو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما لم يشمل شركات أخرى لها سوق في المنطقة، لذا تفحّصنا المعلومات الغذائية المدرجة على بطاقة البيان (اللاصق) للمنتجات المصنعة أساسًا من الحبوب والأغذية التكميلية، وقد اختيرت العينة من منتجات تباع في صيدليات في عمّان، بالإضافة إلى منتجات تباع أو يروج لها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منشورةً على المواقع الإلكترونية للشركات المنتجة نفسها، حيث جرى النظر إلى وجود السكريات في المعلومات الغذائية الملصقة على 39 منتجًا تندرج تحت سبع علامات تجارية تنتجها خمس شركات.
تبيّن أن معظم المنتجات المتفحّصة من فئة الحبوب والسيريلاك من مختلف الشركات، وبواقع 37 من 39 منتجًا، تحتوي على مصدر واحد على الأقل من السكريات المضافة المحظورة من قبل منظمة الصحة العالمية في أوروبا للأطفال الذين تقل أعمارهم عن ثلاث سنوات، وأكثرها شيوعًا هو السكروز (الاسم العلمي للسكر الأبيض) الذي وُجد في 30 منتجًا من الـ37 التي تحتوي سكريات مضافة. علمًا بأن المقصود بالسكريات المضافة هي تلك السكريات الحرة والمُحليات التي يتم إضافتها إلى الأغذية أو المشروبات خلال التصنيع، ولا تشمل المكونات التي تحتوي على السكر بطبيعتها مثل التمر أو قطع الفواكه المجففة أو الحليب. وبالنظر إلى قوائم المكونات المكتوبة على بطاقة البيان يتضح أن أبرز مصادر السكريات المضافة، على اختلافها بين منتجٍ وآخر، هي السكروز والسكر والعسل وشراب السكر وشراب التمر والسكر المكرمل وعصائر الأناناس والفراولة والبرتقال المركزة.
أما المنتجان الوحيدان اللذان كانت المكونات على بطاقة المعلومات الغذائية فيهما تخلو من السكريات المضافة فهما: صحّة الأرز، وسيريلاك أرز وخضار (علبة 350 غم)، علمًا أن منتجًا آخر من نستله يحمل اسمًا شبيها هو «سيريلاك الأرز وخضروات» يحتوي على السكروز. في ردّها على «حبر» لم توضح نستله الفرق بين هذين المنتجين، وحول أسباب إضافة السكريات إلى منتجاتهم أحالت نستله إلى تصريحها تعقيبًا على تقرير «Public Eye»، موضحةً لحبر أن جميع منتجاتها مطابقة للمواصفات المحلية و/ أو الدولية. أما شركة مختبرات فارماليس فقالت إن جميع منتجاتها من الحبوب تتطابق مع التشريعات الأوروبية والمحلية وأن منتج بريماشور مكمل غذائي يستخدم تحت إشراف طبي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحتاجون كمية عالية من السعرات الحرارية، وأن السكروز أحد أكثر الكربوهيدرات استخدامًا في مثل هذه المكملات الغذائية. أما شركة مختبرات أبوت فردّت بالقول إن منتجات بدياشور مصممة خصيصًا لدعم الأطفال المعرضين لخطر سوء التغذية، أو المتأخرين في النمو، وأن السكروز يعتبر مصدرًا جيد التحمل للكربوهيدرات، كما يلعب دورًا في نكهة المنتج، والذي يشكل بحسب ردّهم أمرًا مهمًا من أجل الالتزام بتناوله. في حين لم تتلقّ حبر ردًا من كل من شركة دار الغذاء، وشركة (B.S.P.A) المصنّعة لمنتجات كيديلاك،[13] تعليقًا على إضافة السكريات إلى منتجاتهم.
يصعب تحديد كمية السكريات المضافة إلى هذه المنتجات، حيث إن جدول القيمة الغذائية على بطاقة البيان (الملصق) لا توضح غالبًا كمية السكريات المضافة، وأحيانًا لا تبيّن حتى الكمية الإجمالية للسكريات؛ أي تلك التي تشمل السكريات الطبيعية أيضًا. والشركات عمومًا غير مضطرة للإعلان عن هذه المعلومات في جدول القيمة الغذائية حيث لا تلزمها بذلك كثير من تشريعات دول المنطقة. علمًا بأن المخاوف الصحية لا تقتصر على السكريات المضافة فقط، إنما تشمل كذلك النسب المرتفعة لإجمالي السكريات، بما فيها الطبيعية، في مثل هذه المنتجات.
الحليب الصناعي: سكريات ودهون مضافة
بعيدًا عن أغذية الأطفال من منتجات الحبوب، ثمة فئة من حليب الأطفال تثير القلق حول الصحة العامة، وهي الحليب الصناعي للأطفال ممن تجاوزت أعمارهم السنة الواحدة، والذي يسمى أحيانًا بـ«حليب النمو» أو ما شابه. إن التركيبات التجارية لحليب الأطفال هي أطعمة فائقة المعالجة، وعادةً ما تتكون من بروتينات الحليب المجفف وزيوت نباتية ولاكتوز -أو سكريات أخرى- وعناصر ومضافات غذائية،[14] حيث يحاول المصنعون باستمرار تقليد تركيبة حليب الأم وتلبية الاحتياجات الغذائية لفئات معينة من الأطفال،[15] كما يعملون على تطوير التركيبات لجعلها أكثر راحة لمعدة الطفل، أو تحسين صفاتها عبر تغيير نسب المكونات أو استخدام مكونات جديدة.[16]
قد تكون هذه التركيبات مفيدة جدًا في حالات طبية أو اجتماعية خاصة لا تسمح بالرضاعة الطبيعية، فهي مغذية أكثر من الحليب البقري للرضع تحت سن السنة، إلا أنها لا تزال أقل جودة من حليب الأم، وأحيانًا لا يتوفر الكثير من المعلومات حول العواقب طويلة المدى على الصحة بسبب استبدال بعض المكونات بمكونات أخرى.[17]
قد تكون الأغذية التجارية للأطفال مناسبة لبعضهم نتيجة ظروف معينة، إلا أن بعض المنتجات تثير القلق لاحتوائها السكريات المضافة ومستويات مرتفعة من المضافات الغذائية أو الدهون المضافة غير الضرورية
أما بخصوص الأطفال ممن تجاوزت أعمارهم السنة الواحدة، ورغم أن هذه الفئة من الحليب الصناعي مسموحة وفق المعايير الدولية والتشريعات الوطنية، إلا أن الحليب الصناعي في الواقع قد يكون غير ضروري، ومضرًا أحيانًا، للطفل فوق السنة ما لم يكن لديه مشاكل صحية تتطلب عناية خاصة. وقد يظن بعض الأهالي أو المربّين أن تركيبات الحليب الصناعي مغذية أكثر من أطعمة البيت، وبالأخص الحليب البقري، خصوصًا مع تعداد العناصر الغذائية التي تحتويها هذه المنتجات أو تسميتها بـ«حليب النمو» أو الادعاء بأنها «تدعم الجهاز المناعي» مثلًا، لكن لا يوجد دليل يشير إلى أن هذه المنتجات توفر فوائد غذائية إضافية للأطفال، فيما يحتوي أغلبها على سكريات مضافة.
عمومًا، لا يزعم أي من المنتجات خلوّه من السكر المضاف، لكن قد يلفت الانتباه بشكل خاص القول في أحد المنشورات إن نيدو واحد بلس «بدون سكروز مضاف»، إذ قد يوحي هذا الكلام للبعض أن المنتج خال من السكريات المضافة، خاصة مع قراءة التوصية التالية للإعلان على موقع نيدو: «يؤدي الاستهلاك المفرط للسكروز أو السكّر لزيادة الوزن غير الصحية وتسوّس الأسنان. نيدو واحد بلس بالتركيبة الجديدة خال من السكروز المضاف للمساعدة على دعم النمو الصحّي لطفلك». لكن، بالنظر إلى مكونات نيدو واحد بلس في السوق الأردني، وإن كان يخلو من السكروز، إلا أنه يحتوي على العسل الذي يشكل بطبيعة الحال مصدرًا للسكريّات المضافة. علمًا بأن شركة نستله نفسها تقول على موقع نيدو في جنوب إفريقيا إن استبدال السكروز بالعسل ليس له علميًا أي فائدة.
قد تكون الأغذية التجارية للأطفال، بما يشمل الحبوب والحليب الصناعي، مناسبة لبعض الأطفال ومربّيهم نتيجة ظروف معينة، إلا أن بعض المنتجات تثير القلق لاحتوائها، بالإضافة إلى السكريات المضافة، على مستويات مرتفعة من المضافات الغذائية أو الدهون المضافة غير الضرورية. وهذا يضاف للقلق من أن تحل الأغذية التجارية محل الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية والمحضرة منزليًا والمتوفرة محليًا والمتلائمة مع الممارسات الغذائية المحلية، حيث يوصي المختصون بتقديم الأطعمة المحضرة منزليًا للأطفال لتعريفهم بقوامات ونكهات مختلفة من الأطعمة ما يسمح لهم بتقبل أطعمة متنوعة،[18] مع توصية إضافية بالحد من الملح والسكريات المضافة.
التوصيات الصحية والمعايير الدولية
تستند كثير من الدول -من بينها الأردن- في تشريعاتها الوطنية إلى معايير الدستور الغذائي الدولي (Codex Alimentarius)، لكن هذا الدستور يتعارض في بعض جوانبه مع إرشادات منظمة الصحة العالمية لإنهاء الترويج غير المناسب لأغذية الرضع والأطفال الصغار، بل إن إرشادات المنظمة تشير إلى أن معايير الدستور الغذائي بشأن القيم الغذائية لغذاء الأطفال، خصوصًا ما يتعلق بالسكريات المضافة والملح غير كافية، نظرًا لأن الأطفال يشكلون تفضيلاتهم الغذائية في وقت مبكر من حياتهم. ورغم أن معايير الدستور قد روجعت أواخر العام 2023، ووضعت بعض القيود على السكريات المضافة وادعاءات الشركات أو المنتجات حول التغذية والصحة، إلا أنها لا زالت تسمح بفئة كاملة من الأطعمة غير الضرورية للأطفال فوق عمر السنة، كما لا تلزم الشركات بالإعلان عن كمية السكريات المضافة في جداول القيمة الغذائية الملصقة على المنتجات.
أغلب الأطفال لا يحتاجون إلى المنتجات الغذائية المدعّمة، ويمكن تلبية احتياجاتهم الغذائية من خلال تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة لدعم النمو والتطور الصحي وفقًا لمنظمة الصحة العالمية
يُذكر أن هيئة الدستور الغذائي هي هيئة حكومية دولية، تسمح لممثلي شركات الأغذية المشاركة فيها كمراقبين، أو حتى كأعضاء في الوفود الوطنية بجانب المسؤولين الحكوميين.[19] وقد كشفت دراسة أن المراقبين المدافعين عن شركات تصنيع الأغذية، وممثلي الشركات ضمن وفود الحكومات ممن لهم حق التصويت عند اتخاذ القرارات، شكلوا عام 2019 أكثر من 40% من إجمالي المشاركين في اجتماع لجنة الدستور الغذائي المعنية بالأغذية واستخداماتها التغذوية الخاصة، أي أن عددهم يقترب من عدد مسؤولي الحكومات ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية وهيئة الدستور الغذائي. يرى رولينز أن هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل معايير الدستور الغذائي -وبالتالي التشريعات الوطنية- أقل حماية من إرشادات منظمة الصحة العالمية، فبالإضافة إلى التأثير على القرارات المتعلقة بالمعايير الدولية للأغذية، كشفت الدراسة أن كثيرًا من البلدان المصدرة لأغذية الأطفال تمارس ضغوطًا داخل منظمة التجارة العالمية لمنع دول أخرى من اتباع توصيات منظمة الصحة العالمية من أجل حماية مصالحها التجارية.
من ذلك مثلًا ما حصل مع تايلاند[20] عام 2017 عندما أرادت اعتماد المدونة الدولية للحد من التسويق غير المناسب للحليب الصناعي، وخاصة لمنتجات الأطفال فوق عمر السنة، لكن بعض أكبر الدول المصدرة لأغذية الأطفال وصناعة منتجات الحليب شكلت تحالفًا داخل إطار منظمة التجارة العالمية للضغط على تايلاند، وقد ضم هذا التحالف الولايات المتحدة وأستراليا والاتحاد الأوروبي ونيوزيلندا وكندا. وقد أشار التحالف مرارًا إلى معايير الدستور الغذائي، واشتكى من أن التشريعات المطروحة تقيد التجارة بشكل غير ضروري، حتى تمكنوا في النهاية من إضعاف التشريعات التي اعتمدتها تايلاند.
فضلًا عما سبق، تأتي الكثير من التوصيات الصحية المتاحة للعامة حول تغذية الأطفال من الشركات المصنعة لأغذيتهم، إما بشكل مباشر من خلال مواقعهم الإلكترونية أو صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أو غير مباشر من خلال «المؤثرين» على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، ما يشكل تضاربًا في المصالح خصوصًا عندما يكون هؤلاء «المؤثرون» أمهات يعتبرن موثوقات بسبب تجاربهن، أو متخصصون في الرعاية الصحية كأخصائيي التغذية مثلًا.
الخلاصة أن أغلب الأطفال لا يحتاجون إلى المنتجات الغذائية المدعّمة، ويمكن تلبية احتياجاتهم الغذائية من خلال تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة لدعم النمو والتطور الصحي وفقًا لدليل منظمة الصحة العالمية للتغذية التكميلية للرضع والأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر و23 شهرًا. وفي بعض الحالات عندما لا يمكن تلبية الاحتياجات الغذائية للأطفال بهذا الشكل، فقد يستفيد الأطفال من المكملات الغذائية أو أغذية الأطفال التجارية. وفي ظل انتشار الأطعمة التجارية والمعلومات المتناقضة والخيارات التي قد تكون مربكة للأهالي والمربّين، فإنه يترتب على المنظمات الدولية المعنية بالصحة والحكومات الوطنية مسؤولية كبيرة بتوفير بيئة آمنة للأهالي والمربين لاختيار الأطعمة المناسبة لأطفالهم من خلال السياسات العامة التي تضع الصحة العامة كأولوية، ومن خلال الإرشاد الغذائي غير المتحيز لطرف معين.
هذا التقرير جزء من زمالة حبر للصحافة الصحية، الممتدة من أيلول 2023 حتى آب 2024، وفيها تنخرط سبع زميلات من خلفيات معرفية متنوعة في إنتاج تقارير صحفية بقوالب مختلفة حول قضايا صحية تتقاطع مع الأسئلة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
-
الهوامش
[1] Gaberell, l., Abebe, M. and Rundall, P. (2024). How Nestlé gets children hooked on sugar in lower-income countries. Public Eye.
[2] Paroche, M., et al. 2017. How Infants and Young Children Learn About Food: A Systematic Review. Front Psychol. 8:1046. doi: 10.3389/fpsyg.2017.01046.
[3] Dunford, E. and Popkin, B. 2023. Ultra-processed food for infants and toddlers; dynamics of supply and demand.
[4] Baker. Globalization, first-foods systems transformations and corporatepower: a synthesis of literature and data on the market and political practices of the transnational baby food industry. Global Health 17, 58 (2021).
[5] UNICEF. The international code of marketing of breastmilk substitutes.
[6] Muller, M. (1974). The Baby Killer. A war on Want investigation into the promotion and sale of powdered baby milks in the Third World.
[7] المصدر السابق، رقم 4.
[8] Baker, P. et al. (2021). Globalization, first-foods systems transformations and corporate power: a synthesis of literature and data on the market and political practices of the transnational baby food industry. Global Health 17, 58 (2021).
[9] المصدر السابق، رقم 3.
[10] Monteiro, CA., Cannon, G., Moubarac, JC., Levy, RB., Louzada, MLC., Jaime, PC. (2018). The UN Decade of Nutrition, the NOVA food classification and the trouble with ultra-processing. Public Health Nutr.
[11] المصدر السابق، رقم 3.
[12] Farrag, NS., Cheskin, LJ., Farag, MK. (2017). A systematic review of childhood obesity in the Middle East and North Africa (MENA) region: Health impact and management.
[13] تواصلت حبر كذلك مع وكيل الشركة (مجموعة مسروجي) دون أن تتلق أي رد.
[14] المصدر السابق، رقم 8.
[15] Hoteit M, Ibrahim C, Nohra J, Sacre Y, Hanna-Wakim L, Al-Jawaldeh A. (2023). Assessment of the Composition of Breastmilk Substitutes, Commercial Complementary Foods, and Commercial Snack Products Commonly Fed to Infant and Young Children in Lebanon: A Call to Action.
[16] Institute of Medicine (US) Committee on the Evaluation of the Addition of Ingredients New to Infant Formula. (2004). Infant Formula: Evaluating the Safety of New Ingredients. National Academies Press. 3, Comparing Infant Formulas with Human Milk.
[17] Clouard, C., Le Bourgot, C., Respondek, F. et al. (2018). A milk formula containing maltodextrin, vs. lactose, as main carbohydrate source, improves cognitive performance of piglets in a spatial task.
[18] García AL, Raza S, Parrett A, et al. (2013). Nutritional content of infant commercial weaning foods in the UK. Archives of Disease in Childhood.
[19] Russ, K., Baker, P., Byrd, M., Kang, M., Siregar, RN., Zahid, H., McCoy, D. (2021). What You Don’t Know About the Codex Can Hurt You: How Trade Policy Trumps Global Health Governance in Infant and Young Child Nutrition. Int J Health Policy Manag.
[20] المصدر السابق.