هذا المقال هو جزء من ملف مشترك بعنوان «خارج الثنائيات: أسئلة في اللغة العربية المعاصرة»، يأتي في إطار تعاون شبكة من مؤسسات إعلامية مستقلة تعنى بقضايا العالم العربي. شارك في هذا الملف: الجمهورية، السفير العربي، مدى مصر، مغرب إيميرجان، ماشالله نيوز، نواة، حبر، وأورينت 21.
«علاقات التواصل هي دومًا علاقات سلطة تتوقف، شكلًا ومضمونًا، على السلطة المادية والرمزية التي تشكل رصيد الأعضاء الذين يدخلون في هذه العلاقات».[1]
– بيير بورديو
«تكلكوش» عبارة قالها يوسف الصقور، رئيس نادي الوحدات الأردني، عام 2017 حين تسلم رئاسة النادي، مطمئِنًا جمهوره بأن الفريق سيقدّم أداءً أفضل في ذلك الموسم الكروي. وفّرت هذه العبارة مادة خصبة للتندر من قبل جمهور نادي الفيصلي الذي يُعد معظم جمهوره تقليديًا من الشرق أردنيين، وللاعتزاز من قبل جمهور نادي الوحدات الذي يُعد معظم جمهوره تقليديًا من الأردنيين – الفلسطينيين. كُتبت العبارة على الجدران في الأماكن العامة، واستخدمت كوسم على منصات التواصل الاجتماعي، ووضعت كلافتات على المحلات التجارية، كما غنّى عددٌ من المغنين الشعبيين أغانٍ تحمل العبارة نفسها.
كل ما في الأمر أن رئيس النادي قلب حرف القاف كافًا بكلمة «تقلقوش» كما يفعل العديد من أبناء قرى فلسطين عندما يتكلمون مَحكيّتهم. لم تكن الكلمة ستستوقِف أحدًا لو أن رئيس النادي لفظ القاف قافًا معيارية، أو جيمًا قاهرية (كما ينطقها مصريو القاهرة) ويستخدمها معظم الشرق أردنيين في محكيّتهم سواء كانوا من أصول فلاحية أو بدوية أو حضرية. وربما لو قلب القاف همزة، كما يفعل معظم أهل مدن فلسطين والمشرق، لكان رجال الجمهوريْن -الذين يلفظ غالبيتهم القاف جيمًا قاهرية- تندروا أو اعتزّوا بدرجة أقلّ، وربما لم يكن سيتوقف عند الكلمة أحد.
يحظى حرف القاف في محكيات بعض الدول العربية بأهمية تتجاوز حروفًا أخرى، باعتباره أحد الرموز اللسانية التي تدل على هوية المتكلم أو أصله أو جنسه أو عمره أو طبقته الاجتماعية. ويعتبر حرف القاف رمزًا لغويًا مركزيًا في المحكيات الأردنية لما يحمله من دلالات اجتماعية تؤشر على أصل ومنشأ عائلة-قبيلة المتكلم الاجتماعية (فلاح، بدوي، مدني) والإقليمية (أردني-فلسطيني) وطبقته الاجتماعية (فقير، غني) إضافة إلى العمر (طفل، شاب، مسن) والنوع الاجتماعي (رجل، امرأة). كما يستمد القاف فاعليته في المحكيات الأردنية من الأدوار والوظائف المختلفة التي يلعبها ويؤديها في الفضاءين العام والخاص، إضافة إلى الحدود التي يرسمها على صيغ الكلام. لذا، فالقاف في محكيات مدينة عمان ليس حرفًا مثله كمثل باقي الحروف بل هو رمز لساني، اجتماعي، سياسي، عمري، مجنسن.
يلفظ القاف في الأردن بأربعة أشكال مختلفة على الأقل. إذ يُقلب جيمًا قاهرية أو (G) بالإنجليزية، حيث تلفظ كلمة «قال» «جال». والبعض يقلب القاف همزة، فيلفظها «آل»، والبعض الآخر يقلبه إلى كاف فيلفظها «كال»، والبعض يلفظها قافًا كما يلفظ بالفصحى. (لغايات الكتابة، سوف نستخدم الفعل «قال» لوصف اللهجة أو من يتحدث بها. فنقول فلان يتحدث بـ«الجال» أي يقلب القاف جيمًا قاهرية، أو قد نقول تعتبر «الجال» لهجة المجموعة الفلانية، وكذلك مع «الكال» و«الآل»).
يبدو أن دخول «الآل» إلى عمان كان مع الفلسطينيين والسوريين الحضريين الذين قدموا إلى المدينة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي[2] وشكلوا طبقة من التجار وموظفي الدولة، حيث كان غالبية رجالهم ونسائهم يقلبون القاف همزة في الكلام.[3] كانت عمان في ذلك الوقت مستقرًا لعدد من أبناء القبائل البدوية التي يقلب رجالها ونساؤها القاف جيمًا قاهرية، كالغالبية العظمى من الشرق أردنيين/ات خارج عمان اليوم. بعد اللجوء الجماعي القسري في نكبة فلسطين، دخلت «الكال» إلى عمان مع اللاجئين الفلسطينيين القرويين. وبعد عام 1967، لجأ ونزح مئات الآلاف من قرى فلسطين ومدنها وباديتها، ومنهم من يتحدث بـ«الكال»، كأهالي بعض قرى الداخل والضفة الغربية، ومنهم من يتحدث بـ«الآل» كأهل القدس ويافا وغيرها من مدن فلسطين، ومنهم من يتحدث بـ«الجال» كأهالي بئر السبع وبعض المناطق في جنوب الخليل، الأمر الذي شكل خروجًا عن أحادية «الجال» في الأردن التي يستخدمها غالبية الشرق أردنيين في الكلام.
يتطرق المقال للهجة أهالي عمان من خلال الوقوف على التحولات التي طرأت على نطق حرف القاف، وارتباطاته السياسية والاجتماعية والنوعية (النوع الاجتماعي)، وما يعكسه ذلك من أن المحكية ليست مجرد أداة تواصل تقنية، بل انعكاسًا هامًا لشكل علاقات القوة والسلطة في المجتمع الذي تتفاعل فيه وتستمد قيمتها وسلطتها منه.
سميرة توفيق والبدونة كمسار للوطننة
بعد الانقلاب على حكومة سليمان النابلسي عام 1957، شهد الأردن عملية وطننة للدولة والمجتمع، كانت اللهجة في قلبها. سعت الدولة للتأسيس لـ«لهجة أردنية» موحدة من خلال أدوات جماهيرية أهمها الأغنية الشعبية التي راجت بشكل رئيس بعد تأسيس الإذاعة الأردنية،[4] وإطلاق مشروع إحياء الفلكلور الأردني. كان لوطننة اللهجة أبعاد سياسية تدفع -عمليًا- نحو تحويل المحكية إلى ما يشبه لغة الدولة الرسمية، في تجاهل لكوْن المحكية لهجة منطقة أو إقليم أو مدينة أو قرية أو قبيلة، وهي بطبيعتها أقدم من الدولة الوطنية ولا يمكن أن تكون على مقاسها. فأي محاولة لخلق «لهجة دولة» هي موقف أيدولوجي يسعى إلى تحويل المحكية من لهجة مجتمعات (داخل الدولة الواحدة أو عابرة لها) إلى لهجة دول.
يشرح جوزيف مسعد في كتابه «آثار استعمارية: تشكل الهوية الوطنية في الأردن» كيف أن الوطننة في الأردن جاءت عقب عملية توطين للبدو بدأت مع تأسيس الإمارة، إذ كانت البداوة في ذلك الحين، العدو الأول من وجهة نظر الدولة حديثة النشأة والموظفين الاستعماريين الإنجليز الذين اعتبروا البداوة قضية بحاجة إلى «حل».
يقول مسعد إن القضية بالنسبة للدولة والاستعمار لم تكن مجرد استحداث مجموعة من الإجراءات لإدارة شؤون البدو، بل تغيير نمط حياتهم القائم على الترحال وفرض التقسيم الإقليمي عليهم من خلال مجموعة من الوسائل الضبطية والقوانين التي بدأت بقانون الإشراف على البدو لعام 1929.[5][6] يهدف القانون إلى إخضاع البدو (الذين كانوا يمثلون نصف سكان شرق الأردن)[7] ومراقبة تحركاتهم «كأنهم مشتبهون جنائيون»،[8] ومعيرتهم وإدماجهم في إطار الدولة الوطنية بعد «تحديثهم».[9] واستدعي للقيام بهذه المهمة القائد البريطاني جون باغوت غلوب (قائد الفيلق العربي 1939-1956) الذي عمل على إخضاع العشائر البدوية في العراق قبل المجيء إلى شرق الأردن.
من خلال سميرة توفيق، روجت الدولة النمط الغنائي الذي تغنيه باعتباره «غناء بدويًا»، بعدما فشلت المحاولات الأولى لنشر الأغاني بألوان الموسيقى البدوية التقليدية
شرع غلوب في نزع البداوة عن البدو وإعادة إنتاج بداوة جديدة تتناسب مع رؤية الاستعمار والدولة الوطنية من خلال التجنيد في الجيش و«منح عشرات الآلاف من البدو الهمجيين رؤية لنمط جديد من الحياة»،[10] كما ينقل مسعد عنه. كانت عملية تمدين البدو من خلال التجنيد في الجيش عنيفة، حيث قامت على تدمير الاقتصاد البدوي وضبط البدوي وإعادة تشكيله على مقاييس الحداثة الأوروبية، إضافة إلى جعل البدو يلعبون دور الشرطة على البدو أنفسهم، كما يقول مسعد.
إنتاج «الثقافة البدوية الجديدة» استمر لعقود طويلة، وكان لها غاياتها السياسية وانعكاساتها على حياة البدو وأجسادهم ومأكلهم وكلامهم وملبسهم. في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، قدمت الدولة هذه الثقافة الجديدة باعتبارها «الثقافة الوطنية». يصف مسعد العملية كالتالي: «إن عملية توطين البدو كانت جزءًا من عملية تقوم بها الدولة لإعادة تعريف ثقافة البدو للبدو أنفسهم، وفي الوقت ذاته تقوم الدولة بتقديم هذه الثقافة بوصفها الثقافة البدوية، ثم تطرح هذه الثقافة الجديدة بوصفها الثقافة المعيارية للمجتمع ككل، وتعرفها بأنها «الثقافة الأردنية» الحقة»[11].
إن ما يسميه مسعد «نزع البداوة عن البدو كمقدمة لبدونة الهوية الوطنية الأردنية»، كان له دور كبير في وطننة اللهجة من خلال بدونتها، وهذا ما نراه بوضوح مع صعود الأغنية الشعبية في الأردن في ستينيات القرن الماضي التي هدفت إلى «بلورة شخصية الدولة الأردنية القائمة على وحدة الضفتين»، كما يقول الباحث محمد الجريبيع.[12]
مع مطلع الستينيات، استقطبت الدولة الأردنية المغنية اللبنانية من أصول سورية ( أب مالطي وأم حورانية) سميرة غسطين كريمونة التي اشتهرت باسم سميرة توفيق، «لإحياء الفلكلور الأردني بصوتي»، كما تقول. وتخبرنا سميرة في مقابلاتها التلفزيونية كيف علّمها مسؤولو الدولة والإذاعة الأردنية ما تسميه أحيانًا بـ«اللهجة الأردنية» وأحيانًا بـ«اللهجة البدوية»، إذ كثيرًا ما تساوي «فنانة البادية الأولى» بين البداوة والأردنة في مقابلاتها من دون تمييز.
غنّت سميرة توفيق أول مرة في افتتاح الإذاعة الأردنية عام 1959 بعدما دعاها صلاح أبو زيد -أصبح فيما بعد مدير الإذاعة الأردنية- هي ومجموعة من المغنين والمغنيات العرب لإحياء حفلة الافتتاح. لم تتوفق سميرة في ذلك الحدث، بل انسحبت من الحفلة وهي تبكي بعدما فشلت في الغناء على المسرح أمام الملك الحسين وعدد كبير من المسؤولين. في اليوم التالي أقام لها أبو زيد حفلةً أخرى في منزل أحدهم وبحضور مجموعة من الفنانين ومسؤولي الدولة، غنت فيه سميرة عددًا من الأغاني والمواويل العراقية القديمة، وبعد أشهر قليلة وجّهت الدولة دعوة لها للقدوم إلى الأردن والنهوض بالأغنية الشعبية التي أصبحت أداة سياسية مهمة لبدونة اللهجة ووطننتها.
من خلال سميرة توفيق، روجت الدولة النمط الغنائي الذي تغنيه باعتباره «غناء بدويًا»، بعدما فشلت المحاولات الأولى لنشر الأغاني بألوان الموسيقى البدوية التقليدية (الشروقي، والهجيني، والحداء) بسبب هيمنة الأغاني المصرية والعراقية واللبنانية وعدم استساغة أهل الحضر في الأردن لهذا النمط الغنائي وعدم فهم العديد من كلماته المستمدة من لهجات البدو في الأردن.[13] عمل عدد من الشعراء وعلى رأسهم رشيد زيد الكيلاني[14] (من أصول حضرية) وبتوجيه من رجالات الدولة (الحضر والفلاحين) على تجميع وإعادة كتابة الفلكلور الشعبي المستمد بشكل رئيسي من فلكلور الفلاحين في الأردن وفلسطين مع بعض المصطلحات البدوية وتلحينه بألحان حديثة -مستساغة من قبل أهل المدن- وترويجه للجميع في الأردن والدول العربية باعتباره «بدويًا».
كان لحرف القاف أهمية قصوى في هذه الأغاني، إذ أن العديد من أغاني سميرة توفيق وغيرها في تلك المرحلة كانت تغنى بلهجات حضرية[15] بعيدة عن اللهجات البدوية مع التركيز الشديد على قلب القاف جيمًا قاهرية كما يلفظها معظم الشرق أردنيين وليس البدو فقط. يضرب الملحن روحي شاهين مثالًا مهمًا على مركزية حرف القاف في الأغنية الشعبية الأردنية، مذكرًا كيف أن مسؤولي الدولة الذين كانوا في ذلك الوقت يشرفون على إنتاج الأغنية في الإذاعة الأردنية كانوا يطلبون أن تغنى الأغاني بـ«الجال». «الإذاعة لأنها كانت في رام الله، كانوا يستخدموا اللهجة البيضا [الآل]، لما جينا ع عمان، أجو كبار المسؤولين، أذكر منهم، الله يرحمه دولة وصفي التل، هزاع المجالي، يشرفوا ع تسجيل الأغنية، بدهم أغنية أردنية بالجال».
شهد عقدا الستينيات والسبعينيات عملية بدونة للهجة في إطار تصديرها كلهجة وطنية أردنية
ساهمت أغنية سميرة توفيق في تعبئة حرف القاف بكم هائل من الرموز البدوية، فغنت لبيت الشعر والربابة والقهوة والهيل والجمل والخيل والثوب البدوي. كما ترافق مع أداء اللفظ أداءٌ آخر يتعلق بالملابس والرقص، مع الترويج لفساتين سميرة التي كان يصممها المصمم اللبناني وليم خوري على أنها زي بدوي، والتعبير عن الرقص والموسيقى واللهجة المصاحبة لأغانيها باعتبارها عناصر تنتمي إلى نمط حياة البداوة. يقول مصطفى الخشمان الباحث في الشعر البدوي: «لما إجت سميرة توفيق وغنت هاي الأغاني، هاي الأغاني نظموها فلاحين. وصفي التل وحابس المجالي وغيرهم. لكن كانت النظرة إنه هذا الكلام كلام بدوي. الشعر البدوي إله مفردات بدوية خاصة، الكلام اللي غنته سميرة توفيق هذا كلام وأغاني الفلاحين (..) لا الكلمات ولا اللحن ولا الرقص بدوي، أغاني البدو ما فيها رقص، دبكات خبط بالأرجل، بس ما في نط». [16]
بعدما تعلّمت سميرة توفيق لفظ حرف القاف على الطريقة البدوية المتخيلة، تقمّصت دور البدوية «الأصيلة» وأصبحت تنظر لنفسها باعتبارها بدوية ولدت ونشأت في البادية، فتقول في إحدى مقابلاتها «أنا روحي بْدوية، يعني إحساسي وشعوري ونفسيتي كلها بْدوية، كأني خلئانة بالصحرا وعايشة فيها». وتفتخر المغنية أنها أجادت الحديث بـ«الجال» بعكس أبناء بيروت. فتقول في مقابلة معها أن الجمهور، في إحدى الحفلات في بيروت، كان يهتف «نسكافيه، نسكافيه» طالبًا منها أن تغني أغنية «صبوا القهوة»، وتقول إنها لم تعرف ماذا يريدون قبل أن يصرخ أحد الحضور «بدنا غنية الأهوة». «ئلتله، الأهوة!! أُول الجهوة في عينك، شو الأهوة هاي، أُول الجهوة (…) ما كانوا آدرين يؤولوا الجهوة، فيؤولوا نسكافيه» (..) بتعرف من الفرنساوي بدك تعلمهن اللهجة البدوية؟!».
يتضح هنا أن اللهجة البدوية عند سميرة توفيق ما هي إلا قلب القاف جيمًا قاهرية لا أكثر. وهذا واضح في غنائها، إذ يبدو أنها لم تُعلّم لفظ أحرف أخرى كما يلفظها معظم البدو في الأردن، بل كان التركيز ينصب بشكل رئيسي على القاف مع أنها تقول بأنها تعلمت «اللهجة» بشهر وأصبحت متمكنة لدرجة أنها صارت تصحح للكورال اللفظ. فمثلًا، في إحدى حفلاتها وهي تغني أغنية «وين ع رام الله» تلفظ كلمة حظي مرة بالظاء ومرة بالزاي فتصبح «حظي ونصيبي، ريتك من الله حزي ونصيبي»، كما تقلب الثاء تاءً والضاد دالًا في أغانٍ أخرى، كما يفعل الكثير من أهل المدن في المشرق حين يحكون.
مع أنه لا وجود لشيء اسمه «اللهجة الأردنية» كما لا يوجد شيء اسمه «اللهجة الفلسطينية» أو اللبنانية وغيرها (فاللهجات محكيات مناطق ومجتمعات وقبائل وتختلف من منطقة لأخرى داخل البلد الواحد وتشترك مع منطقة أخرى خارج البلد الواحد)، إلا أن عقد الستينيات والسبعينيات شهدا عملية بدونة للهجة في إطار تصديرها كلهجة وطنية أردنية، وكان لأغنية سميرة توفيق دور في ذلك. وكان للقاف وطريقة لفظه الدور الرئيس في هذه العملية، مع أن قلبه جيمًا قاهرية لا يقتصر على البدو فقط، ويوجد حتى اختلاف في لفظه عند البدو أنفسهم. فعلى سبيل المثال، عند العدوان وبني حسن وبعض عشائر بدو الوسط تقلب القاف أحيانًا جيمًا معيارية، فيقال مثلًا عن إبريق الماء «بريج»، ونلاحظ هذا في القصيدة البدوية الشهيرة «يا طروش ياللي ناحرين المراجيب»، أي «المراقيب» وهي الجبال العالية.[17]
قاف ما بعد السبعين: ديناميكيات القوة وتقسيم العمل
مع مطلع سبعينيات القرن الماضي، كانت الخارطة القافيّة في عمان كالتالي تقريبًا مع وجود استثناءات: يتحدث الأردنيون-الفلسطينيون من أصول قروية رجالًا ونساءً بـ«الكال»، ويتحدث الأردنيون-الفلسطينيون من أصول حضرية رجالًا ونساء بـ«الآل»، ويتحدث الشرق أردنيون من العشائر البدوية المستقرة في عمان رجالًا ونساءً بالـ«جال»، ويتحدث معظم الرجال والنساء الشرق أردنيين الحضريين المقيمين في عمان بـ«الآل».
يتفق العديد من الباحثين[18] على أن الصراع السياسي-العسكري بين فصائل الثورة الفلسطينية والنظام الأردني ألقى بتأثيراته على المحكيات في عمان وأعاد تصنيفها وتعريفها اجتماعيًا وسياسيًا مما غير من استخدامات القاف في الحيز العام والخاص وأعاد رسم الخارطة من جديد.
يستند الباحث ياسر سليمان في كتابه «A War of Words: Language and Conflict in the Middle East» إلى مجموعة من الدراسات والأبحاث اللسانية الميدانية التي أجريت في عقد الثمانينيات والتي ترصد التغيرات التي طرأت على نطق حرف القاف في عمان، بشكل رئيس عند الأجيال الشابة وليس عند الكبار بالعمر. يشير سليمان إلى تحول الرجال الأردنيين-الفلسطينيين القرويين من «الكال» إلى «الجال»، وتحول الرجال الأردنيين-الفلسطينيين الحضريين من «الآل» إلى «الجال»، وتحول الرجال الشرق الأردنيين الحضريين من «الآل» إلى «الجال». في المقابل، تحوّلت الأردنيات-الفلسطينيات من أصول قروية من «الكال» إلى «الآل»، وتحوّلت الشرق الأردنيات من أصول قروية وبدوية من «الجال» إلى «الآل»، وبقيت النساء الحضريات الشرق الأردنيات والأردنيات-الفلسطينيات متمسكات ب«الآل».[19] وأصبح يطلق على التحول النسائي نحو «الآل» في الدراسات اللسانية «التحضر اللغوي» أو «تأنيث الكلام»،[20] تحديدًا أن صوت القاف في عقد السبعينيات بدأ يحيل إلى تعريفات وتوصيفات جديدة. فأصبح ينظر إلى «الآل» -كما تظهر الدراسات التي يستخدمها سليمان- باعتبارها لهجة «لطيفة» و«ناعمة» و«أنثوية»[21] مقارنة بـ«الكال» و«الجال»، بينما أصبحت «الجال» تحمل دلالات خاصة بالذكورة والرجولة والوطنية كما يبين مسعد في كتابه.
بالتالي، تعرّض حرف القاف في عمّان إلى جنسنة أفضت إلى تقسيم لساني بين رجال يتحدثون بـ«الجال» من مختلف الخلفيات الاجتماعية والإقليمية، وبين نساء يتحدثن بـ«الآل» من خلفيات اجتماعية واقليمية مختلفة، إلا أن إحالة وتحليل ما حدث إلى فروقات متعلقة بالنوع الاجتماعي وحده لن يوصلنا إلى فهم وتفسير متماسك لما حدث. يطرح سليمان مجموعة من الحجج والأسئلة التي تثبت ذلك، ويتساءل: لماذا تحول الرجل الأردني-الفلسطيني القروي من «الكال» إلى «الجال» وليس إلى «الآل»، في حين أن علاقات القوة بين «الكال» و«الآل» والسلطة الرمزية للأخيرة المتأتية من «تفوق» المدينة، ووصم «الكال» بسلبية باعتبارها لهجة فلاحين «أدنى» مرتبة في التراتبية الاجتماعية السائدة، قد تدفع بالقروي الفلسطيني إلى التحوّل إلى «الآل» وليس إلى «الجال»، كما يفعل بعض أبناء بيت لحم أو الجولان حين يختلطون بأبناء القدس أو دمشق. وكذلك الحال بالنسبة للشرق أردنيين والأردنيين-الفلسطينيين الحضريين الذين تعتبر «آلهم» أعلى مرتبة وفقًا للتراتبية الاجتماعية السائدة من «الجال» التي تبنوها بعد السبعين. وإذا كانت «الجال» تتميز بالرجولة، فلماذا بدأ الذكور الأردنيون-الفلسطينيون القرويون والحضريون باستدخال هذا المعيار في مطلع السبعينيات وليس قبل ذلك؟
يعزو مسعد التغيرات اللسانية على لفظ القاف في عمان إلى النتائج السياسية المترتبة على «أحداث أيلول» وتحول الفلسطيني إلى آخر لمشروع الوطننة المستمر. ويذكر سليمان كيف بدأ زملاؤه وأصدقاؤه في الجامعة الأردنية من الذكور الأردنيين-الفلسطينيين باستخدام«الجال» بديلًا عن «الكال» و«الآل» وتحديدًا «الكال» حين كان طالبًا في الجامعة عام 1970. كان يلاحظ ذلك يوميًا عند التفتيش على الهويات الشخصية من قبل رجال الأمن في الشارع الممتد من دوار المدينة إلى الجامعة الأردنية. كما يذكر كيف أن أخاه الصغير الذي كان عمره عام 1971 إحدى عشر عامًا بدأ يستخدم «الجال» في الأماكن العامة مع أنها غير مستخدمة في العائلة.[22] يتقاطع ذلك بوضوح ما يقوله مسعد: «مع وطننة اللهجة وجنسنتها، أخذ الفتيان الفلسطينيون والشرق أردنيون الحضريون الذين ينطقون الهمزة بدل القاف قبل سن البلوغ، يحولون نطقهم عند الوصول إلى سن البلوغ فينطقونها «ج» للتأكيد على ما اكتسبوه من ذكورة».[23]
تعرّض حرف القاف في عمّان إلى جنسنة أفضت إلى تقسيم لساني بين رجال يتحدثون بـ«الجال»، ونساء يتحدثن بـ«الآل»
يشير سليمان إلى أن الملصق الإثني-اللغوي «بلجيكي» الذي أطلق على الأردنيين-الفلسطينيين، والذي كان محمّلًا بالتعابير الهوياتية ومعبئًا بالثنائيات التي ترمز للموقع والتراتبية، كان له أثر على التقسيمات الجديدة للفظ القاف في عمان. ساهم هذا التوصيف برسم الحدود بين الشرق أردنيين والأردنيين-الفلسطينيين كمجموعتين داخلية وخارجية على التوالي، كما عزز «التباينات في علاقات السلطة المؤسسية وتبرير وصف الفلسطينيين بأنهم مجموعة تابعة والأردنيين بأنهم مجموعة مسيطرة»، مما أكسب «الجال» رأس مالٍ رمزيًا، باعتباره يمثل لهجة المجموعة المسيطرة.[24]
ترافق ذلك مع عامل مادي مهم، أصبحت «الجال» من خلاله لهجة رجالات الدولة، وهو تقسيم العمل على أساس هوياتي-إقليمي. لأسباب سياسية، أصبح القطاع العام بعد أيلول 1970، مؤسسة خاصة بالرجال الشرق أردنيين، وأصبحت «الجال» لهجة رجل الأمن وموظف الإدارة العامة والعسكري والفني والقاضي، بالتالي اكتسبت قوتها ورمزيتها باعتبارها لهجة المؤسسة والرجال تحديدًا. وفي السياق نفسه، بات يحكم على «الآل» -بتأثيرات عملية البدونة– باعتبارها لهجة مؤنثة أو مخنثة، وكان هذا الحكم يستند على نظرة البدو إلى أهل المدن المستقرين باعتبارهم «أقل رجولة»، فهم الذين تخلوا عن السلاح، ويفتقرون إلى الشجاعة، ويبحثون عن الراحة والرفاهية داخل بيوتهم. هذا الترتيب الجديد -يقول مسعد- قام بتأنيث الشباب الحضريين الأردنيين-الفلسطينيين، «فأخذوا ينطقون حرف القاف «ج» بدلًا من «الهمزة» تأكيدًا لذكورتهم عندما يكونون في صحبة الرجال».[25]
«آل» النساء: المكانة أم العمل؟
على الجانب الآخر؛ جانب النساء، قد يكون من المخل أن نستسهل ونقول: «بالتالي أصبحت الآل لهجة النساء في عمان». تعزو الباحثة إنعام الور في ورقة لها بعنوان «The Lifecycle of Qaf in Jordan» تبني النساء الشرق أردنيات والأردنيات-الفلسطينيات من أصول قروية وبدوية لـ«الآل» إلى محاولة استعادة المكانة. فنظرًا إلى أنهن محرومات من السلطة في الحياة العامة، فقد تبنين «الآل» المرتبطة برمزية اجتماعية مستمدة من مدن رئيسية في المشرق كدمشق وبيروت والقدس كطريق وحيد لتأكيد المكانة.[26] ويعتمد ناهض حتر على دراسة الور ليستنتج أن «النساء المهمشات سياسيًا، يلفظن القاف (آ) متمثّلات اللهجات الشامية والمدنية الفلسطينية واللبنانية»، ويحمّلهن مسؤولية «عرقلة التطور الطبيعي للهجة العمانية» المتمثلة بـ«الجال»، لكونهنّ غير «مُندمجات» في الحيز العام و«يتركن لدى أطفالهن الذكور، خلائط لهجوية قد تعرقل اندماجهم وتطورهم السياسي»، كما يقول حتر.
غيبت الور «الطبقة» كعامل أساسي في دراسة اللهجات، وتجاهلت «الكال» ومستخدميها ما أدى إلى وصولها إلى استنتاجات مستعجلة بنى عليها حتر تحليلًا يلوم النساء على عدم تبني اللهجة التي عمل الرجال المهيمنون على تحويلها إلى لهجة خاصة بهم. فالإجابة على سؤال لماذا تبنت النساء الأردنيات-الفلسطينيات القرويات «الآل» متخليات عن «الكال»، قد يساعد على معرفة كيف هيمنت «الآل» عند النساء في عمان. المسألة باعتقادي ليست في عدم فعالية النساء وعدم انخراطهن بالحياة العامة، بل العكس تمامًا.
كان ممكنًا لدى النظام السياسي أن يستبدل الطاقم البيروقراطي المكون من الرجال الأردنيين-الفلسطينيين والشرق أردنيين بالرجال الشرق أردنيين حصرًا، الأمر الذي لم يكن ممكنًا عند النساء لأسباب اقتصادية واجتماعية. النسبة الأكبر من النساء العاملات في القطاع العام في فترة السبعينيات والثمانينيات كانت من الأردنيات-الفلسطينيات المدينيات، المتحدثات بـ«الآل» واللواتي تلقين تعليمًا مبكرًا، بعكس القرويات والبدويات الشرق أردنيات والأردنيات-الفلسطينيات. فالمرأة المعلمة في بداية السبعينيات، من المفترض أن تكون قد أنهت تعليمها الثانوي في الخمسينيات أو الستينيات، الأمر الذي كان متاحًا للمدينيات أكثر من الريفيات في الأردن.
تقول سهير سلطي التل في كتابها «مقدمات حول قضية المرأة والحركة النسائية في الأردن» إن فرص الفتاة الأردنية الريفية أو البدوية في التعليم في ذلك الوقت كان أقل بكثير من فرص الفتاة المدينية، حيث أن مفهوم التعليم الإلزامي الذي أُقرّ في الخمسينيات كان يعني توفير مقاعد دراسية للمرحلتين الابتدائية والاعدادية في كل مكان ولا يعني إلزام أولياء الأمور بإرسال بناتهم للدراسة.[27] في السبعينيات، كانت نسبة المسجلات في المراحل التعليمية في المدن الرئيسية مثل عمان والزرقاء واربد تصل إلى 47%[28] وهي نسبة عالية جدًا إذا ما قورنت بنسب المسجلات في باقي محافظات المملكة. وتعزو التل توقف الفتاة الريفية أو البدوية عن التعليم بعد التعليم الإلزامي إلى أسباب عديدة منها أن الفتاة التي ترغب بأن تستمر في التعليم بالمرحلة الثانوية كان يجب عليها أن تسافر يوميًا إلى مركز اللواء أو المحافظة، وتقول التل إن «تكاليف الدراسة الثانوية ومصاريف السفر اليومي يدفع بالكثيرين إلى التوقف عند حد التعليم الإلزامي».[29] كان هذا يحدث في ظل نظام اجتماعي يفضل الإنفاق -إذا كان لا بد منه- على الذكر وليس على الأنثى. إضافة إلى هذا، كثيرًا ما كانت الفتاة الريفية الأردنية تتوقف عن التعليم لتساهم في اقتصاد الأسرة. وحتى الفتيات الأردنيات الريفيات اللواتي يدرسن الإعدادية أو الثانوية كثيرًا ما كُنّ يحصلن على تعليم متقطع في مواسم الزرع أو الحصاد، قد ينتهي بهن بالتوقف عن التعليم كليًا.[30]
إذا كان لتقسيم العمل وعوامل سياسية دورٌ في هيمنة «الجال» عند الرجال باعتبارها لهجة المؤسسة ورجال الدولة، فإن لتقسيم العمل دورًا في هيمنة «الآل» عند النساء
تأخر الشرق أردنيات القرويات والبدويات بالالتحاق بالتعليم مقارنة بالأردنيات -الفلسطينيات له أساس مادي، ولا يتعلق من قريب أو بعيد بمقولات التفوق التي يتبناها بعض الفلسطينيين أحيانًا تحت تأثير النزعات الوطنية. فالتعليم لا يستمد قيمته من ذاته، بل ما يجعل له قيمة هو ما يوفره من رأس مال اقتصادي يشكل أرضية لرأس مال اجتماعي. وحين كان الأردني البدوي أو الفلاح يقف على بنية اقتصادية فلاحية أو بدوية ثابتة، تؤمّن الأساسيات المطلوبة في ذلك العصر، كان من المنطقي ألا يبحث عن بنية جديدة أو أن يساهم بيده بضرب بنيته من خلال سحب بناته إلى بنية أخرى (حداثية-مدينية) تشكل النقيض له. أما الأردني-الفلسطيني اللاجئ الذي حطمت بنيته الاقتصادية مع احتلال فلسطين لم يعد يملك خيارًا آخر سوى التأسيس والانخراط في بنية أخرى تضمن له الاستمرار في الحياة. وهذا ما تؤكده التل، إذ تقول إن 71 بالمئة من مجموع العاملات عام 1975 هنّ من محافظة عمان[31] ذات الأغلبية الأردنية-الفلسطينية.
استفادت الفتيات المتعلمات من تطور التعليم الثانوي المهني وإدخال مجالات تعليم مهني جديدة في بداية السبعينيات، مثل التمريض والبريد والخياطة والتجميل، وتأسيس المدارس الشاملة للإناث التي زاد أعداد الملتحقات فيهن من 497 عام 1970 إلى 2831 عام 1978.[32] كما شهد الأردن توسعًا في تأسيس المعاهد المتوسطة بعد الثانوية، وتوسعت هذه المعاهد بعدما كانت تعلم تخصصات محددة جدًا لتدرس المهن المساعدة، مما زاد من عدد الملتحقات في التعليم المتوسط المهني من 419 ملتحقة عام 1970 إلى 3423 عام 1978.[33] وتقول التل إن نسبة العاملات في قطاع الخدمات والإدارة العامة فقط، أي الوزارات والدوائر المعنية في القطاع الحكومي عام 1975 كانت 23.5 بالمئة من مجموع القوى العاملة النسائية، وكانت وزارة التربية والتعليم في العام نفسه تشغل قرابة 12 ألف معلمة ومستخدمة وسكرتيرة، وكانت وزارة الصحة تشغل قرابة 1600 امرأة.[34]
اعتمادًا على هذا المسار الاجتماعي والاقتصادي لتطور الدولة الأردنية، نستطيع أن نقول إن «الآل» اكتسبت فعالية اجتماعية بحكم أنها لهجة المعلمات، والممرضات، والجامعيات أيضًا. من المهم أن نتذكر أن المبعوثات للدراسة الجامعية في الخارج (على نفقة الوزارة أو نفقتهن الخاصة)، اللواتي ازداد عددهن من 62 طالبة عام 1966 إلى أكثر من 5 آلاف مبتعثة عام 1978،[35] كانت غالبيتهن مدينيات يتعلمن في جامعات دمشق وبيروت والقاهرة، حيث يتحدث النساء والرجال بـ«الآل».
أُمّي من عائلة فلسطينية قروية، هجّرت «إسرائيل» عائلتها عام 1948 من إحدى قرى جنين المدمرة ولجأت إلى عمّان وسكنت في منطقة المحطة (محطة الحجاز)، في حي المعانية، حيث كان والدها يعمل «بالسكة». تخبرني كيف بدأت التحول من «الكال» إلى «الآل» في منتصف السبعينيات بتأثير معلماتها المدنيات في المدرسة، إذ ما زالت لليوم تذكر أسماء عائلاتهنّ وأصولهنّ المدنية. ويخبرني صديق مكث في المستشفى العسكري في ماركا ثلاثة شهور في مطلع السبعينيات أن جميع الممرضات في المستشفى (شرق أردنيات أو أردنيات-فلسطينيات) كن يتحدثن بـ«الآل»، رغم أن ماركا كانت منطقة فيها تنوع لساني، إذ يسكنها بدو شرق أردنيون يتحدثون بـ«الجال»، وقرويون أردنيون-فلسطينيون كانوا يتحدثون بـ«الكال»، وحضريون أردنيون وأردنيون-فلسطينيون كانوا يتحدثون بـ«الآل». كانت الممرضات يدرسن في كلية الأميرة منى في ماركا، ويُقِمن في سكن الممرضات، ويتدربن في المستشفى العسكري تحت إشراف أطباء رجال شرق أردنيين أو أردنيين-فلسطينيين حضريين، تلقوا تعليمهم في الدول العربية أو أميركا أو بريطانيا، وكانوا يتحدثون بـ«الآل» وكان لهذا أثر مباشر على الممرضات من أصول غير حضرية لتبني «الآل» في الحياة العامة.
فإذا كان لتقسيم العمل وعوامل سياسية دورٌ في هيمنة «الجال» عند الرجال باعتبارها لهجة المؤسسة ورجال الدولة، فإن لتقسيم العمل دورًا في هيمنة «الآل» عند النساء. فالنساء الفاعلات في المجال العام واللواتي يعملن بالتمريض والتعليم ومهن أخرى ويتكلمن بـ«الآل»، كنّ في نظر النساء الأخريات يتمتعن بمكانة اجتماعية حداثية وبمقام «أعلى» في التراتبية الاجتماعية السائدة، إضافة إلى تصدير «الجال» كلهجة رجال، بالتالي أصبح لـ«الآل» فاعلية اجتماعية ورأس مال رمزي تسعى النساء الأخريات في عمان إلى امتلاكه.
ومن المهم أن نتذكر أن التلفزيون ساهم في تكريس هيمنة الآل عند النساء باعتبارها «أرقى» من «الكال» و«الجال»، إذ كانت أكثر مسلسلات الثمانينات تبرز المرأة التي تتحدث بـ«الآل» باعتبارها امرأة حداثية وفاعلة في الحياة العامة، مثل شخصية المُعلّمة في مسلسل «العلم نور» التي أدت دورها الممثلة عبير عيسى، إضافة إلى النساء الشابات في مسلسل «حارة أبو عواد» ومسلسل «عليوة والأيام». ومع مطلع التسعينيات رسخت «الآل» كلهجة نساء عمان، وأحد مؤشرات ذلك تبنيها من قبل جميع مقدمات برنامج «يسعد صباحك» الواسع الانتشار ابتداء من جمان مجلي أول مقدمة للبرنامج، مرورًا بمنتهى الرمحي، وصولًا إلى لانا القسوس.
مع تحول اللهجات المرتبطة بالمنشأ الاجتماعي والجغرافي (مدينة، ريف، بادية) غير المجنسنة إلى لهجات وطنية مجنسنة، انعكس هذا على طبيعة العلاقات اللسانية في عمان ومعانيها ومضامينها الاجتماعية والسياسية. ونستطيع أن نلمس هذا في حياتنا اليومية وتعاملنا مع بعضنا البعض.
التبني والتناوب: القاف اليومية
تراجعت «الكال» تراجعًا حادًا بعد أن تبنى رجالها «الجال» وتبنت نساءها «الآل»، فالمنكسر والمغلوب يتبنى رموز المسيطر ولغته كما يقول بورديو.[36] لهذا، قد تختفي «الكال» بالكامل من سوق المحكيات في عمان بعد أن تفارق المسنات الأردنيات-الفلسطينيات الحياة، وتتوقف قناة «رؤيا» عن استضافتهن وعرضهن بأثوابهن الفلاحية كجزء من التراث، وتكريس لهجتهن كلهجة قديمة «عفا عليها الزمن».
كثيرًا ما يحدث تناوب بالحياة اليومية في عمان بين «الجال» و«الآل» وبالعكس، وبشكل أقل بكثير بين «الكال» وكليهما. يقول مسعد إنه من «الطريف في الأردن تتبع التعثر في لهجات الجميع، سواء أكانوا رجالًا أردنيين فلسطينيين، أم رجالًا ونساء شرق أردنيين/ات حضريين وطنيين، وتحديدًا عندما ينزلق لفظ حرف القاف في حديثهم من «ج» إلى همزة؛ ذلك أن القناع الوطني الجديد يصعب ارتداؤه طوال الوقت»[37]
ويحدث تناوب آخر وفقًا لمتغيرات اجتماعية عديدة مرتبطة بطبيعة المحادثة وموقع طرفيها في السلم الاجتماعي والسياسي، ومكانها وغايتها المتمثلة بالموافقة الاجتماعية أو الخضوع، وفقًا لحاجات المتحدث المادية أو الرمزية وعلاقته بالمُستقبِل إضافة إلى جنس كل منهما. فتبني قاف هنا وتبديلها هناك يخضع، كما يقول سليمان، للتبادل الاجتماعي بين ثنائية «التكلفة والمنفعة» في علاقاتنا الاجتماعية-اللسانية اليومية.
من مشاهداتي الخاصة ومشاهدة بعض الأصدقاء المتقاطعة والمتكررة غير المبنية على دراسات علمية ذات مناهج إمبريقية، وإن كنت أتحفظ على العديد من هذه المناهج، سوف أتطرق لبعض الأمثلة اليومية لاستخدامات القاف وتبدلاتها في الفضاءين العام والخاص في عمان. فقد ترى شابًا يتكلم مع أصدقائه الذكور بـ«الجال» وينتقص من قيمة من يتحدث بـ«الآل» في حيز الرجال باعتبارها مؤنثة أو مخنثة، لكنه، وفي الوقت نفسه يتخلى مؤقتًا عن «الجال» حين يتحدث مع الشابات. فالحديث بـ«الآل» مع الرجال قد يجعله عرضة للحكم الذكوري الذي ينتقص من رجولته، بينما تخليه عن «الجال» في الحديث مع بعض الشابات قد يضفي على شخصيته صبغة حضرية/متمدنة، يعتقد بعض الشباب بأن النساء في عمان يفضلنها. كما أن الشاب الذي يتحدث بـ«الجال» في حياته اليومية قد يتخلى عنها لمصلحة «الآل» في مقابلة عمل في شركة خاصة أو إحدى المنظمات غير الحكومية، لكي يظهر بمظهر الشاب الحداثي-المتمدن.
التناوب بلفظ القاف يأخذ أشكالًا أكثر تعقيدًا في بعض السياقات الاجتماعية. أحد الأصدقاء كان يقلب بين «الكال» و«الجال» و«الآل» بشكل متقن ويومي، فهو يتحدث بالمنزل بـ«الكال» (كفرد في عائلة تتحدث بالكال) ويتحدث في الحارة بـ«الجال» (كي يُقبل كرجل) ويتحدث في مدرسته الخاصة الذي حصل على منحة للدراسة فيها بـ«الآل» (كي يخفي موقعه الطبقي/الاجتماعي). وتفعل أمي الشيء نفسه فهي تتحدث مع الخضرجي بـ«الكال» (من أجل خلق تقارب اجتماعي أكبر بينهما يمنعه من أن يزيد السعر عليها)، بينما تتحدث بـ«الآل» في عرس دعيت عليه في إحدى مناطق عمان الغربية (كي تخفي موقعها الطبقي ووصمة لهجة الفلاحين).
هناك استثناء وحيد، كنت قد عايشته في عمان، يتعامل مع «الكال» النسائية بإيجابية تجعل مِمن تتبناها في الكلام نحو التمسك بها دون التحويل إلى «الآل». كانت لي صديقة أردنية-فلسطينية من أصول قروية تتحدث بـ«الكال» وتحظى بإعجاب العديد من الرجال، فصديقتي هذه حداثية، متعلمة تعليمًا عالي، تتحدث الانجليزية بطلاقة، مستقلة اقتصاديًا، تنتمي للطبقة الوسطى، وتعمل في مؤسسة دولية. في هذه الحالة تضفي «الكال» على حياتها إثارة لدى الرجال الأردنيين-الفلسطينيين فهي بنظرهم تجمع بين الحداثة والتراث، وبلغة أدبية متمدنة لكن فيها «شيء من بقايا الوطن». هذا الوضع لا يمكن أن يكون نفسه لو كانت صديقتي هذه فتاة تعيش في احدى مخيمات عمان أو مناطقها الشعبية.
إن النساء المتحدثات بـ«الجال» أو «الكال» في عمان قد يجبرن في لحظات عديدة من حياتهن أن يقلبن إلى «الآل» كي يُقبلن في سياقهن الطبقي والمجنسن. فالنظرة إلى «الجال» باعتبارها لهجة رجال ليست حكرًا على الرجال أنفسهم، فالعديد من النساء يتبنين النظرة نفسها «للجال». تخبرني صديقة شرق أردنية من أصول قروية كيف أنها طيلة فترة دراستها في المدرسة كانت تتبنى «الآل» في المدرسة و«الجال» في البيت كي تقبل اجتماعيًا وتتساوى رمزيًا مع بنات مدرستها اللواتي ينتمين إلى عائلات من أصول سورية وفلسطينية مدنية. وهذا ينطبق تمامًا على أم صديقي المعلمة في مدرسة خاصة والتي كانت تسكن في أحد مخيمات عمان للاجئين الفلسطينيين وهي من أصول قروية، إذ اضطرت أن تحول من «الكال» إلى «الآل» بشكل يومي بين البيت والمدرسة، وهي اليوم مضطرة أن تتبنى «الآل» لأن ابنتها ترفض أن تتحدث أمها مع حفيدتها بـ«الكال» باعتبارها لهجة لا تليق بالأطفال، وتخشى أن تتعلمها منها فتوصم بالمستقبل بما تحمله «الكال» من دلالات دونية في المجتمع العماني.
وكما تمتعض بعض الشابات الأردنيات-الفلسطينيات من أصول قروية من تحدث أمهاتهن مع أحفادهن بـ«الكال»، فإن بعض النساء الشرق أردنيات العمانيات من أصول قروية يمتعضن من أن يتحدث آباؤهن مع حفيداتهم بـ«الجال»، ولا يمانعن من أن يتحدثوا مع أحفادهم بها. من المهم أن نتذكر أن هيمنة «الجال» باعتبارها لهجة رجال ينطبق على عمان وحدها تقريبًا، فالمرأة في المحافظات بالغالب تتحدث بـ«الجال»، ولا ينظر إليها بأنها مسترجلة أو تتدخل في حيز الرجال.
إذا نحينا جانبًا التخيلات الوطنية سنرى واقع المحكيات في الأردن أكثر اتساعًا بكثير مما رسمته الدولة الوطنية
من جانب آخر، قد يكون مفهومًا التخلي عن «الكال» من قبل أصحابها، فقد تعرضت لهزات عديدة، مادية ورمزية. لكن التحويل من «الآل» إلى «الجال» عند أبناء الطبقات الوسطى والعليا الذكور في عمان لا يمكن فهمه إلا من باب الاسترجال. وقد شاهدنا كيف أن عددًا من ممثلي مسلسل جن كانوا يتحدثون بـ«الجال» عندما يغضبون ويريدون أن يبدوا أكثر رجولة. فـ«الآل» ما زالت توصف بأنها «ناعمة» و«ومؤنثة» و«مخنثة» أيضًا. لذلك، قد تسمع شخصًا يقدم على أنه مثلي يصور ويتحدث بـ«الآل» في أحد المسلسلات الأردنية، لكن من الصعب جدًا أن تسمعه يتحدث بـ«الجال» في هذا المسلسل أو بغيره.
من جهة أخرى، يُحكم على «الجال» في بعض السياقات بأحكام حداثية-عمرية إضافة إلى الجنسنة. لا تخفي أمي -التي تبدّل لهجتها القروية خجلًا أو اضطرارًا في كثير من الأحيان- امتعاضها من استخدام أبناء أخي، المتزوج من شرق أردنية، تنتمي إلى قبيلة بدوية استقرت بالعقود الأولى من القرن الماضي، «الجال» في الكلام. فهي تعتقد بأن «الجال» رمز للبداوة، ولا تليق بالأطفال ولا بلهجة أبناء المدن الحديثة، وهي بذلك تتواطأ[38] مع النظرة التطورية الحداثية التي تنظر للبداوة كبنية قديمة «متخلفة»، تمامًا كما ينظر أبناء المدن للبنية الفلاحية. بينما لا يكترث أبي بالموضوع، وكأنه استدخل «الجال» دون أي مساءلة.
هذه النظرة لعلاقة «الجال» بالبداوة لها سياق مهم، كنت قد تطرقت إليه في بداية المقال. أمّي وغيرها من أبناء المدينة لا يعرفون أنه لا توجد أي علاقة بين لهجة الكثير من أبناء عمان الذين يتحدثون بـ«الجال» وبين اللهجات البدوية سوى بقلب القاف جيمًا قاهرية، كما يفعل الغالبية العظمى من البدو. فاللهجة البدوية مقصاة من الفضاء العام في عمان، فلا هي لهجة أبناء المدينة ورجال أعمالها، ولا هي لهجة وزرائها ورؤسائهم، ولا هي لهجة البرامج التلفزيونية، والدعايات، والمسلسلات (إذا استثنينا المسلسلات البدوية التي تُنقل بعيون ماضوية تراثية). وتصوّر اللهجة البدوية باعتبارها شيئًا من الماضي[39] غير حاضر في واقع الحياة في عمان وقد لا يفهمها أهل عمان جيدًا ويعتبرون المتحدث بها غريبًا عن المدينة وربما عن البلد. يقول المسؤول السابق لمؤسسة المواصفات والمقاييس حيدر الزبن (من أصول بدوية)، في مقابلة مع طوني خليفة، كيف أنه تخفّى مرة وذهب ليكشف عن محطة محروقات «هاي المحطة، إجت عليها أكثر من شكوى، وصاحب المحطة له نفوذ (..) فارتديت الثوب البدوي والشماغ ونزلت وحكيت باللهجة البدوية، فهو [فكر] إني أنا من خارج الأردن، غشّني، فضبطته»، يقول الزبن.
خاتمة
هناك تحولان قد يحدثان في العقود القليلة القادمة. قد نشهد تزايدًا في استخدام «الآل» عند الرجال الشرق أردنيين والأردنيين-الفلسطينيين، وتحديدًا عند الطبقات الوسطى والعليا وعند موظفي بعض القطاعات التجارية. في السنوات الماضية، ومع صعود القطاع الخاص وتراجع القطاع العام، تبنى العديد من الرجال العاملين في البنوك والشركات «الآل» كمُكمّل لاستخدام الإنجليزية في العلاقات الوظيفية. ومن الملاحظ أن العديد من العاملين من الفقراء والطبقات الوسطى الدنيا في أعمال تتطلب التعامل مع الزبائن يستخدمون «الآل» بشكل متزايد، في وقت العمل. أكثر من سائق يعمل لدى شركة كريم أخبرني بأن «الآل» أفضل للعمل باعتبارها «أكثر رقيًا» و«أقل دفاشة»، وهذا ينطبق على العاملين في المطاعم الفاخرة وتنظيم الأعراس والمولات وبعض التلفزيونات والإذاعات، إضافة إلى العاملين في خدمة العملاء.
هذا لا ينطبق على عمان فقط بالمناسبة. منذ فترة كنت بإحدى المطاعم السياحية في عجلون وكان العمال يتحدثون بـ«الآل». سألت أحدهم وهو من منطقة عنجرة فقال إن الإدارة تطلب من الموظفين أن يكونوا ألطف مع الزبائن، خاصة أنهم من عمان، وهو ما تُرجم إلى الحديث بـ«الآل». أما في البترا ووادي رم، تكون «الجال» جذابة أكثر للسياح المستشرقين والساعين لعيش «تجربة البداوة». لا أعتقد بأن الشاب العجلوني وزملاءه في العمل سيحوّلون لـ«الآل» بشكل كلي، فـ«الجال» في المحافظات مهيمنة وسائدة بشكل مستقر. لكن التناوب بين «الآل» و«الجال» في عمان عند بعض العاملين في القطاع الخاص قد يجعلهم لاحقًا يحولون لـ«لآل» بشكل كامل.
إضافة إلى هذا، في بعض السياقات، أصبحنا نرى «الآل» تكتب كما تلفظ. فبعض المقاهي في عمان الغربية تكتب «أهوة كذا» على يافطة المحل أو على قائمة الطعام. وبعد أن كانت الإنجليزية مسيطرة على مقاهي وكافيهات عمان الغربية باعتبارها اللغة «العصرية»، نشهد عودة إلى عربية محكية ممدننة أو مُلَبننة لكنها مكتوبة، لتمييزها عن الفصحى التي ينظر لها من قبل البعض باعتبارها لغة «تقليدية-تراثية» يستخدمها التجار المحليون الصغار في المناطق الشعبية.
في المقابل، نستطيع أن نرصد أن عددًا أكبر من الشرق أردنيات في عمان، تحديدًا الشابات، أخذن يتحدثن بـ«الجال» في الفضاء العام وفي المنزل من عقدين تقريبًا، ويشير مسعد في كتابه الصادر عام 2001 باللغة الإنجليزية أنه في ذلك الحين كانت بعض النسويات الوطنيات الشرق أردنيات قد أصبحن يتحدثن بالجال «ليؤكدن المساواة في هذه السمة الوطنية الأردنية الجديدة».[40] إضافة إلى ذلك كان لانتشار التعليم وتزايد عدد القوى النسائية العاملة، الأثر في تزايد حضور الشرق أردنيات من خارج عمان اللواتي يتبنين «الجال» في الكلام في عمان، ممّا ترك شعور ايجابيًا وتشجيعيًا لدى الشرق أردنيات العمّانيات بإمكانية تبني «الجال» في الفضاء العام في عمان، بغض النظر عن الدافع من وراء ذلك. وقد يشكل التزايد في تبني «الجال» من قبل الشابات الشرق أردنيات العمّانيات اختراقًا نسائيًا للهجة الرجال في عمان.
ختامًا، كما لاحظنا أن القاف المحكية في عمّان، ليست قافًا أبدية، بل هي قاف تاريخية أي أنها تتبدل وتتغير وفقًا لعلاقات القوة والهيمنة داخل بنى اجتماعية وسياسية واقتصادية متغيرة. ما هو مهم أن ندرك أن اللهجات لا تحمل سمات وطنية جوهرية بأي شكل من الأشكال. وإذا نحينا جانبًا التخيلات الوطنية سنرى واقع المحكيات في الأردن أكثر اتساعًا بكثير مما رسمته الدولة الوطنية وسنتفاعل معه بتشنج أقل.
-
الهوامش
[1] بيير بورديو، الرمز والسلطة، ترجمة عبد السلام العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 2007، ص 50-51.
[2] Yasir Suleiman, A War of Words: Language and Conflict in the Middle East, Cambridge University Press, 2004 p.g 102
[3] تتعدد الروايات حول أصل قلب القاف همزة، يرجعها هادي العلوي إلى أصل أندلسي، فهو يعتقد أن بعض الأندلسيين كانوا يلفظون القاف همزة، ومع افتراض هذا الإبدال في عامية الأندلس، يقول العلوي إنه لا بد أن يكون من لهجة عربية قديمة، لأن لهجة الأندلس تتألف من نفس لهجات القبائل العربية التي استوطنت إسبانيا. للمزيد راجع\ي: هادي العلوي، المعجم العربي الجديد، دار المدى للثقافة والنشر، بيروت، 2014، ص 38-39.
[4] عن تاريخ الإذاعة، راجع\ي عامر أبو جبلة «مسيرة إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية ودورها الثقافي (1956-1996)»، دراسات في تاريخ الأردن الاجتماعي، مؤلف جماعي، دار سندباد للنشر، عمّان، 2003.
[5] جوزيف مسعد، آثار استعمارية: تشكل الهوية الوطنية في الأردن، ترجمة شكري مجاهد، مدارات للأبحاث والنشر، القاهرة، 2019، ص101.
[6] ألغي القانون عام 1976
[7] يشير جوزيف مسعد إلى أن البدو الرحل عام 1922 كانوا يشكلون 46% من سكان شرق الأردن، إذ بلغ عددهم في ذلك الوقت قرابة 102 ألف من أصل 225 ألف وفقًا لتقديرات «نيابة العشائر». وهذا العدد لا يشمل المنطقة الممتدة من معان حتى العقبة والتي ضمت إلى شرق الأردن عام 1925 والتي تضم واحدة من أكبر القبائل البدوية، قبيلة الحويطات.
[8] جوزيف مسعد، ص 112.
[9] جوزيف مسعد، ص 107.
[10] جوزيف مسعد، ص 261.
[11] جوزيف مسعد، ص 133.
[12] محمد الجريبيع، الإذاعة الأردنية في الخمسينيات والستينيات: المجال السياسي وبلورة الشخصية الوطنية الأردنية، دراسات في تاريخ الأردن الاجتماعي، مؤلف جماعي، دار سندباد للنشر، عمّان، 2003، ص 775.
[13] جوزيف مسعد، ص 141.
[14] كان من أكثر الشعراء الذين كتبوا أغاني لسميرة توفيق، للاطلاع أكثر راجع رائدة أحمد، «سميرة توفيق ودورها في نشر الأغنية الأردنية»، المجلة الأردنية للفنون، مجلد 10، عدد 3، 2017، ص 271- ص 296.
[15] للاطلاع على الفروقات بين اللهجات البدوية واللهجات الحضرية راجع\ي إبراهيم أنيس، في اللهجات العربية، مكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة، الطبعة الثامنة، 1992، ص 90-138.
[16] للمزيد، راجع\ي مصطفى الخشمان، نسائم الديار، بحوث في اللغة والتراث، وزارة الثقافة، عمّان، 2011.
[17] مصطفى الخشمان، المفردات الشعبية التراثية في محافظة معان، وزارة الثقافة، عمّان، 2014، ص 8-9.
[18] جوزيف مسعد، ياسر سليمان، إنعام الور.
[19] Yasir Suleiman, p.g 96-136
[20] Yasir Suleiman, p.g 108.
[21] Yasir Suleiman, p.g 108.
[22] Yasir Suleiman, p.g 114-115.
[23] جوزيف مسعد، ص 448.
[24] Yasir Suleiman,p.g 116-118.
[25] جوزيف مسعد، ص 447.
[26] The Lifecycle of Qaf in Jordan, Enam Al-Wer et Bruno Herin, 2011, p.g 70-71.
[27] سهير سلطي التل، مقدمات حول قضية المرأة والحركة النسائية في الأردن، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1985، ص 54.
[28] سهير سلطي التل، ص 54.
[29] سهير سلطي التل، ص 63.
[30] سهير سلطي التل، ص 64-65
[31] سهير سلطي التل، ص 79.
[32] سهير سلطي التل، ص 55-56.
[33] سهير سلطي التل، ص 57-58.
[34] سهير سلطي التل ص 71-74.
[35] سهير سلطي التل ص 60-61.
[36] بيير بورديو، أسئلة علم الاجتماع، ترجمة عبد الجليل الكور، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 1997، ص 103.
[37] جوزيف مسعد، ص 449.
[38] يشرح بورديو في «الرمز والسلطة» كيف أن السلطة الرمزية بطبيعتها سلطة لا مرئية ولا تُمارس إلا بتواطؤ أولئك الذين يأبون الاعتراف بأنهم يخضعون لها، بل ويمارسونها.
[39] وهكذا يراها بعض المثقفين أيضًا، انظر\ي هاني العمد، الأغاني الشعبية في الأردن، وزارة الثقافة، عمان، 2001، ص 79.
[40] جوزيف مسعد، ص 448.