لا يهدف زمن الإبادة الجاري إلى طرد الفلسطينيين في قطاع غزة من حيزات الحياة فحسب، بل من حيزات الموت كذلك؛ من الحق الإنسانيّ البسيط في أن يواروا الثرى، وفي أن تكتمل حالة موتهم الفيزيائيّ بالدفن والوداع والعزاء. عائلاتٌ بأكملها طمرتها الأنقاض، وتحلّلت بعض جثامين أفرادها تحتها، لنصبح أمام سياسةٍ استعماريةٍ مزدوجةٍ من المحو: محو لحياة الشهداء، ومحو لموتهم في آن واحد.
كُتب الكثير حول كيف تستمدّ المنظومة الاستعمارية الاستيطانيّة سيادتها على الأرض من نقش عنفها على الجسد الفلسطينيّ الميّت/الشهيد، وإدارتها مجالَ الموت بكليّته، وما يرتبط به من منظومة مشاعر وطقوس حزنٍ وحدادٍ وثَكلٍ.[1] لكنّ حرب الإبادة الجارية على قطاع غزّة تشهد استهدافًا غير مسبوق لبنية الموت ومجالاتها المكانية والزمنية وعلاقاتها الإنسانيّة ومراسمها الجماعيّة الشعوريّة. تمخّضتْ عن هذا العنف تحوّلاتٌ جديدةٌ في علاقات الحياة والموت والحدود الفاصلة بينهما، وأشكالِ محو الجسد الفلسطيني الميت/الشهيد في قطاع غزّة، وتمظهرات فرض الوكالة الاستعمارية عليه. فهم هذه التحوّلات وتحليلها يمثّلان مدخلًا هامًا لفهم الديناميات الدقيقة لعمل منظومة الإبادة الصهيونيّة في قطاع غزّة، والهستيريا الجماعية الاستيطانية تجاه الجسد الفلسطينيّ الحيّ والميت على حدّ سواء، بما ينسجم وأنّ المنظومة الاستعمارية الاستيطانية متحوّلةٌ انتقاليّةٌ في ذاتها وأصلها؛ تمحو وتبني، تطرد وتحلّ، تميت وتحيي في الوقت ذاته، حيث يتجسّد سباقها الحاليّ مع الزمن على إمحاء المكان وطرد الجسد وإماتته في غزّة، كذروة التعبير عن الرغبة المحمومة في بناء حيّز استيطانيّ جديد، وإحياء الجسد اليهوديّ القومي داخله ضمن حدود غزّة.
نفي أهليّة الجسد الفلسطيني للموت
إنّ قسوة إذابة جثامين الشهداء المفقودين تحت جبالٍ هائلةٍ من الركام، تكمن في حرمان أجسادهم من أدنى درجات العبور الخطيّ من إعلان الحياة إلى إعلان الموت. فلا يكون الإعلان الأخير ممكنًا، بنظر ذوي الشهيد، سوى باحتضانهم ما تبقّى من جسده وتقبيله، ومن ثم إكرامه وإراحته في منزله الأخير، بشكلٍ يمكّنهم من أن يمتلكوا وجهةً تجمعهم مجدّدًا بالشهيد، مطمئنين إلى فكرة تمتّع جسده بمكانٍ نقيّ مقدّس يحتضنه ويحميه، ليسرّوا إليه وكأنّه حيّ بينهم. وهو ما لم يتحقق مع أكثر من ثلاثة عشر ألف مفقود تحت الأنقاض وفي الطرقات حتى لحظة كتابة هذه السطور، حيث أضحت أجسادهم مُعلَّقةً في حالة بينية غير مُعرَّفة بين الحياة والموت. فأجسادهم هنا بقدر ما أنها ليست حيّة، فهي ليست ميّتة كذلك، ليشعر ذووهم بأنّ لا مكان ولا زمان بات الآن يستوعب أجساد أبنائهم المُذابة.
لقد تناثرت جثث الشهداء الفلسطينيين في جميع شوارع قطاع غزّة وطرقاته، إلى أن تحلّل بعضها جرّاء إعاقة الجيش الصهيونيّ الوصولَ إليها وانتشالها. تكشف الرغبة الاستعمارية في تحلُّل أجساد الشهداء، أو بعثرتها إلى أشلاء، كيف أنّ الأيديولوجيا الصهيونيّة الإبادية البيضاء تقرأ الجسد الفلسطيني في غزة باعتباره لم يرتقِ بالمطلق إلى المرتبة الإنسانية ولو بحدودها الدنيا. فلا يهدف دمج الجسد الغزيّ ضمن فئة «الحيوانات البشرية» و«الثعابين الصغار» إلى نفيه تمامًا عن مجال استحقاقه للحياة تحت شعار «لن ندعه يحيا»، إنّما أيضًا إلى نفيه عن مجال أهليّته للموت كإنسان بجسدٍ واسمٍ وذاكرةٍ وشاهد قبرٍ تحت شعار «لن ندعه يموت».
«لا يهدف زمن الإبادة الجاري إلى طرد الفلسطينيين في قطاع غزة من حيزات الحياة فحسب، بل من حيزات الموت كذلك؛ من الحق الإنسانيّ البسيط في أن يواروا الثرى، وفي أن تكتمل حالة موتهم الفيزيائيّ بالدفن والوداع والعزاء».
إنّ اعتبار الجسد الغزيّ الذي جرى تجريده من صفته الإنسانية غيرَ جدير بالحياة والموت في آنٍ واحد، يجعل منه حصرًا جسدًا جديرًا بالاختفاء والتلاشي بنظر المستعمِر، وكأنّه لم يكن له يومًا أيّ وجود أو أثر على وجه الأرض. وهو ما يفسّر تعمُّد القوات الاستعمارية تركَ أجساد الشهداء والمصابين مُلقَين لأيامٍ طوال في الشوارع وتحت الأنقاض، لكي تختفي تمامًا الهويات المميزة لأجسادهم وأثرها الوجودي الإنسانيّ، وتتحوّل إلى مجرّد أكوام متشابهة من العظام؛ أيّ إلى مجرّد «بقايا» مادية لا تعدو تمثّل «شيئًا» فائضًا عن الحاجة يتحتّم التخلّص منه وطمره تحت التراب، تفاديًا لتشكيله مكرهةً صحيّة واسعة.
يعكس هذا التحوّل من إنسان إلى «شيء»، ومن كيان اجتماعيّ مُعرّف إلى رفاتٍ مجهولة، محوًا استعماريًا مزدوجًا لأجساد الشهداء: محوًا لحقيقة ممارستها الحياةَ وامتلاءها بها يومًا ما، ومحوًا لحقّها في ممارسة الموت بجسدٍ كاملٍ يحمل بصمة صاحبه وهويته الاجتماعية الخاصة التي لا لبس فيها. إنّ هذا النكران الاستعماري لحقّ الجسد الفلسطيني في الوجود حيًا أو ميتًا، لا يعمل فحسب على تجريد الشهيد من اسمه ووجهه وتاريخه، إنما أيضًا من أهله وجميع علاقاته الاجتماعيّة، حيث يبقى الشهيد في هذه الحالة مفقودًا أبدَ الدهر بنظر أهله ومحبيه، وإنْ جرى دفن ما تبقّى من جسده. فدفنه على يد عابري الطرق، وإنْ كان يمثّل أحدَ أشكال مقاومة الانتهاك الاستعماري المستمر لحرمة الموت الفلسطيني، يتحوّل إلى علامةٍ مؤلمةٍ على الحرمان النهائي لكلٍّ من الشهداء وأهاليهم من الانتماء إلى أجساد بعضهم، ولاطمئنان الأهالي إلى المنازل الأخيرة لشهدائهم والالتقاء بهم من جديد.
السيطرة على أمكنة الموت وأزمنته
أمّا من يتمكّن من انتشال أحد أحبائه، فإنه كثيرًا ما يواجِه تحدّي الاستحواذ الاستعماري على أزمنة الفلسطينيين وأمكنتهم في قطاع غزة، بما فيها أمكنة الموت المعتادة (المقابر). يسابق المستعمِر على الضخّ الكثيف لسياسة القتل والتدمير والتهجير في أصغر وحدة من الزمن. يسعى من وراء ذلك إلى سلب الفلسطينيين أكبرَ قدرٍ ممكنٍ من القدرة على التحكم بأزمنتهم، وسط حاضر اللايقين والانتظار والموت، وذلك بغية ترسيخ السيطرة الاستعمارية على أكبر قدرٍ ممكنٍ من الفضاء الفلسطيني واحتلاله، تحديدًا في شمال قطاع غزة ومحافظة خانيونس.
يجبر احتلال فضاءات الفلسطينيين المكانية والزمنية ذوي الشهداء على دفن أحبائهم في ذات أماكن استشهادهم، أو في حيزاتٍ أخرى قريبة منها. يجهد هؤلاء في محاولاتهم الحثيثة اقتطاعَ زمن وجيز خاطف من مساحة الزمن المُستحوَذ عليه استعماريًا بالقصف والقنص والتنكيل، لكي يتمكنوا من غرس أحبائهم في تراب الأماكن المحاصرين فيها. فما بين رصاصةٍ وأخرى وغارةٍ وأخرى لا يفصل بينهما سوى ثوانٍ معدودةٍ، يسابق هؤلاء الزمنَ وحيدين لإكرام أجساد شهدائهم في تربة حيزاتٍ كانت تضجّ بالحياة يومًا ما، كأفنية المنازل والجزر المرورية والشوارع والأسواق والأرصفة وباحات المستشفيات.
نشهد هنا تحوّلًا جذريًا في المعاني والوظائف الاجتماعية التي تنطوي عليها هذه الفضاءات الحياتية الكثيرة التي باتت امتدادًا واسعًا لعمل المقبرة. لقد كانت المنازل والأسواق والشوارع والمدارس وصالات الأفراح فضاءاتٍ تتفاعل فيها علاقات اجتماعية وحميمية مختلفة تبعث على الشعور بالأمن والاستقرار، والحركة اليومية، والمتعة، وضجيج الحياة، والتعلّم، وتصميم المستقبل. لكنّ زمن الإبادة والحصار المتسارع الذي يمنع الفلسطيني من إدارة حركة مكانه وزمنه، والتوجّه بسلام إلى الأماكن الشائعة لمواراة الموتى/الشهداء، أحالَ تلك الفضاءات، كسوق معسكر جباليا ومستشفى الشفاء ومدرسة حليمة السعدية، إلى مقابر جماعية تتداخل فيها بنية الموت ومظاهرها ببنية الحياة ومظاهرها، وقبور الشهداء وصمتها بحركة الباعة والأطباء والناس، ووجع الفقد والحزن بأمل مواصلة الحياة وصخبها.[2]
اجتياح الجسد الميّت عصبَ الحياة
في الزمن السابق على حرب الإبادة، كان يجري عزلُ الأماكن المخصصة للموت وإقصاؤها إلى أطراف المدن والأحياء في قطاع غزّة، بما تُعرف عادةً بالمقبرة الشرقية، في إشارةٍ إلى بنية اجتماعية ومعمارية تضع الحدود الصارمة بين مجالات الحياة ومجالات الموت. أما اليوم، ونتيجةً لعجز حيزات الموت عن مواكبتها العددَ الهائل غير المسبوق من أجساد الشهداء، أو تجريف بعضها واحتلالها، أو إطباق الحصار على حركة الناس، فلقد زحفت مجالات الموت المقدّسة التي يفترض بها الانزواء في هوامش المدن ومناطقها الحديّة، باتجاه المركز لتقتحم عصب الحياة وتجعل منه مجالًا مزدوجًا لنشر معاني الحياة والموت في آنٍ واحد.
فمثلًا، في باحة المستشفى الأندونيسي في جباليا، نجد جثامين وُريت الثرى يُستدل على أصحابها من لافتات كرتونية صغيرة رُفعت فوقها، وبجانبها تمامًا طوابير طويلة يصطفّ فيها العطشى والنازحون لتعبئة المياه، وأكوام هائلة من القمامة التي يمنع الاحتلال إلقاءها في مكبّ النفايات المركزيّ شرق غزّة. يبيّن هذا المشهد كيف أنّ كثافة الإبادة الاستعمارية التي باتت تخترق أجساد الغزيين وأبسط أمكنتها واحتياجاتها وإيقاعاتها الروتينية اليومية، كسرت أيّ حدود فاصلة بين إدارة مجالات الحياة ومجالات الموت في قطاع غزة، حيث صار حجم التداخل والدمج اليوميّ بينهما هائلًا إلى الحدّ الذي ينام فيه الأحياء في أحضان الشهداء وبجوار قبورهم المقدّسة التي اجتاحتْ العالم الدنيويّ المُدنَّس.
كلّ هذا من شأنه أن يعيد تشكيل المدينة، وكلّ الحيزات في قطاع غزّة بتركيباتها الهندسية والاجتماعية المتنوّعة. فلم يعد محو المكان يتحقّق فقط عبْر القوّة التدميرية والإهالة الكثيفة المباشرة له، إنما أيضًا عبْر عنف تغيير سرديّته الاجتماعية النشطة على إثر اجتياحه قسرًا من قِبَل أجساد الموتى/الشهداء التي توزّعت على مئات المقابر الجماعية العشوائية التي باتت تغطّي مساحات واسعة من البنيان الحضري لقطاع غزة.[3] أفضى هذا إلى إزاحة شبكات العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تشكّلت وتراكمت عبر الزمن من وراء التفاعل اليوميّ بين مختلف حيزات القطاع التي أحالتها الحرب إلى مقبرة جماعية كبيرة. حلّ محلّ تلك الشبكات علاقاتٌ جديدةٌ تربط الفاقدين ببعضهم البعض من وراء تتبّعهم خارطةَ القبور العشوائية لشهدائهم.[4] هذا من شأنه أن يجعل من ذاكرة الموت الحيّة في كلّ مكان حضريّ في قطاع غزّة، جزءًا محوريًا من المعمار الهندسيّ والاجتماعي الجديد للقطاع وتجارب عبوره اليومية. إنّ هذا على المدى البعيد سيعقِّد قدرةَ «مجتمع الألم» في قطاع غزّة على نسيان تجارب فقدهم القاسية وتجاوزها. كما لا يمكن إغفال أنّ تعميم تجربة المرور بين الأموات في شوارع ومرافق حيوية في القطاع، يهدف استعماريًا إلى لجم الغزيين عن معاودة التفكير بالثورة على المحتل، عبْر جعْلِ الموتِ الحاضر في أذهانهم وأمامهم، مصيرَهم المحتوم الذي يستشرفونه في حال قرروا عبورَ جدران حصارهم مجدّدًا.
تجريف تجربة الموت من مراحلها
من جهة أخرى، فإنّ زمن الإبادة المستمرة يدفع بالفلسطينيين في قطاع غزّة إلى التنازُع على البقاء وإعادة تشكيلهم حصرًا كذوات بيولوجية يُمنَع تطوّرها إلى شكل الذات السياسية الفاعلة، ليقضي الناس جلّ أيامهم في مطاردة الطعام والمياه والحمام لقضاء الحاجة. يعمل هذا على تعليق طقوس الحزن والحداد وشعور الثكالى بالحاجة إلى زمن لانهائيّ من البكاء والوحدة، والتأمّل المرّ في سير شهدائهم، والانصهار التامّ مع صورهم وملامح وجوههم.
يجد الثكالى أنفسهم مرغمين على استراق نظرة وداع سريعة على جثامين أحبائهم إنْ وُجدتْ، ومن ثم العودة فورًا إلى حلبة القتال اليومي في البحث عن مأوى آمن ومياه صالحة للاستهلاك الآدميّ لمحاولة النجاة بأرواح من تبقّى حيًّا. يكتب أحدهم أنّه فور دفنه عزيزًا له، وجدَ نفسه مصطفًّا في طابور طويل ينتظر نصيبه من الخبز. فيما تبلغني صديقتي بأنّ عمها الذي سقط شهيدًا على يد قنّاص صهيوني، وهو يسير في طريق الآلام باتجاه جنوب القطاع، سجّوا جثمانه على عجالة، واضطروا إلى لململة جراحهم على الفور، ومواصلة المسير نحو وجهةٍ لم يكونوا قد أدركوها بعد، بحثًا عن فسحة من الحياة وسط ركام الموت.
«تعيد بنية الإبادة المستمرّة تشكيل تجربة الموت في قطاع غزة بوصفها تجربةً اعتياديةً عابرةً وخاطفةً لا وقتَ بالمطلق لتبجيلها والشعور برهبتها أمام ما يزيد عن جثامين خمسين ألف شهيد ومفقود».
توضّح هذه المشاهد كيف أنّ بنية الإبادة الاستعمارية التي ما تنفكّ تتهدّد حياة الغزيين، قتلًا وجوعًا وبردًا ومرضًا، تُجرِّف تجربة الموت والفقد البليغ التي يختبرونها من مقاييسها الزمنية الخاصّة المرتبطة بالتدرّج في مرورهم بمراحل عدّة من الإنكار، والعزلة، والإمعان في الحزن والتذكّر والحداد، وصولًا إلى تقبّل الموت وبدء التشافي من آثاره. بتعبيراتٍ أخرى، فإن بنية الإبادة المستمرّة تعيد تشكيل تجربة الموت في قطاع غزة بوصفها تجربةً اعتياديةً عابرةً وخاطفةً لا وقتَ بالمطلق لتبجيلها والشعور برهبتها أمام ما يزيد عن جثامين خمسين ألف شهيد ومفقود.
كما تعيد علاقات التحكم والإماتة الاستعمارية صياغتها بوصفها تجربةً لا تستأهل أي مراسمَ خاصة من تنظيم جنازاتٍ وطقوس مواساةٍ وتشييعٍ جماعيّ. فلا تعمل التهديدات والأخطار المتواترة التي تتربّص بالغزيين في كلّ لحظة وأينما ولّوا وجوههم، على طرد أصحاب الفقد من حيزات/أزمنة النحيب والاستغراق في الحداد فحسب، إنّما تعمل أيضًا على طرد النسيج الاجتماعيّ بكليّته من حيزات/أزمنة المواساة والعزاء، حيث يُجرَّد أقارب وأصدقاء أهل الشهيد من أدوارهم الاجتماعية التي يرغبون في تأديتها بغية التخفيف من ثقل الفقد وألمه عن كاهل المكلومين، وذلك بفعل القصف المتواصل والتهجير القسري، وتقطيع أوصال شمال القطاع عن وسطه عن جنوبه، وتشتيت شمل أفراد العائلة الواحدة.[5]
موت المقبرة
كما اتّجهت السلطات الاستعمارية في حرب الإبادة القائمة إلى طمس عوالم الموت بشكل ممنهج، سواءً في المقابر النظامية أو المقابر البديلة العشوائية، عبْر تجريف مساحات كبيرة منها وتناثرِ رفات الموتى/الشهداء أو سرقتها. اللافت هنا أنّ الطمس ذو بعد تاريخيّ سياسيّ؛ إذ طال قبور الجيل الأول للنكبة ممّن عاش جلّ حياته في مخيمات اللاجئين في قطاع غزّة، وتوفاه الله قبل عدّة سنوات أو عقود. إنّ إبادة قبور هؤلاء وشواهدها بمثابة إمعانٍ في نكران النكبة وطمس ذاكرة اللجوء والحلم المستمر بالعودة إلى الديار، خصوصًا في مخيم جباليا الذي تحتلّ فيه مقبرة الفالوجا رمزيةً عاليةً لتخليدها ذاكرة الشهداء والمقاومة، والنكبة والعودة المستمرّتَيْن.[6]
تُضاف إلى مقبرة الفالوجا عدّةُ مقابر أخرى جرى انتهاك حرمتها؛ أهمها مقبرة الشيخ رضوان (المقبرة البرية)، والتي تحتضن جثامين مئات الشهداء البارزين كالشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وجيفارا غزّة.[7] يحمل هذا الانتهاك رغبةً استعماريةً مُفرطةً في قتل عالم الشهادة الذي يُخلّد أبطاله ومسار حياتهم النضالية في نفوس الفلسطينيين ممّن يقرأون موتَ المقاومين تفجيرًا للغضبّ الجماعيّ، وإيذانًا بتشكيل عالمٍ تتعالى فيه أفعالُ الثورة. تستبطن هذه الرغبةُ قدرةً استعماريّةً على اقتلاع فضاءات الذاكرة والثورة التي ينتجها الموتى/الشهداء حيال الأحياء بمجرّد تدمير الشواهد المادية التذكارية للموت (قبور الشهداء)، متغافلةً عن أنّ هكذا فضاءات لا يُحفّز نشوءَها التجسيدُ الماديّ للموت بقدر ما تحفّزه فكرةُ الموت/الشهادة بذاتها، والتي لا يمكنها أن تموت بموت المقبرة.
مراكمة جثث الفلسطينيين، وموت الجسد مرتين وأكثر
بجانب ما سبق، فإنّ الجسد الميّت/الشهيد في قطاع غزّة لم يسلم من سياسات الاعتقال والرقابة والضبط الاستعماريّة. استولى الجيش الصهيونيّ على جثامين مئات الغزيين، ممّن قتلهم مؤخرًا في حرب الإبادة القائمة، أو ممّن نبش قبورهم وأخرجهم قسرًا منها باتجاه الداخل المحتلّ. إن هذا الشكل من فرض السيادة الاستعمارية على جسد الشهيد الفلسطيني، مبنيّ على المفارقة القاضية بأنّ مراكمة قيمة الموت وجثث الفلسطينيين من قطاع غزّة تعني بالمقابل مراكمة قيمة الحياة للمجتمع الاستيطانيّ القاتل. بكلماتٍ أخرى، فإنّ ضخّ الحياة والأمل والصحة إلى الأجساد الهشة/المعتلّة لأفراد المجتمع الإباديّ، يتمّ بالضرورة من خلال سياسة نزع الحياة عن أجساد الشهداء المعتقلين وسلعنتها وتشويه تجربة موتها، عبر استئصال أعضائها، فتخزينها في بنك الجلد وبنوك الأعضاء الأخرى، بغية زراعتها في أجساد المستعمِرين، أو استخدامها في مجالاتهم البحثية والطبية والتعليمية.[8]
لا تمكن قراءة حجم الحيوات الاستيطانية الفائضة و«التجارب العلمية» التي ستخلّفها سياسة نزع القرنية والكلى وسلخ الجلد عن أجساد الغزيين الموتى/الشهداء مؤخّرًا، بمعزل عن سنواتٍ طويلة من تكديس فرص نجاة وحياة مجتمع الإبادة في بنوك الأعضاء، وتعاظُم قيمته التنافسيىة «العلمية» المشتقّة من تحقير الجسد الفلسطيني الميت واختزاله إلى محض «فأرِ للتجارب»، وذلك على إثر قرار عسكري إبان الانتفاضة الأولى 1987، قضى بالسماح لمعهد أبو كبير باستئصال الأعضاء من أجساد الشهداء الفلسطينيين الذين يتحتّم تشريحهم.[9]
إنّ هذه الطريقة من الاستثمار السياسيّ الهائل في الموت الجماعيّ للجسد الغزيّ بغية إعادة بناء صحّة أجساد المستعمِرين وقواهم البدنيّة، تخدم هدفًا أيديولوجيًا واقتصاديًا يقضي بإعادة إنتاج «اليهودي الجديد» الجماعيّ ببعده القوميّ الاستيطانيّ الأبويّ، وذلك كرأسمال ضروري في المضي قدمًا نحو المزيد من ممارسات محو الفلسطينيين وطردهم للاستحواذ على أراضيهم؛ بما يحقّق إعادة إنتاج منظومة الإبادة الاستعمارية بشكل يتجاوز حدود غزّة، للدفع بعجلة المشروع الصهيونيّ إلى الأمام.
في خضمّ ذلك، وبعد استخلاصها قيمةَ الحياة الاستيطانيّة الممكنة من أجساد الشهداء المحتجزين لديها، أفرجت «إسرائيل» عمّا تبقّى من رفات تلك الأجساد وأشلائها، وألقتها في «كونتينرات» شحن البضائع عند معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة. تسلّمتها الجهات الطبية بأكياس قمامة زرقاء دون أي اسمٍ أو علامة تدلّ على أصحابها بعدما تشوّهت تمامًا، ليدفنوها في مقابر أرقام جماعية توزّعت بين خانيونس ورفح. كان آخرها 47 جثمانًا من أصل 400 جثة سرقها الاحتلال من مجمع ناصر الطبي بعد تجريف تام للمقبرة الجماعية التي جرى استحداثها داخله على وقع حصاره المطبق.
«يوضح انتهاك الاحتلال للمقابر في غزة رغبةً استعماريةً مُفرطةً في قتل عالم الشهادة الذي يُخلّد أبطاله ومسار حياتهم النضالية في نفوس الفلسطينيين ممّن يقرأون موتَ المقاومين تفجيرًا للغضب الجماعيّ، وإيذانًا بتشكيل عالمٍ تتعالى فيه أفعالُ الثورة».
بينما يخضع الجسد إلى الموت مرّةً واحدةً في السياقات الطبيعية، فإنّ الجسد الفلسطيني في قطاع غزة يموت موتًا دائريًا متكرّرًا جرّاء فرض الوكالة الاستعماريّة عليه. إن جزءًا كبيرًا من تلك الأجساد التي حوّلتها منظومة التنكيل الاستعمارية إلى محض أرقامٍ و«نفاياتٍ» يتوجّب التخلّص منها بعد الانتفاع منها، قد اختبرَتْ تجربة الموت مرتين.[10] ففي المرّة الأولى، ماتت مستريحةً في قبورها، مُعرَّفةً بأسمائها وسير حياتها وجنازاتها، ليدير أحباؤها بيوتَ عزائها، ومجالَ الحزن والثَكَل عليها، وذلك قبل أن يحرمها الجيش الصهيونيّ من مواصلة حقّها في ممارسة موتها على إثر نبش قبورها وتهجيرها قسرًا منها، لتصبح قيد الاعتقال.
إنّ هذه الأجساد لا تعود إلى بنية الموت التي جرى اقتلاعها منها، إلا حين تعود إلى تراب غزّة، لتتمكّن من الموت للمرّة الثانية، لكن في قبرٍ جماعيٍّ هذه المرة، وكنكراتٍ مرُقّمةٍ وحيدةٍ لا تتمتّع بأدنى تاريخٍ لها يسرد قصص حياتها ومماتها، ولا بأدنى صِلةٍ مع عالمها الأصليّ الحميم الذي سُلبت منه بالمطلق قدرته على إدارة قبور محبيه من الشهداء «الأرقام»، ومشاعر الحزن والثكل والحداد تجاههم. يقول أحمد الأستاذ، وهو شقيق أحد الشهداء الذين سرق الاحتلال جثته من مجمع ناصر الطبي في خانيونس «الجثامين التي رأيتها مليئة بالتشوّهات، وبعضها متحلّل، وكان يأكلها الديدان. من شدة الصدمة التي أصابتني بسبب الحالة التي كانت عليها الجثامين، لم أستطع تمييز شقيقي. فالجثامين مقطّعة، وشبه متحلّلة. عدتُ مكسور الخاطر لأنني أردت تكريم شقيقي ودفنه… قد احتسبته عند الله شهيدًا».[11]
استهداف العبور اللولبيّ لجسد الميت/الشهيد
إن هذا العنف الاستعماري الإبادي الذي يسابق الزمن في القتل والتدمير والتهجير، مبنيّ في جوهره على حرمان الفلسطينيين من حقّهم في ممارسة الإقصاء المناسبة لأجساد موتاهم بالطريقة التي تمكّنهم من إعادة استيعابهم واحتوائهم كشهداء يتمتّعون بدور اجتماعي وسياسي كبير في شحن المخيلة الوطنية الجمعية بقيمة المقاومة ورسم مستقبل التحرّر. إنّ الإقرار بالموت في السياق الفلسطيني للشهادة يتطلب الإحساس المادي بجسد الميت/الشهيد والالتفاف حوله بغاية تتجاوز دفنه وإكرامه نحو بعث اسمه ووجهه وقصته وطريقه في مسار حياة الأحياء المتبقّين من الفلسطينيين. فالعبور هنا لا يكون خطيًا بين حالتَيْ الحياة والموت؛ أي الرغبة في مواراة جسد الميت بعد فقدانه دوره الاجتماعيّ كما في السياقات العقلانية الغربية، إنما يكون لولبيًّا حيث تكون الرغبة في مواراة جسد الشهيد في الحيزات المخصّصة للموت، وممارسة طقوس الحجيج الوطنيّ حول جثمانه، نابعةً من الحاجة إلى تمكين الميت/الشهيد من تأدية دوره الجديد في الحياة السياسية العامة كفاعل اجتماعيّ حيّ في تعبئة الجماهير وحشدها باتجاه تداول قيمة المقاومة ونقلها من فرد إلى آخر في «مجتمع الألم» في قطاع غزّة.[12]
إنّ هذا العبور اللولبيّ الذي يعيد إنتاج عالم الحياة من عالم الموت، ليعبُر بجسد الميت/الشهيد الفلسطيني بعد مواراته إلى فضاء حياة المجتمع المستعمَر بأكمله، بدورٍ وطنيٍّ غالبًا ما يتفوّق على دوره الاجتماعيّ قبل مماته، هو ما يدفع بمنظومة الإبادة الصهيونية إلى ممارسة الإبادة الممنهجة لبنية الموت في قطاع غزّة بجميع حيزاته المكانية والزمنية والشعورية. ترى هذه المنظومة أنّ إبادة حياة الشهداء الغزيين، بقتلهم وتجويعهم، لا تضمن إبادةً كليّةً لقيمة الحياة الفلسطينية المهدّدة لوجودها، لتتجه إلى إبادة ممارسات موتهم من الدفن والحداد السياسيّ العام وتشريفهم بمراسم جماعية تؤجّج مشاعر الثأر من العدوّ، باعتبار هذه الممارسات موقعًا أساسيًا لنقل عملية إحياء الشهيد من حيز الفرد/العائلة إلى حيز الجماعة/المجتمع، وبالتالي موقعًا أساسيًا لإعادة إنتاج الحيوات الفلسطينية المستقبلية المُقوِّضة لقدرة مشروع الإبادة الصهيونيّ على حسم أهدافه.
مقاومة إبادة عالم الموت
رغم ممارسة المشروع الصهيوني درجاتٍ عاليةً من إبادة عالم الموت ومحو أجساد الموتى/الشهداء في قطاع غزّة، إلا أنّ الفلسطينيين في القطاع يحاولون إنتاج وكالتهم الخاصة في مقاومة محو موت شهدائهم، ونفي حقّهم في الموت كبشر يمتلكون قبورًا وأسماء وسير حياة. لجأ بعضهم إلى الكتابة على أنقاض منازلهم المدمّرة التي لا تزال جثث أحبائهم محبوسةً تحتها، لنقرأ عبارات «الأطفال ما زالوا تحت الأنقاض. عمر وعبد الله وماسة. حسبنا الله ونعم الوكيل»، «وهنا تحت الأنقاض الشهيد أحمد الصفدي وأمّه وزوجته وأولاده»، و«جود أحمد شومر تحت الأنقاض 21/10/2023». لم تعد الأنقاض مجرّد علامةٍ على الموت والخراب ومحو المكان، بل استحالتْ موقعًا لإحياء أسماء وأجساد مَن طمرتهم آلة القتل الصهيونيّة تحتها.
اقرأ/ي أيضا:
توجّه آخرون إلى بناء خرائط لعائلاتهم التي أُبيدَ معظم أفرادها عبْر إعادة رسم «شجرة العائلة» على الورق، كما حصل مع عائلة سالم التي فقدت أكثر من مائة شهيد، في كانون الأول الماضي، إثرَ إهالة العمارة التي لجأوا إليها على رؤوسهم. استعاد الناجون على الورق أسماء مائة شخصٍ ممّن ظلّت معظم أجسادهم النحيلة عالقةً تحت أكوام الركام حتى يومنا هذا. نشرَ هؤلاء خرائط الحياة والموت هذه على مواقع التواصل الاجتماعيّ، رافضين التساوقَ مع النشر الاستعماريّ لسياسات نسيان عالم موتى/شهداء غزّة، بما هي انعكاس لسياسات نسيان عالم حياتهم على هذه الأرض عمرًا طويلًا، لتكون تلك الخرائط بمثابة الذاكرة التي لا تحمي فحسب الميت/الشهيد من إخفاء قضية موته وتحوّله إلى محض رقم أو رفات مجهولة، إنّما تعيده إلى الحياة بجعل قصّته الخاصة متداولةً في مجتمعه والعالم برمّته.
إنّ فعل الكتابة على الأنقاض والورق والفضاء السيبرانيّ من قِبل الناجين والمكلومين والثكالى في زمن الإبادة المستمرّة، يتجاوز إعادةَ تجسيد عالم الموت المستهدَف وأجساده المتحلّلة، باتّجاه إعادة بناء حيوات متعدّدة للميت/الشهيد الواحد تصنعها الجماهير التي صار الشهيد جزءًا من ذاكرتها اليوميّة. فبينما جرّدت منظومة الإبادة الصهيونية آلافَ الشهداء المفقودين وأحباءهم من حقّهم في أجسادهم وقبورهم ومواكب تكريمهم، فإن فعل الكتابة حولهم لا يكتب موتهم وخسارتهم وأسماءهم بقدر ما يكتب فصول حياة جديدة لهم أوسع ممّا كانت عليه قبل رحيلهم. ففي الوقت الذي قتل فيه العدو الصهيونيّ الشاعر رفعت العرعير، ونزعَ عنه استحقاق الموت كإنسان يُكرَّم جسده بالدفن والوداع؛ إذ لا تزال جثته حبيسة الأنقاض منذ ما يزيد عن أربعة أشهر، فإنّ كتاباته وقصائده التي جالتْ العالم بأسره بعد استشهاده جعلتْ من موته ولادةً جديدة له بحكاياتٍ رَحِبةٍ تمتدّ عبر الزمن والجغرافيا، ومن جسده المُغيَّب المفقود الأثر أجسادًا حاضرةً لامنتهيةً له تُبجَّل على مدار الدقيقة، وتنثر الأمل بأنّ «في بعض الغياب حضورًا أكبر»، «فإذا كان لا بدّ أن أموت، فليأتِ موتي بالأمل، فليصبح حكاية».
-
الهوامش
[1] يمكن الاطلاع، على سبيل المثال لا الحصر، على المراجع التالية: إسماعيل ناشف، صور موت الفلسطيني (الدوحة؛ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015)؛ سهاد ظاهر ناشف، «الاعتقال الإداري للجثامين الفلسطينية: تعليق الموت وتجميده»، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 107 (2016): 19- 36؛ سهاد ظاهر ناشف، «إما مقاومًا وإما مقتولًا: الانتفاضة الفلسطينية الأولى كنقطة تحوّل في إعادة صياغة وكالة جسد وروح الفلسطيني/ة»، مجلة إضافات، العدد 46 (2019): 75- 94؛ سهاد ظاهر ناشف، الطب الشرعي في فلسطين: دراسة أنثروبولوجية (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2019).
[2] للمزيد حول أماكن دفن الشهداء في حرب الإبادة القائمة، يُقرأ: https://rb.gy/pxbldo
[3] وثّق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، حتى منتصف ديسمبر الماضي، إنشاء 120 مقبرة جماعية عشوائية في الأحياء السكينة وأفنية المنازل والطرقات وصالات الأفراح والملاعب الرياضية، في ظلّ صعوبة الوصول للمقابر الرئيسية والمنتظمة. للمزيد، يُقرأ: https://rb.gy/s2banz.
[4] للمزيد حول إنشاء الفلسطينيين في قطاع غزة علامات خاصة لتمييز المقابر الجماعية العشوائية، يُقرأ: https://tinyurl.com/4p89t2mu
[5] للاطلاع على عدّة شهاداتٍ حول غياب المراسم الجماعية للموت في حرب الإبادة الجارية على قطاع غزّة، يُقرأ: https://tinyurl.com/mtrh25a6
[6] ننوّه أيضًا إلى أنه جرى تجريف بعض مساحات المقبرة الشرقية شرق جباليا، ومقبرة الشهداء في بيت لاهيا، ومقبرة الشيخ شعبان في حي الزيتون، ومقبرة علي بن مروان في حي التفاح، ومقبرة الحي النمساوي في خانيونس، ومقبرة القديس برفيريوس، وغيرها الكثير. للاستزادة، يُقرأ: https://tinyurl.com/3bj9mf3b.
[7] لم يتوقّف الاعتداء على قبور الموتى والشهداء على المقابر النظامية، بل طالت كذلك المقابر البديلة التي جرى استحداثها في حرب الإبادة الجارية، حيث جرّفت قوات الاحتلال مقبرة البطش الجماعية التي احتضنت، في الأشهر الأخيرة، حوالي 1000 شهيد. للاستزادة، يُقرأ: https://tinyurl.com/3bj9mf3b.
[8] سهاد طاهر ناشف، «إما مقاومًا وإما مقتولًا: الانتفاضة الفلسطينية الأولى كنقطة تحوّل في إعادة صياغة وكالة جسد وروح الفلسطيني/ة»، مجلة إضافات، العدد 46 (2019): 86- 87.
[9] المصدر السابق نفسه، 86- 86- 89.
[10] المصدر السابق نفسه، ص 91..
[11] للمزيد حول الاستيلاء على جثامين الشهداء وسرقة أعضائها في خضمّ حرب الإبادة القائمة، يُقرأ: https://tinyurl.com/4vp9b69y.
[12]ناشف، مصدر سابق، ص 91.